السبت، 4 مايو 2013

مقابر الآلهة الأسلاف في معابد العصور المتأخرة


بسم الله الرحمن الرحيم 

مقابر الآلهة الأسلاف في معابد العصور المتأخرة


لماذا تحدثت المصادر الميثولوجية المصرية في
العصور المتأخرة عن مفهوم الموت الجماعي للأرباب المصرية و دفنهم الأسطوري في نطاق
المعابد ؟ 
... فقد ورد على سبيل المثال أن أرباب
التاسوع الشمسي الهليوبوليتاني قد دفنوا في إدفو ، فضلا عن المثال المعروف عن غياب
أرباب الثامون في ذلك الكهف السحيق و المعروف بتل جيمة في الحرم المقدس لمدينة
معبد هابو حيث كان خلفهم آمون رع يزورهم مقيما لهم شعائرهم بواقع ثلاث مرات شهريا
و ذلك هو ما ورد في أسطورة المعبد في بداية العصر المتأخر . 
التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا الصدد : لماذا
توارى أرباب عين شمس في إدفو وفقا لأسطورة المعبد في العصر البطلمي ، و لم يدفنوا
في مدينتهم الأصلية العتيقة ( إيونو ) ، كذلك الحال بالنسبة لأرباب الثامون الذين
لم يرقدوا أبدا في خمنو ( مدينة الأشمونين ) - 
وفقا لما زعمه كهنة طيبة في العصر المتأخر - حيث كان هناك دورهم و فعاليتهم
الأصلية في خلق العالم و إنما في واست ( مدينة طيبة ) حيث إرتبطوا بها في فترة
لاحقة عندما إعتبرت مأوى و مثوى المعبود الأزلي ( كم آت إف ) و هوالشكل الأزلي
الأول لآمون رع عندما ظهر لأول مرة في مياهه الأزلية العتيقة ؟
هنا يمكن لنا أن نستشف الإجابة من خلال مفهوم
الخلافة أو الإنابة الأسطورية للأرباب المصرية ، فإذا كان التاسوع الشمسي قد قيل
بدفنه في إدفو حيث يتسيد المعبود حور ( حورس ) هناك فذلك من منطلق أنه إذا كان رع
قد خلف الأرباب الشمسية الهليوبوليتانية في قدرتهم الفاعلة في خلق مظاهر الطبيعة و
الكون ، فإن حورس قد خلفهم و أناب عنهم جميعا على عرش مصر ، و بالتالي فقد دفنوا
حيث يتواصل دور خلفهم المنحدر منهم و هو حورس ( ممثلا في الملك نفسه ) في حفظ نظام
الحياة الآمنة المستقرة و ذلك إنطلاقا من مبدأ و معتقد ديني هام يتمثل في أنه
بصلاح حكم الملوك المصريين يستقر كل شيء في الكون و يعم الخير على الجميع . 
و كذلك الأمر فيما يتعلق بالثامون الذين
واراهم الثرى في طيبة موطن و مقر و موقع خلفهم الفاعل المنحدر منهم آمون رع و الذي
يتواصل معهم من أجل تجدد الخلق من خلال إقامته لشعائر أسلافه الأزليين . 
و في واقع الأمر إن المفهوم الميثولوجي لوجود
مقابر الأرباب المصرية في نطاق المعابد المصرية في العصور المتأخرة يرتبط بشكل
وثيق بفكرة ( عبادة أسلاف الآلهة ) و العودة لزمن الماضي التليد الذي يحمل الذكرى
العطرة للآلهة الأسلاف . و هنا ينبغي لنا أن نشير لمجموعة من الحقائق الهامة و
البالغة الأهمية عند الحديث عن مقابر الأرباب في المعابد و هي : 
1 – هيمنة إعتقاد طاغي في العصور المتأخرة أن
أسلاف الآلهة هم آلهة ميتون ( مع الوضع في الإعتبار أن مفهوم الموت هنا لا يعني
إنتهاء الحياة بقدر ما يعني الراحة و الإستقرار في العالم الآخر ) . و لهم شعائر
تبجيل و تقديس و تأبين تقام لهم بشكل دوري زمني محدد . 
2 – إن أسلاف الآلهة المدفونين في مقابر
المعابد في العصور المتأخرة يجسدون مفهوم الزمن الماضي العتيق ، فهم آلهة ذلك
الماضي البعيد و المتكامل و المنتهي و الذي أصبح زمن أسطوري نشأ عنه تكوين الزمن
الحاضر ، فالماضي هو زمن أسلاف الآلهة الذين واراهم الثرى و الحاضر هو الزمن الذي
نشأ فيه تقاليد عبادتهم و إقامة شعائر لهم . 
3 – تتحدث المصادر الميثولوجية في المعابد
المصرية في العصور المتأخرة عن أن الإنسان في الزمن الحاضر قد إنفصل عن هذا الماضي
و لكي يتم التعبير عن هذا الإنفصال بوعي عملي ، إستلزم الأمر إقامة قبور للآلهة الأسلاف
الميتين فضلا عن إبتكار أعياد يتمكن من خلالها الناس في الزمن الحاضر أن يزوروا
مقابر الآلهة الأسلاف لكي يقدسوهم و يحيوا ذكراهم و يسعون لإحيائهم من أجل تجدد
الخلق مرة أخرى . 
و من هنا فإن الشكل الإحتفالي لذكرى إحياء
الآلهة الأسلاف في طيبة تمثل في العيد الأعشوري ، حيث ينتقل آمون مرة كل عشرة أيام
من معبد الأقصر عبر النيل إلى معبد هابو الصغير حيث يوجد قبر الآلهة الأسلاف لكي
يقدم لأسلافه شعائر العبادة اللازمة لإحيائهم في عالمهم الآخر من أجل تجديد خلق
العالم و لكي يجدد شرعية حكمه من جديد بوصفه خلفهم الذي ورث حكمهم حيث لا يزال
يتواصل معهم رغم أنهم ينتمون لزمن ماضي بعيد و منتهي .
إن آمون رب معبد الأقصر هو في واقع الأمر لم
يكن سوى تجسيدا لدور الإبن ( الملك الحاكم ) الذي يزور سلفه الأسطوري القديم ( كم
آت إف ) بمعنى ( الذي أكمل زمنه ) و الذي دفن في قبره عند معبد هابو الصغير حيث تم
إعتباره الصورة الأزلية الأولى لآمون رع الذي تجلى لأول مرة هناك في معبد هابو
الصغير . فآمون الملك الحاكم يذهب إلى هناك لإقامة شعائر عبادة الأسلاف و تجديد
الخلق و التواصل مع الماضي العتيق و إكتساب الشرعية فهذه المقابر هي مكان إلتقاء
الآلهة الأموات مع خلفهم الذين على قيد الحياة فضلا عمن سيأتي من الأجيال القادمة
لكي يتصلون شعائريا مع بعضهم البعض في بوتقة حضارية قوية فيحافظون بذلك على سلامة
العالم و يستمر الخير في مصر و تظل الآلهة الأسلاف ترعى هذا البلد العظيم من
عالمها الآخر و تظل مصر دائما في أعياد و لذلك كان من الضروري جدا هنا نشأة مفهوم
مقابر الآلهة الأسلاف في معابد العصور المتأخرة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق