الثلاثاء، 29 مايو 2012

هل تعلم أن الحضارة المصرية القديمة تميزت بظاهرة تذكر الموتى فى بعدي الماضي و المستقبل ؟



بسم الله الرحمن الرحيم

هل تعلم أن الحضارة المصرية القديمة تميزت بظاهرة تذكر الموتى فى بعدي الماضي و المستقبل ؟ 
إن الرابط الذي يجمع بين المتوفى و بين إحياء شعائره و تذكر سيرته من جانب الأحياء هو ظاهرة فريدة فى الحضارة المصرية فهذا الرابط لم يكن يتم فقط لمجرد أن الفرد كان يقوم ببناء مقبرة لنفسه فى اللحظة التى يتولى فيها منصبا رفيعا فى الدولة ، و بالرغم من أن تشييد المقبرة يمكن الإنسان من وضع النواة المسقبلية لخلق ذكراه فى المستقبل من جانب الأحياء إلا أن الأمر كان له مغزى آخر و هو : من حق الفرد بعد موته أن ينتظر من جماعة الأحياء ( برا و إحسانا ) تجاهه بالقدر نفسه الذي يقدم به ذلك الفرد هذا البر و الإحسان لأسلافه ، فنحن هنا أمام شبكة إجتماعية لعلاقات إجتماعية إنسانية متبادلة بين الفرد و الجماعة ، فالسيرة الذاتية النموذجية لصاحب المقبرة تصوره إنسانا عاش طبقا لتعاليم و أخلاق مثالية سادت فى عصره و تصبح هذه الفضائل التى عاش بها فى دنياه هى موجه أخلاقى للإنسان فى عالم الدنيا و قبل الإنتقال للعالم الآخر كما تصبح من جانب آخر سببا لكى يظل صاحب المقبرة فى قيد الذاكرة الحضارية المستقبلية بالرغم من إنتمائه لعالم الماضي

المغزى السياسي لمفهومى ( النظام ) و ( الفوضى ) فى أدبيات الدولة الوسطى


بسم الله الرحمن الرحيم

المغزى السياسي لمفهومى ( النظام ) و ( الفوضى ) فى أدبيات الدولة الوسطى ...........................................................................................................................بدأ حكم ملوك الأسرة الثانية عشرة ببرنامج ( إنهاء الفوضى ) التى أصابت البلاد خلال عصر الإنتقال الأول و بصورة نهائية . و قد كانت ( تنبؤات نفر رحو ) التى صيغت بشكل أدبي فى عصر الدولة الوسطى هى النموذج الكلاسيكي لوصف ( الفوضى ) التى إتسمت بها التجارب التاريخية لعصر الإنتقال الأول . إلا أن ملوك الدولة الوسطى أكدوا فى نصوصهم الأدبية أن مكافحة هذه الفوضى بصورة ناجزة لا تتم إلا من خلال مبدأ إستخدام ( القوة ) ، فالقوة الملكية ضرورية لمنع ظهور أى قوة إقليمية منافسة لها و لا سيما من حكام الأقاليم الذين تسببوا فى إنحلال السلطة الملكية . فالقوة ( وسيلة ) لأجل تحقيق ( هدف ) القضاء على الفوضى . و من هنا أصبحت الدولة الوسطى دولة القوة القانونية ، و لذا فإننا نرى ملوك ذلك العصر و هم يحتكرون الوسائل العسكرية اللازمة لإقامة القوة الملكية ، فتمكنت فى نهاية المطاف من إنهاء القوى الأخرى للجيوش المحلية الخاصة بحكام الأقاليم . و لا ريب أنه بدراسة أدبيات ذلك العصر يتبين لنا مجموعة من النتائج هى 
1 - تلفت التقارير الملكية الأدبية الأنظار نحو وصف ( الفوضى ) بالمنطوق اللفظى ( إسفت ) فى صورة بلاغية تعكس وجود ( أزمة ) فى عالم مصر ، إذا خلت من ( السلطة الملكية ) 
2 - تهدف هذه التقارير إلى التأكيد على عدم إمكانية حلول ( النظام ) و ( السلام ) و ( العدالة ) إلا بواسطة السلطة الملكية التى تعنى بكل بساطة ( وجود الدولة ) 
3 - تؤدى هذه الأفكار إلى وعى و إدراك الجماهير بوجود ( خطر دفين ) ، فهى توحى لهم بأن النظام فى العالم ( ليس من طبائع الأمور ) و ( لا هو قابل للتطبيق ) و ( لا هو سمة فطرية لدى البشر ) 
4 - تسعى تقارير أدبيات الدولة الوسطى إلى تصوير نتائج و تبعيات و عواقب إختفاء السلطة الملكية فى مصر ، فتفترض أنه إذا ما إنحلت هذه السلطة ، أدى ذلك لإختفاء ( ماعت ) نفسها ، فماعت - و من خلال النصوص الأدبية الرسمية للدولة الوسطى - هى التى تربط الفرد بالجماعة و الأحياء و الأموات و الآلهة و الكون ، فإن إختفت ( ماعت ) ، إنهارت الصلة بين الفرد و بين المجتمع و الآلهة ، فينعدم النظام و تتنحى الآلهة عن عالم مصر بأكمله ، و هى خسارة لا تعوض . فآلهة مصر هم الضمان للخير و النظام و الخصوبة و العطاء و الأمن ، فكانت رسالة ذلك العصر هو تساؤل ضمنى غير مباشر : أهكذا ترضى مصر لنفسها ؟ أهكذا يعيش شعب مصر ؟ ..... إن آلهة مصر إذا تركت البلاد لحالها يعنى ذلك فقدان الطبيعة لقواها الخيرة المغذية لمصر و شعبها فتكون العاقبة وخيمة : مجاعات - جفاف - سيادة القتل و النهب بين الناس - تحطم الصلات الإنسانية فى المجتمع و هى ذات المضمون الذي ورد ذكره فى ( إنذارات إيبو ور ) التى نشأت تحديدا فى الدولة الوسطى مساويء وهمية لعصر الإنتقال الأول فكان مضمون تلك الإنذارات هو أن مصر لا ترضى أن تعيش دون وجود سلطة ملكية ( الدولة القانونية القوية ) تسعى لتطبيق ( الماعت ) - النظام و تقضي على ( الإسفت ) - الفوضى 
5 - كلما زادت الأزمات و كلما زادت التعبيرات البلاغية المعبرة عنها ، زادت الحاجة إلى إبراز الفوضى فى مقابل السلطة الملكية المطلقة مما يساعد على الإيمان المطلق بضرورة وجودها ، و من الصعب أن يفهم و يدرك الدارس معنى و مفهوم الملكية فى عصر الدولة الوسطى إذا تصور وجودها فى عالم يخلو من الشرور و الأزمات و الكوارث 
6 - إن جميع نصوص الدولة الوسطى ذات الطابع الأدبي السياسي التى وصفت عصر الإنتقال الأول بأنه عصر الأزمات و الإشكاليات الكبرى هى نصوص سياسية مغرضة فى معظمها فليس لها أى سند أثري و لاسيما بعد ظهور مكتشفات أركيولوجية جديدة غيرت نظرتنا بشكل جذري عن ذلك العصر ، فعالم الأزمات و الفوضى هو عالم وهمى فى مقابل عالم النظام الذي نشأت من أجله ملكية الدولة الوسطى ، فهو عالم أيدولوجية الملك المنقذ من الكوارث و هو عالم الراعي الطيب الذي يحمي قطيع الإله ( شعب مصر ) من الذئاب

الدلالات الأيدولوجية السياسية فى عصر الدولة الحديثة


بسم الله الرحمن الرحيم

الدلالات الأيدولوجية السياسية فى عصر الدولة الحديثة ...........................................................................................................................بدأ عصر الدولة الحديثة بإنتهاء عصر الإنتقال الثانى الذي تميز بالحروب التحريرية الناجحة التى خاضها المصريون ضد الهكسوس إلى أن تمكنوا من طردهم من تل الضبعة ( شمال شرق الشرقية ) ، فأسسوا بذلك عهدا حضاريا جديدا و هو عصر الدولة الحديثة ، فكانت تلك المعارك التحريرية لنهايات عصر الإنتقال الثانى هى المرحلة التاريخية التى إستمد منها ملوك الدولة الحديثة رموزا سياسية و أهدافا و خططا أيدولوجية ، فكانت بمثابة القانون الشرعى للسياسة الملكية فى ذلك العصر . و لكى نفهم الأسس السياسية التى إرتكز عليها ملوك الدولة الحديثة ، نتذكر هنا السياسة الملكية فى عصر الدولة الوسطى التى أسست شرعيتها بغياب الماعت خلال عصر الإنتقال الأول ، الذي يظهر من خلال كتابات الدولة الوسطى الأدبية بكونه زمن الفوضى و الأزمات و الشرور و المجاعات و ذلك فى مقابل النظام و الخير و العدالة و الأمن تحقيقا للماعت التى نادى بها ملوك الدولة الوسطى . و من هنا نجد أن الملكية فى الدولة الوسطى إستمدت مفاهيم سياستها ( من الداخل ) فى تثبيت مكانتها و تأكيد شرعيتها ، أما التجارب التاريخية للمعارك التحريرية التى تزامنت و نهايات عصر الإنتقال الثانى ، فقد ربطت سياسة الدولة الحديثة بعامل تهديد مصر ( من الخارج ) ، فظهرت نصوص الدولة الحديثة لتؤكد على مفهوم أيدولوجى ثابت و هو تهديد مصر من الخارج و ضرورة حمايتها من أعدائها و لذا فإن الأمر يستلزم توسعة الحدود الخارجية بشن حملات عسكرية و إنشاء إمبراطورية مصرية فى آسيا و لأول مرة لأجل الحفاظ على نطاق الأمان فى مصر .
و هناك مجموعة من الحقائق تلقي مزيدا من الضوء على أهم الملامح السياسية الأيدولوجية لذلك العصر تمثلت فيما يلي : 
1 - قام أوائل ملوك الأسرة الثامنة عشرة بإستحضار زمن الأمجاد و البطولات لملوك الدولة الوسطى فصوروا أنفسهم بملامح و أوضاع فنية متطابقة مع ملوك الدولة الوسطى ، فإعادة إحياء الماضي المجيد كان أحد مظاهر تأكيد الشرعية السياسية فى الحضارة المصرية 
2 - تأليه الملك ( سنوسرت الثالث ) فى بلاد النوبة من جانب أوائل ملوك الأسرة الثامنة عشرة و التأكيد على تكرار سياسته تجاه أعداء مصر و إتخاذه كنموذج يقتدى به فى ذلك العصر 
3 - إعادة تأويل أسطورة ( حورس و ست ) مع بدايات عصر الدولة الحديثة و طبقا لما مرت به مصر خلال عصر الإنتقال الثانى و معارك التحرير ضد الهكسوس . فأصبح ( ست ) يوصف بأنه ( إله الهكسوس ) و ( رب البلاد الأجنبية ) لأول مرة . إلا أن ذلك لا يعنى القدح و الطعن فى شخصية ( ست ) ، بل هى محاولة دينية أيدولوجية لتبنى و إستيعاب الأجنبي الغريب بواسطة المعبود ( ست ) الذي أصبح مسيطرا على العالم الآسيوي ، و نتيجة لذلك فإن جميع القبائل و البلاد الآسيوية خاضعة له . و من هنا لم يعد ( الأجنبي - الغريب ) ممثل للفوضى و يجب عزله عن عالم النظام ( عالم مصر ) كما كان يتم تصوير ذلك حتى نهايات عصر الدولة الوسطى . و إنما أصبح ( الأجنبي - الغريب ) يوصف على أنه إما من الأعداء أو من الأصدقاء ، فينبغى عليه إما أن يخضع لعالم مصر فيؤدى الضرائب لها ، أو تتوطد العلاقة معه بإقامة معاهدات سلام و زيجات سياسية ، مما يعنى أن ست هنا يجسد إمكانية عمل و إقامة سياسة سلمية مع الأجنبي الغريب إما بإخضاعه أو بإقامة علاقات طيبة معه 
4 - قام المصريون بتمجيد الآلهة الأجنبية و وضعها فى نفس منزلة الآلهة المصرية ، و صار الملك المصري يظهر أحيانا كصورة للمعبود الأجنبي ( على سبيل المثال لا الحصر : رمسيس الثانى و وصفه و تصويره بأنه المعبود حورون رب القبائل الكنعانية ) و ذلك بهدف إحكام السيطرة السياسية على الجاليات الأجنبية المقيمة فى مصر 
5 - لم تعد مصر هى العالم الوحيد الذي خلقه إله الشمس رع و ماحولها هى مناطق مسكونة من قبل الأعداء الذين يسببون الفوضى ، بل ظهرت مفاهيم فى نصوص الدولة الحديثة تؤكد على أن رع خلق شعوبا مختلفة و هو الفكر الذي ظهر منذ نهايات عصر تحتمس الثالث بفضل السياسة التوسعية التى قام بها ذلك الملك و ما نتج عنها من زيادة التبادل الحضارى و الإحتكاك الثقافى بين مصر و غيرها من البلاد و تأكد ذلك المفهوم فى عصر العمارنة و استمر لما بعد عصر العمارنة ، فظهرت شعوب الأرض المختلفة لأول مرة فى مناظر كتاب البوابات فى عصر حور محب و وصفت بأنها ( ماشية رع ) التى يرعاها و يهتم بها فى العالم الآخر 
6 - تحول المعبود ( ست ) فى عصر الرعامسة الى أحد المعبودات الرسمية الكبرى للدولة و لا سيما و أن لوحة الربعمائة الشهيرة كانت من الوثائق التاريخية التى تشير الى ذكرى إحتفال مرور 400 عام على إنشاء معبد ست فى أواريس ( تل الضبعة ) عاصمة الهكسوس و وصفت هذه اللوحة صورة الملك الحاكم بإعتباره ( ست ) الذي يقف فى ركب الشمس لكى يحافظ على النظام الكونى العالمى و يدرأ عن ( رع ) جميع المخاطر و التهديدات ، فظهر فى كتب العالم الآخر لأول مرة و هو يقوم بضرب ثعبان الفوضى ( عبب ) برمحه لكى يجعله يتقيأ المياه التى إبتلعها فتعاود مركب الشمس سيرها من جديد ، مما جعل ست يتبوأ مشهد الصدارة كأحد أرباب الحرب و القتال فى ذلك العصر
7 - أصبح مفهوم الأعداء ينطبق فقط على الذين يرفضون أن يخضعوا لعالم مصر و سياستها الملكية ، فظهرت الصورة التقليدية على جدران صروح المعابد المصرية التى تصور الملك فى وضع كلاسيكي و هو يقوم بضرب الأعداء و ذلك لحماية عالم آلهة المعبد و أرض مصر و هى صورة لا تتعدى دعاية دينية سياسية أيدولوجية فى تلك الفترة ، أما مع بدايات عصر الرعامسة و لا سيما فى عصري سيتى الأول و رمسيس الثانى تحولت الصيغة الفنية من مجرد ضرب للأعداء إلى تصوير فنى جديد و واقعى لأحداث المعارك العسكرية بشكل لم يسبق له مثيل و من هنا و بواسطة ذلك التصوير الجديد أصبح من الممكن إضفاء طابع سياسي أيدولوجى أكثر فعالية و أكثر قوة لأعمال الملك الحربية التاريخية بدلا من الإكتفاء بالصورة الكلاسيكية القديمة ، فكانت تلك الأحداث و طريقة تصويرها بأسلوب فنى جديد ( مثال : معركة قادش ) ليست أحداث روتينية تقليدية مثلما كان يحدث قبل ذلك ، إنما هى أحداث فريدة من نوعها تكشف عن سياسة أيدولوجية جديدة
8 - قامت جميع الحروب العسكرية فى ذلك العصر بوحى من المعبود آمون رع ، فلم يحارب أى ملك دون مؤازرة آمون ، فأخذت الحروب فى ذلك العصر طابع ديني مقدس ضد كل من يأبى للخضوع لعالم مصر ، فكانت علاقة الدين بالحرب علاقة متينة فى عصر الدولة الحديثة مما كان سببا فى تصوير أحداث التاريخ على أنها إرادة الآلهة و تدخلهم فى السياسة الملكية و أصبحت الحروب تمول من خزائن المعابد ، كما تعود غنائم الحرب إلى خزينة المعابد 
9 - أصبحت علاقة الدين بالحرب أعمق فى أواخر الأسرة الثامنة عشرة و بدايات عصر الرعامسة ، حيث أصدر الملك ( حور محب ) قرارا بتعيين رجال الجيش فى المناصب الكهنوتية و أصبح رجال الجيش هم أنفسهم كبار الكهنة ، فاتحدت السلطة العسكرية بالسلطة الدينية مما كان أحد الأسباب القوية لتحدى الملكية فى نهايات عصر الدولة الحديثة و لا سيما عندما ضعفت قبضتها على ناصية الأمور فخرج كبار كهنة طيبة و بدأوا إعلان إستقلالهم عن ملوك الرعامسة و عدم الإعتراف بشرعيتهم ( مثال : أمنحوتب كبير كهنة طيبة فى عصر رمسيس التاسع و حرى حور فى عصر رمسيس الحادى عشر ) 
10 - يمكن القول أنه إذا كانت ( ماعت ) هى المعطى السياسي الأكثر بروزا فى أيدولوجية الدولة الوسطى فقد أصبح ( الدين و الكهنوت ) هو المعلم الأيدولوجى السياسي الأكثر بروزا فى عصر الدولة الحديثة و لا سيما و أن المعبود آمون رع تحول من مجرد رب راع للملكية و جالب النصر فى المعارك العسكرية ، الى معبود يتحكم فى أعمال البشر و يتدخل فى حياتهم فى كل الأمور و يصبح ربا مخططا للأعمال الإنسانية و من هنا يصبح ( التاريخ ) تحت ( إرادة الآلهة )

الاثنين، 21 مايو 2012

هل تعلم أن أقدم دليل أثري لظهور لعقيدة الأم الكبرى فى مصر يرجع إلى نهايات العصر الحجرى القديم الأعلى فى مصر ؟


بسم الله الرحمن الرحيم 


هل تعلم أن أقدم دليل أثري لظهور لعقيدة الأم الكبرى فى مصر يرجع إلى نهايات العصر الحجرى القديم الأعلى فى مصر ؟ 

................. ظهرت الدلائل الأولى لتقديس الأم الكبرى فى مصر فى منطقة القرطة شمال كوم امبو ، حيث تم تصويرها ثلاث مرات على الصخور الحجرية لمنطقة القرطة بخطوط بيانية منقوشة بشكل واضح ، و قد أرخت نقوش القرطة بنهايات العصر الحجري القديم الأعلى و تحديدا منذ 14000 عام ق.م الى 13000 عام ق.م و كانت تلك النقوش هى القرينة البارزة على وجود شعائر للأم الكبرى مانحة الحياة و الميلاد الجديد و مجددة خصوبة الأرض و المسيطرة على عالم الطبيعة فى مصر و أن تقديسها فى مصر كان موازيا من حيث الزمن لتقديسها فى العالم أجمع و لا سيما فى أوروبا و الشرق الأدنى القديم و أن مشهد بدايات التطور العقائدى فى مصر نحو الأم الكبرى لم يكن متأخرا عن مثيلاتها فى العالم القديم و كان أبرز ما ظهر فى نقوشها هو تصويرها دون الرأس الآدمية و هى ذات الملامح الفنية لتمثيل الأم الكبرى فى العصر الحجرى القديم الأعلى فى العالم بأكمله الأمر الذي يعنى وجود تماثلات أسلوبية و فنية مشتركة بين فنانى العالم القديم فى تصوير الأم الكبرى دون أن يعنى ذلك وجود تأثير و تأثر مباشر أو غير مباشر بين فنانى ذلك العصر ، بل هى تماثلات أسلوبية فنية ترجع إلى وجود تشابه فى المعطيات البيئية و الوحدة النفسية و الفكرية البشرية و توارد الخواطر و التقارب البيئي و الفكري بين مناطق العالم القديم مما يؤدى لإنتاج صور فنية متشابهة الى حد كبير

المظاهر الثقافية للمعبد المصري فى العصرين البطلمي و الرومانى


بسم الله الرحمن الرحيم

المظاهر الثقافية للمعبد المصري فى العصرين البطلمي و الرومانى .............................................................................
أصبح المعبد المصري فى العصرين البطلمى و الرومانى حاملا لثقافة و آمال كهنة و شعب مصر بصورة تختلف إلى حد كبير عن صورة المعبد المصري فى عصور الدولة الوسطى و الحديثة و الإنتقال الثالث و المتأخر . فنقرأ فى معبد ( إدفو ) أن الملك ( بطلميوس الثالث ) أعاد بناء المعبد طبقا للخطة التى وضعها الأسلاف عند الشروع فى تشييده أول مرة . و كما هو مسجل على جدران المعبد ، أن خطة البناء العظيمة موجودة فى ذلك الكتاب الذي هبط من السماء شمال مدينة ( منف ) .
و من خلال هذا المثال يتضح لنا أن ( المعبد المصري ) فى العصرين البطلمى و الرومانى يصبح ( كتاب ديني مقدس ) ، فالمعبد هنا ليس سوى الترجمة الفعلية الواقعية لمفهوم ( الكتاب المقدس ) ، و يتحول ذلك الكتاب إلى ( قانون حضاري مقدس ) ، فهو من ناحية كتاب هبط من السماء الى شمال مدينة منف و من ناحة أخرى لم توجد أى إمكانية لإضافة أو إنتقاص أى شيء منه . كما تجدر الإشارة إلى وصف بعض النصوص فى إدفو لأمر هام و هو : أن ( إيمحوتب ) كان فى سياق آخر – هو الذي وضع ذلك الكتاب المقدس فى عصر الأسرة الثالثة . و نخلص من ذلك كله إلى أن : ( الكتاب ) هو أساس بناء ( المعبد ) و ( المعبد ) هنا يقوم بحفظ محتويات ( الكتاب المقدس ) فى داخله . 
إن ماهية المعبد المصري القديم فى العصرين البطلمى و الرومانى بوصفه ظاهرة حضارية بارزة تميز بسمات هامة ورد ذكرها على جدرانه فكانت ما يلي : 
1 – أكدت نصوص المعبد فى ذلك العصر على وجود خطة معمارية للبناء أطلقوا عليها تسمية ( سنت ) 
2 - تم وضع جميع كتابات و مناظر المعبد فى إطار برنامج دينى مقدس أطلقوا عليه لفظ ( سشم ) 
3 - و نظرا للزيادة الواضحة فى شعائر المعبد التى صورت بكثافة على جدرانه ، أصبح المظهر الطقسي للمعبد يسمى بلفظ ( تب – رد ) أو ( نت - عا ) 
4 – تميز المعبد فى تلك الفترة بوجود مظهر أخلاقي ، فظهرت نصوص تصور المعبد بإعتباره مكانا لنمط حياة نموذجى و بوصفه تحقيقا للقوانين الإلهية 
فإذا نظرنا للمعبد المصري من خلال العناصر السابقة ، نجد أنه أصبح ظاهرة حضارية من الطراز الأول ، فالمعبد هنا و فى ذلك العصر كان أكبر و أكثر من كونه مجرد صورة معمارية لمنشأة دينية مقدسة ، فلقد إتسمت صورة المعبد بما يلي : 
1 – أصبحت جميع المعابد فى العصرين البطلمى و الرومانى تتسم بخطة معمارية واحدة الطراز و أصبحة تلك الخطة الواحدة بمثابة قانون حضاري عام و متبع فى جميع أنحاء البلاد 
2 – أصبحت الأجزاء المعمارية للمعبد بمثابة مقاصير معمارية دينية مقدسة جاء تصميمها بحجم ضخم تحتوى و تحتضن بعضها البعض ( مثال : معبد إدفو ) ، فجاء شكل المعبد على هيئة مقاصير متداخلة ، تحتوى كل مقصورة فى داخلها على مقصورة أخرى أصغر منها ، و كان الهدف من ذلك كما أشارت نصوص المعبد إلى وجود قدسية إلهية على الأرض ينبغى حمايتها ، و يجب حجبها بكل الوسائل الممكنة عن سياق العالم الدنيوي ( الدنس ) 
3 – جاءت تصميم الأجزاء المعمارية الداخلية للمعبد على هذا النحو كما لو كانت ( إجراءات أمنية ) أملتها الضرورة لسبب ( وجود إحساس دفين بالخطر ) ، فهو الخوف من الدنس و إنتهاك حرمة و قدسية المعبد عن طريق العالم الخارجى الذي وصفته نصوص المعبد بعالم الضرر و الشر 
4 – لم يكن ذلك العالم الخارجي سوى أعداء مصر المهددين لثقافتها و حضارتها ، و من الصعب أن نفصل بين هذا السياق و بين سياق الغزو البطلمي و الرومانى لمصر و ما نتج عنه من محاولات تهديد الهوية الحضارية لمصر و بداية وجود شعور بغزو ثقافى 
5 – أكدت نصوص هذه المعابد على أمر هام و هو : عدم إقتراب الأجنبي الغريب من المعابد و عدم رؤيته لشعائر المعبد حتى لا ترحل الآلهة عن أرض مصر 
6 – ظهور مفهوم معاكس تماما للمعبود ( ست ) الذي تحول إلى ( إله للأجنبي الدنس ) الذي يعمل على تحطيم المقدسات فى مصر و يقود الجيوش الغازية ضدها – كما ظهر فى إدفو و دندرة و فيلة – و لم تكن هذه الصورة موجودة قبل ذلك العصر ، و بما أن ست و منذ البدايات الأولى كان ربا للأعاصير و الزوابع الرملية ، تم وصف الأجانب بأنهم مخلوقات إعصارية مرعبة تتبع ( ست ) لكى تقضي على البلاد
7 – تحول المعبد المصري الى مكان للإنزواء نحو الداخل للحفاظ على هوية مصر الثقافية من خلال الشعيرة التى تعمل على الحفاظ على العالم ، فأراد كهنة مصر خلق هوية متقوقعة على ذاتها رفضا للغريب الخارجي الأجنبي المهدد لهويتها الثقافية و من هنا تحول المعبد إلى رد فعل دفاعى لحضارة مصر 
8 – تحول المعبد المصري الى ذكرى خاصة للماضي المجيد و الذي يتجسد فى شكل بناء حجري ، و لم يكن ذلك الماضي سوي أعظم صورة مثالية للزمن الأول الذي ظهرت و حكمت فيه الألهة مصر ، فأصبح المعبد يمثل إصلاح دينى يأخذ شكل العودة إلى الأصول و المنابع الأولى المقدسة 
9 – إحتوت كتابات المعبد على ميراث الأسلاف المقدس ، فأصبح موسوعة للعلم و المعرفة المقدسة نظرا لأنها كانت من موروثات آلهة مصر الأوائل 
10 – إزدادت العلامات التصويرية الكتابية فى ذلك العصر بشكل لم يسبق له مثيل و ملأت هذه العلامات المعابد عن آخرها ، و أصبحت كل علامة تصويرية تجسد شيء من العالم الخارجى ، فأصبحت كل موجودات العالم الخارجي داخل المعبد و من هنا إحتوى المعبد على العالم الخارجى الحقيقي و المقدس الذي يختلف عن العالم الخارجي المزيف و الدنس ، فعالم المعبد هو العالم الحقيقي الذي تعمل الشعائر على إنقاذه من الخطر فى مقابل العالم الذي يقع خارج أسوار المعبد و الذي يهدد كيان المعبد الداخلى 
11 – بما أن هذه العلامات التصويرية و ضعت العالم الخارجي الحقيقي داخل المعبد ، و بما أن المعبد هو مقر سكن الآلهة ، نشأ تصور عن العالم بأكمله بأنه الكتابة التى سطرتها الآلهة فى بدء الزمان و أنها نفذت داخل المعبد 
12 – لم تعد الآلهة فى مصر تسكن الأرض كما ذكرت نصوص المعبد فى العصرين البطلمى و الرومانى ، و لكنها تستدعى لكى تسكن أرواحها داخل أجسادها ( تماثيلها ) فى قدس الأقداس و فى صورها التى تملأ جدران المعابد ، من خلال شعائر فى غاية الأهمية و الخطورة ، و من هنا نشأ القلق و الخوف من عدم إقامة طقوس إستدعاء آلهة مصر و هو الأمر الذي كررته كتابات المعابد فى أكثر من مناسبة

مفهوم إعادة تركيب الماضي التليد فى الحضارة المصرية القديمة - دراسة أنثروبولوجية فلسفية أثرية موجز


بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم إعادة تركيب الماضي التليد فى الحضارة المصرية القديمة -
 دراسة أنثروبولوجية فلسفية أثرية موجزة

- ......................................... عرفت الحضارة المصرية القديمة كيفية خلق ذاكرة لماضيها التليد عبر عصورها المختلفة ، فقد كانت لديها ثقافة لتذكر ماضيها المجيد ، و كانت ( ثقافة التذكر المصرية ) ترنو الى ( التخطيط ) و ( بعث الأمل ) نحو ( المستقبل ) ، إنطلاقا من توجهات ( الماضي ) الحامل لقبس ( الأسلاف ) الذين عاشوا فى حقبة مزدهرة فقاموا بعمل الإنجازات الحضارية الباهرة . و قد بذل المجتمع المصري القديم كل ما فى وسعه و سخر كل ما لديه من طاقات كى يجعل ( الأمس ) و ( اليوم ) فى حالة ( دوام مستمر ) . و من هنا نجد أن الوسيلة المستخدمة لبلوغ ذلك الهدف هو : ( وضع جميع الخطط و الأفكار منذ البداية كى تكون متسقة مع مبدأ الخلود و الأبدية ) . و مثلما أشارت النصوص الرسمية الملكية و منذ عصر الدولة الوسطى أن ( الملك يضع الغد دائما نصب عينيه ) و لا ريب أن من ينظر بهذه الطريقة الى الغد و هو لا يزال يعيش فى يومه الحاضر - على حد تعبير المصري القديم - سيسعى للحفظ على ( الأمس ) من الضياع و النسيان . 
و لكن ينبغى لنا أن نشير إلى حقيقة هامة و هى : أن الماضي فى مصر القديمة لم يكن موجودا و جاهزا و مصمما من قبل ، فالماضي يتم تذكره من خلال إعادة تركيبه و إعادة صياغته من جديد ، فالجماعة الإنسانية بشكل عام و المجتمع المصري القديم بشكل خاص هو الذي يقوم بإعادة مونتاج الماضي ، فالماضي الذي وقع كما هو فعليا يسمى ( الماضي الأول ) و هو الماضي الذي تم و حدث فى زمانه الفعلي و لكن لم يتم تسجيله بشكل موضوعى محايد فى عصره ، أما الماضي الذي يتم إنتاجه فى عصر لاحق هو ( الماضي الثانى ) و هو الماضي الذي أعاد صياغته المجتمع المصري القديم بدءا من عصر الدولة الوسطى و حتى نهايات التاريخ المصري القديم . و ليس من الضروري أن يتطابق ( الماضي الأول ) مع ( الماضي الثانى ) ، فغالبا ما يظهر الماضي الثانى فى ( واجهة مثالية لا يشابهها نقص أو عيب ) و لا يجوز أن نتذكر ( الأخطاء ) التى وقعت فى ذلك الماضي فيتم تنحية جميع العناصر السلبية تحقيقا لأيدولوجيا ( الماضي الثانى المثالى ) .
فمؤسس الأسرة الثانية عشرة و هو الملك ( أمنمحات الأول ) أطلق على نفسه لقبا براجماتيا ( نفعيا ) و هو ( وحم مسوت ) الذي يعنى حرفيا : من يعيد أو يكرر الميلاد ، و جعل من هذا اللقب الركيزة الرئيسية لبدايات حكمه و كانت تلك التسمية تهدف لمشابهة الملك بالمعبود ( آتوم ) - كما أكدت نصوص الدولة الوسطى - الذي قام بخلق الكون فى بدء الزمان و من المعروف أن ذات الأيدولوجية أكدت على توصيف الملك بكونه صورة آتوم الحية و المقدسة على الأرض ، الذي يقوم بإعادة خلق الكون من جديد بعد أن قضى على ( الفوضى ) التى سبقت عصره ، ففوضى ما قبل الخلق تعادل و تطابق فوضى عصر الإنتقال الأول الذى وصفته نصوص الدولة الوسطى بكل شر . و من جانب آخر يعنى هذا اللقب بشكل ضمنى غير مباشر إعادة أمجاد و إنجازات عصر الدولة القديمة و لذا فمن الممكن أن نعطيع كذلك معنا حضاريا و هو ( النهضة ) ، النهضة التى سينادى بها ملوك الأسرة الثانية عشرة لإعادة الأمجاد العظيمة أو الأمجاد الباهرة التى صنعها الملوك الآلهة الأوائل فيصبح السير على خطاهم هو الهدف البارز للملك أمنمحات و بقية ملوك عصر الأسرة الثانية عشرة الذين إتهجوا سياسة مشتركة نحو أسلافهم تمثلت فيما يلي : 
1 - شيد ملوك الأسرة الثانية عشرة منشآت ملكية جنزية تتطابق معماريا و فنيا مع منشآت ملوك الدولة القديمة و لا سيما ملوك الأسرتين الخامسة و السادسة ، فاقتبسوا منهم أشكالا و صورا نموذجية 
2 - أقاموا شعائر عبادة و تقديس الأسلاف من ملوك الدولة القديمة بأكملهم ، فكان ذلك أحد الوسائل التى إستفادوا منها لإضفاء شرعية دينية على حكمهم السياسي 
3 - إتخذوا من الملك ( سنفرو ) مثالا و نموذجا يحتذى به ، فأعطوه ألقاب ( الملك العادل ) و ( الملك الرحيم ) و ( الملك الطيب ) و بشروا بملكية و سياسة حكم تتطابق مع حكم ذلك الملك فقام بعضهم بتشييد قبورا رمزية بجوار هرميه فى دهشور . و لا يهم هنا مدى تتطابق هذه الأوصاف و الألقاب تاريخيا مع شخصية ( سنفرو ) و لكن الذي يهم هو التأكيد لعامة الشعب أن ملوك الأسرة الثانية عشرة هم ( خير خلف لخير سلف )
إن الماضي هنا ( الماضي الثانى ) لايتم تذكره بصورته التى وقع بها فعليا ( الماضي الأول ) ، و لا يعني ذلك أيضا أنه مخالف له تماما ، بل هو ( ماضي إنتقائي ) ننتقي منه ما يهمنا لتحقيق أهدافا عملية تبث الثقة و الأمان فى نفس الشعب المصري القديم من ناحية و تبرر شرعية الملوك فى عصر الدولة الوسطى من ناحية أخرى ، ( فالماضي الثانى ) تمليه الإحتياجات الأيدولوجية ( للزمن الحاضر ) ، فالحاضر هو الذى يصنع ( الماضي الثانى ) و لا يهتم كثيرا ( بالماضي الأول ) و عندئذ يصبح الماضي الثانى هو ( الذاكرة الحضارية ) لمصر سواء للملوك أو لكبار رجال الدولة أو لعامة الشعب ، فتظل هذه الذاكرة هى ( النموذج المثالي و الحقيقي ) الذي يؤسس ( لهوية حضارية ) تعطى معنى و مغزى لحياة المصري القديم خلال حياته و بعد مماته ، و تتحول هذه الذاكرة الحضارية لكى توجه ( المستقبل ) ، فملوك الدولة الوسطى يخلقون الماضي الثانى ( أمجاد الدولة القديمة ) بناءا على توجهات الحاضر ( إضفاء الشرعية السياسية ) لكى يقوموا بتوجيه حركة المستقبل ( الوعد بتحقيق العدالة الناجزة و تحقيق الأمن و النظام الخير للجميع ) و من هنا يعاد تركيب الماضي التليد و يتم تثبيته فى الذاكرة الحضارية لمصر

ما هو أقدم معبد فى الحضارة المصرية القديمة تم تشييده بالحجر و على نطاق كامل ؟


بسم الله الرحمن الرحيم 

ما هو أقدم معبد فى الحضارة المصرية القديمة تم تشييده بالحجر و على نطاق كامل ؟

 أن أقدم منشآت حجرية لمجموعات جنزية ملكية قد كشفت عنها الحفائر فى منطقة ( جسر المدير ) و ( جسر بتاح حوتب ) ؟ .......... كشفت الحفائر عن مجموعتين حجريتين كاملتين لأقدم مجموعتين جنزيتين لملكين ينتميان لعصر الأسرة الثانية فى منطقتى ( جسر المدير ) و ( جسر بتاح حوتب ) اللتان تقعان 1 كم غرب مجموعة زوسر ، حيث كشفت حفائر البعثة الإسكتلندية فى سقارة عام 2006 فى ( جسر المدير ) و ( جسر بتاح حوتب ) عن أقدم سورين حجريين من الحجر الجيري 1 كم غرب مجموعة ( زوسر ) و كانت المفاجأة أن حجم السورين أكبر و أضخم من سور مجموعة ( زوسر ) و بالكشف عن بقايا الفخار داخل السورين وجد أن جميع فخار ( جسر المدير ) ينتمى لنصف الثانى للأسرة الثانية و يحتوى على أسماء الملوك ( بر إيب سن ) و ( خع سخم ) و ( خع سخموى ) كما لم يكتشف بداخل السور على اى منشآت أو بقايا منشآت من الطوب اللبن ، بل وجدت بقايا منشآت مهدمة من الحجر الجيرى و الجرانيت ! الأمر الذي يعنى أن المجموعة كانت مشيدة بالكامل من الحجر منذ النصف الثانى لأسرة الثانية و لا وجود لأى بقايا للطوب اللبن بداخلها إلا أن عناصرها المعمارية المكتشفة حتى الآن قليلة العدد و لا تقارن بكم العناصر المعمارية الموجودة فى مجموعة ( زوسر ) ، كما وجد فى منطقة جسر ( بتاح حوتب ) نفس الإكتشافات السابقة و لكن مع وجود بقايا فخار يرجع لعصر الملك ( خع سخموي ) الأمر الذي يعنى أن مجموعة جسر بتاح حوتب الحجرية تنتمى للملك خع سخموى على أغلب الظن و يتبين لنا هنا : 
1 - أن ما ورد على حجر بالرمو كان صحيحا ، فأحد ملوك الأسرة الثانية الذين ذكروا على حجر بالرمو ( غير معروف بالتحديد من هو فى سياق النص ) قد شيد معبد كامل من الحجر و المجموعات الجنزية تدخل فى إطار المعابد الكبرى التى تقام فيها الشعيرة الملكية المدمجة و الموحدة بشعيرة المعبودات فى ذات الموقع 
2- أن الإنتقال الحضارى و التطور المعمارى و الفنى الذي ظهر فى عصر الملك ( زوسر ) لم يكن فجائيا ، و إنما سبقه إرهاصات قوية و تدريجية و منطقية منذ النصف الثانى للأسرة الثانية على أقل تقدير إن لم يكن قد ظهرت محاولات أخرى لتشييد منشآت كاملة بالحجر قبل ذلك العصر لم تكشف عنها الحفائر حتى الآن 
3 - ضياع و فقدان معظم المنشآت الحجرية الكاملة التى شيدت قبل عصر الأسرة الثالثة ، مما جعلها تسقط من ذاكرة التاريخ لدى المصري القديم ، الأمر الذي جعله يتصور أن الملك زوسر و مهندسه المعمارى إيمحوتب هما أول من إستخدم الحجر فى تاريخ مصر فأعطى لهما لقب ( فاتح الحجر ) فى عصر الدولة الحديثة 
4 - إن بداية البناء بالحجر لمجموعة محدودة العناصر فى عصر الأسرة الثانية يعنى بداية التبلور الأول لمفهوم الملكية الإلهية و خلود كل ما يتعلق بشخص الملك الحاكم من أعمال و إنجازات و سياسة و عمارة و فن 
5 - بداية تبلور مفهوم التحلى بالإرادة و العزيمة و الطموحو الجرأة و حب التجربة لتحقيق أهداف الملكية التى تصبو نحو أيدولوجية الخلود 
6 - إن المصري القديم فى عصر الأسرة الثالثة قام ببناء مجموعة زوسر ، و قام بتغيير الشكل فقط و لم يقم بتغيير الجوهر ، فهو قد حافظ على معطيات دينية مقدسة ظهرت جميعها إما فى عصور ما قبل الأسرات أو فى العصر العتيق ، فقام بتقديم المعطيات القديمة فى صورة حضارية جديدة و مبدعة تتفق و مفهوم الأيدولوجية الملكية التى تبلورت بشكل بارز خلال عصر الأسرة الثالثة

الأحد، 20 مايو 2012

من هو أول ملك فى الحضارة المصرية القديمة تم تصويره لأول مرة بتاج الشمال تارة و بتاج الجنوب تارة أخرى ؟


بسم الله الرحمن الرحيم 

 من هو أول ملك فى الحضارة المصرية القديمة تم تصويره لأول مرة بتاج الشمال تارة و بتاج الجنوب تارة أخرى ؟

هو بالفعل الملك العقرب الذي تم تصويره لأول مرة بتاج الجنوب الأبيض على مقمعته الشهيرة و هو يقوم بإفتتاح قناة مائية طبقا للبعض أو معبد طبقا للبعض الآخر كما ظهر الملك العقرب على بطاقة عاجية و هو مصور تارة أخرى بتاج الشمال مصور داخل مقصورة و هو يحتفل بالحب سد لأول مرة 

متى تمكن كهنة المعبود ( ست ) من إيجاد مركز عبادة له فى مدينة ( منف ) لأول مرة ؟ و ما هو دلالة ذلك ؟


بسم الله الرحمن الرحيم 

متى تمكن كهنة المعبود ( ست ) من إيجاد مركز عبادة له فى مدينة ( منف ) لأول مرة ؟ و ما هو دلالة ذلك ؟


ظهرت عبادة المعبود ( ست ) لأول مرة فى ( منف ) فى نهايات عصر نقادة الثانية ( و هى المرحلة الحضارية الثانية لعصور ما قبل الأسرات فى مصر حوالى 3300 ق.م و حتى 3200 ق. ) حيث كشفت الحفائر عن مايلي : وجود 4 مقابر بهم فخار و بطاقات عاجية مصور عليها رمز و شكل المعبود ( ست ) الخرافية فى جبانة ( حلوان ) و تم تصوير المعبود ( ست ) فى ( مقاصير ) مما يؤكد وجود عبادة له و أنها مقابر لكهنته فى ذلك الوقت و ذلك يعنى أن منف كمركز تجاري و إداري هى مدينة موجودة على أقل تقدير منذ نهايات عصر نقادة الثانية و لا سيما و أن حلوان كانت هى الحد و الإمتداد الشرقى لها ( أنظر مقال الوضع الحضاري لمنف فى العصر العتيق ) و ذلك يعنى مايلي :1 - تمكن كهنة ( ست ) من الإنتقال من مركز عبادته الرئيسي فى نقادة فى الجنوب إلى أهم و أكبر مركز تجاري و سياسي فى ذلك العصر و هى مدينة منف فى الشمال 2 - وجود عبادة ( ست ) فى منف فى نهايات عصر نقادة الثانية قبل ظهور عبادة ( بتاح ) فى ذات المدينة ، حيث كان أقدم ظهور مثبت له أثريا حتى هذه اللحظة يعود إلى نهايات عصر نقادة الثالثة و خلال عصر الأسرة صفر ( حوالى 3100 ق.م و حتى 3050 ق.م ) ، فقد تم تصويره على آنية طرخان التى كانت تعبر الحد و الإمتداد الجنوبي لمنف فى تلك الفترة 3 - وجود ( ست ) فى منف يكشف عن قوة كهنته السياسية و الدينية فى تلك الفترة كما 4 - تجاورت عبادة ( ست ) مع ( حورس ) فى عصر نقادة الثانية و الثالثة فى معظم أقاليم و ممالك مصر العليا و السفلى و منف و هو ما أثبتته الحفائر و الإكتشافات مما يدل على عدم وجود صراع بين أنصار المعبودين و أن أسطورتهما لم تكن قد تكونت بعد طوال عصور ما قبل الأسرات و ذلك على النقيض من المدرسة التى حاولت أن ترجع ذلك الصراع لفترات ما قبل الأسرات إعتمادا على قرائن أسطورية وردت فى العصور التاريخية و لكن البراهين الأثرية جاءت لتكشف عكس ما هو ذلك



من هو أول ملك مصري إجتمعت لديه العناصر الثلاثة التالية لأول مرة ؟


بسم الله الرحمن الرحيم 



 من هو أول ملك مصري إجتمعت لديه العناصر الثلاثة التالية لأول مرة ؟ :
1 - تصوير السرخ ( واجهة القصر الملكي )
2 - تدوين إسمه داخل السرخ
3 - تصوير الصقر ( حور ) فوق السرخ


الملك الأول الذي إستهل ذلك التقليد هو ( التمساح ) الذي تولى زمام الأمور سياسيا فى معظم مناطق مصر خلال عصر الأسرة صفر قبل ( إري حور ) و ( كا ) و ( العقرب ) و ( نعرمر ) و ظهر ذلك على بطاقتين عاجيتين له واحدة فى مقبرة فى سقارة و الأخرى فى طرخان - فقد كشفت الحفائر عن وجود آثاره فى معظم البلاد و عن وجود إدارة ملكية بإسمه فى معظم أقليم و ممالك مصر فى تلك الفترة مما يلقي كثيرا من الضوء على وحدة مصر السياسية و إحتمالية وجود دولة موحدة سياسيا قبل عصر نعرمر بجيلين أو ثلاثة أجيال و هو ما كشفت عنه آثار الأسرة صفر و لاتتخذ حاليا صلاية نعرمر كدليل يستقى منه وحدة مصر نظرا لأنها تنحو منحى سياسي دعائي لصالح الملك و تخليدا لذكرى حدث وقع قبل عصره - و جميع ملوك الأسرة صفر الذين دونوا أسمائهم داخل السرخ خلال الأسرة صفر لم يكن منشأهم غالبا من مدينة نخن التى قدست المعبود حور و رفعت رايته عند توحيد البلاد و لكن نظرا و لأن ذلك كان هو التيار السياسي و الدينى الذي كان سائدا فى البلاد خلال عصر الأسرة صفر و قبل حكم هؤلاء الملوك و الذي يتمثل فى أن الملك أو الزعيم هو تجسيد لحور السماء على الأرض كما ظهر فى آثار تلك الفترة ، إضطر الملوك الذين جاءوا فى آخر مراحل الأسرة صفر لأن ينتسبوا لهذا المعبود بعدما أكملوا وحدة البلاد و بصرف النظر عن مكان منشأهم الأول فكان الحل هو وضع إسم الملك فى السرخ و تصوير الصقر حور أعلى السرخ على عكس الملوك الذين إنتسبوا صراحة للمعبود حور و الذين تولوا زمام الأمور قبلهم مثل ( نى حور ) و ( حات حور ) و غيرهم فهؤلاء لم يحتاجوا لأن يضعوا أسمائهم فى سرخ و فوقها الصقر حور لأن حور هنا هو المعبود الرئيسي لمدينتهم ( سواء كانت نخن أو غيرها و لأن مراكز عبادة حور فى عصر الأسرة صفر لا تقل عن 15 مركز سياسي و دينى فى مصر ) فجاء أول ملك ينتسب لآخر مرحلة فى تلك الأسرة و هو ( التمساح ) و أعاد تصوير السرخ الذي كان قد ظهر قبل تلك المرحلة بفترة معينة و وضع الصقر حور أعلاه و قام بتصوير إسمه ( التمساح ) داخل السرخ و ذلك أمر طبيعي فغالبا كان منشأ ذلك من طرخان - نظرا لإكتشاف أكثر آثاره فيها - و طرخان هى جبانة الفيوم التى كانت مركز لعبادة التمساح ، فهو هنا ينتمى للتمساح كمعبود ديني نشأ على تقديسه و ينتسب لحور كمعبود سياسي تفرضه الأوضاع و التقاليد الخاصة بذلك العصر و حتى يكتسب شرعيته و ينطبق الحال على جميع الملوك الذين لم يكونوا من مدينة نخن أو من مدينة إتخذت حور كرب رئيسي لها مثل ( كا ) و ( العقرب ) و ( نعرمر ) و لم تكن أسمائهم دائما تصور بجميع تلك العناصر : السرخ - حور أعلى السرخ - كتابة إسم الملك داخل السرخ - إنما هى ظهرت أحيانا دون وجود الصقر حور أعلى السرخ و لا سيما فى المناطق التى لم يكن فيها حورس هو الإله الرئيسي فيها

ما هو أقدم منظر فى الحضارة المصرية القديمة ظهر فيه الملك أو الزعيم و هو يقوم بضرب الأعداء ؟ و إلى أى عصر ينتمى ؟


بسم الله الرحمن الرحيم 

 ما هو أقدم منظر فى الحضارة المصرية القديمة ظهر فيه الملك أو الزعيم و هو يقوم بضرب الأعداء ؟ و إلى أى عصر ينتمى ؟

أقدم منظر فى الحضارة المصرية القديمة ظهر فيه الزعيم و هو يقوم بضرب الأعداء هو منظر مقبرة الزعيم فى نخنو الذي يرجع إلى نهايات عصر نقادة الثانية ( ثانى مراحل عصور ما قبل الأسرات فى مصر ) حوالى عام 3300 ق.م أى قبل ظهوره على صلاية الملك نعرمر بحوالى 300 عام مما يعنى أن تصويره على الصلاية لم يكن أمرا جديدا ، و يوجد هذا المنظر حاليا فى المتحف المصري بجوار صالة مومياوات الحيوانات فى الدور الثانى و قد تم تصوير زعيم نخن و هو يهم بضرب 3 أعداء بالمقمعة صوروا أمامه فى حالة رعب و إستسلام على جدران تلك المقبرة و قد ظهر المنظر فى سياق إحتفال دينى شعائري هام يتعلق برحلة الزعيم فى العالم الآخر و تجديد قواه و إعادة بعثه و إحيائه مرة أخرى و يرى البعض أن مناظر المقبرة هى أقدم تصوير لشعائر الحب سد فى عصور ما قبل الأسرات فى مصر نظرا لظهور الزعيم و هو متوج داخل جوسق ثم قيامه ببعض الطقوس الدينية الهامة التى تقترب كثيرا من شعائر الحب سد التى صورت فى العصور التاريخية و كان من ضمنها منظر و طقس القضاء على الأعداء

من هو أول ملوك الأسرة الثالثة ؟ أذكر أهم الأدلة الأثرية التى تؤيد كلامك ؟

بسم الله الرحمن الرحيم 


من هو أول ملوك الأسرة الثالثة ؟ أذكر أهم الأدلة الأثرية التى تؤيد كلامك ؟




لا ريب أن الملك ( زوسر ) طبقا للمعطيات الأثرية الجديدة لم يكن هو أول ملوك الأسرة الثالثة و ذلك على الرغم من وجود طبعات أختام بإسمه فى مقبرة الملك ( خع سخموي ) ، فكان الهدف من ذلك هو التأكيد على أنه أقام شعيرة الدفن لسلفه و أنه الوريث الشرعي لحكم البلاد ، فيصبغ ملكيته بالشرعية السياسية و الدينية بما تقتضيه معطيات العقيدة المصرية القديمة . كما ورد إسم الملك زوسر لدى مانيتون باليونانية على أنه ثانى ملوك الأسرة الثالثة و هناك مجموعة من المعايير التى ترجح ذلك الطرح و هى : 1 - وجود أسماء ملكية أخرى فى الفترة التى تنحصر بين ( خع سخموى ) و ( زوسر ) تتمثل فى ( سا نخت ) و ( نب كا ) ثبت وجودهم أثريا فى بعض المواقع 2 - وضع الملك زوسر أسفل هرمه المدرج جميع الأوانى الحجرية التى تحمل أسماء جميع الملوك الأسلاف الذين حكموا مصر من قبله بداية من ملوك الأسرة صفر و حتى سا نخت و نب كا مما يعنى أن سا نخت أو نب كا قد حكما مصر قبله بإعتبارهم من الأسلاف 3 - تجاهلت معظم القوائم الملكية أسماء سا نخت و نب كا الأمر الذي قد يشيؤ إلى وجود صراع سياسي حدث فى الفترة الإنتقالية بين نهاية الأسرة الثانية و بداية الأسرة الثالثة 4 - هل سا نخت و نب كا ملك واحد ؟ يرجح ذلك نظرا لتواجد الإسمين معا فى أكثر من أثر 5 - كشفت عالمة المصريات الإيطالية سيلفيا فينشي عن القدم الفنى لنقش سا نخت فى وادى مغارة فى سيناء و الذي وضع الملك زوسر نقشه بجواره ، فالموتيفات و العناصر الفنية لنقش سا نخت أقدم من نقش زوسر 6 - لم يترك سا نخت مجموعة جنزية قوية بإسمه ، فلم تكتشف له آثارا ذات أهمية كبرى مثل مجموعة زوسر الجنزية بينما ظلت مجموهة زوسر هى الأبرز حضاريا الأمر الذي جعل مؤلف بردية تورين يكتب إسم زوسر بالمداد الأحمر بإعتباره مؤسس الأسرة الثالثة تماما كما فعل مع مؤسسى كلا من الأسرتين الخامسة و السادسة

هل تعلم أن أقدم بناء حجرى معروف فى العالم......






هل تعلم أن أقدم بناء حجرى معروف فى العالم ينتمى للحضارة الناطوفية فى فلسطين ؟ فهذه الحضارة تنسب إلى وادى النطوف شمال غرب القدس ، و هى حضارة تنتمى إلى العصر الحجرى الوسيط الذى يبدأ فى الشرق الأدنى منذ حوالى 10000 قبل الميلاد و يمكن القول أن سمات و ملامح هذه الحضارة انتشرت فى بلاد الشام و بلاد الرافدين فى أكثر من موقع أثري و هى حضارة ظهرت فيها أهم مراحل الإنتقال من جمع الطعام إلى بدايات إنتاج الطعام مما أدى إلى وجود إستقرار سكنى شبه دائم و تجمعات حضرية كبيرة العدد نسبيا و يرى البعض أن إستقرار السكان فى منطقة جريكو إحدى مواقع الحضارة الناطوفية أدى إلى ظهور أقدم مدينة معروفة فى العالم القديم ( حوالى 9000 قبل الميلاد ) مما أدى إلى حاجتهمبسم الله الرحمن الرحيم 
لبناء حصن عسكرى يحميهم من غارات البدو الرحل ، و من هنا قام أهل جريكو بتشييد أقدم منشأة حجرية معروفة فى العالم القديم و هى عبارة عن قلعة عسكرية تعكس مدى إستقرارهم فى محل إقامتهم و تؤرخ هذه المنشأة الحجرية بحوالى 9000 - 8500 قبل الميلاد مما يعنى أن مجموعة زوسر الجنزية لم تكن أقدم مجموعة حجرية فى العالم و لا غرابة فى ذلك فقد كانت و لا زالت محاجر الحجر الجيري متوفرة بكثرة فى وادى النطوف و بالقرب من محل إقامة إنسان جريكو مما أدى إلى وجود تفاعل سليم لهذا الإنسان مع البيئة المحيطة و إدراكه لأهمية إستخدام الحجر فى تلك الفترة لتشييد قلعة عسكرية مزودة بأبراج للمراقبة و قد ثبت لدينا علميا وجود إتصال حضارى بين هذه الحضارة و حضارة حلوان المصرية حيث تشابهت و تطابقت الأدوات الحجرية لهاتين الحضارتين مما يعكس وجود تأثير ناطوفى واضح على صناعة الأدوات الحجرية إمتد حتى حضارة حلوان شبه النيوليتية ( حضارة حلوان الأولى عرفت بدايات الزراعة دون معرفة صناعة الفخار مما جعلها لا تنتمى للعصر الحجرى الحديث الصرف و لذلك يطلق عليها مصطلح شبه النيوليتية و هى كانت توازى الحضارة الناطوفية زمنيا )

الجمعة، 18 مايو 2012

ثقافة مصر السياسية و الدينية خلال عصر نقادة الثانية


بسم الله الرحمن الرحيم 


ثقافة مصر السياسية و الدينية خلال عصر نقادة الثانية 
.............................................................................تعتبر حضارة مصر فى عصر نقادة الثانية واحدة من أهم المراحل الحضارية فى عصور ما قبل الأسرات فى مصر ، فهى تمثل المرحلة الحضارية الثانية لتلك العصور فتبدأ من 3600 ق . م و حتى 3200 ق . م تقريبا . و إتفق علماء ما قبل التاريخ فى مصر على تقسيم حضارة ذلك العصر الى أربع فترات متعاقبة و هى نقادة أ و نقادة ب و نقادة ج و نقادة د . و تميز ذلك العصر بوجود مراكز دينية و سياسية كبرى فى الشمال و الجنوب إعتبرها البعض أقاليم مصر فى عصر نقادة الثانية أو ممالك صغرى على أقل تقدير ، فترأس كل إقليم أو مملكة صغرى زعيم سياسي و روحى أشرف على جميع الأمور التجارية و الدينية فى مملكته فى ذلك العصر . و كانت أشهر مراكز ذلك العصر هى : عين شمس و بوتو و المعادي و سايس و نقادة و نخن و أبيدوس و العضايمة و الهو و الجبلين و أرمنت و إلفنتين و غيرها من المراكز الأخرى 
إن التساؤلات التى تحاول هذه الدراسة الموجزة أن تجيب عليها هى :
1 – ما هو الوضع الحضارى لمصر فى عصر نقادة الثانية ؟ 
2 – هل تميزت المراكز الشمالية و الجنوبية بوجود وحدة ثقافية أم كان كل مركز متميز و مستقل حضاريا و ثقافيا عن الآخر ؟
3 – هل كانت حضارة نقادة الثانية مرحلة ممهدة لوحدة مصر السياسية ؟
إستهلت مصر عهدا جديدا فى عصر نقادة الثانية ، فتفاعل المصري القديم مع بيئته بشكل أفضل مما سبق من العصور السالفة و لا سيما بعد أن تمكن من فهم و إستيعاب إمكانيات بيئته التى طال إستقراره فيها ، فقام بإستغلالها على نحو أفضل ، الأمر الذي تكشف عنه المنشآت المدنية فى ذلك العصر و لا سيما المساكن ، فتميزت بما يلي 1 – إزدادت القرى و المدن السكنية و تطورت خلال عصر نقادة الثانية حيث ظهر تطور ملحوظ فى طراز المساكن و ملحقاتها و مواد بنائها 
2 – تطورت مدينة نخن فى ذلك العصر و ظهرت بها المساكن المستطيلة التى شيدت جدرانها على أساسات حجرية ، و هى واحدة من أقدم المحاولات فى مصر لإستخدام الحجر كمادة بناء فى مساكن تلك الفترة 
3 – أمدتنا زخارف و رسومات فخار نقادة الثانية ببعض المعلومات عن أشكال المساكن و مواد بنائها ، و ذلك من خلال ما رسموه من كبائن المراكب على أوانى الفخار ، التى شابهت فى هيئتها و أسلوب تشييدها أكواخ السكن و هياكل المعبودات 
4 – أهم ما يمكن إستنباطه من تلك الكبائن المرسومة هو المواد المستخدمة فى البناء فى ذلك العصر و هى أفرع الأشجار و أغصان و فروع النخيل و النباتات المجدولة فى ألياف ، علاوة على طرز الأسقف المختلفة و منها السقف المسطح و السقف المقبي و السقف على شكل نصف قبة . ألم تكن هذه المواد البنائية و الأشكال السكنية هى ذات المواد المستخدمة و الهيئات العروفة للمساكن فى عصر الأسرات المبكر فى مصر ؟ 
5 – أفضل نماذج لشكل المساكن خلال تلك الفترة هو ما تعرفنا عليه من خلال نموذج بيت لأحد الزعماء ، كشف عنه فى أحد مقابر المحاسنة ، مصنوع من الطمى المحروق ، ظهر فيه شكل المسكن على هيئة مستطيلة ذو زوايا مربعة و جدران مائلة للداخل ، فضلا عن وجود قاعدة أضخم و أكبر مقارنة بالقمة ، مما يعنى زيادة سمك المداميك السفلية عن المداميك العلوية ، و لا نستبعد وجود مثل هذا الشكل السكنى الهام فى بعض المراكز الأخرى ، الأمر الذي يقودنا إلى حقيقة هامة و هى : وجود معرفة تهيدية بقواعد و مبادىء الهندسة البنائية فى مصر خلال عصر نقادة الثانية 
أما عن عادات الدفن و مقابر ذلك العصر نجد مجموعة من المعطيات الهامة تمثلت فيما يلي :
1 – تنوعت أساليب بناء المقابر ، كما تنوعت أساليب بناء المنازل ، ففي الوقت الذي إستمرت فيه المقابر البسيطة البيضاوية و المستطيلة زاد عليها المقابر الدائرية و إتخذت المقابر الأشكال المستطيلة عندما كانت تسوى جدرانها و تحدد جوانبها ، كما إنخفضت أرضية الحيز الذى تم وضع الجثة عليها 
2 – حفرت كوات صغيرة فى أحد جوانب المقبرة لوضع الأوانى فيها كما تم وضع الأوانى و القرابين فى الجزء الأعلى للمقبرة فى حالات أخرى ، فظهر هذا الجزء كأنه رف عريض ، و هى واحدة من المحاولات الأولى لفصل الأثاث الجنزى عن مكان الدفن 
3 – كسيت جدران المقبرة من الداخل بطمى سميك و فى بعض الأحيان بالطمى ثم البوص و الحصير ، فضلا عن وجود حالات ظهر فيها تكسية بألواح خشبية مما يكشف عن أولى المحاولات لعمل توابيت خشبية تحيط بالمتوفى من جميع الجهات 
4 – فى نهايات عصر نقادة الثانية ظهرت محاولات لتحديد جوانب المقبرة بالطوب اللبن من الداخل مما أفضى إلى تحويل الحفرة ذاتها إلى حجرة كاملة تم تسقيفها بعد ذلك 
5 – و فى نهايات ذلك العصر أيضا ، ترجع المقبرة الشهيرة ، رقم 100 ، فى نخن التى تعرف بمقبرة الزعيم ، حيث ظهرت فكرة الرسومات الجدارية للمقابر لأول مرة فيها ، فربما كان أحد الزعماء المحليين لمدينة نخن ، و يمكن إعتباره الجد الأكبر لزعماء العصر الذي يليه و هو عصر نقادة الثالثة – الأسرة صفر ، الذين خرجوا من منطقة نخن لتوحيد مصر خلال تلك الفترة ( 3200 ق . م و حتى 3000 ق . م تقريبا ) ، فظهر ضمن نقوشها و لأول مرة منظر قمع الأعداء بواسطة الزعيم ، فضلا عن أقدم مناظر معروفة لإحتفال الحب السد ، حيث تم تصوير الزعيم داخل جوسق مرتديا رداء حابك 
إن أهم المعطيات الحضارية لعصر نقادة الثانية هو رسومات و زخارف الفخار التى كشفت عن مجموعة من النتائج الهامة هى : 
1 – صورت المراكب ذات المجاديف و الكبائن على نطاق واسع ، فشكلت بعض مقدماتها و مؤخراتها هيئات حيوانية ، مما يدل على وجود معبودات ذات رموز و أشكال حيوانية كانت تجرى لها شعائر تقديس فى ذلك العصر ، مما يؤكد وجود هياكل و مقاصير صغرى فى تلك الفترة منتشرة بين الشمال و الجنوب 
2 – تعتبر صور المراكب هى القاسم المشترك فى معظم زخارف الفخار خلال هذه المرحلة . و يعكس ذلك بدوره على مدى ما تشير إليه تقدم صناعة المركب فى ذلك العصر 
3 – تدل هذه المراكب من خلال رسوم الفخار على إستخدام النيل منذ ذلك العصر كأهم طريق للنقل و المواصلات من الشمال الى الجنوب أو العكس مما يؤكد وجود تبادل المنتجات التجارية و الأفكار الدينية و الثقافية بين مراكز الشمال و مراكز الجنوب الأمر الذي ساعد على وجود تفاعل ثقافى هام بين هذه المراكز ، فكان ذلك التبادل خطوة أولى نحو خلق وحدة ثقافية تمهيدية فى عصر نقادة الثانية 
يتبين لنا مما تقدم أن البوتقة الثقافية و الحضارية لمصر خلال عصر نقادة الثانية هو أمر غير مستبعد من خلال تناول الشواهد الأثرية السابقة ، إلا أن ذلك لا يعنى على الإطلاق أن هذه المراكز السياسية الكبرى لم تتميز بوجود خصوصية ثقافية مستقلة فى كل منها ، فوحدة البلاد الثقافية لم تلغى التمايز و الإستقلال الحضاري لمراكز الجنوب و الشمال فى عصر نقادة الثانية ، فكانت هناك سمات مشتركة تجمع بينهم و سمات مميزة و مختلفة تميز كلا منهم عن الأخرى 
و مما لا ريب فيه أن ذلك التفاعل الثقافي كان خطوة أولى نحو تفاعل أكبر و أعمق فى العصر الذي تلاه و هو عصر نقادة الثالثة – الأسرة صفر مما يؤكد حقيقة هامة و هى : وجود وحدة ثقافية فى مصر ساعدت على إتمام الوحدة السياسية كنتيجة طبيعية للمعطيات السابقة 
و بذلك يمكن القول أن عصر نقادة الثانية هو عصر شهدت فيه البلاد تقدما سياسيا واضحا من خلال مفهوم الزعامة و السيادة على الإقليم أو المركز ، فظهرت الرسوم و الزخارف التى تروج سياسيا و دينيا لمفهوم الملكية الناشئة و التى برزت إرهاصاتها الأولى من خلال ذلك العصر إلى أن تبلورت فى عصر نقادة الثالثة – الأسرة صفر ، فجاءت على شكل ناضج و قوي

الاثنين، 7 مايو 2012

أقدم قائمة ألقاب ملكية فى الحضارة المصرية القديمة


بسم الله الرحمن الرحيم ‎

(  أقدم قائمة ألقاب ملكية فى الحضارة المصرية القديمة )

 .........هل تعلم أن  أقدم قائمة ألقاب ملكية فى الحضارة المصرية القديمة ترجع إلى عصر الأسرة  الأولى ؟ .... إكتشفت البعثة الألمانية فى أم الجعاب أقدم قائمتى ألقاب  ملكيتين و هما عبارة عن طبعتا ختم ، واحدة منهما إكتشفت فى مقبرة الملك (  دن ) و كانت تحمل أسماء أول خمس ملوك موثقين فى الحضارة المصرية و هم :  نعرمر آخر ملوك الأسرة صفر و حور عحا أول ملوك الأسرة الأولى ثم الملوك جر و  جت و دن و أم الملك دن التى كانت وصية عليه و هى مريت نيت أما طبعة الختم  الأخرى فقد تم إكتشافها فى مقبرة الملك قاعا - آخر ملوك الأسرة الأولى و  تميزت أنها سجلت جميع أسماء ملوك هذه الأسرة بداية من نعرمر و حتى قاعا مما  يعنى عدد من الحقائق الهامة :
 1 - لم يمثل حجر بالرمو الذى يرجع لعصر الأسرة الخامسة أقدم قائمة ألقاب ملكية فى الحضارة المصرية القديمة
2 - إهتم المصري القديم بتدوين أسماء الملوك و منذ بدايات التاريخ المصري  لأسباب طقسية شعائرية ، فكانت أسمائهم تدل على وجود عبادة منتظمة لهم فى  جبانة أبيدوس و لا سيما فيما يعرف بالمعابد الجنزية التى تم إكتشافها هناك  بجوار مقابر الملوك
3 - إرتبطت أسماء الملوك على القائمتين بصورة  المعبودين حورس و خنتى امنتيو ، فكان الملك هو تجسيد لصورة حورس على الأرض  فى دنياه و تجسيد لخنتى إمنتيو ( أول الذين فى الغرب ) فى العالم الآخر و  قبل أن يسيطر المعبود أوزير على جبانة أبيدوس و يحتل مكان خنتي إمنتيو
4 - تجاهل المصري القديم أسماء ثلاث ملوك على الأقل ينتمون لعصر الأسرة  الأولى أثبتت لهم الآثار وجودهم فى مناطق أخرى من مصر مما يعكس إحتمالية  وجود صراع على العرش منذ تلك الفترة و ربما وجود ملوك مغتصبين للعرش
5  - لم تكن قامة ملوك ختمى أم الجعاب مادة لكتابة التاريخ و إنما هى أداة  لتثبيت أسماء الملوك الشرعيين و أحقيتهم لما يعرف بعبادة الأسلاف
6 -  هل كان نعرمر آخر ملوك الأسرة صفر كما يرى البعض ؟ أم هو أول ملوك الأسرة  الأولى كما يرى البعض الآخر ؟ ... إن وجود إسمه مع ملوك الأسرة الأولى فى  القائمة الثانية يرجح أنه ربما كان أول ملوك الأسرة الأولى و أن خطوة  التوحيد النهائية لمصر قد تمت على يديه
7 - لماذا إستهلت القائمتان  الملكيتان إسم الملك نعرمر كنقطة بداية ؟ و لم تذكر إسم الملك العقرب ؟ هل  لم تكن للعقرب عبادة جنزية فى أبيدوس ؟ أم أن العقرب لم يكن هو الملك  الفعلى الذى قام بتوحيد أرض مصر كلها ، فكان ذلك سببا لعد إتخاذه كنقطة  بداية فى القائمتين الملكيتين ؟
8 - ظهور إسم أول زوجة ملكية ( مريت  نيت ) على قائمة ألقاب ملكية و الإعتراف بأنها أم الملك دن مما يعنى أنها  لم تحكم البلاد كملك مصر العليا و السفلى مثلما كان يظن البعض و أنها هى  التى نقلت الدم الملكى و شرعية الحكم لإبنها الملك دن مما يعكس بشكل ضمنى  غير مباشر وجود صراع على العرش
9 - تعمد الكاتب أن لا يذكر إسم أول  ملوك الأسرة الثانية و هى سمة تكررت فى الكثير من القوائم الملكية التى  ترجع للعصر العتيق و لا سيما طبعات الأختام ، حيث كان الكاتب يكتفى دائما  بكتابة إسم آخر ملك من الأسرة الأولى أو آخر ملك من الأسرة الثانية كما حدث  فى طبعات أختام تعود للأسرة الثانية مما يعنى أن فكرة تقسيم الملوك إلى  أسرات قد عرفت فى الوثائق المصرية القديمة و لا سيما طبعات الأختام و لم  تكن من إبتكار مانيتون مثلما كان يعتقد عدد كبير من الدارسين و أن قائمة  الختم الثانية المكتشفة فى أم الجعاب ضمت جميع ملوك الأسرة الأولى مع بعضهم  فى خط واحد
10 - ما الذى جعل الكاتب المصري يضم ملوك الأسرة فى بوتقة  واحدة ؟ لماذا إنتهت الأسرة الأولى بالملك قاعا ؟ ذلك يعود لسبب أن آخر  ملوك الأسرة الأولى قد تم دفنه مع أسلافه فى جبانة أم الجعاب أما أول ملوك  الأسرة الثانية حوتب سخموى قد إختار سقارة لأول مرة كجبانة ملكية ، و علاوة  على ذلك فقد كشفت الدراسات الحديثة عن مقر العاصمة الملكية طوال الأسرة  الأولى فى ثنى - التى كانت جبانتها أبيدوس ثم إنتقلت مع بدايات الأسرة  الثانية إلى منف و لأول مرة . كما يرى البعض أن إسم الملك حوتب سخموى يعنى  هدأت أو رضيت القوتان ، قوة المعبود حورس و قوة المعبود ست مما يكشف عن  وجود صراع محتمل بين أنصار المعبودين فى أواخر عهد الأسرة الأولى فقام  الملك حوتب سخموى بسياسة إصلاح دينية و سياسية بينهما فكان ذلك سببا كافيا  لأن يعتبر المصري القديم عهده بداية لأسرة جديدة
11 - إعتمد كاتب  قائمة ملوك حجر بالرمو على طبعتى ختم أم الجعاب و ما شابهها من طبعات أختام  أخرى كانت متداولة حتى نهاية الأسرة الر ابعة مما جعل كتابة و تسجيل أسماء  الملوك على ذلك الحجر فى عصر الأسرة الخامسة أمرا يسيرا
12 - طبعتا  ختم أم الجعاب لا تدل فقط على عبادة الملوك الأسلاف الشرعيين و إنما تشير  أيضا إلى وجود فرقة إدارية كانت تشرف على الجبانة الملكية حتى تتأكد من عدم  سرقة أو إقتحام أى مقبرة ملكية
13 - إن تتابع أسماء الملوك على طبعتى  ختم أم الجعاب يدل على حرص المصري القديم فى إبراز فكرة أن كل ملك قد أقام  طقوس الجنازة و الدفن لسلفه المباشر مما يعنى أنه هو الذى تلاه على العرش  مباشرة فيضفى بذلك شرعية على حكمه
14 - تختلف قائمة طبعتى ختم أم الجعاب فى وظيفتها عن حجر بالرمو ، فطبعتا الختم يمثلان تدوين أسماء الملوك لأغراض عملية شعائرية طقسية و لإضفاء الشرعية أما حجر بالرمو فهو أول تدوين لأعمال الملوك التاريخية و أهم إنجازاتهم و سنوات حكمهم مما يضفى عليها طابع تاريخى أكثر من طبعتى ختم أم الجعاب

الأسطورة و الوظيفة الفكرية


بسم الله الرحمن الرحيم 

( الأسطورة و الوظيفة الفكرية )
كان و لا يزال البشر دائما هم صناع أسطورة . و منذ بدايات وجود بشريات نياندرتال فى أوروبا و الشرق الأدنى خلال العصر الحجرى القديم الأوسط ( 120000 – 35000 ق.م ) ، تبين لنا من قبورهم وجود أسلحة و أدوات و عظام لحيوانات مضحى بها ، تدل جميعها على وجود معتقد عندهم بعالم آخر يشبه عالمهم ، و بحسب ما بينته قبور النياندرتاليين و بعد يقينهم بحقيقة فناء أجسادهم ، أنهم إبتكروا واقع مضاد ، يمكنهم من التكيف مع ذلك الوعى الجديد و لذلك و حين يدفن النياندرتاليون رفاتهم الموتى بإهتمام و عناية ملحوظتين ، يعنى أنهم قد أصبحوا يعتقدون بأن العالم المادى و المرئي ليس الحقيقة الوحيدة و من هنا يبدو لنا أن بشريات نياندرتال تميزت و منذ زمن مبكر جدا ، بقدرتهم على حيازة أفكار تتجاوز تجاربهم اليومية .
إن دفنات النياندرتال تكشف عن معتقدات دينية بدائية كانت هى الأولى من نوعها فى تكوين و نشأة الأسطورة لدى الجنس البشري تمثلت فى حقائق هامة هى :
1 – دلت هذه الدفنات و ما تحتويها من أدوات على وجود هاجس قلق من تجربة الموت و الخوف من الفناء
2 – ما تشير إليه عظام الحيوانات من أن الدفن قد تم مع تقديم أضحية ، مما يعنى ممارسة لشعيرة ترافق عملية الدفن و أن الطقس هنا لا ينفك أبدا عن المعتقد الأسطورى ( بوجود عالم أخروي ) ، فالأسطورة تصبح عديمة المعنى إذا كانت خارج المشهد الطقسي الذى يبث فيها الحياة ، و لا يمكن فهم مغزاها فى أجواء و ترتيبات إعتيادية
3 – تتكلم دفنات النياندرتال عن عالم ما ورائي غير منظور مواز لعالم الإنسان ، و الإيمان بهذه الحقيقة اللامرئية و الأكثر قوة ، هى التى ستمهد لظهور فكرة الكائنات الماورائية المتحكمة فى مصير الجنس البشري ، و سيطلق عليها فى مراحل لاحقة مصطلح ( آلهة ) ، أليست تلك المعتقدات البدائية هى المهد الأول لنشأة الميثولوجيا ؟
4 – كشفت هذه القبور عن إستحضار الحدود النهائية للحياة البشرية ، و الإنتقال إلى عالم آخر من أجل تجاوز التجارب الشخصية المتمثلة فى الموت ، فالدفنة و ما بها تهيأ الإنسان للذهاب إلى مكان آخر لم يره من قبل ، بل و ترغمه على فعل أمور فى ذلك المكان ، فالأسطورة هنا لا تكتفى بإظهار المجهول بل هى تدل على ما يجب فعله من جانب إنسان نياندرتال المدفون فى قبره
يتبين لنا من تلك الشواهد و الأمور السابقة أن الأسطورة قد تم إبتكارها و تصميمها لمساعدتنا على التعامل مع المآزق البشرية المستعصية ، و إعانة الناس على تحديد موقعهم فى العالمين الدنيوي و الأخروى و إتخاذ موقف عملى مما يحدث حولهم
و من جانب آخر تطمح هذه الدراسة إلى تحديد معنى واضح للأسطورة ، ليس هو المعنى النهائي و المطلق و لكنه التعريف المبدئي الذى تسير عليه خطوات ذلك البحث ، و لذا فالأسطورة هى ( حكاية دينية مقدسة تلعب الكائنات الماورائية - الآلهة – أدوارها الرئيسية )
و يرى الدارس و بعد أن قضى فترة زمنية طويلة فى دراسة علم الميثولوجى أن هناك سمات عامة يمكن من خلالها التعرف على النص الأسطورى و هى :
1 – من حيث الشكل الأسطورة هى قصة تحكمها مبادي السرد القصصي من شخصيات و أبطال و حبكة و عقدة مستعصية ثم أخيرا تقدم حلا لتلك العقدة و غالبا ما يكون حلا إيجابيا
2 – يجرى صياغة الأسطورة فى معظم الأحيان فى قالب شعري يساعد على ترتيلها فى مناسبات و أعياد دينية و ممارسات طقسية
3 – ليس للأسطورة مؤلف محدد ، لأنها ليست نتاج خيال فردى ، بل هى ظاعرة جمعية يخلقها الخيال المشترك للجماعة و عواطفها و تأملاتها و طموحاتها
4 – يلعب الآلهة و أنصاف الآلهة الأدوار الرئيسية فى الأسطورة ، فإذا ظهر الإنسان على مسرح الأحداث كان ظهوره مكملا و لا رئيسيا
5 – يحافظ النص الأسطورى على ثباته عبر فترة طويلة من الزمن و تتناقله الأجيال طالما حافظ على طاقته الإيحائية و كان يلبى الحاجات الروحية للمجتمع . غير أن خاصية الثبات لا تعنى الجمود و التحجر لأن الفكر الأسطورى يتابع على الدوام خلق أساطير جديدة طالما تغيرت الظروف الإجتماعية و التاريخية و السياسية التى أنتجت الأسطورة الأولى الأقدم
6 – تتناول الأسطورة قضايا جوهرية شغلت عقل الإنسان منذ بواكير وجوده على الأرض مثل خلق العالم و نشأة الحياة و الموت و سر الوجود و العالم الآخر ، و ما إلى ذلك من إشكاليات تناولتها الفلسفة فيما بعد و هنا يتبدى لنا تساؤل مشروع : أليست قضايا الأسطورة و الفلسفة مشتركة ؟ .... الإجابة هى بالطبع نعم و لكن ينبغى لنا أن نشير إلى فارق هام بينهما و هو : أنهما تختلفان فى طريقة التناول و التعبير ، فبينما تلجأ الفلسفة إلى المحاكمة العقلية و تستخدم المفاهيم الذهنية كأدوات لها ، فإن الأسطورة تلجأ إلى الرمز و العاطفة و الخيال ، و يظهر فيها الكائنات الماورائية كصور حية متحركة و مدركة لما تفعل
7 – لا تحكى الأسطورة عن وقائع حدثت فى الماضى و انتهت ، بل هى وقائع ماثلة و للأبد و لا تتحول إلى ماض ، فزمن الأسطورة هو الزمن الذى يلتقى فيه الماضي بالحاضر و المستقبل و لذلك تصبح رسالتها غير مرتبطة بفترة زمنية معينة ، إنها رسالة سرمدية خالدة تنطق من وراء تقلبات الزمن الإنسانى . ففعل الخلق الذى تم فى الأزمان المقدسة الأولى يتكرر كل عام فى معظم أساطير الشرق القديم و يتجدد الكون فى كل مرة يخلق فيها من جديد ، و على سبيل المثال نرى أن إله الخصوبة المصري ( أوزير ) ، يتم قتله كل عام و يعود للحياة بعدها ، فهو يموت لكى يحيا و يجدد دورة الحياة و الطبيعة فى مصر بإعتباره ربا لفيضانها
8 – تتمتع الأسطورة بسلطة عظيمة على عقول و وجدان الناس . إن السطوة التى تمتعت بها الأسطورة فى الماضى ، لا يدانيها سوى سطوة العلم فى العصر الحديث . فنحن اليوم نؤمن بوجود الجراثيم و بقدرتها على تسبيب المرض ، و بأن المادة مؤلفة من جزيئات و ذرات ذات تركيب معين و بأن الكون مؤلف من مليارات المجرات لأن العلم قد قال لنا ذلك . أما فى الماضى فقد آمن الإنسان القديم بالعالم و الكون التى نقلتهما له الأسطورة
يتضح لنا مما تقدم أن الأسطورة هى حكاية مقدسة يؤمن أهل الثقافة التى أنتجتها بصدق روايتها صدقا لا يتزعزع ، و يرون فى مضمونها رسالة سرمدية خالدة موجه لبنى البشر ، فهى تكشف عن حقائق خالدة و تؤسس لعلاقة و صلة دائمة بين العالم الدنيوي و العالم الماورائى المقدس و هى فى ذات الوقت تعمل على وضع العالمين ( الدنيوي و الماورائي ) فى شكل مفهوم و مرتب و منظم و أن يتغلب الإنسان على حالة القلق و الفوضى الخارجية التى تتبدى للوعى الإنسانى عندما يواجه الطبيعة و ما تفرضه من عوائق و أزمات .
و من جانب آخر ظهر فريق من دارسي علم الميثولوجى ، يرفض النظر إلى الأسطورة فى ديانات العالم القديم على أنها كانت صادقة من جانب أهل الثقافة التى أنشأتها ، بل هى فى نظرهم كانت صحيحة لأنها مؤثرة و فاعلة لا لأنها تزودنا عن بعلومات عن حقائق ، فالأسطورة هى بالأساس دليل موجه و مؤثر ، إنها تخبرنا عن ما يجب علينا فعله لتكون حياتنا أكثر أملا و أكثر سهولة . فهى ليست محاولة لتدوين التاريخ أو فهمه ، كما أنها لا تدعى موضوعية قصصها و صحتها .
و تطمح هذه الدراسة للكسف عن علاقة و رابط بين الأسطورة و المعتقد الدينى و الطقس للكشف عن صلة كلية جوهرية تجمع بينهم ، فلا غناء لأى عنصر منهم عن الآخر و لذا فإن الدارس سيقوم بتناول تعريف بسيط عن المعتقد الدينى و كيفية تكونه . و يرجح علماء الأديان و الأنثروبولوجى أن المعتقد الدينى ينشأ و يتكون بعد مواجهة تتم بين ( الإنسان ) و ( كائن علوى مقدس ) يسكن فى ( عالم ماورائى غير منظور ) و تتمثل هذه المواجهة فى تأمل الإنسان لما يحدث حوله من ظواهر و أحداث طبيعية و كونية و من هنا يدرك الإنسان وجود ( كائن فائق متعالى ) متحكم فى تلك الظواهر و الأحداث ، فيبدأ بإنتاج صورا ذهنية عن ذلك العالم الماورائى و الكائنات التى تسكن فيه و تتحكم فى مصيره ، و لكن هل تلك الأفكار كافية لإنتاج دين معين ؟
إذا كان المعتقد الدينى يرسم صورا ذهنية واضحة و قوية عن ( العالم القدسي الماورائي ) ، إلا أنها لا تصنع دينا حتى لو كانت واضحة و قوية التأثير ، بل تشكل فى أفضل الأحوال فلسفة و ذلك لإفتقادها إلى ( نظام طقسي كامل ) ، فهو يظل مجرد ( معتقد دينى مثالى ) و يبقى ( العالم القدسي الماورائى ) صورة ذهنية باردة تعيش فى عقول أتباع هذه الفلسفة لا فى قلوبهم . إننا هنا لا نتحول من ( الفلسفة ) إلى ( الدين ) إلا عندما يدفعنا المعتقد الدينى إلى ( سلوك ) و ( فعل ) ، فننتقل من ( حالة التأمل ) إلى ( حالة الحركة ) و من هنا تظهر أهمية ( الطقس الدينى )
فالشعيرة الدينية تحرك الإنسان من ( التفكير فى العالم المقدس الماورائي ) إلى ( إتخاذ موقف عملى إيجابى ) تجاه ذلك العالم ، فيقترب من ( كائنات ماورائية متعالية ) لكى يسترضيها بتقدمته للقرابين أو بتلاوة التراتيل أو يقوم بتسخير تلك الكائنات لمصلحته لكى تكف غضبها عنه ، فإذا كان المعتقد الدينى ( حالة ذهنية ) ، فإن الشعيرة ( حالة فعل )
لا يقام الطقس الدينى إلا عندما ينعزل الإنسان عن ( كل ما هو دنيوي غير مقدس ) ، فيقتحم عالم آخر يتسم بطبيعة ( شديدة القداسة ) ، و عندئذ يستطيع أن يفتح قنوات إتصال مع الكائنات المقدسة الماورائية فيتصور أنه فى معيتها و حضرتها . و لا ريب أن الطقس يعبر عن المعتقد الدينى ، فهو يكشف عن ( مغزى المعتقد نفسه ) فيعمل على توضيحه و تفسيره بالنسبة للمؤمن به .
و إستنادا إلى ما تقدم ، يمكن القول بأن هناك علاقة قوية جدا بين المعتقد الدينى و الطقس و الأسطورة ، فجميع المعتقدات الدينية فى الحضارات القديمة هى التى مهدت لنشأة الأساطير ، فالأسطورة تنشأ عن المعتقدات الدينية و تكون بمثابة إمتداد طبيعى لها ، كما يبدو أن المهمة الأساسية للأسطورة هى تزويد فكرة الكائنات الماورائية بظلال و ألوان حية فتتحول تلك الكائنات إلى ( آلهة ) ، فالأسطورة هى التى ترسم صور الآلهة و تعطيها أسمائها و تكتب لها سيرتها الذاتية و تاريخ حياتها و تحدد لها وظائفها و علاقات بعضها ببعض و علاقتها بالإنسان
و إذا ما نظرنا إلى عقائد الخلق فى حضارة مصر القديمة ، سنرى أن كل مذهب قد زعم بوجود إله أزلى قابع فى ( عالم ما قبل الخلق ) أطلقوا عليه لفظ ( نون ) ، و قد كان ذلك الإله أشبه ما يكون بمعبود نظرى ذو طبيعة فلسفية ، و هو لا يباشر وجوده الفعلى إلا عندما يعلن فعاليته فى خلق نفسه بنفسه ثم خلق العالم فيقوم بذلك بإفتتاح الزمن فيدخل فى دنيا الناس و يخرج من العالم الساكن الى العالم المتحرك و لذلك فقد أنتج أهل الفكر و الدين فى مصر القديمة شعائر متعددة تهدف إلى إعادة خلق العالم من جديد كما تم خلقه أول مرة ، فكانت الشعيرة هنا بمثابة إعادة لخلق الكون و الحفاظ على مسيرة ذلك العالم .
فالطقس هنا هو الأسطورة و قد تحولت إلى سلوك يستهدف إستعادة الزمن الميثولوجى الأولى ، عندما خلق الإله الأول العالم والآلهة الأخرى ، فأنشأ النماذج الأولى لكل فعل حضارى خلاق  

إشكالية تمصير الملوك ذوى الأصل الليبي خلال عصر الإنتقال الثالث بين الأويدولوجيا السياسية و الحقيقة التاريخية


بسم الله الرحمن الرحيم

( إشكالية تمصير الملوك ذوى الأصل الليبي خلال عصر الإنتقال الثالث بين الأويدولوجيا السياسية و الحقيقة التاريخية )
يتناول الدارس من خلال هذا المقال إشكالية تمصر الملوك الليبيين الذين تولوا مقاليد الحكم فى مصر خلال الأسرات ( 22 و 23 و 24 ) و فيما يعرف بعصر الإنتقال الثالث فى الأوساط الأكاديمية العلمية و لاريب أنها قضية فرضت نفسها و بقوة فى الآونة الأخيرة ، بعد ظهور مقالات و دراسات علمية جديدة تناولت الموضوع بعمق منهجى و علمى أكثر شمولا مما سبقها من دراسات و أبحاث قديمة . و لا يفوتنى فى هذا الصدد أن أهدى هذا المقال للزميل المحترم و الصديق المخلص الأستاذ أحمد سعيد الذى لا يتردد أبدا فى تقديم المساعدة لزملائه و زميلاته فى حقل الإرشاد السياحي
أصبح واضحا و من خلال الشواهد الأركيولوجية أن الليبيين مع نهاية الأسرة العشرين قد تغلغلوا فى الدلتا و حتى هيراكوليوبوليس ( إهناسيا ) بصورة كثيفة و دون رقابة فعلية ، بل و يمكن القول أنهم تواجدوا ، و لو بصورة أقل كثافة ، فى مصر العليا . و تجدر الإشارة إلى أن الملوك الرعامسة و لا سيما فى الأسرة عشرين قد إعتمد عليهم إعتمادا تاما فى الجيش و الإدارة الملكية ، فأصبح الجنود ذوى الأصل الليبى يشكلون نسبة كبيرة جدا من تكوين الجيش المصري ، و قد كان ملوك الرعامسة يقدمون هبات من الأرض كأجور لهم ، الأمر الذى أدى إلى نشأة جاليات عسكرية ليبية ، كانت القيادة فيها لهم دون سواهم . و من ناحية أخرى تمكنت عناصر من الماشواش ( و هى إحدى القبائل التى تمركزت من قبل فى غرب صحراء مصر الغربية بجوار جيرانهم من الليبيين و اندمجوا حضاريا و ثقافيا معهم ثم إتحدوا بهم أثناء زحفهم نحو مصر خلال الأسرة عشرين ) فى الوصول الى مناصب هامة فى البلاط الملكى و الى مراكز القيادة العليا فى الجيش .
و لا ينبغى هنا أن نغفل عن ذكر أمر هام و هو : أن الرعامسة قد أقاموا حصون عسكرية فى صحراء مصر الغربية لمنع تسلل عناصر من الليبيين و الماشواش الى وادى النيل ، و بالرغم من ذلك ، فقد تمكنوا من إختراق جميع التحصينات العسكرية ، فأخذ البعض منهم يشيع الإضطراب الأمنى و عدم الإستقرار بين أهالى و شعب مصر الأمر الذى تسبب فى أن يكونوا هم أحد العوامل التى دفعت بأفول دولة الرعامسة فى نهاية الأسرة عشرين و بداية عصر الإنتقال الثالث بدءا من الأسرة الحادية و العشرين ، و انتهى الأمر بوصولهم الى تولى مقاليد السلطة فى البلاد فأصبحوا حكاما على مصر خلال الأسرات ( 22 و 23 و 24 )
 إعتقد عدد كبير من الباحثين أن الملوك ذوى الأصل الليبى قد تمصروا بشكل كامل ، و أنهم لم يتذكروا شيئا عن أصولهم الأولى ، بعد إندماجهم فى مجتمع مصر و إنصهارهم فى الحضارة المصرية ، مما أدى إلى تمصيرهم ( عبر فترة ليست وجيزة من الزمن ) دما و ثقافة و سلوكا . و هنا يميل الباحث الى طرح مجموعة من التساؤلات المشروعة تتصل كل منها بالآخر و بشكل رئيسي :
1 – ما وجه الإختلاف بين عصر الأسرات 22 و 23 و 24 و الأسرات السابقة ؟
2 – إلى أى مدى تمصر حقا ليبيو الألفية الأولى ؟
3 – هل لم يكن لهؤلاء الملوك ثقافة ( ليبية ) أصلية و حقيقية ، قبل إندماجهم بالحضارة المصرية ؟ و هل لم تظهر أى آثار أو نتائج تكشف عن ثقافتهم خلال فترة حكمهم ؟
4 – ما هى المعايير التى يرتكز عليها علماء المصريات فى توصيف شعب أجنبى أنه قد تمصر ؟
و ردا على التساؤل الأخير نجد أن هذه المعايير هى :
1 – إتخاذ الأجانب لأسماء مصرية
2 – التوجه إلى عبادات و معبودات مصرية
3 – إتخاذ عادات الدفن المصرية و ما يرتبط ذلك من بعض التصورات العقائدية الجنزية
4 – مضمون و محتوى المناظر على الآثار كلها و ما تكشفه من سمات فنية مصرية
5 – إستخدام الكتابة المصرية القديمة
و لا ريب أنه لم يستدل أثريا حتى الآن على قرائن تدل على وجود ثقافة ليبية أصلية و حقيقية ، و من ناحية أخرى ، نجد أن الحكام ذوى الأصل الليبى لم يذكرون بوصفهم أجانب سواء فى الوثائق و الآثار المصرية أو المؤرخ المصري مانيتون
ظهرت فى الآونة الأخيرة دراسات علمية جديدة لا تسلم بمضمون التمصر الكامل للملوك الليبيين ، فذلك الطرح تم إستخلاصه و بشكل أساسي لتصويرهم فى المناظر برداء مصري و هيئة مصرية ملكية كاملة . و فى واقع الأمر ، إعتادت الأيدولوجية الرسمية المصرية  سياسيا و دينيا على إظهار جميع الملوك الذين حكموا مصر بسمات فنية مصرية على جميع المنشآت الرسمية للدولة بصرف النظر عن كونهم مصريين أم أجانب ثم تمصروا ، فتلك هى الصورة الوحيدة المقبولة شرعيا أمام آلهة مصر لإسباغ الشرعية على الملوك ، و لكن ذلك الأمر لا ينبغى أن ينخدع به دارس المصريات و إلا تصورنا أن الملوك البطالمة قد تمصروا فعليا و أصبحوا أتقياء و ورعين لمجرد تصويرهم على جدران المعابد المصرية برداء ملكى مصري أمام المعبودات المصرية !
توجد مجموعة من الحقائق تحول دون التسليم المطلق بالتمصير الكامل للملوك الليبيين للأسباب التالية :
1 – إن إنقسام البلاد إلى عدد من الأقاليم المستقلة هو الشكل المميز و اللافت للنظر لتلك الحقبة ، و لكن ما يهمنا على وجه الخصوص فى هذا الصدد هو عدم وجود أدبيات لذلك العصر تصفه بعصر الفوضى كما حدث فى عصري الإنتقال الأول و الثانى ، فتقسيم البلاد كان دائما من الأوضاع الغير مقبولة دينيا و سياسيا قبل عصر الإنتقال الثالث لكونه لا يتفق و الأيدولوجية الملكية المصرية ، و لكن ما حدث خلال عصر الإنتقال الثالث هو أن الأسر الملكية و مناطق السلطة المختلفة تعايشت سلميا و إعترفت ببعضها . فقد أصبحت و لأول مرة اللامركزية هو النموذج الأمثل المعبر عن نظام حكم مستقر و ظهرت لدينا ( ملكيات متعددة ) فى أقاليم مصر تعترف ببعضها البعض و هى سمة جوهرية فى بنيات و ثقافات المجتمعات ذات الطبيعة شبه بدوية التى تمكنت من فرض ذلك النظام على الأيدولوجية الملكية المصرية و لم يلقى معارضة جوهرية
2 – تبنى الحكم ذوى الأصل الليبي ظاهريا الأيدولوجية الملكية المصرية ، و لكن إذا ما خدشنا السطح الظاهرى ، فإن تركيبات السلطة غير المصرية تظهر أسفله بوضوح و يرجع ذلك إلى أن الطبقات الحاكمة نفسها لم تكن قد تمصرت كثيرا أو بشكل كامل و هذا ما يمكن لنا أن نلاحظه فيما يعرف بلوحات الهبات الملكية التى ظهرت خلال عصر الإنتقال الثالث ، فنجد فيها هؤلاء الحكام و هم يظهرون بوصفهم ( زعماء الماشواش ) و ليس ( ملك مصر العليا و السفلى ) صاحب العطاء أمام الآلهة ، كما ظهروا فى معظم الأحيان على تلك اللوحات برداء غير ملكى مصري  . إن مثل ذلك الطرح يتضح لنا فى دعاء الملك ( أوسركون الثانى ) ، إذ يلتمس من المعبود( آمون ) مايلي : " أنت سوف تشكل نسلي ، النطفة التى تخرج من أعضائي ، حكاما كبارا لمصر و أمراء و كهانا أوائل لآمون رع ملك لآلهة ، و زعماء كبارا للماشواش ، و كهانا للإله حور سا إيسة "
3 – نلاحظ تأثيرا ليبيا غير مباشر فى إستخدام أنواع معينة من الكتابة و تطويرها فى عصر الإنتقال الثالث . فهناك خلط قوي بصورة لافتة للنظر فى مجالات الكتابة المختلفة للخطين التقليدين الهيروغليفية و الهيراطيقية ، إذ أن لوحات الهبات الملكية التى بدأ ظهورها بكثرة منذ ذلك العصر و لا سيما فى الدلتا ، قد نقشت بالهيراطيقية ، على الرغم من أن اللوحات الحجرية المنقوشة كانت تستعمل فى العادة الخط الهيروغليفي
4 – ظهور نظامين مختلفين للكتابة المائلة ، المعروف بإسم الهيراطيقي المائل أو الهيراطيقي الشاذ فى طيبة علاوة على بداية ظهور الخط الديموطيقى فى تلك الفترة و هو الخط الذي شق طريقه من مصر السفلى مما يعكس الوضع السياسي و الإداري و الثقافي و العرقي فى عصر الإنتقال الثالث
5 – ظهور مفردات و كتابات صوتية متعددة ، عوضا عن الكتابات الرسمية التقليدية العتادة فى النصوص الهيروغليفية و الهيراطيقية ، مما يشير إلى جوهر لغة ليبية فرعية ، فالصفوة الليبية حاولت أن تتعلم اللغة المصرية القديمة التى نشأت عليها بطريقة يسيرة و غير معقدة بالنسبة لهم
6 – وجود بعض المفردات و الكلمات الليبية من لغة ليبية فى الموروثات المصرية بدءا من عصر الإنتقال الثالث ، و يرى البعض أن هذه المفردات قليلة العدد و غير مؤثرة إلا أن ذلك قد يرجح إستنتاج لا يخلو من دلالة : أن لغة الليبيين ظلت تستخدم فى التواصل الشفهى فقط ، بينما إستخدمت الكتابة المصرية فى تصريحاتهم المكتوبة
7 – نلاحظ وجود تغييرات جذرية فى مجال دفن الموتى سواء فى النطاق الملكي أم فى المحيط الشخصي . فقد كانت الجبانة الملكية فى موقع مستقل و منفصل قبل عصر الإنتقال الثالث ، و لكن ظهر تطبيق عملي جديد بدءا من ذلك العصر تمثل فى مفهوم (  تشييد المقبرة فى فناء المعبد ) و هو ما ظهر بشكل واضح فى تانيس و منف ( مثل مقبرة ولى العهد شاشانق ) و فى طيبة أيضا ، و لاسيما فى معبدي الرامسيوم و مدينة هابو( مقابر الزوجات الإلهيات و مقبرة حور سا إيسة )
8 – الميل الواضح إلى تشييد مدفن الأسرة الملكية المتواضع حجما و شكلا ، بدلا من  مفهوم الدفن الفردي الملكي باهظ التكاليف ، مما يعد إبتداعا جديدا فى مظاهر الدفن ، فقد أعدت فى بعض الأحيان منشآت جنزية قديمة بسرعة لأصحابها الجدد بشيء من عدم الإكتراث و من دون إجتهاد بشكل قوي لوضع أعمال و كتابات دينية و زخرفية جديدة و قوية مثلما كان يحدث سابقا و من المؤكد أن سبب كل ذلك لم يكمن فى نقص ثرواتهم - كما رأى فريق من الدارسين – و علينا هنا أن نتذكر فقط كنوز المقابر الملكية فى تانيس – و لا بسبب قصور فنى تقنى و لكنه يعكس موقف فكري آخر من قضية الموت ، و هو شيء من عدم الإكتراث تجاه الإستعدادات الباهظة فى الموروثات القديمة ، و تلك الثقافة تتناسب بلا شك مع عادات و تقاليد مجتمعات شبه بدوية مثل مجتمعات الليبيين
9 – إصرار بعض ملوك عصر الإنتقال الثالث على تشييد مدافن ملكية جماعية فى تانيس ، لم تقتصر على دفن الملك بمفرده و إنما جمعت دفنات الزوجات و أولياء العهود بل و بعض كبار رجال الجيش أحيانا مما يكشف عن عدم إيمانهم بفكرة الفصل الواضح و الإستقلال الكامل لمقبرة الملك عن المقابر الأخرى و هو ما لا يتفق و الأيدولوجية  الملكية المصرية الرسمية المعتادة
10 – ظهور سمة جوهرية فى مجال الوظائف الإدارية لتلك الفترة و هى : الجمع بين وظائف مختلفة و متعددة و متناقضة تماما لبعض البعض فى أيدي شخصية واحدة و هو شكل إدارى و سياسي غير مألوف فى مصر و لم يحدث إلا فى حالات إستثنائية جدا قبل ذلك العصر . فقد أصبح توزيع الوظائف طبقا لتنوعها و ما تحتاجه لتدريب من نوع خاص يتطلبه الإختصاص الوطيفي ليس معيارا فارقا لكن الغلبة الشخصية فى إمتلاك وسائل السلطة ، أصبحت هى السمة السائدة ، و لاريب أن ذلك هو من صميم الأنظمة الفكرية و الإدارية للإقطاعيات الخاصة بمجتمعات شبه بدوية الذى لا يعتمد على التخصص الوظيفى و الكفاءة الإدارية بقدر إعتماده على السيطرة السياسية و الإحتكار السلطوي لمعظم المناصب
11 – على الرغم من وجود تمصير شكلي ظاهري لبعض الزعماء الليبيين و الماشواش فيظهرون أحيانا بالزى المصري ، إلا أن عددا كبيرا منهم ظل يصور نفسه بريشة الزعماء الليبية المعهودة فوق رأسه ، كما ظل معظم حكام تلك الفترة يستخدم أسماء شخصية ليست مصرية مثل ( شاشانق – أوسركون – تاكلوت )
12 – تصدي كهنة طيبة كجبهة سياسية وطنية وحيدة لهؤلاء الزعماء أحيانا و معارضتهم السياسية لهم فى بعض الفترات مما أدى إلى رد فعل قاسي من جانب ( أوسركون الثانى ) الذى قام بحرق بعض كهان آمون فى نهاية الأسرة 22 ، الذين رفضوا سيطرته على طيبة و منصب كبير كهنة آمون ، الأمر الذى يعكس عدم إقتناع كهنة آمون بالتمصير الشكلى لزعماء الماشواش و الحكام ذوى الأصل الليبى ، و قد يعترض البعض على ذلك بتصويرهم لذلك الصراع على أنه مجرد صراع سياسي بين قوتين ( قوة كهنة آمون و قوة زعماء الماشواش ) للوصول إلى مقاليد السلطة ، و لكن بمراجعة موقف كهنة آمون تجاه ملوك الكوشيين الذين حكموا مصر خلال الأسرة 25 – و هم من أصل نوبي – الذين تمصروا بشكل شبه كامل و عن يقين و إيمان بالعقيدة المصرية القديمة ، فلم يلقوا أى معارضة من جانب كهنة آمون بل النقيض من ذلك ، تمدنا وثائق تلك الفترة بمدى إستعانة كهنة آمون بهم ضد ( تاف نخت ) – من ملوك الأسرة 24 ذوى الأصل الليبي – و مدى ترحيبهم بالملوك المعروفين بالكوشيين
يتبين لنا مما تقدم أن مفهوم ( الإندماج الثقافى و الإنصهار الحضاري الكامل لملوك عصر الإنتقال الثالث من ذوى الأصل الليبي ) هو أمر يحتاج لإعادة نظر ، فعلى ضوء ما تقدم من الشواهد الأثرية ، لا يمكن التسليم بحقيقة التمصير الكامل . و ينبغى لنا أن نأخذ فى الإعتبار أن الملوك الليبيين و من خلال خصوصيتهم الثقافية ، قد أصبحوا فى أزمة تعارض و تصادم تجاه أنماط ثقافية مصرية تقليدية عند توليهم مقاليد السلطة ، وهى أزمة لم تواجه مطلقا ممن لم يجيئوا غزاة ، فقد دخلوا مصر كأسرى حرب منذ عصر الأسرة ( 20 ) ، و طالت فترة إقامتهم فى البلاد و احتلوا المناصب العالية حتى وصلوا للعرش ، فتخيروا من الوسائل و الأدوات السياسية و الدينية المناسبة لعرض أنفسهم كحكام للبلاد ، فحاولوا أن يوفقوا بين الأنماط الثقافية المصرية التقليدية الموروثة و بين خصوصيتهم الثقافية التى لم تختفى على الإطلاق حتى وصولهم للعرش ، فجاء تمصيرهم جزئيا تارة ، و شكليا تارة أخرى 

قضية النشأة الزمنية الأولى لمذهب الخلق فى منف



بسم الله الرحمن الرحيم

(  قضية النشأة الزمنية الأولى لمذهب الخلق فى منف )

 .......................  يتناول الباحث واحدة من الإشكاليات التى لا تزال مطروحة فى علم المصريات ،  و إختلفت آراء الدارسين القدامى و الجدد فيها ، و هي قضية النشأة الزمنية  الفعلية الأولى لمذهب الخلق فى منف فهل تم إبتداع ذلك المذهب و لأول مرة  كما يروي لنا كاتب النص فى عصر الأسرة الخامسة و العشرين ؟   ..............................
.
 ظهر فى عصر الأسرة الخامسة و العشرين ،  لوحة حجرية ضخمة عرفت إصطلاحا بإسم ( لوحة شباكا ) ، قص فيها كاتبها أنه  قام بتجديد نسختها القديمة بإذن ملكه ( شباكا ) ، و هنا يروي لنا الكاتب أن  محتوى اللوحة ما هو إلا نص قديم كتبه أصحابه الأوائل على الجلد أو البردي ،  فأوشك الدود أن يأتى عليه ، فكان ذلك سببا لإحياء متنه القديم ، و كان نصا  يصف كيفية نشأة الخلق و الكون - وفقا لرواية كهنة منف - فابتغى انصار  المدينة العظيمة أن يظهروا للناس أن ربهم ( بتاح ) كان هو السبب و الأصل  القديم فى نشأة الوجود و الآلهة و المخلوقات ، فأعطوه لقب ( بتاح تاتنن )  بمعنى بتاح ( رب ) الربوة الأزلية المرتفعة التى ظهرت لدنيا الوجود فى بدء  الزمان ، فكانت مدينة منف هى ذلك التل السرمدي الأول الذى طفى فوق مياه (  نون ) الأزلية و أصبحت هى ذاتها ( منف ) مكان تأسيس الملكية المصرية .
و  لايب أن معطيات مذهب الخلق فى منف ترتكز على مقدمات مذهب الخلق فى عين شمس  ، فاعترف أصحاب مذهب منف أن ( آتوم ) رب عين شمس هو معبود قد مارس عملية  الخلق فى بدء الخليقة و أصبح فاعلا فى الكون ، إلا أنهم أضافوا عليها حلقة  ذات أهمية كبرى و هى أن ( بتاح ) رب منف كان هو السبب الذى أتى بآتوم و  العالم بأكمله إلى الوجود بفضل فكرة وردت فى قلبه ثم نطق بها لسانه فكان من  أمر الخلق ما كان ، و هو نص يعكس وجود تنافس فعلي لا يرقى الى درجة الصدام  بين كهنة منف و أنصار عين شمس حول أقدمية المعبود الذي كان له الفضل فى  الإتيان الأول لهذا العالم .
إعتقد البعض من الباحثين أن هذا النص قد  تم تأليفه و لأول مرة إلى العصر العتيق إستنادا على أهمية منف الدينية و  السياسية منذ تلك الفترة ، بينما رأى فريق آخر أن هذا المذهب يرجع لبدايات  عصر الدولة القديمة و تحديدا فى عصر الأسرة الثالثة أو الرابعة نظرا لأن  الأفكار و المفاهيم الراقية المضمون التى ورد ذكرها فى ذلك النص تتطلب نضج  فكري و دينى و عقلي لم يتأتى لأهل منف إلا فى تلك الفترة  . و هناك من رجح  إمكانية تأليف النص فى نهايات الأسرة الخامسة و بدايات الأسرة السادسة  إعتمادا على لغة النص العتيقة التى تحتوى على قواعد و أجروميات و مفردات  نصوص الأهرام التى نشأت فى ذات الفترة ، إلا أن الدارس يختلف و بكل إحترام و  تقدير لجميع الطروح العلمية السابقة و ينحو منحى آخر طبقا لمعطيات و  إعتبارات علمية جديدة و هي :
1 - لا وجود لأى آثار أو نصوص ترجع للعصر  العتيق تكشف عن وجود مذهب خلق منفي و لا سيما و أن مفردات الكتابة المصرية  القديمة فى ذلك العصر و التى كشف عنها علماء اللغويات قليلة العدد و لا  تسمح بإستيعاب الكم اللغوي و الفكري لمذهب ظهر فى عصر الأسرة الخامسة و  العشرين
2 - لم تذكر مصادر الدولة القديمة ( نصوص مقابر أو معابد أو  أى لقى أثرية أخرى ) أى فكرة عن مذهب الخلق فى منف برغم إستقرار ملوك  الدولة القديمة فيها و إتخاذها كعاصمة دينية و سياسية ذات أهمية كبرى ، و  لم يشير أحد لهذا المذهب فى نصوص الأهرام الملكية و قد يعترض البعض على ذلك  نظرا لأنها متون شمسية ، فكان من الطبيعي أن يتجاهل أتباع عين شمس أى ذكر  لمذهب بتاح فى منف ، و لكن و بدراسة مقالات عديدة فى هذا الشأن ، نجد أن  كهنة الشمس إعترفوا فى متون الأهرام بوجود أرباب خالقة أخرى مارست عملية  الخلق فى بدء الزمان غير إله الشمس رع ، بل و تتجاهل أحيانا دور ( رع )  فيها تماما
3 - لم يتجه ملوك الدولة القديمة لإتخاذ المعبود بتاح كرب  رسمي للديانة الملكية ، فلم يدخل فى ديباجة الألقاب الملكية ( عدا الملك  سنفرو و إحتمالية إنتسابه لذلك المعبود ) و على النقيض من ذلك إتجه ملوك  تلك الفترة الى معبود الشمس رع فكان طبيعيا أن ينتسبوا اليه فى اسمائهم ،  فكان من المنطقي أن يظهر و يرتقي مذهب الخلق لعين شمس فى ذلك العصر
4 -  لم يكن هناك أى تنافس بين كهنة بتاح و كهنة رع طوال عصر الدولة القديمة أو  الوسطى و ذلك هو مضمون مستتر غير مباشر فى مذهب الخلق لمنف الذى ظهر فى  الأسرة الخامسة و العشرين لا يتفق مع المعطيات التاريخية لفترتي الدولة  القديمة و الوسطى
5 - لم تخرج وظائف الإله بتاح فى عصر الدولة القديمة  عن كونه ربا للفن و الفنانين و الصناع كما أكدت نصوص تلك الفترة على ذلك و  لم تشير لأى مفهوم يخص بتاح كرب خالق
6 - إتحد الإله ( بتاح )  بالمعبود ( تاتنن ) الذى يجسد الربوة السرمدية الأولى فى عصر الدولة الوسطى  و ذلك يناقض كل التصورات الخاصة بنشأة ذلك المذهب فى عصر الدولة القديمة ،  فكان بتاح تاتنن هى الصورة التى أنتجها كهنة منف منذ الدولة الوسطى مما  يكشف عن وجود إرهاصات أولى محتملة لفكرة إظهار بتاح كرب أزلى و ربما كرب  خالق ؟
7 - إن تصور الإله ( بتاح تاتنن ) كرب خالق قبل آتوم و كرب  للسلطة الملكية هو تصور نموذجى ينطبق بشكل كبير على عصر الرعامسة ، فقد  أكدت نصوص تلك الفترة و لأول مرة أن بتاح تاتنن هو إله خالق قبل آتوم و هو  ما يتفق مع مضمون مذهب الخلق فى منف ، كما ظهر فى عصر الملك رمسيس الثانى و  لأول مرة نصوص و مناظر تقحم بتاح كأب جسدي و روحي للملك الحاكم ، ( مثلما  نجد فى معبدى أبيدوس و أبوسمبل ) ،  أعطى أوامره للإله ( خنوم ) لتشكيل  ابنه الذي ينحدر من صلبه على عجلة الفخراني ، و هى الأيدولوجية التى سار  على نهجها جميع ملوك الرعامسة ، مما كان سببا قويا لإكتمال و نضج المذهب فى  عصر الأسرة الخامسة و العشرين
8 - توضح لنا أسطورة مذهب الخلق فى منف  كيف تم تقسيم مملكة مصر إلى مملكتين واحدة لحورس و الأخرى لست ، ثم كيفية  إعادة توحيدهما مرة أخرى على يد حورس ، و هو ما يتفق مع المعطيات التاريخية  للملك شباكا الذى أنهى تماما مفهوم عصر الإنتقال الثالث و السلطة  اللامركزية التى كانت موجودة خلال تلك الفترة و أعاد وحدة مصر من جديد ،  فالملوك ذوي الأصل الليبي الذين راق لهم فكرة تقسيم البلاد خلال عصر  الإنتقال الثالث ، فهم يجسدون فى اسطورة مذهب الخلق فى منف ( الإله ست )  الذى يرفض السلطة المركزية و كان سببا فى تقسيم البلاد ، أما الملك ( شباكا  ) فهو ( حورس ) الذي أعاد وحدة البلاد من جديد ، فأسطورة الخلق فى منف لا  تبرأ من أهداف أيدولوجية سياسية بعد إعادة توظيف الأسطورة مرة أخرى لصالح  السلطة الملكية الحاكمة ، الأمر الذي يكشف عن وجود نصيب معين و واضح للأسرة  الخامسة و العشرين و الملك شباكا فى تأليف و تأسيس ذلك المذهب  فلم يكن  كله من إبتكارات عصر الرعامسة .
9 - يزعم مذهب منف أن قبر المعبود ( أوزير ) كان فى مدينة منف و أنه قد مات فيها و هى معطيات ( و إن ظهرت فى بدايات عصر الدولة الحديثة ) لم تكن تخلو من دلالة : إن الفيضان ينشأ من المدينة التى مات و دفن فيها ذلك المعبود ، و ذلك بوصفه ربا رئيسيا للفيضان القادم من مملكته فى العالم الآخر و ذلك يكشف عن رغبة كهنتها فى إبراز مفهوم العطاء و الخير و الخصوبة و النماء الذى تهبه منف لكل مصر بفضل وجود القبر الأوزيري ، و هى فكرة تتفق مع السياسة الملكية لملوك الأسرة الخامسة و العشرين الذين رفعوا كثيرا من شأنها و أعادوا إكتشاف ماضيها التليد فنسبوا لها تلك المفاهيم الدينية و السياسية

الوضع الحضاري لمنف فى العصر العتيق


بسم الله الرحمن الرحيم

 الوضع الحضاري لمنف فى العصر العتيق ............................................................
.................يتناول  الباحث فى هذه الدراسة واحدة من أهم المراكز الحضارية فى التاريخ المصري  القديم . فلا ريب أنها قد حظيت بهذه المكانة المتميزة منذ بداية العصور  التاريخية ، و كان لها دورا هاما فى مرحلة تأسيس الدولة . و لا يفوتني فى  هذا الصدد أن أهدي هذا المقال للأستاذة الزميلة ( عبير أبو ضيف ) التى لا  تتردد عن تقديم المساعدة لزملائها فى هذا الحقل .
 أولا : التطور الحضاري لمنف منذ عصور ما قبل التاريخ
.............. تميزت المنطقة التى تم فيها تأسيس منف بتاريخ حضاري طويل ،  فعلى الرغم من تأكيد بعض المصادر التاريخية على أن أول ملوك الأسرة الأولى  هو مؤسس مدينة منف ، إلا أن الحفائر الأثرية أماطت اللثام عن نتائج مغايرة  لما هو قد ساد و شاع منذ فترة طويلة تمثلت فيما يلي :
1 – قامت فى  منطقة حلوان ( و هي الإمتداد الشرقي لمنف منذ عصور ما قبل التاريخ ) حضارة  ذات أهمية كبرى منذ أواخر العصر الحجري القديم الأعلى و العصر الحجري  الوسيط ( الفترة الممتدة من 12000 سنة قبل الميلاد و حتى 8000 سنة قبل  الميلاد ) ، و تميزت هذه الحضارة بإكتشاف الإرهاصات الأولى لأقدم أدلة  محتملة على ممارسة زراعة تمهيدية أولية ، تعتبر واحدة من أقدم القرائن على  وجود زراعة فى مصر مما جعلها منطقة صالحة للسكنى و لو بشكل شبه مؤقت منذ  ذلك العصر
2 – إستمر النشاط البشري فى منطقة حلوان فى العصر الحجري  الحديث ( بدءا من 8000 سنة قبل الميلاد و حتى 4500 سنة قبل الميلاد ) فقدمت  لنا تلك المرحلة واحدة من أقدم شارات و رموز الحكم و الزعامة فى أرض مصر ،  و هى عبارة عن عصا قصيرة من الخشب يبلغ طولها حوالي 35 سم ، فى إحدى مقابر  حلوان و فى يد أحد الموتى ، فكانت تمثل صولجانا ، هو الأقدم حتى الآن فى  أرض مصر ، مما يدل على أن صاحب هذا الصولجان كان زعيما محتملا لمنطقة حلوان  ، مما يعكس وجود سلطة سياسية و إجتماعية لذلك المكان منذ العصر الحجري  الحديث
3 – مهدت حضارة حلوان لنشأة حضارة أخرى تقع بجوارها ، و هى  حضارة المعادي خلال بداية عصور ما قبل الأسرات فى مصر ( بدءا من 3900 سنة  قبل الميلاد ) و التى كان لموقعها المتميز الدور الأكبر فى قيامها بدور  الوسيط التجاري بين حضارات مصر العليا من ناحية و حضارات مصر السفلى و  حضارات جنوب بلاد الشام من ناحية أخرى . و منذ ذلك العصر أصبحت حضارة  المعادي ذات التأثير الأكبر على حضارات مصر السفلى ، فكانت المعادي حضارة  وارثة لحضارة حلوان بكل تقاليدها و عاداتها التى نقلتها فيما بعد للمراكز  الحضارية لمصر السفلى
4 – عادت حضارة حلوان للإزدهار مرة أخرى - بعد  إندثار حضارة المعادي – فمنذ عصر نقادة الثانية ( و هي المرحلة الحضارية  الثانية لعصور ما قبل الأسرات ) و لاسيما النصف الأخير منها ( 3400 سنة قبل  الميلاد و حتى 3200 سنة قبل الميلاد ) ظهرت جبانة كبرى فى حلوان إحتوت على  عدد كبير من المقابر التى كشفت عن وجود مركز إداري و سياسي بارز فى ذلك  العصر مما يرجح إزدهار فعلي لمنف ، هو الأكثر وضوحا ، منذ تلك الفترة
5  – و فى عصر نقادة الثالثة ( و هى المرحلة الحضارية الثالثة و الأخيرة  لعصور ما قبل الأسرات فى مصر و التى ظهرت فيها الأسرة صفر ) و لا سيما فى  النصف الأخير منها ، ( من 3100 سنة قبل الميلاد و حتى 3000 سنة قبل الميلاد  ) بدأ إستخدام الجبانات المحيطة بمنف ، فى كل من سقارة و أبو صير و حلوان و  زاوية  العريان ، حيث وجدت أسماء بعض ملوك الأسرة صفر فى هذه المناطق مثل (  بي حور ) و ( كا ) و ( العقرب ) و ( نعرمر ) مما يدل على وجود نشاط إداري و  دينى و سياسي لهؤلاء الملوك فى منطقة منف قبل عصر الأسرة الأولى
يتبين  لنا مما تقدم أن نشأة مدينة منف لم ترتبط بملك واحد مثلما شاع بعد ذلك فى  العصور التاريخية ، و أن الفضل فى تأسيسها لم يكن ينسب لأهل الشمال و لا  لأهل الجنوب
ثانيا : المدلول اللغوي لإسم المدينة فى العصر العتيق  ............................. عرفت هذه المدينة بإسم ( إنب – حج ) منذ عصر  الأسرة الأولى و يعنى الجدار أو السور الأبيض ، و ربما يشير ذلك إلى أن  زعماء و ملوك الأسرة صفر و بعدما قاموا بالسيطرة عليها ، شيدوا فيها حصنا  كبيرا أو أقاموا حولها سورا ، و هى السياسة التى ظهرت خلال عصر الأسرة (  صفر ) حيث بدأ زعماء ذلك العصر فى عادة تحصين المدن السياسية و التجارية  الكبرى لتمييزها عن المجتمعات المحيطة بها علاوة على تأمينها مما يعنى أن  سياسة تحصين و تأمين مراكز و مدن مصر الكبرى لم تقتصر على مدينة منف فقط
أما إسم ( من – نفر ) ، فربما أطلق على المدينة منذ الأسرة الثانية عشرو  شاع فى عصر الدولة الحديثة ، و هو إسم مشتق من إسم مدينة هرم الملك ( بيبي  الأول ) و يترجم ذلك الإسم بالأثر الجميل أو المقر الطيب و لا ريب أن هذه  التسمية كانت ترجمة لأمر واقع لدى المصري القديم حيث كانت بآثارها و لا  سيما أهراماتها ، هى مدينة الأثر الجميل فى مصر
ثالثا : دوافع نشأة و تأسيس ( إنب – حج )
......................... أما عن دوافع تأسيس تلك المدينة فيمكن طرح الحقائق التالية :
1 – الدافع الأول و يكمن فى أهميتها التجارية المعروفة منذ النصف الثانى  لعصر نقادة الثانية على أقل تقدير ( 3400 ق.م – 3200 ق.م ) ... فبها يقع  طريق وادي حوف المجاور لحلوان و المؤدي إلى شبه جزيرة سيناء و جنوب بلاد  الشام ، فكانت القوافل التجارية تمر على هذا الطريق من مصر لآسيا و العكس  صحيح ، مما جعل منف تحكم سيطرتها على تجارة البضائع مع شبه جزيرة سيناء و  جنوب بلاد الشام و لا شك أن هذه البضائع قد أثرت زعماء منف منذ عصر نقادة  الثانية و لا سيما إذا وضعنا فى الإعتبار أن بضائع مصر العليا كانت تمر  عليها ، مما كان دافعا للسيطرة عليها فى مرحلة لاحقة من جانب زعماء الأسرة  صفر
2 – إهتم زعماء و ملوك الأسرة صفر بهذه المدينة بعدما أدركوا  أهميتها التجارية و السياسية ، فهي تقع عند النهاية الشمالية لمصر العليا و  النهاية الجنوبية لمصر السفلى ، و لذا كان عليهم أن يختاروا ذلك الموقع  الإستراتيجي ( و الذي كان قد تأسس قبل سيطرتهم عليه ) لكي يسهل عليهم  السيطرة و الإشراف على شئون الوجهين ، و لذا يعتقد البعض أن العاصمة  السياسية و الإدارية لمصر كانت فى مدينة منف منذ عصر الأسرة صفر
3 –  كان نهر النيل هو الوسيلة الأكثر سهولة و سرعة للإنتقال و الإتصال بين  ربوع الأرض المصرية شمالا و جنوبا . فكان من الضروري أن تقع عاصمة مصر  بالقرب من ضفاف هذا النهر . و كان لضيق الوادي لمنطقة منف ميزة نسبية  لسهولة الإحكام و السيطرة على حركة الملاحة فى نهر النيل
رابعا : الجبانة المنفية فى عصر الأسرات المبكر
........................... كانت ( إنب – حج ) مركزا إداريا و تجاريا  رئيسيا لمصر فى عصور ما قبل الأسرات و عصر الأسرات المبكر . و لذلك فقد عمل  فيها عدد كبير من الحرفيين و العمال و كبار رجال الدولة ، فكانت كثافتها  السكانية هى الأكثر إرتفاعا بالقارنة بغيرها من المدن الأخرى ، و قد أكد  ذلك إتساع جبانتها التى شملت المواقع التالية :
1 – جبانة غرب سقارة  بجوار السرابيوم و تؤرخ مقابرها بأواخر عصر نقادة الثالثة ( الأسرة صفر ) و  حتى الأسرة الثانية و هي تخص طبقة من صغار الموظفين
2 – جبانة جنوب أبو صير و هى إمتداد طبيعي لجبانة غرب سقارة و تؤرخ بنفس الفترة
3 – جبانة حلوان – عزبة الوالدة باشا – المعصرة : و هى تقع على قبالة قرية  أبو صير على الضفة الشرقية لنهر النيل و هى تعد أكبر جبانة فى مصر خلال  عصر نقادة الثانية و حتى بدايات الدولة القديمة   فقد وجد فيها أكثر من  10000 مقبرة ، و كانت كبرى المفاجآت فيها هى وجود دلائل لإستخدام الحجر فى  بعض مقابرها منذ عصر الأسرة الأولى . و دفن في هذه الجبانة :
أ – بعض كبار موظفي الدولة الذين عملوا فى البلاط الملكي
ب -  صغار الموظفين و العمال و الحرفين
ج – بعض من أعضاء العائلة الملكية ، حيث وجدت ألقاب الزوجة الملكية و بنت الملك و إبن الملك
كما تميزت عدد من هذه المقابر بوجود واجهات ذات دخلات و خرجات مما يعنى أن  بعض السمات المعمارية للمقابر الملكية لم تكن حكرا على الملوك وحدهم فى  العصر العتيق و لعل ما يؤيد ذلك وجود حفر للمراكب بجوار مقابر الأفراد فى  عصر الأسرة الأولى الأمر الذي يكشف عن إيمان أصحابها بوجود عالم آخر مشابه  إلى حد كبير للمصير الملكي الأخروي فى ذلك العصر
4 – جبانة طرة و التى  تقع على الضفة الشرقية للنيل و تؤرخ مقابرها بعصري الأسرة صفر و الأولى و  تميزت بعض مقابرها بحجمها الكبير و دلت معظمها على صلة و علاقة أصحابها  بالإدارة الملكية فى تلك الفترة
5 – جبانة شمال سقارة : و مقابرها  مؤرخة بالأسرات الأولى و الثانية و الثالثة و هى تخص كبار موظفى الدولة  علاوة على مقابر أخرى لصغار الموظفين و يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات على  هذه المقابر و هي :
أ – تقع مقابر الأسرة الأولى على الجانب الشمالي  الشرقي لهضبة سقارة و تبين لنا بما لا يدع مجالا للشك أنها لم تكن تخص ملوك  الأسرة الأولى مثلما كان يعتقد عدد كبير من أوائل الدارسين ، بل هى فى  معظمها مقابر لكبار الأفراد
ب – إتخذ ملوك الأسرة الثانية و لأول مرة  قرارا بدفنهم فى جبانة سقارة و لا سيما فى جنوب مجموعة الملك زوسر الجنزية  التى لم تكن قد شيدت بعد ، فتم الكشف عن مقبرتي الملكين حوتب سخموي و نى  نتر أسفل الطريق الصاعد لهرم الملك ونيس ، مما يعنى أن الدفنات فى سقارة  إنتقلت من شمال الهضبة إلى وسطها تقريبا
ج – عادت مقابر الأفراد فى  عصر الأسرة الثالثة إلى شمال سقارة و لكن على الجانب الغربي منها فى منحدر  يطلق عليه منحدر وادي أبو صير ( شمال غرب مجموعة الهرم المدرج )
تجدر  الإشارة إلى ان مقابر الأفراد فى عصر الأسرة الأولى قد تميزت هي الأخرى  بواجهاتها ذات الدخلات و الخرجات و زينت بعضها برؤوس ثيران منحوتة بقرون  طبيعية ! الأمر الذي دفع علماء المصريات الأوائل لإعتبار أصحابها من ملوك  الأسرة الأولى ، إلا أنه ظهرت لدينا مجموعة من المعطيات الجديدة كشفت عن  حقائق تمثلت فى أن أصحابها كانوا كهنة جنائزيين أشرفوا على تقديس ملوكهم و  إقامة أعيادهم الملكية و إحتفالات أرباب مدينة منف الدينية فى تلك الفترة
6 – المنشآت الملكية : وجدت شواهد أثرية مؤكدة لمنشآت دينية ملكية ذات  طابع جنائزى فى منطقة سقارة فى العصر المبكر ، فمنذ عصر الملك ( جر ) على  أقل تقدير ، و بالتحديد فى المنطقة التى تشغلها مجموعة الملك ( زوسر ) و  ذلك يرجع للإعتبارات التالية :
أ – أشارت حوليات كل من الملوك ( جر -  دن – سمرخت – قاعا ) من الأسرة الأولى ، إلى وجود مجموعات جنائزية و  شعائرية لهم فى نفس المنطقة التى شيد فيها الملك زوسر مجموعته فيما بعد
ب – قام الملك جر فى العام الخامس من حكمه بتشييد مجموعته الجنائزية فى  سقارة التى أطلق عليها تسمية ( سمر – نترو ) بمعنى رفيق الآلهة و لا ينبغى  لنا أن تجاهل أن هذه التسمية قد وجدت على آثار مكتشفة فى مجموعة الهرم  المدرج للملك زوسر
ج – تكرر ذات الأمر مع الملك ( دن ) الذي شيد  مجموعته تحت مسمى ( سوت – نترو ) بمعنى عروش الآلهة ، و قد ذكرت هذه  التسمية بالفعل على بعض آثار مجموعة زوسر الجنائزية ، و بناءا على ذلك يمكن  إعتبار تلك المنشآت مبانى جنائزية طقسية للملك المتوفى و أسلافه و هى ذات  الفكرة التى إستقاها الملك زوسر من بعدهم و قام بتطبيقها على نطاق متجدد
د – مع بداية الأسرة الثالثة أقام الملك زوسر مجموعته فى أكثر المناطق  إرتفاعا فى سقارة فقام بإزالة المجموعات الجنائزية الأقدم و ما يرجح ذلك هو  وجود آثار لملوك من تلك الأسرة فى داخل الممرات السفلية للهرم المدرج ،  حيث عثر بداخلها على آلاف الأوانى الحجرية و كانت أكبرها و أكثرها عددا  ترجع لعصر الملك جر علاوة على أوانى تعود لبقية ملوك الأسرة الأولى و  الثانية ، مما يكشف عن رغبة الملك فى تجميع آثار أسلافه من نفس الأماكن  الجنائزية التى كانت توجد فيها ، و ذلك بغرض تأكيد شرعية حكمه بإعتباره  وريثا للأسلاف ، و لتشييد مجموعة الهرم المدرج تمت إزالة كل المنشآت  الملكية التى تخص تلك الفترة
ه – مما يؤكد على وجود منشآت لملوك  الأسرة الأولى فى منطقة الهرم المدرج هو هو تشييد مقابر ملوك الأسرة  الثانية إلى الجنوب منها كما سبقت الإشارة من قبل . فإذا كانت مقبرة الملك  حوتب سخموي هي أولى المنشآت الملكية فى هذه المنطقة ، فلماذا لم يشيدها فى  البقعة الرئيسية التى تشغلها الآن مجموعة الهرم المدرج ، و التى كانت أكثر  وضوحا ؟ فالإجابة الأكثر منطقية على هذا التساؤل هى أن هذه البقعة كانت  مشغولة بالفعل من قبل . و ربما كان الدافع الرئيسي لذلك العمل هو سعي الملك  ( زوسر ) إلى أن تكون مجموعته فى مواجهة مدينة ( إنب – حج ) قبل أن تنتقل  شرقا إلى موقع ميت رهينة الحالى
و هنا يمكن لنا أن نستشف أن الآثار  الملكية فى سقارة و خلال عصر الأسرتين الأولى و الثانية كانت تقع قبالة  وادي أبو صير ، و كان يمكن رؤيتها بوضوح من موقع مدينة ( إنب – حج ) و  تحديدا عند قرية أبو صير الحالية . فى حين لا يمكن رؤيتها من موقع ميت  رهينة ، و ذلك بإستثناء الهرم المدرج الذي يمكن رؤيته من الموقع الحالي  بسبب إرتفاع بنيانه
خامسا : مؤسس ( إنب – حج )
ذكرت بعض المصادر  التاريخية أن الملك ( مني ) هو أول ملوك الأسرة الأولى و هو ذاته مؤسس منف .  و قد تناول الباحث هذه القضية فى أكثر من دراسة و كشف فيها عن مايلي :
1 – لا وجود لملك يدعى ( منى ) فى الحضارة المصرية القديمة ، فذلك الإسم  لم يظهر قبل عصر الدولة الحديثة لإعتبارات سياسية و دينية لدى كهنة تلك  الفترة تمثلت فى خلق نقطة بداية للملكية المصرية و تبيت الهوية الحضارية و  السياسية للبلاد ، بعدما تبين لهم صعوبة  رصد وحدة مصر السياسية خلال عصر  الأسرة صفر التى لم تتبلور فيها الكتابة المصرية بشكل كافى لتحكي عن كيفية  قيام ذلك الحدث ، فاختاروا تلك التسمية لكى تشير إلى كينونة و هوية ملك مصر  الأول بصرف النظر عن إسمه الحقيقي و الذي يعنى الثابت أو الدائم أو الخالد  أو المؤسس ( مؤسس وحدة مصر )
2 – لا وجود لعبادة جنزية لهذا الملك فى جبانة منف خلال العصر العتيق و الدولة القديمة و الدولة الوسطى
3 – لم يرد إسم ذلك الملك على الإطلاق فى مقابر الأفراد فى عصر الأسرة  الأولى و على النقيض من ذلك نجد أسماء ملوك الأسرة الأولى جميعهم فى مقابر  تلك الفترة
4 – كشف الدارس فى مقالات متعددة أن وحدة مصر لم تتم في  جيل زمني واحد ، بل إستغرقت فترة طويلة إمتدت لحوالى 150 سنة فيما يعرف  بالأسرة صفر
5 – لم تتأسس مدينة منف على يد شخص واحد ، بل وجدت آثارها  منذ عصر نقادة الثانية على أقل تقدير ( قبل بداية الأسرة الأولى بأربعمائة  عام تقريبا ) و البعض يرى أن حضارة حلوان  ( التى كانت الحد الشرقى لمنف  فى عصورها التاريخية ) كانت هى النشأة الأولى و التمهيد الأقدم لظهور منف  فيما بعد و تحديدا منذ نهايات العصر الحجري القديم الأعلى كما تقدم ذكره و  سيما و أن المنطقة كان يسقط فيها المطر بكميات كافية مما جعلها صالحة  للسكنى و الإستقرار فى ذلك العصر البعيد
سادسا : النشأة الأولى للمعبود بتاح فى منف
ظهر المعبود بتاح كواحد من أقدم المعبودات التى صورت فى هيئة بشرية منذ  عصر الأسرة ( صفر ) ، حيث ظهر بهيئته البشرية مصورا على إناء من طرخان (  التى تعتبر الحد الجنوبي لمنف فى ذلك العصر و تقع على حوالى 70 كم ناحية  الجنوب ) و تم إعتباره منذ الوهلة الأولى ربا للفن و الصناع و الفنانيين . و  تجدر الإشارة إلى أن حرفيي و عمال منف فى عصور ما قبل الأسرات كان عددا  كبيرا منهم منحدرا من مصر السفلى و العليا نظرا لأهمية منف التجارية فى تلك  الفترة ، مما كان دافعا لهم لكى يبحثوا فيها عن مصادر للعمل و الرزق ،  فاستقر كهنتها على تلك الهيئة البشرية التى يرى فيها الدارس إمتدادا  لمعبودات مصر ذات الهيئة البشرية و المعروفة منذ العصر الحجري الحديث و  عصور ما قبل الأسرات فى مصر ، فلم تكن هيئته مبتكرة فى عصر الأسرة صفر .  كما أن ظهور الحرف و الصناعات المختلفة و المتعددة فى ذلك المركز التجاري  فى عصور ما قبل الأسرات أدى إلى منح صفة الربوبية للفن و الصناعة و  الفنانين لذلك المعبود
الخاتمة
.............................................................................يتضح لنا مما تقدم أن منف كانت عامرة بالسكان و النشاط الحضاري منذ أقدم العصور ، و إستمر ذلك الوضع و بدون إنقطاع تقريبا حتى زادت أهميتها فى خلال مرحلة الوحدة السياسية لمصر خلال عصر الأسرة صفر مما كان سببا محتملا لإتخاذها كعاصمة سياسية و دافعا لإنشاء حصن عسكري ضخم يحوطها من جميع الجهات لتأمينها ، فأطلق عليها ( إنب – حج ) بمعنى الجدار الأبيض أو السور الأبيض و على الرغم من إتساع جبانتها ، حظيت سقارة بالإهتمام الأكبر حيث شيدت فيها مجموعات جنائزية لتقديس ملوك العصر العتيق علاوة على مقابر ملكية لبعض ملوك الأسرة الثانية ، بالإضافة إلى مقابر كبار رجال الدولة . و اتضح لنا من خلال دراسة الإطار العام للجبانة المنفية ، إحتمالية وجود موقع مدينة ( إنب – حج ) أسفل قرية أبو صير الحالية و ذلك قبل أن تنتقل إلى موقع ميت رهينة فى عصر الأسرة الثالثة