الجمعة، 31 مايو 2013

تمثال الملك منتوحتب نب حبت رع


تمثال الملك منتوحتب نب حبت رع


 أو منتوحتب الثاني و هو منحوت من الحجر الرملي الملون ، إرتفاعه حوالي 183 سم و يوجد حاليا بالمتحف المصري ، و قد عثر على هذا التمثال ( هوارد كارتر ) في مجموعة الملك منتوحتب نب حبت رع بالدير البحري في غرب طيبة ( الأقصر ) . لا يمكن الحديث عن الظيفة الدينية الرمزية لأي تمثال دون الإشارة إلى السياق المكاني و الزماني و الظروف و الملابسات التي أحاطت به . و من هنا نشير إلى أن التمثال قد تم العثور عليه ملفوف بلفائف التحنيط مما يعني أنه عومل معاملة المومياء بل و وجدت على اللفائف هذه العبارة المكتوبة : " إننا ذاهبون لدفن الملك ... إننا نقتله على هيئة تمثال " . هناك مجموعة من الحقائق الهامة تتعلق بوصف و وظيفة هذا التمثال و هي : 1 - التمثال يمثل الملك جالسا على عرش مكعب بدون مسند بحجم فوق الحجم الطبيعي قليلا . و يرتدي رداء الحب سد الذي يصل إلى ركبته و قد لونه الفنان باللون الأبيض و يضع الملك يديه على صدره في وضع أوزيري كما يضع اللحية المعقوفة . و هنا نشير إلى أن وضع اللحية المعقوفة له تفسيران : أ - ظهر الملك بهيئة أوزيرية و لف بلفائف التحنيط مما يعني أنه قد عومل في العالم الآخر كإله كامل الأمر الذي جعل وضع هذه اللحية ضروري . ب - يرى بعض الباحثين الألمان مثل كورت زيته و شتالدمان أن الملك إعتلى العرش بعد فترة إضطراب و إنهيار لمفهوم السلطة الملكية و قدسيتها و لذلك أراد الملك أن يدعم أسس الملكية و أن يقدس نفسه أكثر مما يجب حتى يبدو في أعين الرعية كإله و الدليل على ذلك أنه ظهر في كل تماثيله و نقوشه واضعا اللحية المعقوفة و الغرض الأساسي من ذلك : رفعة شأن الملكية الإلهية و قدسيتها . 2 - لماذا وضع الملك على رأسه التاج الأحمر ، تاج الوجه البحري ؟ أ - الرأي الأول : بما أن الملك ذي منشأ جنوبي ، فهو إذن ليس في حاجة إلى تأكيد وجود التاج الأبيض . ب - الرأي الثاني : أنه أراد أن يشير إلى إنتصاره على الشمال بوضعه التاج الشمالي على رأسه . ج - الرأي الثالث : التاج الأحمر هنا له بعد أسطوري هام و هو : المنطقة التي إغتيل فيها المعبود أوزير بل و فيها تم بعثه مرة أخرى ( وفقا لما ورد في متون الأهرام ) و فيها أيضا تمت ولادة المعبود حورس إبن أوزير ألا و هي أحراش الدلتا ، فقد كانت هذه المنطقة هي مراد و أمل العديد من المصريين و فيها تأكيد لعودة الحياة و البعث للملك ( قارن بين ذلك المعنى و مناظر مقابر كبار الأفراد في الدولة القديمة و التي صورتهم و هم يقتحمون أحراش الدلتا بمراكبهم في رحلتهم الأخروية ) د - الرأي الرابع : و هو الأهم على الإطلاق و يتمثل في الحقائق التالية : 1 - ذكرت متون الأهرام أن أرباب بوتو آزرت أوزير و أيدته حيث قالت : " إن الأرباب الذين في بوتو يملؤهم الأسى و إنهم ياتون إليك يا أوزير ( الملك ) على صوت بكاء إيسه ( إيزيس ) و نبت حوت ( نفتيس ) " ثم تشير هذه المتون أيضا إلى : " إنهم يقولون لك يا أوزير الملك لقد غدوت و جئت ، لقد غفوت و صحوت ، لقد مت و حييت .. قف و أنظر ما فعله إبنك من أجلك ، إنهض و إسمع ما فعل حور من أجلك .. لقد ذبح لك كثور من ذبحك ( و هي واحدة من المشاهد التي صورت في مقابر الأفراد - مشهد ذبح العجل أو الفخذ - في إطار شعائر فتح الفم للمتوفى ) و نحر لك كالفحل ذلك الذي نحرك و لقد قيد لك من قيدك " 2 - أشارت متون الأهرام إلى مواقف من أسطورة أوزير تتمثل في عمل إيزيس و نفتيس حيث تقومان بتجديد المناحة و العويل و البكاء على أخيهما أوزير الأمر الذي يشير إلى إستثارة الحلفاء من أجل الثأر له ثم خروج الأحلاف و هم يتمايلون من الإنفعال و يدقون على صدورهم و يشدون شعورهم و إذا كان هذا المشهد يعبر بالفعل عن أحد مواقف أسطورة أوزير ، فيمكن رؤية تأثيره على الشعائر الجنزية للمتوفى و التي صورت صراحة في مقابر الأفراد في عصر الدولة الحديثة أما عن موقف إيزيس و نفتيس تمثل في الحدأتين الممثلتين و هما تصاحبان المتوفى في أغلب الجنازة . 3 – يصحو أوزير الملك من الموت على خروج إبنه حور و حاشيته لنجدته و الثأر له من أعدائه الممثلين في الأضاحي ( الثيران ) التي تجري في المواكب الجنزية ( و هي أيضا من شعائر فتح الفم ) و لأمر ما كشفت متون الأهرام عن أن أصول هذا المشهد ترجع لمدينة بوتو التي تروي متون الأهرام أنها تحالفت مع حور و أيدته حتى خرج لينقذ أبيه حيث قالت إحدى فقراتها : " إن بوتو تحف بحور و لقد تم تطهيره هناك ، إنه يأتي طاهرا لكي يحمي أباه " 4 – كان راقصي الموو في الحضارة المصرية القديمة الذين صوروا في مقابر الأفراد في الدولة القديمة و الحديثة هم الذين يلعبون الدور الأسطوري لنجدة أوزير وفقا للدور المنسوب إليهم في متون الأهرام و أن خروجهم لم يكن إلا لأوزير ملك الشمال في الأصل . 5 – كانت تلك الشعائر السابقة تتم للملوك و هم يتجسدون في هيئة المعبود أوزير بتاج الشمال وفقا لمعطيات متون الأهرام و من هنا يتبين لنا الحقيقة التالية : أن أن دفنة تمثال الملك منتوحتب الثاني ما هي إلا نموذج لمثل هذا الطقس و أنها ترتبط بدفن الملك على طراز بوتو و لذلك فإن نسبة التمثال إلى شعائر الدفن الأوزيرية الشمالية هي أقرب من نسبته لطقوس الحب سد . و – الرأي الخامس و الأخير فيما يتعلق بالتاج الأحمر هو : ورد في متون الأهرام كذلك أن إله الشمس رع يشرق على عرشه في الأفق متوجا بالتاج الأحمر و من هنا فربما يكون الطرح كالتالي : أن الملك هو أوزير الإله الذي إغتيل ثم أقيمت له شعائر التحنيط و لف بلفائف الكتان ( أنظر العبارة التي كتبت على لفائف التمثال في بداية المقال ) و الذي سيشرق كإله الشمس رع بالتاج الأحمر لكي يؤكد على إعادة بعثه و إعادة إحيائه من جديد كملك متوج . 3 – لماذا تم تلوين التمثال باللون الأسود ؟ أ – الرأي الأول : اللون الأسود هنا يتناسب مع عالم الظلمات الأخروي و هو عالم أوزير بإعتبار أن الملك أصبح أوزير بعد وفاته . ب – الرأي الثاني : اللون الأسود هو لون الأرض المصرية كمت ( الطين – الطمي ) و من هذه الأرض الخصبة ينمو الزرع . 4 – أما عن المستوى الفني للتمثال : فهو ضعيف و لا يلقى الإعجاب كثيرا و لكن من جانب آخر لا ينبغي أن نتسرع و نحكم على التمثال بمعايير مدرسة الفن في منف في عصر الدولة القديمة ، فجميع سمات التمثال هنا تعبر عن مدرسة فنية جنوبية طيبية ظهرت لأول مرة منذ عصر الإنتقال الأول و تعمدت أن تبتعد إلى حد كبير عن معايير مدرسة الفن في منف و التي تمثلت في الخصائص التالية : من حيث النسب فلا وجود قوي لها – ضخامة الساقين التي كانت مقصودة لذاتها لأمر ما ؟ حيث يرى فيلدونج و زيدل أن الضخامة هنا تسمح بحرية و قوة الحركة في العالم الآخر ؟ على أساس أن الساقين يقف عليهما الإنسان عند تحركه – يتسم التمثال بالخشونة إلى حد ما – ملامح اوجه تعبر عن العظمة و الصرامة – العينان أرادت أن تحاكي فكرة التطعيم – رداء الحب سد هنا لا ينسجم ( و قد تعمد الفنان هنا ذلك التصوير الخاص بالرداء لسبب معين ) مع أردية أوزير الطويلة التقليدية –رأى البعض أن ضخامة الساقين تدل على إصابة الملك بداء الفيل ؟ و هو رأي ضعيف جدا لأنه لم تكن العادة إظهار العيوب البدنية للملوك في تماثيل يأملون أن يبعثوا في هيئتها مرة أخرى – التمثال هنا يمثل الإرهاصات الأولى لمفهوم الضخامة في بعض عناصره ( الساقين و الكتف و قبضة اليد ) و هو الأمر الذي سيتضح في مرحلة لاحقة في التماثيل الملكية الضخمة التي ستظهر منذ بداية الأسرة الثانية عشرة و ستبلغ الذروة في عصر الدولة الحديثة – التمثال هنا باكورة طيبة و فاتحة عهد جديد لمدرسة الفن في طيبة في ذلك العصر و التي حاولت أن تعبر عن سمات مدرستها المحلية وفقا لمعاييرها الثقافية الخاصة . ينبغي لنا هنا أن نشير إلى أن التمثال هو دفنة في مقبرة باب الحصان الشهيرة للملك منتوحتب الثاني ، حيث كانت تلك المقبرة عبارة عن ممر يؤدي إلى بئر يقع في أسفله ذلك التمثال في حجرة دفن و قد تم إكتشافه على تل رملي . في واقع الأمر أن التمثال و الممر و البئر و حجرة الدفن و التل الرملي فضلا عن المعبد الخاص بالملك و الذي يتكون من نظام المسطحات المدرجة يقع في إطار ما يعرف ( بمقبرة الإله اوزير ) و هو ما إطلع عليه الدارس من البحث العلمي للزميلة القديرة للأستاذة عبير مجلي التي تناولت تفصيليا العناصر المعمارية و الفنية لمقبرة الإله أوزير و و لا مجال هنا للحديث عن تلك السمات و العناصر لأنها لا تدخل في صلب موضوع التمثال . و لكن من جانب آخر يمكن القول أن رداء الملك ذي اللون الأبيض الذي يصل للركبة فقط يعكس ما يعرف بوضع ( نصف متأوزر ) فالملك هنا لم يبلغ مرحلة ( التأوزر الكامل ) فإذا كان الرداء الأوزيري كاملا و طويلا يلف صاحبه كالمومياء ، فذلك هو الوضع الأوزيري الكامل للملك ( حالة التأوزر الكاملة ) و هي التي تمت فعليا في مقبرة الملك الحقيقية أسفل جبل الدير البحري في حجرة دفنه التي تبدو كمغارة في قاع الجبل ( و هي من ضمن سمات القبر الأوزيري ) أما هذا التمثال فهو كان موضوع في مقبرة باب الحصان الرمزية التي تعبر عن حالة نصف أوزيرية ( نصف متأوزر ) و بالتاج الأحمر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق