الجمعة، 31 مايو 2013

منظر لشمس المشرق و شمس المغرب على طبق من عصر نقادة الأولى


منظر لشمس المشرق و شمس المغرب على طبق من عصر نقادة الأولى


في المتحف المصري بالدور الثاني و أمام صالة المومياوات الحيوانية عند فاترينة آثار ما قبل الأسرات ....... يشغل هذا المنظر السطح الداخلي لطبق يرجع لعصر نقادة الأولى ( أولى مراحل عصور ما قبل الأسرات ) و التي تمتد زمنيا من 3900 ق.م و حتى 3600 ق.م و نرى فيه قرصين دائريين بينهما تلان و يوجد أعلى و أسفل ذلك مجموعة من خطوط زجزاجية ترمز إلى الماء . رأى عالم المصريات الألماني و المتخصص كذلك في عصور ما قبل الأسرات في مصر ( فيستندورف ) أن خطوط الماء هنا ترمز إلى نهري النهار و المساء و أن التلين يشيران إلى الأفقين الشرقي و الغربي بينما يرمز القرصان إلى شمسي المشرق و المغيب . يعتبر هذا المنظر دليلا مبكرا على وجود عقيدة شمسية في عصور ما قبل الأسرات في مصر و ربما يؤكد ذلك أيضا توجيه الوجوه في أغلب الدفنات الآدمية منذ أواخر العصر الباليولتي ( منذ خواتيم العصر الحجري القديم الأعلى في مصر ) نحو الغرب فضلا عن الإستخدام الجنائزي لبيضة النعام التي تشير للشمس الوليدة . ينبغي لنا هنا أن نشير لمجموعة من الحقائق الهامة ترتبط بهذا الطبق و هي : 1 - قام الفنان و عن عمد بتصوير لحظتين زمنيتين مختلفتين في إطار فني مكاني واحد و هما شمس المشرق و شمس المغرب متجاوزا بذلك مفهوم الواقعية في التصوير . 2 - في واقع الأمر أن التلين هنا يشيران لأقدم مفهوم محتمل للتل الأزلي الذي ظهر في بدء الخلق بعد إنحسار المياه الأزلية التي تحدثت عنها عقائد الخلق في الحضارة المصرية القديمة في العصور التاريخية بإسم ( نون ) و التي كانت تغمر الخليقة بأكملها إلى أن إنحسرت عند أطراف العالم ( و هي هنا أطراف الطبق ذاته ) مما قد يشير بدوره إلى معتقدات المصريين في بداية عصور ما قبل الأسرات التي إرتبطت بالديانة الشمسية و بداية تأملهم و تفكرهم في قضية خلق الكون . 3 - أن التلين هنا قد تم إستبدالهما في بداية عصر الأسرات المبكر بعلامة الأفق أو جبلي الأفق ( الآخت ) و صورت الشمس بين هذين الجبلين بدلا من تصوير الشمس مرتين على طرفي الطبق كما ظهر هنا و لذلك يمكن القول بأن فن ما قبل الأسرات في مصر كان يمثل الإرهاصات الأولى لمفهوم الكتابة التصويرية الذي سيتم تطويره بشكل آخر مع بداية العصور التاريخية . 4 - الجدير بالذكر أن بعض وجوه الموتى في حضارة البداري منذ العصر الحجري الحديث و العصر الحجري النحاسي ( قبل بداية عصور ما قبل الأسرات في مصر ) إتجهت ناحية الشرق و مثلما كان أيضا في قرية مرمدة بني سلامة ( التي تؤرخ بالعصر الحجري الحديث من 6000 ق.م و حتى 4500 ق.م ) مما يشير إلى تقديس الشمس و إرتباط مصير المتوفى بها و ربما كان ذلك التوجيه بغرض إستقباله لها مما يعني أن طبق نقادة الأولى هنا ربما يعبر عن أمنية المتوفى للإندماج بشمس الغروب و إستقبال شمس الشروق في دورة كونية شمسية كاملة منذ بداية عصور ما قبل الأسرات في مصر . 5 - ربما يعزز ذلك الطرح السابق أنه قد تم العثور منذ عصر نقادة الأولى ( و هونفس العصر الذي تم فيه تصوير المنظر السابق على ذلك الطبق ) على نماذج لمراكب في المقابر مما يرجح إحتمالية معرفة إله الشمس رع و مركبه و بأن المصريين كانوا يلتمسون منذ تلك الفترة أن ينتقلوا مع معبود الشمس في مركبه حين يتجه للغرب و حين يشرق من الشرق مع الوضع في الإعتبار أن المنظر هنا يخلو من تصوير لأي مركب بجوار شمس المشرق و شمس المغرب . 6 - لم يصور الفنان أي صورة آدمية أو حيوانية بجوار الشمسين مما قد يشير إلى عدم بلورة صورة محددة في تلك الفترة لمعبود الشمس رع و الذي لم يتم تصويره هنا على الإطلاق بل إكتفى الفنان بتمثيل رمزه المادي المرئي في عالم الوجود 7 - وجود ذلك التمثيل الشمسي الديني الفني على طبق مكتشف من قرية نجاده في الجنوب يؤكد وجود أنصار و أتباع للديانة الشمسية في مصر العليا منذ بداية عصور ما قبل الأسرات على أقل تقدير و لا نعلم هنا هل كان المركز الرئيسي للعبادة الشمسية في الشمال في عين شمس أم كان في الجنوب ثم إنتقل للشمال ؟ أم كان في الجنوب و الشمال في ذات الوقت و دون معرفة البداية الأولى لمكان عبادة الشمس ؟ 8 - يعكس ذلك التصوير و بشكل غير مباشر مفهوم حدود الكون لدى المصري القديم منذ فترة مبكرة ترجع لبداية عصور ما قبل الأسرات غلى أقل تقدير حيث تبدأ حدود الكون من موقع شروق الشمس بين جبلي الأفق و تنتهي تلك الحدود عند مغرب الشمس بين جبلي الأفق الغربي فضلا عن أن التلين هنا قد يشيران كذلك لمفهوم التلال المتاخمة لوادي النيل شرقا و غربا و التي تظهر أول ما تظهر للمصري القديم عند إنحسار مياه الفيضان ( مياه نون المصورة أعلى و أسفل الطبق ) مما يعني بلورة المصري القديم لمفهوم حدود الكون التي لم تكن سوى حدود أرض مصر حيث تشرق و تغرب الشمس من أفق جبالها الشرقية و الغربية و تبزغ فيها تلال الوادي عند إنحسار الفيضان أي هي كل أرض تقع ما بين الجبال الشرقية و الغربية و يأتي عليها الفيضان و يترسب عليها طمي النيل و لاشك أن هذا المفهوم لم يكن ليتبلور دون أن تسبقه فترة إستقرار طويلة في أرض وادي النيل بدأت منذ نهايات العصر الحجري القديم الأعلى ( منذ الأف الثالث عشر قبل الميلاد على أقل تقدير ) 9 - تم إختيار تلك الهيئة البيضاوية للطبق عن عمد ، فهي تصوير لشكل العالم المصري وفقا لدورة الشمس من المشرق و حتى المغرب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق