السبت، 28 يوليو 2012

تحليل نص السيرة الذاتية لعميد الموظفين ( بتاح شبسس )



بسم الله الرحمن الرحيم 

 تحليل نص السيرة الذاتية لعميد الموظفين ( بتاح شبسس ) ............................................................
.................يعتبر  ( بتاح شبسس ) واحد من أهم الموظفين الذين عاشوا بدءا من النصف الثاني  لعصر الأسرة الرابعة و حتى عصر الملك ( ني أوسر رع ) سادس ملوك الأسرة  الخامسة ، حيث قضى حياته الطويلة خلال عهد ثمانية ملوك على أقل تقدير و شغل  العديد من الوظائف الدينية و الإدارية مما جعل المرحوم سليم حسن يطلق عليه  لقب ( عميد الموظفين ) كما يعتقد العديد من علماء المصريات أن الزمن الذي  قضاه ( بتاح شبسس ) في خدمة أولئك الملوك يبلغ حوالي ثمانين عام و يهدف هذا  المقال إلى تحليل نص سيرته الذاتية و التمييز بين ما هو جدير بالتصديق  كوقائع تاريخية لا يرقى إليها الشك و بين ما هو دعائي لا صلة له بكتابة  التاريخ المصري القديم .
 ترك لنا بتاح شبسس نصا في غاية الأهمية في  مقبرته في أبوصير يكشف فيه عن سيرته الذاتية بداية من مولده في عصر الملك (  من كاوو رع ) الملك قبل الأخير في الأسرة الرابعة و حتى وفاته في عصر  الملك ( ني أوسر رع ) سادس ملوك الأسرة الخامسة و ورد فيه ما يلي :
1 – " ولد في عهد الملك منكاوورع الذي رباه مع أطفال الملك في جناح الحريم الملكي و كان مقربا لدى الملك أكثر من أى ولد آخر "
يرى علماء المصريات في هذه الفقرة أن الملك منكاورع باشر سياسة جديدة في  عصره بأن قام بتبنى عدد كبير من أبناء كبار رجال الدولة حتى يتم تربيتهم  على نمط و ثقافة و سياسة البلاط الملكي فيصبحوا مؤهلين لتولي مناصب إدارية و  دينية هامة في البلاد و ذلك بسبب إتساع النشاط الإداري و الديني للدولة  المصرية في نهايات عصر الأسرة الرابعة و ظهور الحاجة لموظفين جدد من أهل  الثقة يخضع ولائهم التام للقصر الملكي و هو طرح مقبول و لكن لا يمكن الجزم  بأن ذلك أمرا جديدا في سياسة الملوك نظرا للنقص الواضح و الغياب الشبه تام  لوثائق و نصوص السيرة الذاتية الكاملة قبل عصر الملك منكاورع و التى لم تكن  تشير إلى بيانات واضحة حول أصول و منشأ أصحاب المقابر مما يجعل المقارنة  بين ما حدث في عصر منكاورع و ما سبقه من عصور أمرا في غاية الصعوبة أما عن  عبارة أن بتاح شبسس كان مفضلا لدى أطفال الملك أكثر من أى طفل آخر فذلك  يدخل في إطار الدعاية الشخصية .
2 – " في عهد الملك ( شبسس كاف ) لقى  حظوة عند جلالته و قام بتزويجه من كبرى بناته ( خع ماعت ) لأن جلالته أراد  أن يكون بصحبته أكثر من أى رجل آخر "
و نلاحظ هنا أنها المرة الأولى  فيما نعلم حتى الآن التى يسمح فيها لواحد من كبار رجال الدولة بتسجيل نص  زواجه من كبرى بنات الملك على جدران مقبرته و لكن التساؤل الذي يطرح نفسه :  ألم يكن زواج ( بتاح شبسس ) من كبرى بنات الملك ( شبسس كاف ) و هي الأميرة  ( خع ماعت ) كافيا لأن يطمح هو نفسه للوصول إلى العرش ؟ و هل الأميرة ( خع  ماعت ) كانت حاملة للدم الملكي النقي لكي تنقل لزوجها شرعية الحكم ؟
حقيقة الأمر أن النصوص تصمت عن ذكر الوضع الحقيقي للأميرة ( خع ماعت ) ،  فنحن لا نعلم علم اليقين إن كانت بالفعل حاملة للدم الملكي النقي و الشرعية  الكاملة لكي تقوم بنقلها لزوجها أم لا ؟ فضلا عن عدم رغبة بتاح شبسس نفسه  لمناهضة البيت المالك و إقحام نفسه في تلك القضية و هو ما يؤيده نص السيرة  الذاتية فيما بعد و الذي يكشف عن علو شأنه و تزايد مكانته و أهميته بشكل  تدريجي خلال عصر الأسرة الخامسة الأمر الذي يكشف أنه لم يفكر و لم يسعى على  الإطلاق في تولي زمام الأمور كملك حاكم و هو ما يجعلنا نرجح أن زواجه من  الأميرة خع ماعت لم يكن يهدف لذلك أبدا و لم يعدو سوى محاولة للتقرب من  البيت المالك في تلك الفترة .
3 – " المقرب من أوسركاف كبير كهنة منف  المبجل لدى الملك أكثر من أى خادم ، كان ينزل في كل سفينة تابعة للبلاط و  دخل الأجنحة الجنوبية للقصر أثناء أعياد التتويج "
يلاحظ من خلال هذه  الفقرة أن بتاح شبسس أصبح كبير كهنة المعبود بتاح في منف و بالتحديد في عصر  الملك أوسركاف مؤسس الأسرة الخامسة و طبقا لما ورد في النص فقد كان مشرفا  على شعائر تتويج الملك الحاكم منذ تلك الفترة في الأجنحة الجنوبية للقصر . و  يبدوا من الواضح أن دخول هذه الأجنحة لم يكن مسموحا به لأى موظف في الدولة  إلا المقربين من الملك . كما يبدو كذلك مرافقته للملك في كل سفينة ملكية  لإقامة شعائر خاصة للملك في كل مكان يتوجه إليه .
4 – هل إنتقل العرش  من نهايات الأسرة الرابعة إلى بدايات الأسرة الخامسة بشكل سلمي ؟ ..... لا  يمكن معرفة و إستنتاج ذلك من خلال نصوص السيرة الذاتية لكبار رجال الدولة ،  فالملكية درجت على تغطية ذاتها بإطار من القداسة و السرية التامة ، فإن  وقع صراع ما حول العرش فيصعب تدوينه على جدران مقابر الأفراد و لذا نحن هنا  لا نعتمد على النص و إنما نعتمد على الآثار و التى كشفت عن إنتقال سلمي  للعرش من الأسرة الرابعة للأسرة الخامسة و أن ملوك الأسرة الخامسة ينحدرون  من البيت المالك للأسرة الرابعة – انظر مقال للباحث بعنوان الفترة  الإنتقالية ما بين نهايات الأسرة الرابعة و بدايات الأسرة الخامسة – فضلا  عن عدم صحة معظم البيانات التى وردت في بردية وستكار التى تأثر بها  المؤرخون في البداية و ظنوا من خلال ما ورد فيها أن الأسرة الخامسة لم تكن  تنحدر من البيت المالك للأسرة الرابعة – أنظر مقال للباحث بعنوان شكوك حول  بردية وستكار .
5 – تجاهل بتاح شبسس في نص السيرة الذاتية ملكا ورد  ذكره في بردية تورين بإسم ( جدف بتاح ) و كان قد تم تسجيله بإعتباره آخر  ملوك الأسرة الرابعة ، إلا أن ذلك لم يكن موقف بتاح شبسس وحده بل كان هو  نفس الموقف لجميع الموظفين الذين عاشوا في ذات العصر فتجاهلوا ذلك الملك و  الذي لا نعرف عنه أى شيء مما يعنى أن نص السيرة الذاتية لبتاح شبسس لم يبرأ  من الأيدولوجيا التى قامت بإنتقاء ملك دون الآخر وفقا لمعايير معينة و هو  ما يجعلنا لا نسلم دائما و بشكل مطلق بصحة و تصديق كل ما ورد في نصوص  السيرة الذاتية لكبار رجال الدولة إلا بعد التأكد من خلوها من السمات  الأيدولوجية و من خلال مقارنتها بما جاء على الآثار الغير مغرضة
6 –  يبدو من المرجح أن بتاح شبسس و نظرا لأنه كان هو كبير كهنة منف أنه قد شارك  و أشرف على تتويج أوسركاف بنفسه مما يعني أنه كان حريصا على الإنتقال  السلمي للعرش لأول ملوك الأسرة الخامسة دون أن ينافسه في ذلك الأمر . و قد  تبين لنا أن شبسسكاف – آخر ملوك الأسرة الرابعة - كان أخا لأوسر كاف - أول  ملوك الأسرة الخامسة ، انظر مقال الفترة الإنتقالية ما بين نهايات الأسرة  الرابعة و بدايات الأسرة الخامسة – و هو الأمر الذي يعكس عدم وجود علاقة  بين مفهوم إنتهاء الأسرة و بين صعود أسرة أخرى على العرش .
7 – " التابع لساحورع المبجل لدى الملك أكثر من أى خادم و الصديق الأوحد لجلالته "
إن لقب المبجل من خلال هذه الفقرة يعكس أمورا هامة و هي :
أ – أن صاحبه له الحق في عمل مقبرة لنفسه من خلال منحه الإذن الملكي بعمل ذلك
ب – أن تقام له شعائر و طقوس تقديس داخل مقبرته أو في مقصورته الجنائزية من جانب كهنة مكلفين بذلك العمل
ج – أن إبنه له الحق في أن يرث وظيفته و ألقابه بعد مماته
و من جانب آخر ، يعكس لقب الصديق الأوحد ما يعادل وظيفة المستشار الخاص الذي يشاوره الملك في كل عمل يريد إنجازه .
8 – " التابع للملك نفر إير كا رع  و عندما كان جلالته يثني عليه لأمر ما يسمح له بتقبيل قدمه و لم يرض جلالته أن يقبل الأرض "
تعكس هذه الفقرة الأخيرة ما إعتاد و درج عليه كبار رجال الدولة من تقاليد  دينية هامة تتمثل في تقبيل الأرض التي يسير عليها الملك كنوع من إظهار  التقديس و الولاء التام لشخص الملك الحاكم إلا أن ذلك لا يعني بالطبع أنهم  كانوا يقيمون ذلك العمل طوال الوقت و في جميع المناسبات . و لكي يظهر بتاح  شبسس مكانته الكبرى التى بلغها ، زعم أن الملك لم يرضى له بما كان يفعله  الآخرون و سمح له بمفرده بتقبيل قدمه و ذلك كنوع من التقدير و الإعزاز الذي  منحه الملك لموظفه و تابعه الأثير مقارنة ببقية الموظفين . يظل ذلك أمرا  غير مستبعد و لكن لا سبيل لنا للتأكد من ذلك نظرا لكتابة هذه الفقرة في  إطار الدعاية الشخصية .
9 – " التابع للملك نفر إف رع – و كان ينزل في السفينة المقدسة في كل أعياد التتويج و المحبوب من سيده "
يستمر بتاح شبسس هنا في مهمته العظمى التى تنحصر في تتويجه لملوك الأسرة  الخامسة ، كما يؤكد النص على وجود أكثر من عيد للتتويج الأمر الذي يرجح  إقامة عيد التتويج الملكي مرة كل عام . و من جانب آخر يتجاهل بتاح شبسس مرة  أخرى ملكا آخر ورد ذكره في القوائم الملكية بإسم ( شبسسكارع ) و كان قد  تولى زمام الأمور قبل ( نفرإف رع ) فضلا عن كشف بقايا هرم صغير له في أبو  صير مما يؤكد أنه حكم البلاد و أعطت له بردية تورين 7 سنوات من الحكم !  فإذا صح كل ما سبق ، كيف تجاهله بتاح شبسس في نص السيرة الذاتية و هو الذي  تولى عملية تتويج ملوك الأسرة الخامسة ؟
من المرجح وقوع تنافس و صراع  بين أعضاء البيت المالك للأسرة الخامسة إنتهى بغلبة طرف على آخر ، فكان من  نتيجة ذلك تجاهل الطرف المهزوم و إسقاطه من نص السيرة الذاتية لبتاح شبسس و  هو ما يشير إلى حقيقة هامة : أن نصوص السير الذاتية لكبار رجال الدولة في  عصر الدولة القديمة يغلب عليها الطابع المثالي و تقل فيها الصبغة الواقعية ،  فلا وجود لأزمات و لا وجود لإشكاليات إلا في حالات قليلة و نادرة ، فكل  شيء كان يتم في إطار مثالي طوباوي .
10 – " المقرب من قلب سيده (نى أوسر رع ) ، المبجل لدى بتاح ، لقد فعل كل ما يرضيه و أرضى كل صانع من صناع الملك "
و هنا نصل لآخر ملك عاصره بتاح شبسس و هو نى أوسر رع و أهم ما ورد في تلك  الفقرة هو ذكر إسم الملك قبل المعبود بتاح مما يؤكد علو و تفوق الملكية في  عصر الدولة القديمة و هي الفقرة الوحيدة في النص التي يرد فيها ذكر المعبود  بتاح . كما نجد إرتباط رضاء المعبود بتاح عنه برضاء صناع و عمال الملك عن  ما فعله تجاههم و بصرف النظر عن مدى مصداقية ذلك الكلام إلا أننا نستنتج من  ذلك وجود ربط واضح بين السلوك الحميد و الأخلاق الطيبة للإنسان و بين رضاء  المعبود بتاح عن ذلك السلوك و هو ما نشهده لأول مرة في نصوص السير الذاتية  في ذلك العصر .
11 - يتبين لنا مما تقدم أن هذا النص أعطى لنا قائمة  ملكية تتكون من عدد من الملوك بداية من ( منكاورع ) و حتى ( ني أوسر رع ) و  أن هذه القائمة تجاهلت عن عمد إسمي ملكين تماما مثلما حدث فيما بعد في  القوائم الملكية اللاحقة التى كانت تتجاهل بعض الملوك و هو ما يضع نص  السيرة الذاتية لبتاح شبسس في إطار القوائم الملكية . و من جانب آخر نجد أن  ذكر أسماء سبع ملوك في نص السيرة الذاتية ( و هو في واقع الأمر عاصر تسع و  ليس سبع ملوك ) يعكس أمرين هامين و هما :
أ – أن بتاح شبسس عاش لفترة طويلة من الزمن قد تبلغ ثمانين عاما أو ما يزيد قليلا .
ب – أن مدة حكم كل ملك من الملوك الذين عاصرهم لم تكن طويلة الأمد ، و هو أمر هام لمن أراد أن يؤرخ لفترة حكمهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق