الجمعة، 31 مايو 2013

منظر لطبق يرجع لعصر نقادة الأولى


منظر لطبق يرجع لعصر نقادة الأولى


 ( المرحلة الأولى لعصور ما قبل الأسرات في مصر - تمتد من 3900 ق.م و حتى 3600 ق.م و يؤرخ هذا الطبق بحوالي 3700 ق.م ) و ظهر فيه تصوير الأسد في منتصف الطبق وسط مجموعة من التلال ذات الهيئة المثلثة . و يمكن إلقاء بعض الضوء على هذا الطبق و ماظهر عليه من رسوم هامة من خلال الملاحظات التالية : 1 - غلب على فخار نقادة الأولى الرسوم التخطيطية البيضاء و هو ما يمكن ملاحظته في رسوم الطبق . 2 - كانت التلال المثلثة الشكل يتم تصويرها عند أطراف الأواني و الأطباق و هي خاصية فنية مميزة لرسوم الفخار في عصر نقادة الأولى . 3 - غلب على تصوير هذا الطبق الشكل النجمي كشكل هندسي حيث برز هذا الشكل من خلال تصوير 7 مثلثات ( تلال ) على أطراف الطبق . 4 - تمكن فنان نقادة الأولى من رسم الأسد في لون أبيض و بملامح بسيطة تمتاز بطابع أقرب للتجريد إلا أنه أراد أن يسلط عليه الضوء بوضعه في بؤرة الطبق . 5 - ظهرت تمائم على هيئة الأسد تم تشكيلها جيدا ، و كشف عنها في نقادة و الجبلين ، و تؤرخ بنهاية عصر نقادة الأولى ( نهاية المرحلة الأولى لعصور ما قبل الأسرات في مصر ) و بداية عصر نقادة الثانية ( بداية المرحلة الثانية لعصور ما قبل الأسرات - و تمتد من 3600 ق.م و حتى 3300 ق.م ) و قد نحتت من مواد مختلفة : الحجر الجيري - السربنتين الأخضر - و العقيق . 6 - لعل حامل هذه التمائم أراد أن يكتسب قوة الأسد و ربما درءا لشره . 7 - إن حيوان الأسد في هذا الطبق قد تم إعتباره منذ عصر نقادة الأولى رمزا من رموز الديانة الشمسية ( قارن ذلك بطبق نقادة الشهير بشمس المشرق و شمس المغرب و المنشور في جميع الجروبات ) . 8 - إن فنان نقادة هنا قام بإستبدال شكل الشمس الذي كان يظهر على فخار نقادة الأولى بعلامة الأسد و لذا فإن الطرح الأكثر إحتمالية هو : أن كل تلين ( مثلثين ) يشكلان مع بعضهما الأفق و أن الأسد هنا الشمس . 9 - إن أطراف الطبق و التي يظهر عليها الأشكال المثلثة ( التلال ) هي تعبير رمزي عن حدود الكون الذي تشرق فيه و تغرب منه الشمس أو بمعنى أدق هي تعبير عن أرض وادي النيل كما أن شكل الأسد هنا يجسد مركز بؤرة هذا الكون . 10 - بما أن تصوير الأسد و إرتباطه بديانة الشمس قد ظهر في نقادة فذلك يدل على وجود أنصار و أتباع للديانة الشمسية في جنوب مصر منذ عصر نقادة الأولى على أقل تقدير و في ظل غياب تصوير الأسد حتى الآن من أي أعمال فنية في الشمال ، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه : أين كان المركز الرئيسي للعبادة الشمسية في تلك الفترة ؟ هل كان في الجنوب خلال عصر نقادة الأولى ؟ ثم إنتقل لعين شمس في شمال شرق الدلتا في مرحلة متأخرة من عصور ما قبل الأسرات ؟

منظر لتميمة على هيئة صقر من الرصاص ترجع للنصف الثاني من عصر نقادة الثانية


منظر لتميمة على هيئة صقر من الرصاص ترجع للنصف الثاني من عصر نقادة الثانية - ( من 3450 ق.م إلى 3400 ق.م )


 في المتحف الأشمولي و إرتفاعها 2,7 سم و الصقر هنا ذي جسم قوي و صدر عريض و رأس كبير و منقار قصير معقوف و أطراف قوية و أرجل قصيرة و هو هنا يظهر الصقر في الهيئة الإصطلاحية أو الوضع العتيق الذي يبدو فيه الصقر كما لو كان محنطا ، و طاويا ساقيه تحته و لذا فهناك تساؤل هام : هل الصقر هنا في عصر نقادة الثانية من الممكن أن يعتلي قمة سرخ ( واجهة القصر ) خلال عصر نقادة الثانية ؟ 
التميمة هنا غير كاملة و لكنها تستمد أهميتها من خلال الحقيقة التالية : 
هي أقدم عمل فني معدني في مصر حيث تم تشكيلها من الرصاص - و ليس من الفضة - و هو متوفر في الصحراء الشرقية مما يشير لسيطرة المصري القديم على تلك المنطقة في عصور ما قبل الأسرات و تمكنه من إستخراج المعادن بل و تشكيل تمائم منها .
و ربما طرقت التميمة و ثبتت على نواة من الحجر و الخشب . إن بوادر و إرهاصات تمثيل الصقر في عصور ما قبل الأسرات نجدها فيما يلي : 
1 - ظهور الصقر على رسوم الفخار و منذ عصر نقادة الأولى ( المرحلة الأولى لعصور ما قبل الأسرات ، و تمتد من 3900 ق.م و حتى 3600 ق.م ) 
2 - ظهر الصقر و هو متوجا على بعض ألوية المراكب المصورة في مناظر الفخار الملون و بعض النقوش الصخرية منذ عصر نقادة الثانية ( المرحلة الثانية لعصور ما قبل الأسرات و تبدأ من 3600 ق.م و حتى 3300 ق.م ) الأمر الذي يؤكد إتخاذه كمعبود بشكل مؤكد منذ تلك الفترة . 
3 - و في عصر نقادة الثالثة و الأسرة صفر ( آخر مراحل عصور ما قبل الأسرات و تبدأ من 3300 ق.م و حتى 3000 ق.م ) ظهر الصقر رابضا أعلى بعض الصلايات بل و ظهر و هو يعتلي السرخ على بطاقات عاجية . 
4 - يعتبر السرخ هنا مدخلا بين عالم الآلهة و الموتى و عالم الأحياء كما أن تمثيل الصقر على السرخ يعبر كذلك عن حور إله السماء و العرش الملكي و يتضمن السرخ إسم الملك الحي و هو تجسيد لحور السماء على الأرض . 
5 - يرى الدكتور أحمد سعيد في أطروحته الخاصة برسالة الدكتوراة باللغة الألمانية أن الصقر كان يعتبر رمزا مقدسا للمصريين القدماء في عصور الترحال خلال العصور الحجرية القديمة و قبل إستقرارهم في وادي النيل خلال العصر الحجري الحديث حيث تم إعتباره شكلا مقدسا يتيمن به البدو و الصيادين في صحرواي مصر الشرقية و الغربية خلال رحلاتهم الخاصة بصيد الحيوانات . 
6 - من جانب آخر لاحظ المصري القديم خلال عصور الترحال ( العصور الحجرية القديمة ) و خلال عصور الإستقرار ( العصر الحجري الحديث و عصور ما قبل الأسرات ) أن الصقر يتميز بالخصوبة و سرعة الطيران إلى إرتفاعات شاهقة تقترب من الشمس المحرقة ( و هو ما سيؤهله للإرتباط الديني الوثيق بالديانة الشمسية خلال عصر الأسرة صفر عندما عبر زعمائها عن أنفسهم من خلال مفردات الديانة الشمسية فضلا عن إنتماء معظمهم للصقر حور السماوي ) و سرعة الإنقضاض على الفريسة و من هنا إقترن بعالم السماء و تم تسميته بالعالي أو المرتفع من خلال المنطوق اللفظي ( حر - hr ) . 
7 - تعد هذه التميمة واحدة من تمائم نذرية و أدوات شعيرة مقدسة للصقر حور . 
8 - عثر على هذه التميمة في المقبرة رقم 721 في نقادة و لاشك أن هذا الإكتشاف يلفت إنتباهنا للحقيقة التالية : وجود تميمة للصقر في منطقة نقادة التي كانت تعتبر المركز الرئيسي لعبادة الإله ( ست ) هو أمر يدل على وجود أنصار لهذا المعبود في نفس مركز عبادة ( ست ) في عصور ما قبل الأسرات في مصر و أنه لم يكن هناك أي صراع بين ( حورس ) و ( ست ) في تلك الفترة على الإطلاق فقد تم تقديسهما مع بعضهما البعض في ذات المكان و أن الأسطورة الخاصة بوجود صراع بينهما لن تظهر إلا في العصور التاريخية أما هنا في مرحلة ما قبل الأسرات لا يوجد أي دليل أثري على وجود ذلك الصراع الأسطوري و ذلك على النقيض مما تصوره بعض علماء المصريات مثل إلكسندر موريه و كورت زيته و شتادلمان و غيرهم حيث قاموا برد الجذور الأولى لهذا الصراع لمرحلة ما قبل الأسرات . 
هناك تساؤل هام : هل شكل هذه التميمة يعكس وجود وجود إحتفالات دينية وهياكل أو معابد صغيرة للصقر حور لاسيما و أن التمثيل الفني هنا تشابه مع ألوية المعبودات التي ظهرت على رسوم فخار عصر نقادة الثانية ؟ و هل كان المركز الرئيسي لعبادة الصقر حور في نقادة حيث كثرت هناك تمائمه و صوره و رموزه على رسوم الفخار أم كان في نخن حيث كان من المفترض وجود المعبد الرئيسي له هناك ؟ هل إنتقل المركز الرئيسي لعبادة الصقر حور من نقادة في عصر نقادة الثانية إلى نخن في عصر نقادة الثالثة و الأسرة صفر ؟

منظر لخاتم من العظم يرجع لبداية عصر نقادة الثانية


منظر لخاتم من العظم يرجع لبداية عصر نقادة الثانية


 ( المرحلة الثانية لعصور ما قبل الأسرات و تبدأ بحوالي 3600 ق.م ) و هو في المتحف الأشمولي و تم إكتشافها في المقبرة رقم 1480 من نقادة . و قد تم تشكيل الخاتم في هيئة أسدين متواجهين يحصران بينهما فراغا مستديرا . ما هو المغزى من هذا التصوير الفني ؟ يمكن إدراك المغزى الديني لشكل الخاتم في إطار إعتبار الأسد من رموز الديانة الشمسية حيث أنه واحد من الحيوانات الصديقة للشمس و على إعتبار أن الأسدين يقومان بحماية قرص الشمس ( و هو هنا الفراغ المستدير ) و لاشك أن ذلك التصوير يكشف عن دور الأسود في حماية الشمس وفقا لمعتقدات ديانة الشمس في عصور ما قبل الأسرات و كذلك من خلال ما ظهر على صلايات عصر نقادة الثالثة ( التي تبدأ من حوالي 3300 ق.م ) و الأسرة صفر ( التي تبدأ من حوالي 3150 ق.م ) حيث تم تصويرها و هي تهاجم حيوانات أعداء الشمس في إطار التعبير عن الدعاية السياسية للملكية الناشئة خلال عصر الأسرة صفر و قد إستمرت فكرة التعبير عن الأسد كحامي للشمس خلال العصور التاريخية ( راجع دور الأسد كحام للأفقين في الفصل رقم 17 من كتاب الموتى في عصر الدولة الحديثة ) . كما وجد في مقبرة الزعيم في نخن في نهاية عصر نقادة الثانية تمثيل لأسدين يحيطان برجل و هما لاشك يعبران عن الأفقين . ربما جاء إرتباط الشمس بالأسد بإعتباره أقوى حيوانات البر و لتصور المصري القديم منذ عصور ما قبل الأسرات أن الشمس تشرق من كهف شرقي يحميه أسد و تغرب في كهف غربي يحميه أسد و هو أمر يعود لمشاهدته للأسود فوق تلال الأفقين الشرقي و الغربي مما أدى في نهاية المطاف لتصوير الآقر ( أسدي الآقر ) في العصر العتيق في هيئة أسدين متدابرين يحصران قرص الشمس

دور التفاعل الحضاري بين زعماء الجنوب و الشمال و أثره في قيام المملكة المصرية

دور التفاعل الحضاري بين زعماء الجنوب و الشمال و أثره في قيام المملكة المصرية - طرح آخر حول توحيد مصر السياسي


في البدايات الأولى لعلم المصريات نشأ إعتقاد
بين الباحثين يتمثل في وجود مملكتين واحدة في الجنوب و أخرى في الشمال و لاسيما في
عصر ما قبيل الأسرات و أن سكان الجنوب و هم كانوا في الأصل يمتهنون حرفة الصيد
قاموا بالإستيلاء على أراضي المزارعين في الشمال بعد إقامة معارك ضارية معهم إنتهت
بعمل توحيد سياسي و ثقافي للبلاد و إعلان المملكة المصرية الموحدة تحت حكم الملوك
الثينيين الذين دفنوا في أبيدوس . و ذهب العالم الألماني فيرنر كايزر بطرح هام و
هو : وجود ثقافة جنوبية أطلق عليها تسمية ثقافة نقادة و إعتبر هذه الثقافة ممتدة
نحو الشمال فيما يعرف بإسم ( التوسع الثقافي النقادي ) و إعتبر ذلك التوحد الثقافي
الذي كان مبادرة حضارية جنوبية هو الأساس الأول الذي مهد لقيام الوحدة السياسية في
مصر خلال ما يسمى بعصر الأسرة صفر . 
يهدف هذا المقال لإعادة النظر في مفاهيم : (
ثقافة نقادة الجنوبية ) و ( التوسع الثقافي النقادي ) و ( الوحدة الثقافية المطلقة
بين الجنوب و الشمال ) و ( الوحدة السياسية المطلقة أو أحادية المركز ) كما نشير
هنا بعد إعادة رصد و تحليل المعطيات الأثرية الخاصة بعصور ما قبل الأسرات و حتى
بداية عصر الدولة القديمة إلى حقيقة هامة و هي : أن تطور تكوين الدولة في مصر لم
يتبع خط موحد و لم يتبع سرد منتظم للأحداث كما كان يعتقد العديد من الباحثين من
قبل و لكنها كانت وحدة سياسية بالغة التعقيد بدأت منذ نهاية عصر نقادة الثانية (
أواخر المرحلة الثانية من عصور ما قبل الأسرات و تؤرخ بحوالي 3300 ق.م ) و تنتهي
عند بداية عصر الدولة القديمة على أقل تقدير . 
و ينبغي هنا أن نشير إلى أن المصادر المصرية
في العصور التاريخية ساعدت و لاشك على تكوين تصور بأن مصر قبل الوحدة السياسية
كانت تنقسم لمملكتين في الجنوب و الشمال فهذا هو ما أشارت إليه أساطير نصوص
الأهرام ثم توحدت المملكتان تحت زعامة ملك واحد أطلقت عليه الوثائق الرسمية
الكهنوتية لأول مرة إسم ( مينا – مني ) في نهاية عصر الإنتقال الثاني . و ما ساعد
على تكوين هذه الصورة هو صلاية نعرمر التي ظهر فيها ملك من الجنوب بالتاج الأبيض و
هو يقمع عدو من الشمال . و مع ذلك فلا يجب إعتبار هذه الصلاية مصدر لوقائع تاريخية
ذات معنى حقيقي أو حتى إعتبارها تحوي إشارة لغزو الشمال و هو ما سبق و أن تناوله
الدارس في مقال منفصل سابق عن صلاية الملك نعرمر و منشور في جميع الجروبات حيث كشف
عن الجانب الأيدولوجي و الشعائري لمناظر الصلاية التي لا تتناول واقعة غزو أو
إنتصار عسكري جنوبي ضد الشمال . 
هناك أمر هام يمكن لنا أن نستشفه من آثار
عصور ما قبل الأسرات في الجنوب و هو : لا يوجد حتى الآن أي دليل على وجود مملكة
موحدة في مصر العليا تحت قيادة زعيم واحد تمكن من إخضاع جميع أقاليم أو كل ممالك
الجنوب في عصر الأسرة صفر و من جانب آخر لا يوجد برهان مادي على وجود هيكل سياسي و
إقتصادي يسمح بعمل حروب طويلة الأمد للإستيلاء على أراضي شاسعة تمتد من الجنوب حتى
الشمال و ذلك على النقيض مما تصوره فيرنر كايزر الذي خرج بطرح علمي يتمثل في وجود
تخطيط عسكري منظم و متطور من زعماء الجنوب الذين زحفوا عسكريا و سياسيا و حضاريا
نحو الشمال . 
هناك مجموعة من النتائج ينبغي لنا هنا أن
نشير إليها عند تناولنا لفترة توحيد البلاد سياسيا و ما سبقها زمنيا من أحداث هامة
تتمثل فيما يلي :
1 – لم تشير مصادرو آثار ما قبل الأسرات و
حتى قيام الأسرة الأولى إلى أي شيء يكشف عن وجود مملكتين منفصلتين عن بعضهما البعض
فلم يأتي هذا التصور إلا بعد قيام الأسرة الأولى و ظهر لأول مرة طقس سما تاوي (
تناول الدارس من قبل هذه الشعيرة في مقال سابق منشور على معظم الجروبات ) على حجر
بالرمو التي أشارت إلى حور عحا بوصفه أول ملك يقيم هذه الطقسة . 
2 – ينتمي جميع المصريين إلى نسب ( نيوليتي )
واحد أو بمعنى أدق ترتد الجذور العرقية للمصري القديم الذي تواجد في وادي النيل
طوال عصور ما قبل الأسرات إلى العصر الحجري الحديث ( الذي يبدأ في وادي النيل
تقريبا منذ الألف السادس قبل الميلاد ) فلم يكن هناك فارق عرقي بين إنسان الجنوب و
إنسان الشمال بل و يمكن القول بأن المصريين تعارفوا على بعضهم البعض و لفترة طويلة
من الزمن في صحراوي مصر الشرقية و الغربية خلال العصور الحجرية القديمة و قبل
إستقرارهم في وادي النيل مع بدايات العصر الحجري الحديث . 
3 – وجود إتصالات حضارية و تجارية متبادلة
بين أقاليم و مراكز و ممالك الجنوب و الشمال طوال عصور ما قبل الأسرات مما أدى
لإنتشار بعض المنتجات التجارية و الأفكار و المعتقدات و المفاهيم الدينية هنا و
هناك دون أن يعني ذلك بالضرورة أن ثقافة نقادة الجنوبية حلت محل ثقافة حضارات و
مراكز الشمال و العكس صحيح في نهاية عصور ما قبل الأسرات . 
4 – نشأ و نما و تطور كل إقليم في الجنوب و
الشمال بمعزل عن الإقليم الآخر ، فالنشأة الأولى خرجت من داخل كل إقليم في البلاد
، مما يعني أن التبادل الحضاري و التجاري الموجود الذي كان موجودا بينهم لا يعني
إلغاء التميز و الإستقلالية الثقافية لكل إقليم . 
5 – إن الحديث عن وجود تجانس ثقافي مطلق و
كامل بين مراكز و ممالك الجنوب خلال عصور ما قبل الأسرات هو أمر يحتاج لإعادة نظر و
لاسيما بعد إكتشاف عادات دفن و تقاليد مختلفة و أثاث جنائزي متباين و متنوع بين
ممالك أبيدوس و نخن و نقادة في الجنوب مما يؤيد فكرة التميز الإقليمي و إستقلالية
الثقافة في كل إقليم منهم طوال عصور ما قبل الأسرات و هو ما يلقي ظلالا كبيرة من
الشك حول جدوى مصطلح ( الثقافة النقادية الجنوبية ) الذي إبتكره فيرنر كايزر .
6 – إن أحد الأدلة التي تؤكد على عدم إحلال ثقافة
الجنوب محل ثقافة الشمال في نهاية عصور ما قبل الأسرات هو ما تم إكتشافه في منشأة
أبو عمر ( شمال شرق الدلتا ) حيث وجد عدد كبير من أواني الفخار المحلي و المصنوع
في ورشة محلية شمالية كما أن معظم المقابر هناك إحتوت على آنية واحة فقط في كل
مقبرة تقريبا مستوردة من الجنوب ( و هو الفخار ذو المقابض المتموجة ) كدليل على
وجود تبادل تجاري بين منشأة أبو عمر في أقصى شمال شرق الدلتا و بعض الممالك
الجنوبية آنذاك و من ناحية إختلفت عادات الدفن و تقاليد وضع الموتى و الأثاث
الجنائزي في تلك المنشأة عن نظيرتها في مراكز و ممالك الجنوب منذ عصر نقادة
الثانية و حتى نهاية العصر العتيق الأمر الذي يؤكد مرة أخرة على وجود ( تعدد
للأنماط الثقافية بين مراكز الجنوب و الشمال ) و أن مفهوم ( توسع و إمتداد ثقافة
نقادة الجنوبية نحو الشمال ) لا يخلو من شك كبير .
من هنا يمكن طرح نتيجة هامة بعد إستعراض ما
سبق و هي : 
نشأت و تطورت أقاليم و مراكز و ممالك مصر في
الجنوب و الشمال بشكل تدريجي و من داخلها ، حيث إعتمدت كلا منها على موقعها
الجغرافي و ظروفها البيئية و المناخية و تأثرت كل منها بالأخرى و لكن ( بشكل جزئي
) و ( ليس كلي ) و كان كل إقليم له بلاشك إتصالاته الحضارية و التجارية بالأقاليم
الأخرى الأمر الذي ساعد على إنتشار بعض المنتجات و المعتقدات الدينية هنا و هناك (
بشكل جزئي ) فعلى سبيل المثال وجدت المعبودة نيت و التي كان مركز عبادتها الرئيسي
في سايس بالشمال على رسوم فخار مركز نقادة في الجنوب منذ عصر نقادة الثانية على
أقل تقدير الأمر الذي يشير لعبادتها هنا و هناك في نفس الفترة الزمنية كما يرجح من
جانب آخر وجود علاقة نسب و مصاهرة بين عائلة سايس في الشمال و عائلة نقادة في
الجنوب ؟ 
و من جانب آخر يمكن القول بأن طبيعة و بيئة
أرض الجنوب تميزت عن طبيعة و بيئة أرض الشمال ، فعلى سبيل المثال وجود الصحراء
الشرقية بالقرب من الصعيد و إقتراب وديان الجنوب من مصادر الثروات المعدنية ، أدى
سهولة الإنتقال إليها من جانب زعماء ممالك الجنوب الأمر الذي ساعد على إثراء
الجنوب و هذا ما يفسر لنا لماذا كانت مقابر الجنوب أغنى من مقابر الشمال طوال عصور
ماقبل الأسرات في مصر ؟ كما يفسر لنا لماذا كانت بضائع و منتجات الجنوب نادرة و
قليلة في الشمال ؟ فلا شك أن إستيراد مثل هذه المنتجات من الجنوب كان غالي الثمن و
من ناحية أخرى نجد أن تعدد الفروع المائية و القنوات في الشمال أدى إلى خلق صعوبة
إتصال بين مراكز الشمال نفسها بل و صعوبة وصول هذه الممالك إلى مصادر الثروة
المعدنية في الصحراء الشرقية و الغربية . و هنا يمكن لنا أن نخرج بنتيجة هامة و هي
أن الشمال لم يكن أكثر ثراءا من الجنوب كما
تصور فيرنر كايزر و العديد من الباحثين و لهذا السبب تنتفي فكرة غزو زعماء الجنوب
لأرض الشمال خلال عصر الأسرة صفر بدافع السيطرة على ثروات أرض الشمال التي كانت
أغنى من أرض الجنوب و هو التصور الذي نادى به من قبل عدد لا بأس به من الباحثين . 
و عند هذه النقطة تحديدا يتسائل الدارس عن
مدى إحتمالية وجود منافسة تجارية بين بعض زعماء ممالك الجنوب خلال عصر نقادة
الثانية تحديدا أدى إلى قيام بعض المناوشات العسكرية الصغيرة بسبب محاولات السيطرة
على طرق و مصادر التجارة في الصحراوين الشرقية و الغربية و في النوبة السفلى ؟ و
هو ما يمكن لنا أن نستمده من أكثر من دليل و هم : 
1 – تصوير الزعيم في مقبرة نخن لأول مرة و هو
يقوم بضرب ثلاثة أعداء بمقمعته على جدران مقبرته في نهاية عصر نقادة الثانية .
2 – تصوير الزعيم في نسيج منطقة الجبلين ( في
متحف تورينو ) و هو منتصر على زعيم آخر تم تصويره بمفرده على مركب مستقل و هو موثق
الأيدي كأسير في نهاية عصر نقادة الثانية . 
3 – ظهور زعيم أبيدوس و لأول مرة و هو يمسك
بمقمعة على فخار أبيدوس ( معروض في المتحف المصري ) و ينتمي زمنيا لنهاية عصر
نقادة الأولى و ربما يشير هنا لإنتصاره في معركة ما . 
تطورت و نمت أقاليم و ممالك و مراكز الجنوب و
الشمال في عصر نقادة الثالثة ( آخر مراحل عصور ما قبل الأسرات التي تبدأ من 3300
ق.م تقريبا ) و زادت العلاقات التجارية و الحضارية بينهم كما زادت علاقات النسب و
المصاهرة بين كبرى عائلات زعماء الجنوب و الشمال مما أدى لظهور هياكل سياسية و
إقتصادية قوية عبرت عن نفسها لأول مرة من خلال تصوير ( السرخ – أو واجهة القصر )
الذي عبر عن مكان إقامتهم في أماكن مختلفة في أقاليم الجنوب و الشمال ، فكان كل
سرخ فارغ ( لا يحتوي في داخله على أي علامات تصويرية أخرى ) يعبر عن مملكة سياسية
و دينية صغيرة قائمة بذاتها و مستقلة عن الممالك الأخرى . 
إن وجود السرخ الفارغ في مناطق و مراكز
مختلفة في الجنوب و الشمال يعكس أمرا هاما و هو : إتفاق هؤلاء الحكام على أولى
العلامات التصويرية الكتابية في صيغة و شكل فني معين و متفق عليه في ذلك الوقت و
أنهم أوحوا لبعضهم البعض في إطار حلقة التفاعل الحضاري و السياسي فيما بينهم بهذا
الشكل التصويري المعبر عن السيادة و الزعامة دون أن يكون هناك زعيم واحد مسيطر
سياسيا و بشكل كامل على الزعماء الآخرين فقد تبادلوا تصوير السرخ فيما بينهم داخل
محل إقامتهم ربما لكي يعبروا عن وجود ( إئتلاف سياسي متعدد المراكز ) نتيجة لوجود
تبادل تجاري و صلات حضارية و علاقات نسب و مصاهرة مشتركة بينهم جميعا
و قد تكرر هذا الأمر مرة أخرى عندما قام
بعضهم ربما في مرحلة لاحقة بتصوير صقرين متقابلين على واجهة سرخ فارغ ينظران
لبعضهما البعض و هو تصوير إنتشر في مراكز الجنوب و الشمال على الأواني و الصلايات
و الفخار لكي يعكس نتائج هامة و هي : 
1 - أن الزعيم هنا هو تجسيد لصقرين و هما صقر
الجنوب و صقر الشمال بصرف النظر عن مكان منشأ هذا الزعيم .
2 – أن الصقر هو أكبر معبود ديني و سياسي في
البلاد إنتسب إليه هؤلاء الزعماء لكي يعبروا عن أصلهم الإلهي و منشأهم السماوي و
لكي يدللوا من جانب آخر على شرعية حكمهم داخل أقاليمهم و دون أن تعبر هذه العلامة
بالضرورة عن وجود زعيم قد تمكن من الهيمنة على جميع الممالك الأخرى 
3 - 
إنتشرت هذه العلامة في مراكز الشمال أكثر من الجنوب ، فلم توجد في الجنوب
إلا في منطقة واحدة و هي أبيدوس بينما إنتشرت في مناطق متعددة في الشمال مثل منشأة
أبو عمر و جرزة و طرخان و بوتو و سايس و حلوان و غيرها من المناطق الشمالية الأخرى
4 – عكس وجود هذه العلامة بداية نشأة أسطورة
حورس منذ عصر الأسرة صفر على أقل تقدير و التي تتمثل في أن حورس الملك كان قد حكم
الأرضين ( و لنتذكر هنا شكل العلامة : الصقران في مواجهة بعضهما البعض فوق السرخ
الفارغ ) في فترة زمانية عتيقة فقد كان هو أول ملوك مصر الشرعيين . 
5 – وجود الصقر مرتان فوق السرخ لا يعبر عن
وجود مملكتين بل يشير هنا إلى أرض الوادي و أرض الدلتا و مفهوم الإزداوجية الفنية
و الدينية المستمدة من البيئة المصرية منذ عصور ما قبل الأسرات و التي تتمثل في
وجود شمس و قمر – شروق و غروب – نهر النيل و الصحراء – سماء و أرض .. إلخ . 
و في هذا الصدد نذكر هنا واحدة من أهم وثائق
عصر الأسرة صفر و المتمثلة في مقبض سكين متحف المتروبوليتان و التي صورت مجموعة من
الزعماء و يمسكل كل واحد منهم بعلامة الحقا ( عصا الراعي التي تدل على الزعامة ) و
هم يتجهون ناحية واجهة قصر و قد تم تصوير مجموعة من الأسرى تحتهم و هم موثوقي
الأيدي و يتم إقتيادهم حيث يتجهون ناحية ذلك القصر . 
إن مقبض سكين المتروبوليتان يكشف عن حقائق
هامة تتمثل فيما يلي :
1 – إعتراف مباشر و صريح بوجود زعامات سياسية
متعددة بدليل تصوير كل واحد منهم بعلامة الحقا . 
2 – وجود هدف مشترك بين هؤلاء الزعماء ربما
في إطار إتفاق سياسي و ديني للقضاء على أي معارضات أو مناوئات ضدهم و لذا تم تصوير
مجموعة الأسرى أسفلهم . 
3 – سيعرف هؤلاء الزعماء بإسم الشمسو حور (
أتباع الإله حورس ) و الذين تم تصويرهم على صلاية صيد الأسد التي تنتمي لعصر
الأسرة صفر على مجموعتين حيث تم تصوير كل واحد منهم بشارات السلطة و السيادة (
علامة الحقا و الفأس و الريشة فوق الرأس و الذيل و اللحية ) و هم في صحبة صقر
الجنوب و صقر الشمال لكي يصطادوا أسدا غالبا في أرض الدلتا . 
4 - 
إن إتجاه هؤلاء الزعماء ناحية القصر يعكس وجود زعامة كبرى لأول مرة في عصر
الأسرة صفر ، إلا أن هذه الزعامة الكبرى لم تلغي فعالية أو سيادة الزعماء المحليين
الآخرين و بمعنى آخر لم يكن هذا التحالف يعبر عن وحدة سياسية مطلقة أو أحادية
المركز بل هي وحدة متعددة المراكز . 
بقي لنا أن نقول أن هذه الوحدة المتعددة
المراكز نشأت تحت مظلة زعامة جنوبية كبرى و لاسما و أن آخر الملوك المعروفين في
عصر الأسرة صفر دفنوا في جبانة أبيدوس و هم ( إري حور و كا و العقرب و نعرمر ) و
لا ندري حتى الآن بشكل قاطع و مؤكد الظروف التاريخية التي أدت لظهور تلك الزعامة
الكبرى ذات المنشأ الجنوبي و كيفية تقبلها من جانب الأقاليم الأخرى ؟ 
و لعل ما سبق يفسر لنا إصرار بعض ملوك الأسرة
صفر مثل العقرب و نعرمر على تصوير أنفسهم في صحبة حكام و آلهة الأقاليم الأخرى (
الشمسو حور ) على آثارهم المتعددة ، فالملك لا يكتسب شرعيته كحاكم إلا من خلال
كبرى عائلات الجنوب و الشمال أو بمعنى أدق من خلال آلهة الأقاليم في الجنوب و
الشمال ، فحاكم الإقليم هنا هو أحد أتباع حورس ( الشمسو حور ) الذي يؤكد على منح
البيعة و الشرعية للملك الحاكم من خلال معبود الإقليم الذي ينتمي إليه . و قد
تبلورت تلك الفكرة عمليا في الإحتفال الملكي الشهير المعروف ( بالحب سد ) و التي
ظهرت إرهاصاته الأولى في عصر الأسرة صفر للتأكيد على المعنى السياسي و الديني
السابق و لذلك السبب إستمرت هذه التقاليد الدينية و السياسية من خلال المنشآت الجنائزية
التي شيدها ملوك العصر العتيق في جبانات مصر الكبرى في أبيدوس و سقارة و نخن و
التي إحتوت في داخلها على مقاصير آلهة الجنوب و الشمال التي تعطي شرعية الحكم
للملك من خلال آلهة و عائلات و زعماء كبار البلد في الجنوب و الشمال بل و يمكن
القول أن هذه التقاليد إستمرت حتى عصر الملك زوسر حيث نشاهد ذات المقاصير هناك في
مجموعته الجنائزية و من هنا يمكن لنا أن نستنبط النتائج التالية و هي : 
1 – برغم ظهور زعامة لها السيادة الكبرى من
الجنوب إلا أنها لم تسعى على الإطلاق لإلغاء ثقافة الشمال ، فالزعيم أو الملك هنا
يستمد شرعية حكمه من آلهة الشمال كما يستمدها من آلهة الجنوب و لهذا السبب إحتفظت
الملكية بالشكل المميز لمقاصير الجنوب و مقاصير الشمال و دون أن تسعى لإلغائها على
مر العصور و هو ما يؤكد على الطرح الذي نادى به الدارس و هو : أن ثقافة نقادة
الجنوبية لم تلغي ثقافة الشمال لا في عصور ما قبل الأسرات و لا في عصر الأسرة صفر
و لا في العصور التاريخية . 
 2 –
لم تفرض هذه السيادة الجنوبية زعامتها على أقاليم الجنوب و الشمال من خلال حرب
عسكرية مدمرة فذلك ما لاتؤيده الآثار و لا تشير إلى ذلك على الإطلاق و لاسيما خلال
عصر الأسرة صفر . 
 3 –
إستمرت فكرة آلهة الأقاليم الجنوبية و الشمالية التي تمنح الشرعية السياسية و
الدينية للملك الحاكم معماريا حتى عصر الملك زوسر ( و ذلك من خلال وجود مقاصير
آلهة الجنوب و الشمال في مجموعته الجنائزية ) الأمر الذي يؤكد بعدم وجود سلطة
سياسية مطلقة أو أحادية المركز طوال العصر العتيق بل و حتى بداية الدولة القديمة ،
فالملك هنا لا يتمكن من حكم البلاد إلا من خلال آلهة الأقاليم ( الشمسو حور ) التي
تجسد كبرى عائلات زعماء الأقاليم في الجنوب و الشمال .
4 – إختفت هذه المقاصير كشكل معماري ( و لم
تنتهي كشكل ديني و فني موروث ) إلا عند نهاية عصر الأسرة الثالثة و بداية عصر
الأسرة الرابعة حيث تحول الملك سنفرو عن شكل المجموعات الجنائزية القديمة و تبنى
شكل معماري آخر و جديد و يختلف تماما عن موروثات الأسرة صفر و العصر العتيق و
الأسرة الثالثة و هو شكل المجموعة الهرمية مما كان الدافع الرئيسي الذي جعل بعض
العلماء يعتبرون أن نهاية عصر نقادة الثالثة تبدأ من ما قبل الأسرة صفر أي منذ
نهاية نقادة الثانية و تنتهي عند نهاية الأسرة الثالثة حيث لا حظوا أن موروثات
عصور ما قبل الأسرات إستمرت معماريا و ثقافيا و حضاريا خلال الأسرات الثلاث الأولى
و هو ما يعني وجود و إستمرارية : 
أ – تعدد الأنماط الثقافية المختلفة للجنوب و
الشمال خلال الأسرات الثلاث الأولى رغم قيام وحدة سياسية . 
ب – أن الوحدة السياسية هنا لم تلغي تعدد
الأنماط الثقافية لأنها لم تكن وحدة مطلقة أو أحادية المركز حيث وجدت أدلة متعددة
على عدم وجود تغير ثقافي كلي أو جذري في المعتقدات الدينية الخاصة بحكام الأقاليم
أو حتى عامة الشعب داخل مختلف الأقاليم المصرية . 
 ج –
أن العصر العتيق ينتهي عند نهاية الأسرة الثالثة نظرا لأنه يحتوي على ذات
الموروثات الثقافية للأسرات صفر و الأولى و الثانية بل و لم يتغير كثيرا عن ثقافة
مصر في عصور ما قبل الأسرات و من هنا يمكن قبول الرأي الذي نادى بأن البداية
الفعلية للدولة القديمة تبدأ فعليا مع عصر الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة حيث
بدأت ثقافة البلاد تصبح متجانسة و ذات صبغة حضارية واحدة إلى حد كبير في الجنوب و
الشمال . 
و لعل وجود حكام أقاليم العصر العتيق و ما
يشير ضمنيا لوجود دلائل نسب و مصاهرة بينهم وبين الملك الحاكم يرجح ما طرحه الدارس
من قبل بأن هذه السياسة قد بدأت منذ النصف الثاني لعصر نقادة الثانية ( راجع فكرة
إنتشار بعض معبودات الجنوب و الشمال هنا و هناك في هذا المقال ) و هو ما يؤدي
للنتيجة التالية : 
أن هذه العائلات إرتبطت ببعضها البعض من خلال
زعمائها ( الشمسو حور ) عن طريق المصالح التجارية و الصلات الدينية و الحضارية و
علاقات النسب و المصاهرة الأمر الذي نتج عنه وجود ( عائلة كبرى متعددة الأفرع في
الجنوب و الشمال ) إلا أن مركز هذه العائلة كان غالبا في الجنوب و لاسيما في منطقة
أبيدوس مع الإعتراف الرسمي بوجود هذه الزعامات المحلية من خلال منح الشرعية للملك
عن طريق آلهة الجنوب و الشمال في إطار الحب سد و الذي يتم التعبير عن رغبتهم (
رغبة الآلهة لتجديد الشرعية للملك ) عن طريق زعماء الأقاليم الذين لم يكونوا في واقع
الأمر سوى أقرباء البيت المالك و هو ما يفسر لنا وجود نظام إداري ملكي في العصر
العتيق يتكون من بيت مالك يعتمد على أقاربه من حكام الأقاليم ( الشمسو حور ) في
جمع الضرائب و فرض السيطرة و هو ما ظهرت أدلة له على حجر بالرمو و نصوص الأهرام
التي تحدثت عن خروج الملك الحاكم لأقاليم مصر المختلفة في صحبة حكام الأقاليم أو
الشمسو حور ( أقاربه من نفس العائلة الكبرى ذات الأفرع المنتشرة في الجنوب و
الشمال ) لجمع الضرائب و إقامة الأعياد الإلهية و إنشاء المعابد و تقديم القرابين
و أخذ الشرعية من آلهة الجنوب و الشمال و كان المخصص الفني التصويري المعبر عن
الشمسو حور هو شكل المركب إشارة إلى مراكب الزعماء التي صورت منذ عصر نقادة
الثانية على رسوم الفخار و التي عبرت عن أدوات السلطة و السيادة لهؤلاء الزعماء
عندما كانوا على إتصال ببعضهم البعض خلال إقامة التبادل التجاري و إنتشار المعتقدات
هنا و هناك . 
إن ظهور العلامة التصويرية للمركب و المعبرة
عن الشمسو حور في حجر بالرمو و نصوص الأهرام ظهرت فعليا في الآثار من خلال المراكب
المكتشفة في شونة الزبيب بأبيدوس بجوار مجموعة الملك خع سخموي حيث عبرت تلك
المراكب عن مرافقة الشمسو حور ( زعماء الأقاليم الذين يمنحون الشرعية للملك من
خلال آلتهم  و يرافقونه في جميع رحلاته
لمساعدته في فرض السيطرة السياسية و الهيمنة الإقتصادية على الجنوب و الشمال )
للملك نفسه في عالمه الآخر تماما كما كانوا يرافقونه في عالم الدنيا الأمر الذي
يؤكد وجود وحدة سياسية متعددة المراكز و تحت مظلة زعامة كبرى لا تستغني عنهم أبدا
كما لا يستغنون هم أيضا عنها .  
و من جانب آخر نؤكد أنه حتى الآن لا نعلم
بالتحديد تتابع و ترتيب زعماء الأسرة صفر بشكل قاطع ، و الأمر المؤكد أنهم لم
يسيطروا مناطق متعددة من البلاد ( ما عدا الزعماء المنتسبين لأواخر عصر الأسرة صفر
مثل إري حور و كا و العقرب و نعرمر الذين إنتشرت آثارهم في مناطق متعددة من الجنوب
و الشمال و دفنوا في مكان واحد في أم الجعاب بأبيدوس ) و أن معظم عاصر زمنيا بعضهم
البعض و كانوا على إتصالات فيما بينهم كما لم ينحدروا من مكان واحد و هو ما يلقي
بظلال كبيرة من الشك حول مصطلح الأسرة صفر الذي إبتكره الباحثون الألمان فهم ليسوا
من بيت ملكي واحد بل من مناطق متعددة كما عاصر معظمهم بعضهم البعض و دفنوا في
جبانات مختلفة و أقاموا إئتلاف سياسي بينهم متعدد المراكز و الأطراف و قاموا
بالقضاء على الزعماء الذين لم ينضموا ينضموا لهذا الإئتلاف السياسي و دون أن
يخربوا مدنهم . و من ناحية أخرى لم تكن هذه الوحدة السياسية كاملة أو نهائية و
الدليل على ذلك وجود إشارت تاريخية لصراع حدث خلال العصر العتيق بين بعض ملوك
الأسرتين الأولى و الثانية ضد بعض المناطق المصرية مما نتج عنه إنفصال سياسي مرجح
في منتصف عصر الأسرة الثانية بين الجنوب و الشمال و هو ما نستشفه من عدم إنتشار
أسماء بعض الملوك مثل ( ونج ) و ( سنج ) في مواقع الجنوب فضلا عن وجود إشارة أخرى
على قاعدة تمثال الملك خع سخموي في المتحف المصري تشير لإقماع تمرد في بعض المناطق
الشمالية أدى لقتل أكثر من أربعين ألف شخص ( هذا في حالة إذا ما كان الرقم هنا لا
يميل للمبالغة ) كما لا ينبغي لنا أن ننسى وجود حالات لكشط أسماء بعض الملوك خلال
الأسرتين الأولى و الثانية و عدم الإعتراف بشرعيتهم و كذلك ظهور الملك بر إيب سن
في منتصف الأسرة الثانية و تنكره للمعبود حورس و رفعه لراية المعبود ست و إبتعاده
عن جبانة سقارة في الشمال و عودته مرة أخرى لجبانة أبيدوس في الجنوب الأمر الذي
يشير لإحتمالية وجود قلاقل سياسية و هو ما يجعلنا نرجح الخروج بالنتيجة التالية :
أن الوحدة السياسية بدأت منذ نهاية عصر نقادة الثانية و مرت بمراحل تدريجية و لم
تكن مطلقة أو أحادية المركز خلال عصر الأسرة صفر و العصر العتيق و لم تكتمل بشكل
نهائي و لم تستقر بشكل قاطع إلا في عصر الملك زوسر أو ما بعد عصر الملك زوسر كما
يرجح الدارس و تحديدا مع بداية عصر الملك سنفرو الذي أوجد نظاما إداريا يختلف
تماما عن ما سبقه من الملوك ساعده على قبض سيطرته الكاملة سياسيا و دينيا و
إقتصاديا على مختلف الأقاليم المصرية و إلغاء الشكل المعماري لمقاصير الشمسو حور
في مجموعته الهرمية و تبني الشكل الهرمي الكامل و إعلان الملكية المطلقة أحادية
المركز و الإختفاء التام لأي إشارة عن الشمسو حور في عصره و محاولة نشر ثقافة
مصرية ملكية واحدة في جميع البلاد إتضحت معالمها في جبانات الأقاليم مع بداية
الأسرة الرابعة و هو ما يجعل ادارس يتفق تماما مع الطرح القائل بوجوب وضع المراحل
التالية : عصر ما قبيل الأسرات ( نهاية نقادة الثانية و مرحلة نقادة الثالثة ) و
عصر الأسرات الأولى و الثانية و الثالثة في إطار زمني واحد يعرف بعصر نقادة
الثالثة الذي يبدأ من 3400 ق.م و ينتهي تقريبا عند 2690 ق.م و هو ما يعني أن
الوحدة السياسية المصرية الطلقة و الأحادية المركز و ذات الثقافة الواحدة لم تكتمل
في صورتها النهائية إلا بعد ما يقرب من سبعة قرون كما يعترف الدارس من جانب آخر أن
هذه النتائج ليست نهائية و هي قابلة لدرس و التحليل و المناقشة مرات أخرى كما لا
تدعي هذه الدراسة طرح إجابات نهائية على تساؤلات متعددة تتناول فترة التوحيد
السياسي لمصر و لكن سيسعى الدارس بإذن الله نحو المزيد من العمل في المستقبل للكشف
عن الثغرات و النقاط الغامضة من خلال إعادة رصد و تحليل الآثار التي تتحدث عن هذا
العصر و ربما يصل لنتائج أخرى  

تمثال الملك منتوحتب نب حبت رع


تمثال الملك منتوحتب نب حبت رع


 أو منتوحتب الثاني و هو منحوت من الحجر الرملي الملون ، إرتفاعه حوالي 183 سم و يوجد حاليا بالمتحف المصري ، و قد عثر على هذا التمثال ( هوارد كارتر ) في مجموعة الملك منتوحتب نب حبت رع بالدير البحري في غرب طيبة ( الأقصر ) . لا يمكن الحديث عن الظيفة الدينية الرمزية لأي تمثال دون الإشارة إلى السياق المكاني و الزماني و الظروف و الملابسات التي أحاطت به . و من هنا نشير إلى أن التمثال قد تم العثور عليه ملفوف بلفائف التحنيط مما يعني أنه عومل معاملة المومياء بل و وجدت على اللفائف هذه العبارة المكتوبة : " إننا ذاهبون لدفن الملك ... إننا نقتله على هيئة تمثال " . هناك مجموعة من الحقائق الهامة تتعلق بوصف و وظيفة هذا التمثال و هي : 1 - التمثال يمثل الملك جالسا على عرش مكعب بدون مسند بحجم فوق الحجم الطبيعي قليلا . و يرتدي رداء الحب سد الذي يصل إلى ركبته و قد لونه الفنان باللون الأبيض و يضع الملك يديه على صدره في وضع أوزيري كما يضع اللحية المعقوفة . و هنا نشير إلى أن وضع اللحية المعقوفة له تفسيران : أ - ظهر الملك بهيئة أوزيرية و لف بلفائف التحنيط مما يعني أنه قد عومل في العالم الآخر كإله كامل الأمر الذي جعل وضع هذه اللحية ضروري . ب - يرى بعض الباحثين الألمان مثل كورت زيته و شتالدمان أن الملك إعتلى العرش بعد فترة إضطراب و إنهيار لمفهوم السلطة الملكية و قدسيتها و لذلك أراد الملك أن يدعم أسس الملكية و أن يقدس نفسه أكثر مما يجب حتى يبدو في أعين الرعية كإله و الدليل على ذلك أنه ظهر في كل تماثيله و نقوشه واضعا اللحية المعقوفة و الغرض الأساسي من ذلك : رفعة شأن الملكية الإلهية و قدسيتها . 2 - لماذا وضع الملك على رأسه التاج الأحمر ، تاج الوجه البحري ؟ أ - الرأي الأول : بما أن الملك ذي منشأ جنوبي ، فهو إذن ليس في حاجة إلى تأكيد وجود التاج الأبيض . ب - الرأي الثاني : أنه أراد أن يشير إلى إنتصاره على الشمال بوضعه التاج الشمالي على رأسه . ج - الرأي الثالث : التاج الأحمر هنا له بعد أسطوري هام و هو : المنطقة التي إغتيل فيها المعبود أوزير بل و فيها تم بعثه مرة أخرى ( وفقا لما ورد في متون الأهرام ) و فيها أيضا تمت ولادة المعبود حورس إبن أوزير ألا و هي أحراش الدلتا ، فقد كانت هذه المنطقة هي مراد و أمل العديد من المصريين و فيها تأكيد لعودة الحياة و البعث للملك ( قارن بين ذلك المعنى و مناظر مقابر كبار الأفراد في الدولة القديمة و التي صورتهم و هم يقتحمون أحراش الدلتا بمراكبهم في رحلتهم الأخروية ) د - الرأي الرابع : و هو الأهم على الإطلاق و يتمثل في الحقائق التالية : 1 - ذكرت متون الأهرام أن أرباب بوتو آزرت أوزير و أيدته حيث قالت : " إن الأرباب الذين في بوتو يملؤهم الأسى و إنهم ياتون إليك يا أوزير ( الملك ) على صوت بكاء إيسه ( إيزيس ) و نبت حوت ( نفتيس ) " ثم تشير هذه المتون أيضا إلى : " إنهم يقولون لك يا أوزير الملك لقد غدوت و جئت ، لقد غفوت و صحوت ، لقد مت و حييت .. قف و أنظر ما فعله إبنك من أجلك ، إنهض و إسمع ما فعل حور من أجلك .. لقد ذبح لك كثور من ذبحك ( و هي واحدة من المشاهد التي صورت في مقابر الأفراد - مشهد ذبح العجل أو الفخذ - في إطار شعائر فتح الفم للمتوفى ) و نحر لك كالفحل ذلك الذي نحرك و لقد قيد لك من قيدك " 2 - أشارت متون الأهرام إلى مواقف من أسطورة أوزير تتمثل في عمل إيزيس و نفتيس حيث تقومان بتجديد المناحة و العويل و البكاء على أخيهما أوزير الأمر الذي يشير إلى إستثارة الحلفاء من أجل الثأر له ثم خروج الأحلاف و هم يتمايلون من الإنفعال و يدقون على صدورهم و يشدون شعورهم و إذا كان هذا المشهد يعبر بالفعل عن أحد مواقف أسطورة أوزير ، فيمكن رؤية تأثيره على الشعائر الجنزية للمتوفى و التي صورت صراحة في مقابر الأفراد في عصر الدولة الحديثة أما عن موقف إيزيس و نفتيس تمثل في الحدأتين الممثلتين و هما تصاحبان المتوفى في أغلب الجنازة . 3 – يصحو أوزير الملك من الموت على خروج إبنه حور و حاشيته لنجدته و الثأر له من أعدائه الممثلين في الأضاحي ( الثيران ) التي تجري في المواكب الجنزية ( و هي أيضا من شعائر فتح الفم ) و لأمر ما كشفت متون الأهرام عن أن أصول هذا المشهد ترجع لمدينة بوتو التي تروي متون الأهرام أنها تحالفت مع حور و أيدته حتى خرج لينقذ أبيه حيث قالت إحدى فقراتها : " إن بوتو تحف بحور و لقد تم تطهيره هناك ، إنه يأتي طاهرا لكي يحمي أباه " 4 – كان راقصي الموو في الحضارة المصرية القديمة الذين صوروا في مقابر الأفراد في الدولة القديمة و الحديثة هم الذين يلعبون الدور الأسطوري لنجدة أوزير وفقا للدور المنسوب إليهم في متون الأهرام و أن خروجهم لم يكن إلا لأوزير ملك الشمال في الأصل . 5 – كانت تلك الشعائر السابقة تتم للملوك و هم يتجسدون في هيئة المعبود أوزير بتاج الشمال وفقا لمعطيات متون الأهرام و من هنا يتبين لنا الحقيقة التالية : أن أن دفنة تمثال الملك منتوحتب الثاني ما هي إلا نموذج لمثل هذا الطقس و أنها ترتبط بدفن الملك على طراز بوتو و لذلك فإن نسبة التمثال إلى شعائر الدفن الأوزيرية الشمالية هي أقرب من نسبته لطقوس الحب سد . و – الرأي الخامس و الأخير فيما يتعلق بالتاج الأحمر هو : ورد في متون الأهرام كذلك أن إله الشمس رع يشرق على عرشه في الأفق متوجا بالتاج الأحمر و من هنا فربما يكون الطرح كالتالي : أن الملك هو أوزير الإله الذي إغتيل ثم أقيمت له شعائر التحنيط و لف بلفائف الكتان ( أنظر العبارة التي كتبت على لفائف التمثال في بداية المقال ) و الذي سيشرق كإله الشمس رع بالتاج الأحمر لكي يؤكد على إعادة بعثه و إعادة إحيائه من جديد كملك متوج . 3 – لماذا تم تلوين التمثال باللون الأسود ؟ أ – الرأي الأول : اللون الأسود هنا يتناسب مع عالم الظلمات الأخروي و هو عالم أوزير بإعتبار أن الملك أصبح أوزير بعد وفاته . ب – الرأي الثاني : اللون الأسود هو لون الأرض المصرية كمت ( الطين – الطمي ) و من هذه الأرض الخصبة ينمو الزرع . 4 – أما عن المستوى الفني للتمثال : فهو ضعيف و لا يلقى الإعجاب كثيرا و لكن من جانب آخر لا ينبغي أن نتسرع و نحكم على التمثال بمعايير مدرسة الفن في منف في عصر الدولة القديمة ، فجميع سمات التمثال هنا تعبر عن مدرسة فنية جنوبية طيبية ظهرت لأول مرة منذ عصر الإنتقال الأول و تعمدت أن تبتعد إلى حد كبير عن معايير مدرسة الفن في منف و التي تمثلت في الخصائص التالية : من حيث النسب فلا وجود قوي لها – ضخامة الساقين التي كانت مقصودة لذاتها لأمر ما ؟ حيث يرى فيلدونج و زيدل أن الضخامة هنا تسمح بحرية و قوة الحركة في العالم الآخر ؟ على أساس أن الساقين يقف عليهما الإنسان عند تحركه – يتسم التمثال بالخشونة إلى حد ما – ملامح اوجه تعبر عن العظمة و الصرامة – العينان أرادت أن تحاكي فكرة التطعيم – رداء الحب سد هنا لا ينسجم ( و قد تعمد الفنان هنا ذلك التصوير الخاص بالرداء لسبب معين ) مع أردية أوزير الطويلة التقليدية –رأى البعض أن ضخامة الساقين تدل على إصابة الملك بداء الفيل ؟ و هو رأي ضعيف جدا لأنه لم تكن العادة إظهار العيوب البدنية للملوك في تماثيل يأملون أن يبعثوا في هيئتها مرة أخرى – التمثال هنا يمثل الإرهاصات الأولى لمفهوم الضخامة في بعض عناصره ( الساقين و الكتف و قبضة اليد ) و هو الأمر الذي سيتضح في مرحلة لاحقة في التماثيل الملكية الضخمة التي ستظهر منذ بداية الأسرة الثانية عشرة و ستبلغ الذروة في عصر الدولة الحديثة – التمثال هنا باكورة طيبة و فاتحة عهد جديد لمدرسة الفن في طيبة في ذلك العصر و التي حاولت أن تعبر عن سمات مدرستها المحلية وفقا لمعاييرها الثقافية الخاصة . ينبغي لنا هنا أن نشير إلى أن التمثال هو دفنة في مقبرة باب الحصان الشهيرة للملك منتوحتب الثاني ، حيث كانت تلك المقبرة عبارة عن ممر يؤدي إلى بئر يقع في أسفله ذلك التمثال في حجرة دفن و قد تم إكتشافه على تل رملي . في واقع الأمر أن التمثال و الممر و البئر و حجرة الدفن و التل الرملي فضلا عن المعبد الخاص بالملك و الذي يتكون من نظام المسطحات المدرجة يقع في إطار ما يعرف ( بمقبرة الإله اوزير ) و هو ما إطلع عليه الدارس من البحث العلمي للزميلة القديرة للأستاذة عبير مجلي التي تناولت تفصيليا العناصر المعمارية و الفنية لمقبرة الإله أوزير و و لا مجال هنا للحديث عن تلك السمات و العناصر لأنها لا تدخل في صلب موضوع التمثال . و لكن من جانب آخر يمكن القول أن رداء الملك ذي اللون الأبيض الذي يصل للركبة فقط يعكس ما يعرف بوضع ( نصف متأوزر ) فالملك هنا لم يبلغ مرحلة ( التأوزر الكامل ) فإذا كان الرداء الأوزيري كاملا و طويلا يلف صاحبه كالمومياء ، فذلك هو الوضع الأوزيري الكامل للملك ( حالة التأوزر الكاملة ) و هي التي تمت فعليا في مقبرة الملك الحقيقية أسفل جبل الدير البحري في حجرة دفنه التي تبدو كمغارة في قاع الجبل ( و هي من ضمن سمات القبر الأوزيري ) أما هذا التمثال فهو كان موضوع في مقبرة باب الحصان الرمزية التي تعبر عن حالة نصف أوزيرية ( نصف متأوزر ) و بالتاج الأحمر .

منظر لتمثال مكتشف في قرية اللحيوة


منظر لتمثال مكتشف في قرية اللحيوة


 ... و يعود ذلك التمثال لعصر نقادة الثانية ( ثاني مراحل عصور ما قبل الأسرات و تبدأ من 3600 ق.م حتى 3300 ق.م ) و مصنوع من الإردواز و طوله 40 سم و معروض في متحف بروكلين . و هو يمثل إبن آوى منتصبا و قد إستخدم الفنان قطعة مسطحة من الإردواز لتمثيل الحيوان من جانب . و نلاحظ هنا أن الفنان قد أجاد في تمثيل تفاصيل الرأس و لاسيما في الفم البارز و العينين المجوفتين ، اللتين كانتا مطعمتين و الأذن البارزتين و الرقبة السميكة و كذلك أيضا الذيل الكث المتدلي في الخلف . يعتبر هذا التمثال مماثلا للصلايات ذات الهيئة الحيوانية و هو يتوسط تقنيا فني النحت و الرسم . و قد إستطاع فنان ما قبل الأسرات في مصر إستخدام هذه التقنية في تشكيل تمثالين آخرين في هيئة فرس النهر من الجرانيت في متحف برلين و كذلك في تشكيل مجموعة من التماثيل الحيوانية الظرانية و أيضا تمثال لجمل في متحف برلين و هنا ينبغي لنا أن نشير للحقائق التالية : 1 - تقدم فن النحت و الرسم في عصور ما قبل الأسرات في مصر على مواد من الحجر الأمر الذي يعني أن المهارة التي تمتع بها المصري القديم في بداية عصر الأسرات المبكر و الدولة القديمة في التعامل مع الحجر لم تكن أمرا غريبا أو مفاجئا بل لها إرهاصات و بواكير أولى ترجع لعصور ما قبل الأسرات . 2 - يعتبر إبن آوى من الكلبيات البرية التي تسكن الصحراء القريبة من الوادي و قد إشتهر بمهاجمة الجبانات لأكل الجيف و من هنا إرتبط بعدد من الآلهة الموتى و عالم الغرب . 3 - أدى وجود هذا الحيوان في المنطقة التي على الحافة بين الصحراء و الوادي ، و بين العالمين البري و المنظم ، عالم الموتى و عالم الأحياء ، إلى إقترانه بفكرة الإنتقال من عالم إلى عالم . 4 - ظهر إبن آوى في الفن المصري منذ عصر نقادة الأولى ( أولى مراحل عصور ما قبل الأسرات في مصر و تبدأ منذ 3900 ق.م و حتى 3300 ق.م ) في بعض مناظر الفخار ذي الخطوط البيضاء المتقاطعة و كذلك في هيئة تميمة من قرية المستجدة في أسيوط ترجع زمنيا لعصر نقادة الثانية فضلا عن ظهوره في صلايات حيوانات الشمس التي ترجع للنصف الثاني لعصر نقادة الثالثة ( الأسرة صفر و تبدأ من 3150 ق.م و حتى 3000 ق.م ) بإعتباره واحد من الحيوانات المدافعة عن الشمس خلال مسيرتها في العالم الآخر . 5 - ظهر إبن آوى على الألوية المنقوشة على مقمعتي العقرب و نعرمر ( و هما آخر ملكين في الأسرة صفر ) ممثلا للإله وب واووت و هو فاتح للطرق بإعتباره أحد أتباع الملك ( الشمسو حور ) الذين يتولون حمايته كما يعد كذلك فاتحا لطرق الأبدية و العالم الآخر للملك الأمر الذي يربطه بالملكية الناشئة خلال عصر الأسرة صفر . كما تعد هيئة إبن آوى الرابض ممثلة للإله " خنتي إمنتيو " رب الجبانة و الجنازة و العالم الآخر الذي أصبح لاحقا المعبود أنوبيس خلال عصر الأسرة الخامسة . 6 - يرى fazzini ( و هو من المتخصصين في عصور ما قبل الأسرات في مصر ) أن هذا التمثال يمثل تجليا لإله إرتبط بالموتى وضعه المتوفى في مقبرته في عصر نقادة الثانية لينتفع بقواه في العالم الآخر

منظر لشمس المشرق و شمس المغرب على طبق من عصر نقادة الأولى


منظر لشمس المشرق و شمس المغرب على طبق من عصر نقادة الأولى


في المتحف المصري بالدور الثاني و أمام صالة المومياوات الحيوانية عند فاترينة آثار ما قبل الأسرات ....... يشغل هذا المنظر السطح الداخلي لطبق يرجع لعصر نقادة الأولى ( أولى مراحل عصور ما قبل الأسرات ) و التي تمتد زمنيا من 3900 ق.م و حتى 3600 ق.م و نرى فيه قرصين دائريين بينهما تلان و يوجد أعلى و أسفل ذلك مجموعة من خطوط زجزاجية ترمز إلى الماء . رأى عالم المصريات الألماني و المتخصص كذلك في عصور ما قبل الأسرات في مصر ( فيستندورف ) أن خطوط الماء هنا ترمز إلى نهري النهار و المساء و أن التلين يشيران إلى الأفقين الشرقي و الغربي بينما يرمز القرصان إلى شمسي المشرق و المغيب . يعتبر هذا المنظر دليلا مبكرا على وجود عقيدة شمسية في عصور ما قبل الأسرات في مصر و ربما يؤكد ذلك أيضا توجيه الوجوه في أغلب الدفنات الآدمية منذ أواخر العصر الباليولتي ( منذ خواتيم العصر الحجري القديم الأعلى في مصر ) نحو الغرب فضلا عن الإستخدام الجنائزي لبيضة النعام التي تشير للشمس الوليدة . ينبغي لنا هنا أن نشير لمجموعة من الحقائق الهامة ترتبط بهذا الطبق و هي : 1 - قام الفنان و عن عمد بتصوير لحظتين زمنيتين مختلفتين في إطار فني مكاني واحد و هما شمس المشرق و شمس المغرب متجاوزا بذلك مفهوم الواقعية في التصوير . 2 - في واقع الأمر أن التلين هنا يشيران لأقدم مفهوم محتمل للتل الأزلي الذي ظهر في بدء الخلق بعد إنحسار المياه الأزلية التي تحدثت عنها عقائد الخلق في الحضارة المصرية القديمة في العصور التاريخية بإسم ( نون ) و التي كانت تغمر الخليقة بأكملها إلى أن إنحسرت عند أطراف العالم ( و هي هنا أطراف الطبق ذاته ) مما قد يشير بدوره إلى معتقدات المصريين في بداية عصور ما قبل الأسرات التي إرتبطت بالديانة الشمسية و بداية تأملهم و تفكرهم في قضية خلق الكون . 3 - أن التلين هنا قد تم إستبدالهما في بداية عصر الأسرات المبكر بعلامة الأفق أو جبلي الأفق ( الآخت ) و صورت الشمس بين هذين الجبلين بدلا من تصوير الشمس مرتين على طرفي الطبق كما ظهر هنا و لذلك يمكن القول بأن فن ما قبل الأسرات في مصر كان يمثل الإرهاصات الأولى لمفهوم الكتابة التصويرية الذي سيتم تطويره بشكل آخر مع بداية العصور التاريخية . 4 - الجدير بالذكر أن بعض وجوه الموتى في حضارة البداري منذ العصر الحجري الحديث و العصر الحجري النحاسي ( قبل بداية عصور ما قبل الأسرات في مصر ) إتجهت ناحية الشرق و مثلما كان أيضا في قرية مرمدة بني سلامة ( التي تؤرخ بالعصر الحجري الحديث من 6000 ق.م و حتى 4500 ق.م ) مما يشير إلى تقديس الشمس و إرتباط مصير المتوفى بها و ربما كان ذلك التوجيه بغرض إستقباله لها مما يعني أن طبق نقادة الأولى هنا ربما يعبر عن أمنية المتوفى للإندماج بشمس الغروب و إستقبال شمس الشروق في دورة كونية شمسية كاملة منذ بداية عصور ما قبل الأسرات في مصر . 5 - ربما يعزز ذلك الطرح السابق أنه قد تم العثور منذ عصر نقادة الأولى ( و هونفس العصر الذي تم فيه تصوير المنظر السابق على ذلك الطبق ) على نماذج لمراكب في المقابر مما يرجح إحتمالية معرفة إله الشمس رع و مركبه و بأن المصريين كانوا يلتمسون منذ تلك الفترة أن ينتقلوا مع معبود الشمس في مركبه حين يتجه للغرب و حين يشرق من الشرق مع الوضع في الإعتبار أن المنظر هنا يخلو من تصوير لأي مركب بجوار شمس المشرق و شمس المغرب . 6 - لم يصور الفنان أي صورة آدمية أو حيوانية بجوار الشمسين مما قد يشير إلى عدم بلورة صورة محددة في تلك الفترة لمعبود الشمس رع و الذي لم يتم تصويره هنا على الإطلاق بل إكتفى الفنان بتمثيل رمزه المادي المرئي في عالم الوجود 7 - وجود ذلك التمثيل الشمسي الديني الفني على طبق مكتشف من قرية نجاده في الجنوب يؤكد وجود أنصار و أتباع للديانة الشمسية في مصر العليا منذ بداية عصور ما قبل الأسرات على أقل تقدير و لا نعلم هنا هل كان المركز الرئيسي للعبادة الشمسية في الشمال في عين شمس أم كان في الجنوب ثم إنتقل للشمال ؟ أم كان في الجنوب و الشمال في ذات الوقت و دون معرفة البداية الأولى لمكان عبادة الشمس ؟ 8 - يعكس ذلك التصوير و بشكل غير مباشر مفهوم حدود الكون لدى المصري القديم منذ فترة مبكرة ترجع لبداية عصور ما قبل الأسرات غلى أقل تقدير حيث تبدأ حدود الكون من موقع شروق الشمس بين جبلي الأفق و تنتهي تلك الحدود عند مغرب الشمس بين جبلي الأفق الغربي فضلا عن أن التلين هنا قد يشيران كذلك لمفهوم التلال المتاخمة لوادي النيل شرقا و غربا و التي تظهر أول ما تظهر للمصري القديم عند إنحسار مياه الفيضان ( مياه نون المصورة أعلى و أسفل الطبق ) مما يعني بلورة المصري القديم لمفهوم حدود الكون التي لم تكن سوى حدود أرض مصر حيث تشرق و تغرب الشمس من أفق جبالها الشرقية و الغربية و تبزغ فيها تلال الوادي عند إنحسار الفيضان أي هي كل أرض تقع ما بين الجبال الشرقية و الغربية و يأتي عليها الفيضان و يترسب عليها طمي النيل و لاشك أن هذا المفهوم لم يكن ليتبلور دون أن تسبقه فترة إستقرار طويلة في أرض وادي النيل بدأت منذ نهايات العصر الحجري القديم الأعلى ( منذ الأف الثالث عشر قبل الميلاد على أقل تقدير ) 9 - تم إختيار تلك الهيئة البيضاوية للطبق عن عمد ، فهي تصوير لشكل العالم المصري وفقا لدورة الشمس من المشرق و حتى المغرب .

أيدولوجيا المشاهد المبكرة للملكية المصرية في صلاية نعرمر

أيدولوجيا المشاهد المبكرة للملكية المصرية في صلاية نعرمر ............................................................

.................


تعد صلاية الملك نعرمر واحدة من أهم الآثار التي تنتمي لنهايات الأسرة صفر حيث كشفت عن مجموعة من المعاني الدينية الرمزية الأيدولوجية للملكية الناشئة في مصر القديمة و ذلك في الفترة التي إكتمل فيها توحيد القطرين . تسعى هذه الدراسة لتناول المفاهيم و الأفكار ذات الطبيعة الرمزية التي تميزت بها المشاهد المبكرة للملكية المصرية و سجلت على صلاية الملك نعرمر حيث يتم إعتباره حاليا و طبقا للرأي الشائع ، آخر ملوك الأسرة صفر .

و هذا الأثر هو عبارة عن صلاية زخرفية منقوشة من الوجهين و كانت موضوعة في أساسات معبد نخن المكرس لعبادة المعبود ( حور نخن ) و هي مصنوعة من الإردواز و يبلغ إرتفاعها 63,5 سم و عرضها 40 سم . تميزت هذه الصلاية بوجود عدد من المشاهد المبكرة و المعبرة عن الأيدولوجيا الدينية و السياسية للملكية الناشئة في نهاية الأسرة صفر تمثلت فيما يلي :

1 – ظهر على كلا الوجهين إسم الملك نعرمر داخل واجهة القصر المعروفة بالسرخ و التي تعبر عن واجهة القصر الملكي حيث كتب إسم نعرمر بعلامتي السمكة و الإزميل و هو ما يحاول البعض قراءته ( محبوب الإلهة نعر ) و لكن نلاحظ من جانب آخر أنه م يكتب بعلامة الفأس ( مر ) و التي تعني محب أو محبوب ، و لكن كتب بعلامة الإزميل و لذا يفضل البعض قراءته ( إزميل الإلهة نعر ) أى أنه إزميل الإلهة الذي يؤدب أعدائه و ما يرجح هذا التفسير عن السابق هو طبعة الختم التي عثر عليها في طيبة للملك نعرمر حيث ظهر فيها إسم الملك بعلامة السمكة ( نعر ) و قد أمسكت بمقمعة تضرب بها ثلاث صفوف من الأعداء أى أنه تم تجسيد الملك هنا في إسمه ، مما يرجح القراءة الثانية عن القراءة الأولى

2 – ظهر على جانبي إسم الملك في كلا الوجهين رأسان للمعبودة البقرة بوجه سيدة و قرني و أذني بقرة ، مما جعل البعض يرى فيها تصويرا مبكرا لهيئة الربة ( حتحور ) بينما رأى البعض الآخر فيها صورة المعبودة ( بات ) . و من المعروف – و من خلال صلاية جرزة و النجوم المعروضة في المتحف المصري و تنتمي للأسرة صفر – إرتباط البقرة بالنجوم كإلهة للسماء و إعتبارها حامية لأرواح الأسلاف الذين سكنوا في النجوم و إتخذوها كمقر أبدي لهم و هو المعتقد الذي تبلور بشكل واضح في متون الأهرام إلا أن إرهاصاه الأولى ترجع لعصر الأسرة صفر على أقل تقدير . و لكن الشكل الذي ظهرت به هنا بوجه سيدة و قرني و أذني بقرة ، فضلا عن توجه قرنيها نحو الداخل و ليس الخارج هو الأيقونة المتعارف عليها للإلهة ( بات ) إلهة الإقليم السابع من أقاليم مصر العليا ، و التي ظهر إسمها في بعض مقابر الأسرة السادسة في منطقة قصر الصياد ، بينما ظهر إسم حتحور للمرة الأولى في بعض الأسماء الشخصية و أسماء كهنة لحتحور في نهاية الأسرة الثانية و لكن بدون مخصص رأس البقرة .

3 – تحيط ( بات ) بإسم الملك بما يشير إلى إرتباط بعالم السماء الذي تمثله الإلهة من خلال ذلك التمثيل الفني الرمزي . و حقيقة الأمر أن التصوير المزدوج لبات على وجهي الصلاية لم يكن أمرا إعتباطيا بل كان مقصودا لذاته ، حيث نقرأ في إحدى فقرات متون الأهرام " أنا بات ذات الوجهين أنا الشمس و القمر " مما يعكس حقيقة وجود الشمس و القمر كعنصرين زمنيين ممثلان على وجهي الصلاية من خلال الوجود المزدوج لبات تحقيقا لمفهوم الديمومة الزمنية و الأبدية الملكية لجميع الأعمال و الإنجازات التي تم تصويرها على الصلاية .

4 – يظهر على أحد الوجهين الملك بحجم كبير نسبيا مرتديا التاج الأبيض – تاج الوجه القبلي – و لحية الإحتفالات المستعارة و رداءا قصيرا يغطي الكتف الأيسر و يصل إلى حافة الركبة و قد شد إلى وسطه بحزام عريض مزركش تتدلى منه سيور بأهداب طويلة تنتهي بحلية في هيئة رأس الإلهة بات . لماذا تم تصوير رأس المعبودة بات في هذا الوضع على الشنديت الملكي و ترتكز كل رأس على ما يشبه الخرز ؟ ..... طبقا لما ورد في متون الأهرام أن الملك يقوم بتخصيب أمه البقرة البرية العظيمة لكي يعيد ميلاد نفسه من جديد و لذلك أخذ لقب ( كا موت إف ) بمعنى فحل أو ثور أمه و من هنا فإن تصوير رأس بات على الشنديت الملكي فوق الخرز كان ذو مغزى ديني . فعلامة الخرز تعبر عن كلمة ( القبضة ) أو قبضة يد الإله الخالق التي إستمنى بها في بدء الزمان لكي يقيم خلق الكون و تم إعتبار البقرة بات أو حتحور قبضة يد الإله الخالق التي إستخدمها في بداية الخلق لكي يقيم عملية خلق الكون مما يعني أن الملك هنا يحل محل الإله الخالق الأول الذي يخصب أمه رمزيا – من خلال الشنديت – فيعيد خلق الكون و ميلاد نفسه من جديد و لذلك يتدلى من خلف الرداء ذيل طويل للثور بإعتبار الملك هو ( كا موت إف ) فحل أمه و هو المعنى الذي أكدت عليه نصوص الأهرام فيما بعد ، الأمر الذي يشير إلى حقيقة هامة : إن تصوير الملك في هذه الهيئة الشعائرية يبرز و لأول مرة مفهوم الولادة الإلهية الملكية في الحضارة المصرية القديمة و لكن بصورة تختلف جذريا عن مفهوم الولادة الإلهية التي ظهرت فيما بعد في عصر الدولة الحديثة إلا أن المعنى في كلا الحالتين كان متشابها .

5 – في نفس المنظر السابق يقبض الملك بيده اليسرى على أسير راكعا أمامه ممسكا بيده اليمنى بمقمعته و يهم بضرب الأسير الذي ظهر عاريا إلا من جراب العورة و ظهرت خلف رأس الأسير علاماتان كتابيتان تعبران غالبا عن إسم منطقته أو عن إسمه هو ؟ و يحتمل قراءتها ( وع – شي ) . يرى البعض في ذلك إسم الأسير نفسه و يرى البعض الآخر أنه إسم إقليم الحربة و هو أقصى الأقاليم الشمالية الغربية للدلتا على حدود الصحراء الغربية . ثم يظهر أمام وجه الملك الإله حورس و هو يؤيده و يقدم له الأسرى - وفقا لما يراه البعض – من أهل أرض البردي ! حيث تم تجسيد المعبود حورس في شكل صقر بيد بشرية يأخذ بناصية الأسرى الذين عبر عنهم برأس آدمي يخرج من أنفه حبل يقبض عليه حورس كما ظهر خلف الملك بحج أقل حامل النعل الملكي و إبريق الطهارة و قد كتب بعلامتي ( حم ) و ( الزهرة ) . و تشير كلمة ( حم ) إلى كاهن أو خادم ، أما ( الزهرة ) و التي أصبحت في العصور التاريخية تدل على كلمة ( حررت ) ، فكانت ترمز في ذلك الوقت للمعبود حور بمعنى الملك و بذلك يقرأ اللقب : كاهن أو خادم الملك

6 – لا يتفق الدارس على تفسير المنظر السابق بوصفه حربا شنها الملك ضد أهل الدلتا لكي يوحد الأرضين للإعتبارات التالية :

أ – لا وجود أثري لمفهوم مملكة في الشمال و أخرى في الجنوب في عصور ما قبل الأسرات بأكملها و لا في عصر الأسرة صفر

ب – وفقا لما سبق تناوله لا يعبر هذا المنظرعن واقعة تاريخية ، بل يجسد قيام الملك بطقس ديني يتمثل في ضرب العدو أمام المعبود حورس و لعل تصوير الملك بشاراته و رموزه السابقة فضلا عن وجود حامل النعل و إبريق الطهارة يؤكد على الكينونة الشعائرية للمشهد بأكمله .

ج – يبدو من المرجح و بنسبة كبيرة أن مصر طبقا للمعطيات الأثرية التي ترجع لعصر الأسرة صفر قد توحدت سياسيا قبل عصر الملك نعرمر بجيلين على أقل تقدير الأمر الذي يرجح خروج بالمشهد تماما عن أي وقائع تاريخية فعلية وقعت في عصر الملك نعرمر

د – تصور البعض من الدارسين أن وجود الصقر فوق أرض البردي أن ذلك يعني سيطرة الإله حورس رب الملك على أرض الدلتا و هو تفسير لا يستقيم لسببين : الأول و هو أن الصقر هنا هو أحد أرباب الدلتا الرئيسيين و قد كان يقدس في الشمال كما كان يعبد في الجنوب منذ بداية عصور ما قبل الأسرات و في فترة زمنية متعاصرة و الثاني : أن تصوير الصقر فوق أرض الدلتا لا يعني أنه يتم سيطرته عليها بل يعني أنه رب الدلتا المؤازر للملك فالفنان إضطر لتصويره فوق أرض البردي لإظهار كل مفردات المنظر و هي خاصية فنية هامة في الفن المصري القديم تماما مثلما كان يصور الصقر فوق السرخ الملكي و لم يقل أحد هنا أن الصقر يتم سيطرته على السرخ

ه – لا سبيل للتأكد من هوية الأسير الذي يقوم بضربه الملك برغم وجود العلامتين السابق شرحهما فالمنظر لا يعطي أى تفاصيل واضحة عن الحدث نفسه إن كان قد وقع فعليا أم لا و لا يعدو كونه مشهد ديني شعائري يعبر أن أيدولوجيا القمع الملكي للأعداء أو ربما قمع بعض عناصر من المتمردين الذين أثاروا بعض القلاقل في منطقة الدلتا دون أن يعني بالضرورة أنها حملة عسكرية وجهت للدلتا نظرا لغياب أى وثائق أو آثار تؤيد ذلك المعنى المفترض .

7 – في أسفل الصلاية ظهر أسيران يحاولان الهرب بينما يرى البعض أنهما صريعان في الغالب و هو ما يرجحه الدارس مقارنة بوضع الأسيرين الفني مع الأوضاع الفنية للأسرى المصورين كقتلى في صلايات الأسرة صفر . و أمام وجهيهما علامتان تشبه إحداهما علامة ( سا ) و الأخرى ( به ) و يرى البعض أنهما ربما تشيران إلى سايس و بوتو في الدلتا ! و لكن لا وجود لأي دليل علمي قاطع يؤيد هذا التفسير .

8 – ظهر على الوجه الآخر للصلاية الملك و هو مرتديا تاج الوجه البحري الأحمر كما ظهر خلفه حامل النعل الملكي السابق ذكره من قبل . و ظهر أعلى حامل الصندل الملكي بناء مستطيل الشكل يشير غالبا إلى مقصورة التطهير أو ما يعرف بإسم ( البر دوات ) بمعى بيت الصباح ، حيث تطهر فيها الملك أولا ثم خرج منها في صحبة موكبه . رأى البعض في هذا المشهد أن الملك نعرمر بعدما حقق إنتصاره على الدلتا ظهر مرتديا التاج الأحمر الخاص بهم و هو تفسير لا يستقيم مع المعطيات الأثرية لعصر الأسرة صفر التي كشفت عن أن أول من إرتدى تاج الجنوب الأبيض و تاج الشمال الأحمر كان الملك ( العقرب ) و ليس ( نعرمر ) حيث تولى زمام الأمور قبل عصره مباشرة مما يرجح وجود وحدة سياسية كانت قد تمت في عصر الملك العقرب وفقا لآثاره المنتشرة في مصر كلها و ربما أيضا قد وقعت قبل عصره .

9 – يتقدم الملك في المشهد السابق شخصية هامة بحجم كبير نسبيا و يرتدي جلد الفهد غالبا و أمامه كلمة ( ثت ) و البعض قرأها ( ثاتي ) و في واقع الأمر أن الآراء تباينت في تحديد هذه الشخصية و قد تراوحت بين إعتباره مربي للملك أو ربما وزيره – و هو الرأي الذي لا يتفق معه الدارس نظرا لأن لقب الوزير لم يعرف قبل عصر الأسرة الرابعة – أو كاهن السم إبن الملك الأكبر برداء جلد الفهد . و يتقدم الملك أربعة من حملة الألوية يمثلون ( الشمسو حور ) أو أتباع حورس و هم حكام الأقاليم الذين يسيرون برمزو معبوداتهم في الموكب و ساعدوا حكام نخن في عمليات الوحدة السياسية طوال عصر الأسرة صفر و أصبحوا يشاركون في الأعياد و المناسبات الدينية و السياسية الملكية الهامة حيث نشاهد لواء حورس الشمالي ثم حورس الجنوبي ثم لواء وب واووت ( فاتح الطرق ) و لواء ربما يعبر عن المشيمة الملكية . و يلاحظ هنا أن الموكب يتجه إلى معبد في الشمال حيث تظهر بوابة المعبد و طائر يرجح أنه طائر الور بمعنى أنه يمكن قراءة هذا النقش كالتالي : سبا – ور أو البوابة العظيمة ، ثم نجد مركب بها مقصورة تشير إلى مقصورة المعبود و فوقها الإله حور و أسفله الرمح أو الخطاف و هو رمز الإله ( حور ميسنو ) أو ( حور الخطاف ) و هي الهيئة التي إتخذها الإله حور نخن عندما إندمج مع م المعبود ( جبعوتي ) إله بوتو ، و لقد إرتبط حور ميسنو بطقسة ضرب و طعن فرس النهر ، فعندما كان الملك يطعن فرس النهر كان يطلق عليه ( حور ميسنو ) .

10 – يشير المشهد السابق إذن إلى إحتفال عند معبد بوتو في الشمال و أسفل ذلك تم تصوير عشرة أشخاص مكبلة أيديهم بالحبال من خلاف و قطعت رؤوسهم و وضعت بين أرجلهم و قد أظهر الفنان أرجلهم للداخل ماعدا إثنين تظهر أرجلهم مستقيمة و هو مشهد يغلب عليه الصفة الشعائرية أكثر مما يعبر عن واقعة تاريخية حيث يعكس المفهوم الرمزي للأعداء الذين قضى الملك عليهم طقسيا . و لابد هنا أن نشير إلى حقيقة هامة و هو : أن هذا المنظر هو الوحيد في الصلاية الذي يعبر عن مفهوم يقترب إلى حد كبير من فكرة الفن القصصي في الحضارة المصرية القديمة ، و الفن القصصي يعتمد على وجود : ( الزمان ) و ( المكان ) و ( وضوح فكرة الحدث ) و هو ما ينطبق إلى حد كبير على هذا المشهد و ذلك في مقابل بقية مشاهد الصلاية التي لا نعرف بالتحديد مكان وقوعها فضلا عن غموض الحدث نفسه في جميع المناظر . فالملك هنا يتجه لمقصورة التطهير ( مكان ) ثم يتحرك بموكبه ( التحرك يدل في حد ذاته على الزمان ) نحو معبد حور ميسنو ( مكان ) لإقامة طقس طعن فرس النهر ( و إن كان غير مصور ) و قتل و قطع رؤوس الأعداء في جو ديني شعائري مقدس يبرز أهم الواجبات الملكية مما يبرز وضوح الحدث و يقربه كثيرا من مفهوم الفن القصصي .

11 - و في وسط الصلاية يظهر حيوانان خرافيان بجسم أسد و رقبة ثعبان و رأس فهد و تتعانق رقبتهما مكونتين بؤرة الصلاية التي تعبر عن قرص الشمس و صور رجلين أحدهما يجذب عنق حيوان بحبل غليظ بينما الآخر يرخي الحبل من طرفه و قد تمكن عالم المصريات الألماني فستندورف و بإقتدار من تفسير هذا المنظر بأنهما – الحيوانين – يمثلان إلهي الأفق الذين تم تصويرهما دائما في صلايات الأسرة صفر و هما يتحكمان في حركة الشمس . و نلاحظ هنا أن كلا الحيوانين الخرافيين لهما ذيل مستدير و كانت إستدارة الذيل هنا ليست جديدة بل هي مكررة دائما في صلايات الأسرة صفر لكي تعبر عن الشمس ، فالذيل المستدير للحيوان الأيمن في الصلاية يعبر عن شمس المغرب أو الشمس التي تكاد أن ترحل للعالم الآخر ( بإعتبار الحيوان هنا مصور على أقصى اليمين – عالم الغرب ) أما بؤرة الصلاية فهي تعبر عن شمس المنتصف أو شمس منتصف الليل ، بينما يعبر الذيل المستدير للحيوان الأيسر في الصلاية عن شمس المشرق ( بإعتبار الحيوان هنا مصور على أقصى اليسار – عالم الشرق ) و هو المعنى الذي تم تسجيله بشكل متكرر في صلايات الأسرة صفر مما يعني وجود أقدم تصوير ديني رمزي لرحلة الشمس في العالم الآخر و إرتباط ذلك بمفهوم إستقرار النظام الكوني الشمسي و ربط كل ذلك بمفهوم الملكية المنتصرة على الأعداء . أما عن فكرة إتحاد مصر العليا بالسفلى أو كبح جماح الحيوانين بإعتبارهما الجنوب و الشمال فقد أصبحت الآن غير مقبولة في الأوساط العلمية .

12 – في أسفل الصلاية ظهر الملك في هيئة الثور و هو يحطم بقرنيه سور مدينة محصنة نقش إسمها بداخلها و يقرؤه البعض على النحو التالي : " مجد " أو " مصد " و يطأ الثور هنا ذراع زعيمها و ينبغي أن نلاحظ هنا أمور هامة :

أ – تم تصوير الثور في شيء من الهدوء و كأنه يشير إلى السيطرة على أهل المدينة دون الفتك بهم

ب – كتابة إسم المدينة لا يعني كما يعتقد البعض تحديد واقعة تاريخية محددة ضد مدينة بعينها ، فالهدف من المنظر تخليد المعنى و هو القضاء على العدو و ليس تخليد الحدث .

ج – ما يؤكد خلود و ثبات المعنى كأيدولوجيا أبدية هو تحول الملك في هذا المشهد الوحيد من الهيئة الآدمية إلى الهيئة الحيوانية مما يعني تحوله من نطاق القدرة البشرية التاريخية إلى نطاق القدرة الحيوانية الأسطورية الخارقة و هو الأمر الذي يؤطر العمل بأكمله في ذاكرة الخلود الملكي و يجعل المشهد برمته في إطار الشعيرة الرمزية .
13 – يتبين لنا مما تقدم أن مشاهد الصلاية تشير إلى مناظر تذكارية شعائرية لمعنى ديني أيدولوجي مقدس يتم الإعلان عنه و الترويج له في معبد حور في نخن حيث إكتشفت في أساساته و لا تقوم بالتأريخ لواقعة بعينها كما تصور العديد من الدارسين الذين رأوا فيها تسجيلا لحدث وحدة مصر السياسية لأول مرة في عصر الملك نعرمر و هو الأمر الذي لا يتفق مع معطيات الآثار التي ترجع لعصر الأسرة صفر حيث كشفت عن قيام وحدة مصر بشكل مرجح و قبل عصر نعرمر نفسه دون وجود آثار عنف أو حروب بين الجنوب و الشمال ، فالصلاية هنا تقع في إطار ممارسة الشعائر و تخليد الذكرى و لا تقع في إطار الآثار التي تحكي عن وقائع تاريخية

الكا الملكية


الكا الملكية


 ............. إن شرعية الملك الحاكم و قدرته على أداء مهام الحكم بكفاءة تامة تعتمد إلى حد كبير على ما يستمده الملك من القدرات الإلهية حيث تجسد نوعا من القدرة الخارقة و الفاعلية المطلقة التي تميزه عن غيره من البشر و ذلك وفقا لما ورد في المصادر الملكية المصرية الرسمية و لا سيما في جدران المعابد خلال عصر الدولة الحديثة . 

لم تكن هذه القدرات الإلهية سوى قدرات المعبود الخالق الأول و إنتقلت إلى أول جيل من الآلهة و منهم إلى الجيل الذي يليه و ظلت تنتقل بين الآلهة من جيل إلى جيل و منهم إلى أنصاف الآلهة - الشمسو حور - ( في عصور ما قبل التاريخ ) وفقا لما سجلته المصادر الأسطورية في عصر الدولة الحديثة ثم إنتقلت أخيرا هذه القدرات لملك وصفته القوائم الملكية بإسم " مني " بإعتباره نقطة بداية مقترحة للملكية البشرية التاريخية أكثر منه ملكا حقيقيا حكم البلاد . و وفقا لقواعد الملكية المصرية القديمة نجد أن هذه القدرات الإلهية الفاعلة التي تتوارثها الأجيال الملكية المتعاقبة ، تنتقل إلى الملك الجديد بمجرد إرتقائه عرش البلاد فيصبح بفضل شعائر التتويج و ما تسلمه من رموز و شارات الحكم قادرا على توظيف هذه القدرات للتعامل مع معطيات الطبيعة و الكون الأمر الذي يعني : تحقيق الرخاء و الإستقرار لشعبه في إطار ما يعرف بمفهوم ( الماعت ) و التي تشير لإستقرار النظام الكوني في مجرياته 
تتجسد هذه القدرات الإلهية المتوارثة في شكل خاص و هو ( الكا ) أو ( الكا الملكية ) و قد أشارت النصوص و المصادر المصرية في عصر الدولة الحديثة إلى أن الإله رع على سبيل المثال له أربعة عشر ( 14 ) كا ( سبعة ذكور و سبعة إناث ) و تستقر تلك الكاوات الإلهية و الملكية في تماثيل و رموز الآلهة كما تستقر في تماثيل الملوك و من هنا تظهر أهمية تماثيل الملوك الأسلاف التي يتم حملها في مواكب أعياد الآلهة المصرية حيث تمنح تماثيل هذه الملوك الكا الملكية أو الإلهية إلى الملك الحاكم و تظل معه طوال فترة حكمه حتى يتمكن من حكم البلاد بنجاح ، فالكا الملكية هنا تصبح حاملة لقبس و خبرات الأسلاف الذين حكموا مصر في الماضي و إتحاد الملك بتلك الكا يعني تجميع خبرات و قدرات الأسلاف في كيانه عند إرتقائه العرش فضلا عن ذلك فهي لا تتخلى عن الملك عند إنتقاله للعالم الآخر بل ترافقه في مقبرته ( أنظر منظر الكا الملكية و إتحادها بتوت عنخ آمون في مقبرته ) و تتناسل و تتناسخ هذه الكا إلى الملك اللاحق الحي بعد وفاة كل ملك سابق

المعنى الأسطورى لرحلة الشمس فى عصر الدولة الحديثة

المعنى الأسطوري لرحلة الشمس فى عصر الدولة الحديثة
By Ahmed Faheem in 


............................... صاغ كهنة طيبة فى عصر الدولة الحديثة تصورات فكرية متعددة عن مسار الشمس الكونى و سجلوا تفاصيل هذا المسار على جدران مقابر وادى الملوك ، فاتجهوا نحو تصوير إله الشمس ( رع ) فى رحلتين على متن قاربين : الأولى نهارية تبحر فى عالم سماوى و الأخرى ليلية تجرى فى عالم سفلى . و إتجه أنصار الفكر الشمسى فى طيبة إلى تمييز كل مرحلة من مراحل مسار الشمس بمعنى دينى محدد ، فكانت ولادة رع من جوف السماء فى الصباح الباكر تعنى ولادته من رحم أمه الإلهة ( نوت ) حتى يضىء الدنيا بأكملها ثم صورته المتون الشمسية فى هيئة طفل وليد يحتاج للرضاعة من قبل الإلهات المرضعات و ماأن لبث شابا ، حتى إعتلى عرش مصر فأصبح حاكما عليها الأمر الذى إستوجب الإحتفالات فى البلاد بأكملها ، فهلل و صفق له البشر و الآلهة .

كما أشارت متون هذه الرحلة إلى مواجهة كونية تتم بين ( رع ) ذاته و عدو مجسد فى هيئة ثعبان يدعى ( عبب ) يعمل على إعاقة مركب الشمس فى رحلتيها النهارية و الليلية ، فيشترك كل من الآلهة و الآلهات المصاحبة لرع فى القضاء على ذلك الثعبان ، فهو يجسد عنصرين : 1 - خطر كونى يكمن فى توقف حركة الزمن مما يعنى القضاء على الكون . 2 - ( عبب ) هو أصل الشر و الأخطاء التى يقضى عليها ( رع ) بنفسه .

تنتهى هذه الرحلة النهارية بعودة ( رع ) مرة أخرى إلى رحم أمه الإلهة ( نوت ) فيستبدل قاربه النهارى ( معنجت ) بقارب أخرى ( مسكتت ) و يتم رحلته الليلية الأخروية فى عالم سفلى و صفته النصوص بأنه عالم ماقبل الخلق حيث يهيمن فيه عنصران : الظلام و المياه الأزلية الأولى ( نون ) . إن هبوط رع إلى ذلك العالم لا يعنى سوى موته المؤقت أو بمعنى أدق كمون و توقف فعاليات الشمس عن أداء دورها فى عالم النهار و لو إلى حين حتى صباح اليوم التالى . و عندما يقتحم عالم مملكة الموتى السفلى فإنه يباشر وظيفته هناك كحاكم تماما مثلما كان يؤديها فى دنياه النهارية . و ينبغى لنا أن نشير إلى حقيقة ثابتة : إن هبوط ( رع ) إلى تلك المملكة لم يكن أمرا إعتباطيا ، بل كان يهدف إلى تجديد هيئة و دورة الشمس ذاتها فى العالم السفلى ، فالموت هو جزء من الحياة طبقا لمقتضيات العقيدة المصرية القديمة ، و هناك يظهر ( رع ) ك ( با ) بمعنى روح و يتحد و يتحد بجسده الميت الذى لم يكن سوى الإله ( أوزير ) و من هنا يعود ( أوزير ) إلى الحياة من جديد فى عالمه السفلى ، و أخيرا تنتهى الرحلة الشمسية الليلية بإنتصار الشمس على جميع أعدائها و ولادتها من جديد فى الصباح . نستشف مما سبق أن و ظيفة معبود الشمس ( رع ) من خلال رحلتيه الكونيتين تعكس دور الملك سياسيا على أرض مصر ، فالأحداث الكونية للشمس تتطابقمع الأحداث الأرضية التى يقوم بها الملك على الأرض ، فإنتصار الشمس على أعدائها يعنى عدد من الأمور الهامة و هى : 1 - إنتصار ( النظام الملكى ) على ( الفوضى المدمرة ) التى يسببها أعداء مصر .

2 - تغلب ( الخير ) على ( الشر ) ، فتتم مقاضاة الشر من خلال محاكمة أخروية أوزيرية مما يؤدى إلى إنتصار الخير ، أو بمعنى أدق ينتصر ( رع ) فينتشر ( الضياء ) فى العالم و يقضى على ( الظلام ) ، فالضياء هو ( الخير ) و الظلام هو ( الشر ) ، فيصبح العالم بأكمله بعد أن كان له قيمتين هما ( الخير و الشر ) ، ذو قيمة واحدة سائدة و هى ( الخير ) و هذا يعنى أنه أصبح قابلا للإستقرار و السكن و المعيشة .

3 - إنتصار إله الشمس بصفته ملك مصر يعنى أن الحاكم لايقول و لايفعل إلا الحق ، فتستقر ملكيته الدنيوية و الأخروية إلى الأبد و يستقر معها النظام الكونى .

4 - انتظام المسار الشمسى يؤدى إلى تأدية الملك لدوره الأخطر على الإطلاق تجاه شعب مصر و هو : ضمان التموين الغذائى للجميع ، فلا تحدث أزمات أو مجاعات .

5 - إن سلامة المسار الشمسى تؤدى إلى تسيد و هيمنة حب البشر لبعضهم البعض مما يساعد على خلق علاقات إجتماعية طيبة بين شعب مصر فلا وجود للقتل أو الكذب أو البغض

6 - أما المعنى الدينى فيكمن فى تغلب الشمس على موتها المؤقت و إعادة ولادتها من جديد مما يجعل مسارها نموذجا و هدفا لجميع المصريين ، فيتمنون لو يتحدوا بها أو يشاركوها فى رحلتها على أقل تقدير