الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

حقيقة الصراع بين الملكة حتشبسوت و الملك تحتمس الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم

( حقيقة الصراع بين الملكة حتشبسوت و الملك تحتمس الثالث )

يتناول الدارس واحدة من أهم القضايا السياسية لعصر الأسرة الثامنة عشرة و التى شغلت العديد من علماء المصريات لفترة طويلة من الزمن و لا يزال البحث العلمى يشق مجراه ، و لاريب أن أهم إشكاليات تلك الأسرة ما تصوره عدد كبير من الدارسين من وجود صراع بين الملكة ( حتشبسوت ) و الملك ( تحتمس الثالث ) مما أفضى إلى إلغاء و محو أسماء و مناظر الملكة من جدران المعابد التى صورتها كحاكم لمصر العليا و السفلى و ذلك بإيعاز من الملك ( تحتمس الثالث ) إلى رجاله بعد أن ألقت به فى دائرة الظل و أبعدته عن ممارسة حقه الطبيعى كملك متوج على عرش البلاد . و لا تسعى هذه الدراسة إلى دحض و نقض كل ما هو معروف تاريخيا عن تلك الفترة ، فالبحث العلمى الجاد لا يهدم و لاينقض ما هو مثبت لدينا من خلال الآثار ، و لكن يحاول الدارس هنا أن يتناول هذه القضية برؤية أثرية جديدة من خلال ما استجد على الساحة العلمية من مقالات و دراسات و معطيات و إكتشافات أثرية جديدة منطلقا من منهجية و أدوات البحث العلمى الجاد و المحايد الذى لا يعترف بوجود مسلمات فكرية أو تاريخية لمجرد أنها متداولة أو شائعة فى مصادر علمية عديدة فلما تقادم عليها الزمن أصبحت من الحقائق المطلقة التى لا تقبل التغيير أو النقاش و هذا بالتأكيد يخالف أدوات البحث العلمى الحر المنطلق و المتقيد دائما بشروط و أدوات علم المصريات و يقر الدارس هنا أن النتيجة التى وقرت فى عقله لم يكن هو أول من توصل إليها بل سبقه فى ذلك من هم أفضل منه علميا حيث تناولوا هذا الموضوع فى أكثر من دراسة أو مقالة و منهم على سبيل المثال لا الحصر : أسمان و إريك هورنونج و دوروتيا أرنولد و حسن نصر الدين و جاب الله .
و نبدأ هنا بطرح التساؤل التالي : هل كان هناك صراع فعلى بين الملكة ( حتشبسوت ) و الملك ( تحتمس الثالث ) ؟ أو هل أصدر الملك ( تحتمس الثالث ) أوامره إلى رجاله لكى يقوموا بكشط أسماء و ألقاب و مناظر الملكة ( حتشبسوت ) من على جدران المعابد المصرية ؟
فى بادىء الأمر ينبغى لنا أن نستعرض بشكل سريع الجذر العائلى لكلا من ( حتشبسوت ) و ( تحتمس الثالث ) حتى نفهم ماهية العلاقة التى كانت بينهما . و نبدأ بالملك ( أمنحوتب الأول ) الذى رتب أموره لكى يخلفه على العرش إبنه و وريثه الشرعى ( أمنمحات ) حيث كان ينحدر من زوجة رئيسية إلا أن وفاته المفاجئة ( و هى ظاهرة متكررة فى هذه الأسرة ! ) جعلت إبنه الثانى ( تحوتمس الأول ، يتولى زمام الأمور و لكونه منحدرا من زوجة ثانوية ، فقد ثبت شرعية توليه العرش بزواجه من الأميرة ( أحمس ) أخت ( أمنحتب الأول ) و أنجب منها بنتا هى ( حتشبسوت ) و ولدا هو ( آمون مس ) الذى لم يتولى العرش نظرا لوفاته المبكرة . و من جانب آخر تزوج الملك ( تحتمس الأول ) أيضا من إحدى محظيات القصر الملكى و هى ( موت نفرت ) التى أنجبت له الملك ( تحوتمس الثانى ) الذى كان أخ غير شقيق للأميرة ( حتشبسوت ) و التى تحمل الدم الملكى النقى و من هنا كان زواجه منها ضروريا للحفاظ على العرش داخل البيت المالك و شاءت الأقدار أن لا يثمر هذا الزواج عن وريث ذكر ، بل أنجب منها إبنة وحيدة هى الأميرة ( نفرو رع ) التى زوجتها أمها على ما يبدو من الأمير ( تحتمس الثالث ) إبن زوجها ( تحتمس الثانى ) من إحدى المحظيات التى تدعى ( إيزيس ) .
و يرى البعض أن الملك ( تحتمس الثانى ) توفى إثر مرض على الأرجح ، و لم يدم حكمه أكثر من أربعة عشر عاما ، و كما نعلم فقد ترك إبنه ( تحوتمس الثالث ) كوريث له و لكنه كان أصغر من أن يتولى مقاليد الحكم و من هنا إضطلعت زوجة ( تحوتمس الثانى ) بالوصاية على العرش و هى الملكة ( حتشبسوت ) ، و التى كانت أيضا زوجة أب الأمير ( تحوتمس الصغير ) و لذلك يجب أن ننظر إلى ما ورد فى مقبرة (إنينى ) المشرف على مخازن غلال آمون و شغل هذا المنصب منذ عصر ( أمنحوتب الأول ) ، و عندما كان يحكى فيها عن سيرته الذاتية ، وصلنا وصف لهذه الوصاية من خلال السياق التالى :
( ثم صعد الملك إلى السماء – بمعنى توفى - و انضم إلى الآلهة و حل محله إبنه ملكا على الأرضين و صار ملكا على عرش من أنجبه و لكن أخته – أى أخت الملك المتوفى – الزوجة الملكية ( حتشبسوت ) كانت تدير شئون البلاد و تشرف عليها و كانت الأرضان تخضعان لحكمها و تسلم الضرائب لها بعد جبايتها )
و نرى من ذلك النص أن الملك الفعلى من وجهة النظر الرسمية هو ( تحتمس الثالث ) و لكن نظرا لصغر سنه فقد أصبحت زوجة أبيه ( حتشبسوت ) عمليا و واقعيا هى المهيمنة سياسيا على أمور البلاد بإعتبارها الوصية على العرش إلا أنها تخلت عن هذا الأسلوب فى ممارسة الحكم و أعلنت نفسها ملكا فى العام السابع من حكم ( تحتمس الثالث ) ، و إتخذت لنفسها جميع الألقاب الملكية ، و من الناحية الرسمية أصبح ( تحوتمس الثالث ) شريكا لها على العرش و لتبرير ما قامت به ، ابتكرت قصة مشاركتها لأبيها فى الحكم و تجاهلت فترة حكم الملك ( تحوتمس الثانى ) زوجها ، حيث أشارت نصوص و مناظرعهدها أن أبيها قد قام بتقديمها لآلهة مصر كوريثة لعرشه من بعده و هو ما ظهر جليا على جدران معبد الدير البحري و فى العام السادس عشر من الحكم المشترك بينها و بين ( تحتمس الثالث ) إحتفلت و لأول مرة بالعيد الثلاثينى ( الحب سد ) بعد أن أضافت الأعوام الأربعة عشرة لحكم ( تحتمس الثانى ) إلى حكمها و زادت عليها بالأعوام الستة عشرة التى قضتها كشريكة فى الحكم مع ( تحتمس الثالث ) و هكذا أصبحت الظروف مواتية لكى تصل إلى عدد الأعوام الثلاثين اللازمة حتى تحظى بلإجلال و التوقير و المزايا التى يتيحها العيد اليوبيلى العظيم .
فما هى الدوافع التى جعلت الملكة ( حتشبسوت ) لأن تسلك هذه السياسة ؟
......................... و قبل الرد على جميع التساؤلات المتعلقة بهذه القضية لابد أن نشير إلى مناظر المقصورة الحمراء التى شيدتها الملكة ( حتشبسوت ) و كانت تستخدم كمقصورة إستراحة للزورق المقدس للمعبود ( آمون رع ) عند خروجه لعيد الوادى فى البر الغربي و عيد الأوبت فى معبد الأقصر ، حيث قامت البعثة الفرنسية بإكتشافها منذ فترة طويلة فى حشو الصرح الثالث لمعبد الكرنك الذى شيده الملك ( أمنحتب الثالث ) و وضع بداخلها أكثر من أربعة عشر مقصورة لإستراحة الزورق المقدس لآمون و قاموا بترميمها و إعادة تركيبها و هى جميعا معروضة حاليا فى المتحف المفتوح لمعبد الكرنك فنتج عن ذلك مجموعة هامة من الحقائق التى أضافت الكثير و كان من أهمها أن هناك مناظر تجمع بين الملكة ( حتشبسوت ) و الملك ( تحتمس الثالث ) فى طقوس دينية مشتركة و لم يكن ذلك بالأمر الجديد فهى نفذت نفس الفكرة فى معبد الدير البحري و لكن الجديد هنا هم أن أسماء و ألقاب و مناظر ( حتشبسوت ) لم يتم محوها أو كشطها على الإطلاق ! مع الوضع فى الإعتبار أن هذه المقصورة ظلت تحت سيطرة الملك ( تحتمس الثالث ) لفترة طويلة من الزمن و ذلك قبل أن يزيلها من مكانها أمام معبد الدولة الوسطى و يضع بدلا منها مقصورته فى أواخر حكمه و رغم ذلك ظلت المقصورة محتفظة بجميع مناظرها فى حالة جيدة و لذلك و مما تقدم يتبين لنا ما يلي :
1 – أن هذه المقصورة ظلت موضوعة أمام كهنة آمون فى مكان ما داخل الكرنك فى عهود الملوك ( تحتمس الثالث ) و ( أمنحتب الثاني ) و ( تحتمس الرابع ) و ( أمنحتب الثالث ) دون أن يتم أى كشط منظر للملكة ( حتشبسوت ) أو حتى أى لفب من ألقابها الملكية
2 – قام الملك ( أمنحتب الثالث ) بتفكيك هذه المقصورة مع مقاصير أخرى و وضعها جميعا كحشو داخلى للصرح الثالث للكرنك الذى كان الصرح الرئيسي للمعبد فى عهده
3 – لم يكن ما فعله الملك ( أمنحتب الثالث ) تجاه المقصورة الحمراء عملا عدائيا ، فقد قام بعمل ذلك أيضا تجاه مقاصير أسلافه من الملوك الذين حكموا مصر قبله ، فنحن نعلم أن التعديلات المعمارية التى قام بها الملوك فى الكرنك لا تعد و لا تحصى ، فكل ملك قد يزيل منشأة دينية أو أكثر داخل حرم الكرنك بهدف عمل منشآت أخرى أوسع و أشمل من المنشآت السابقة فى إطار توسعة المعبد و إضفاء دلالات دينية جديدة تمجد المعبود ( آمون )
4 – لم يكن ما فعله ( تحتمس الثالث ) تجاه مقصورة ( حتشبسوت ) فى الكرنك عندما أزالها من مكانها دليلا كافيا للقول بأنه أراد أن يمحو ذكراها للأبد فهو هنا لا يخرج عن نفس الإطار الذى كان الملوك جميعهم يتبعونه داخل الكرنك من إزالة منشآت دينية سابقة و وضع بدلا منها منشآت أخرى تؤدى نفس الغرض الدينى و العملى و لكن تزيد أحجامها غالبا عن أحجام المنشآت السابقة ، ألم يزيل الملك ( أمنحتب الثالث ) مقاصير أبيه ( تحتمس الرابع ) من مكانها و وضعها داخل حشو الصرح الثالث ؟ ألم يزيل الملك ( سنوسرت الأول ) ثانى ملوك الأسرة الثانية عشرة معبد الملك ( إنتف الثانى ) الذى ينتمى للأسرة الحادية عشرة بالكامل و شيد بدلا منه معبد آخر من الحجر الجيري و يوجد حاليا فى المكان المعروف بفناء الدولة الوسطى فى الكرنك ؟ ألم يزيل الملك ( تحتمس الثالث ) معبد ( الآخ منو ) القديم بالكامل الذى شيده جده ( أمنحتب الأول ) و شيد بدلا منه ( الآخ منو ) الجديد فى نفس المكان ؟ ألم تزيل الملكة ( حتشبسوت ) معبد جدها ( أمنحتب الأول ) فى الدير البحري و وضعت بدلا منه معبد أضخم حجما و أكثر أهمية فى نفس المكان ؟
5 – نظر البعض إلى ما قام به ( تحتمس الثالث ) تجا مسلتى ( حتشبسوت ) فى الكرنك عندما أخفى المسلتين بأن وضع جدارا حجريا كبيرا حولهما و من جميع الجهات إلا أن ذلك ينافى الحقيقة فقد ثبت لدينا عمليا أن ما تم إخفاؤه هو الجزء السفلى للمسلة فقط أما الجزء العلوى و هو الأكثر إرتفاعا فقد ظل مرئيا غير مخفى و من هنا نجد أن مناظر و أسماء الملكة ( حتشبسوت ) ظلت مرئية حيث يستطيع أى فرد أن يراها و هو يقف أمام الصرح الرابع للكرنك ، أما إخفاء الجزء السفلي للمسلة فقد كان يخضع لأهداف عملية تتعلق بموكب آمون حين خروجه من معبده و الذى كان يستريح مابين المسلتين و كانت مواقع إستراحته تتطلب توفير أكبر كم من الظل المطلوب و حتى لا يقع عليه ضوء الشمس قبل خروجه من معبده أى أن المطلوب هو توفر مظلة توجد عند مدخل المعبد عند الصرح الرابع ( و هو مدخل الكرنك فى عصر تحتمس الثالث ) و قد تكرر أمر هذه المظلة الحجرية فى الكرنك فى أكثر من موضع و أكثر من عصر مما جعل الكهنة فى عصر ( تحتمس الثالث ) لأن يغلقوا الجوانب الحجرية المحيطة بالجزء السفلى لمسلتى ( حتشبسوت ) و حتى لا ينفذ ضوء الشمس داخل المظلة و وضعوا بابين بين جسم كل مسلة و جدارى الصرحين الرابع و الخامس ثم قاموا بإستبدال السقف الخشبي ما بين الصرحين الرابع و الخامس و وضعوا سقفا حجريا حتى لا تنفذ أشعة الشمس فى الموقع الذى ستتوقف عندها مركب آمون و قبل خروجه من الكرنك
6 - لم يعترف عدد كبير من كبار رجال الدولة بسلطة الملكة ( حتشبسوت ) كحاكم مصر العليا و السفلى خلال حياتها فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ( أمنحتب ) كاتب نائب الملك فى كوش قد عمل رسم مبسط للملك ( تحتمس الثالث ) فوق جدار صخري فى العام السادس عشر من حكمه و الذى يوافق العام السادس عشر من الحكم المشترك طبقا للرؤية الرسمية داخل معابد طيبة و التى أصرت على إبرازها الملكة ( حتشبسوت ) و رغم ذلك نجد ( أمنحتب ) يذكر فقط إسم الملك ( تحتمس الثالث ) دون أى ذكر لحتشبسوت معه و قد تكرر هذا الأمر فى أكثر من موضع عند معظم كبار رجال الدولة الذين عاصروا كل ما فعلته داخل المعابد من تتويجها و صعودها على العرش و إبراز ( تحتمس الثالث ) كشريك لها فى الحكم ، فهل ما قامت بفعله داخل المعابد كان يجبر هؤلاء الأفراد على الإعتراف بسلطتها الملكية ؟ و إذا كانت الإجابة بنعم ، فلماذا نندهش من عدم ذكر إسمها فى قائمة الكرنك الملكية التى دونت فى عصر ( تحتمس الثالث ) ؟ و لم يخرج عن هذا الإستثناء سوى رجلين هما : ( سننموت ) المهندس و المربى الملكى و ( حابو سنب ) كبير كهنة آمون فى الكرنك فى عصري ( حتشبسوت )و ( تحتمس الثالث ) اللذين إعترفا بسلطتها الملكية صراحة داخل مقبرتيهما و لذلك عمدت التيارات الفكرية المحافظة فى مصر إلى كشط و محو مناظرهما و أسمائهما من جدران مقبرتيهما فى عصر لاحق
7 – برغم ظهور ( حتشبسوت ) فى جميع مناظرها التى تتعلق بالتتويج و العيد اليوبيلى و رحلة بلاد بونت إلا أنها لم تتجاهل على الإطلاق ( تحتمس الثالث ) و صورته فى مراسيمها و طقوسها الخاصة داخل المعابد مما يعكس إحتمالية أن الضرورة كانت تحتم ذلك و أنها كانت تحاول توضح لشريكها حسن نواياها تجاهه فيما يرى البعض ، أو أنها كانت تشركه فى إقامة الطقوس الدينية و تمرنه على المهام الدينية الملكية فيما يرى البعض الآخر
8 – إحتفظ الملك ( تحتمس الثالث ) بجميع كبار رجال الدولة الذين خدموا فى عصر الملكة ( حتشبسوت ) و لم يعمد أبدا إلى إقالتهم أو تغييرهم بأفراد آخريين الأمر الذى يعنى أنهم كانوا محل ثقته كما كانوا فى عصر ( حتشبسوت )
9 - لم يثبت حتى الآن وجود أى نصوص تقوم بتوجيه طعن و لعن مباشر أو غير مباشر فى عصر الملك ( تحتمس الثالث ) تجاه ( حتشبسوت ) و ما تلاه من عصور الملوك اللاحقين و هى الحالة التى وقعت صراحة فى عصر الرعامسة تجاه الملك ( إخناتون ) من قبل ( سيتى الأول ) و ( رمسيس الثانى ) و هو ما لم يحدث على الإطلاق تجاه ( حتشبسوت )
10 – إن تدمير أسماء و مناظر الملكة ( حتشبسوت ) فى المعابد لم يكن مسئولا عنه ملوك الأسرة الثامنة عشرة ، بل كان مسئولا عنه ( سيتى الأول ) و ( رمسيس الثانى ) فى إطار سياستهم التى إستهلوها تجاه بعض ملوك الأسرة الثامنة عشرة و لا سيما ملوك العمارنة و كذلك الملكة ( حتشبسوت ) التى إعتبروها غير شرعية و لا سيما بعد إكتشاف التعديلات التى قام بها رمسيس الثانى فى الدير البحري حيث قام بإعادة نقش مناظر المعبود ( آمون ) التى كشطها ( إخناتون ) و قام بإلغاء مناظر ( حتشبسوت ) من نفس المعبد حيث ورد ذكر نقوش التعديلات التى أمر بها صراحة على جدران معبد الدير البحري و ترك مناظر ( تحتمس الثالث ) كما هى لم تمس الأمر و قد تكرر ذلك الأمر فى أكثر من معبد من خلال نفس الملك ( رمسيس الثانى ) ، فلما كانت أسماء و مناظر ( حتشبسوت ) تجاور أسماء و مناظر ( تحتمس الثالث ) ظن عدد كبير من دارسي المصريات الأوائل أن الذى قام بذلك هو ( تحتمس الثالث ) و هو النتيجة التى توصلوا إليها قبل إعادة ترميم و تركيب المقصورة الحمراء
11 – لم يكن ما فعله ( رمسيس الثانى ) تجاه ( حتشبسوت ) هو السابقة الأولى ، فقد سبقه فى ذلك الملك ( سيتى الأول ) حيث قام بإلغاء مناظر أسماء الملكة ( حتشبسوت ) من معبد إسطبل عنتر فى المنيا و و ضع بدلا منها أسماءه و ألقابه الشخصية بالإضافة إلى تسجيله لألقاب ( تحتمس الثالث) التى لم تكن منقوشة من قبل و يعتقد البعض أنه بدءا من ذلك العصر تم كشط و محو أسماء الرجال الذين ساعدوها على تبنى فكرة إرتقائها العرش
12 – نجت مناظر المقصورة الحمراء من التدمير كحالة إستثنائية نظرا لأنها كانت من ضمن الحشو الداخلى للصرح الثالث ، فلما جاء ( سيتى الأول ) و ( رمسيس الثانى ) لم يفطنوا إليها
13 – لم يعمد أى ملك لكشط مناظر و أسماء ( حتشبسوت ) طالما ظهرت فى تلك المناظر و الألقاب بصفتها الزوجة الملكية العظمى ، فلم يكن العداء ضد شخصها و إنما كان ضد ظهورها فى المعابد بصفتها ملك مصر العليا و السفلى
14 – لا ريب أن الدوافع التى جعلت الملكة ( حتشبسوت ) تنتهج تلك السياسة لن تخرج عن الهدفين التاليين :
أ - طموح شخصي من الملكة لتصوير ذاتها كملك فى المعابد و أيدها فى ذلك البعض القليل من رجالها المخلصين
ب – المحافظة على العرش الملكى داخل البيت المالك بإصرارها على تصوير ( تحتمس الثالث ) بجوارها فى أكثر المناظر و هى التى تمرنه على إقامة الطقوس الأمر الذى ظهر واضحا فى مناظر المقصورة الحمراء و بعض مناظر الدير البحري و لم يكن فى ذلك أى غرابة فقد كانت الأميرات الملكيات يتعلمن فى القصر الملكى و المعابد منذ صغرهن كيفية إقامة الطقوس بإعتبارهن الزوجات الإلهيات لآمون
15 – تصوير نفسها كملك مصر العليا و السفلى يعنى وجود ضرورة أخذ الشرعية من أبيها طبقا لما تمليه و توجبه الأسطورة الأوزيرية التى تؤكد أن ( حورس ) قام بدفن أبيه ( أوزير) فتولى مراسم و شعائر دفنه ثم توج ملكا على البلاد فقامت بتجسيد ذاتها كحورس و قامت بإعادة دفن أبيها ( تحتمس الأول ) فى مقبرتها بإعتباره ( أوزير ) مما إضطرها لتجاهل زوجها ( تحتمس الثانى ) فى هذا السياق

الأحد، 25 ديسمبر 2011

الكائنات البشرية الأولى فى عصور ما قبل التاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم

( الكائنات البشرية الأولى فى عصور ما قبل التاريخ )
................................... إن من أهم الأمور التى واجهت الإنسان فى عصور ما قبل التاريخ هو السؤال المتعلق بأصله و مصيره لأن البشرية تواقة لأن تعرف كيف و متى و من أين أتت و إلى أين هى ذاهبة ؟ . و بوصف صاحب هذه الدراسة ممن تعمقوا فى دراسة الأجناس البشرية الأولى أنثروبولوجيا ، فسيتناول تلك القضية و ما استجد من آثار كشفت عن الكثير فى سلسلة من المقالات المستقبلية و مازال البحث العلمى يشق مجراه . و هنا نود أن نحدد أولا ماهية الإنسان ؟ فلا شك أن تعريف الإنسان قضية معقدة تتداخل فيها معايير فيزيولوجية و حضارية و فلسفية و إجتماعية . لكن الباحثين يتفقون على شروط أساسية تميز الإنسان عن بقية الكائنات ، أهمها من الناحية الفيزيولوجية ، القامة المنتصبة أي قدرة السير على قدمين بدلا من أربعة ، ثم حجم الدماغ الكبير الذي يتجاوز فى حده الأدنى الحد الأعلى لحجم الدماغ من القرود الشبيهة بالإنسان التى تسمى ( anthropoidae ) و من الشروط الحضارية للأنسنة ( homonisation ) القيام بالعمليات الذهنية المعقدة ، أى الذكاء ، الذى مكن الإنسان الأول من التحكم بمحيطه و إخضاعه لحاجاته . و قد تجسد هذا الذكاء بشكل تفكير هادف و منظم قاده إلى صنع الأدوات و الأسلحة الحجرية التى تعد الدليل الإنساني الأهم و من هنا نؤكد أن القدرة على صنع الأدوات هى التى ميزت الإنسان عن الكائنات الأخرى التى تستعمل أحيانا ، الأدوات الطبيعية كالحصى و الأحجار لكنها لا تصنعها أبدا لذلك فإن بداية المجتمع الإنسانى هى : ( لحظة صنع الأداة الأولى )
و إذا أردنا تتبع ظهور الشروط الإنسانية على مدى الزمن ، نلاحظ أن الصفات الفيزيولوجية قد تحققت فى وقت سبق بكثير نضج المميزات الحضارية حيث عثر على هياكل كائنات عديدة كانت قادرة على أن تسير على قدمين و كان لها حجم دماغ كبير منذ حوالى ستة ملايين سنة ، لكنها لم تتوصل إلى صنع الأدوات إلا منذ حوالى 2,5 مليون سنة . و بدءا من هذا التاريخ فقط ، يتحدث الباحثون عن الإنسان بالمعنى الكامل علما بأن هناك تأثيرا متبادلا بين كل الصفات الفيزيولوجية و الحضارية لأن القامة المنتصبة و حجم الدماغ الكبير ساعدا على صنع الأدوات ، كما أن هذه الأدوات قد أدت إلى زيادة فى مرونة الجسم و الأطراف و إلى زيادة فى مرونة الجسم و الأطراف و إلى كبر حجم الدماغ الذى تضاعف مرتين تقريبا عما كان عليه وقت إبتكار الأداة الأولى .
و كان للبيئة و للظروف الجغرافية و المناخية أثر هام فى تطور عملية الأنسنة و دلت البحوث على أن منطقة جنوب القارة الأفريقية و شرقها كانت هى المكان الذى ظهر فيه الإنسان الأول حيث كانت الظروف المناخية قد تغيرت منذ 2,5 مليون سنة فساد مناخ معتدل و صحى بعد أن جفت المستنقعات و تراجعت الغابات الكثيفة و سادت السافانا شبه الصحراوية مما هيأ الشروط الملائمة لنزول الرئيسيات من الشجر و ساعد تأقلمها التدريجى فى العيش على الأرض . و قد كانت لحظة ترك الشجرة من العوامل الهامة التى أعقبتها تغييرات فيزيولوجية كبيرة فى بنية تلك الكائنات لأن الإنتقال بين الشجرة و الأرض أجبرها على إكتساب أوضاع جديدة تسهل حركتها كالوثب و الركض و التأرجح و الصعود و الهبوط .
هذه الأوضاع أدت إلى تغيير فى بنية العمود الفقري بشكل أصبح فيه الرأس و معه الجسم يرتكز على العمود مباشرة ، مما ساعد على إكتساب القامة المنتصبة التى صارت إحدى الشروط الإنسانية الرئيسية . و أدى إنتصاب القامة و السير على القدمين إلى تحرير اليدين من الإرتكاز عليهما أثناء المشي فأصبحت الأصابع ذات مرونة ، فقد إشتركت اليد فى وظائف جديدة أكثر إرتباطا بمراكز التفكير فى الدماغ ، فكانت الأسلحة و الأدوات الدليل الأكبر التنسيق بين عمل اليد و المخ .
و لابد أن نشير إلى حقيقة هامة : و هى أن بدايات ظهور الكائنات المنتصبة القامة قد حدث منذ حوالى 6 ملايين سنة لكنها لم تستطع صنع الأدوات الحجرية مما جعل بعض الباحثين يطلقون عليها ( أشباه الإنسان ) و إعتبرها البعض الآخر كائنات بشرية أولى بالمعنى الفيزيولوجى فقط و ليس بالمعنى الحضاري و هذه كلها كائنات ظهرت بين حوالى ( 6 - 3 ) ملايين سنة وجدت فى قارة أفريقيا : أثيوبيا و تنزانيا و كينيا و يطلق عليها بعض الباحثين إسم الأوسترالوبيتك العفارى ( australopithecus afarnsis ) و إليها ينسب الكشف الشهير المسمى لوسي ( lucy ) التى وجدت فى موقع ( hadar ) فى إقليم عفار فى جيبوتى و يؤرخ بحوالى 3,5 مليون سنة . و هى هيكل عظمى حفظت معظم أجزائه لإمرأة طولها حوالى .... 1,30 م ، وزنها حوالى 40 كجم و حجم دماغها حوالى 450 سم مكعب و كانت تسير منتصبة القامة . كما وجدت بقايا طبقات أقدام كائنات سارت منتصبة القامة فى موقع( letoly ) فى تنزانيا مما يدل على أن إنتصاب القامة تحقق قد تحقق قبل إكتمال القدرة على صنع الأدوات الحجرية .
... إنتهينا إلى نتيجة هامة و هى أن جنس الأوسترالوبيثيكوس العفاري ( australopithcus afarnsis ) - أقدم الكائنات البشرية الفيزيولوجية - عاشت ردحا طويلا من الزمن دون أن يكون لها إنتاج حضاري معروف برغم إنتصاب قامتها إلا أنه و منذ 3 ملايين سنة دخل الأوسترالوبيتك العفاري مرحلة متطورة كبرى يميز الباحثون فيها نوعين : الأول و يسمونه الأوسترالوبيتك الأفريقي ( australopithecus africanus ) . و الثانى هو الأوسترالوبيتك الغليظ ( australopithcus robustus ) و قد عاش كل من هذين النوعين فى تنزانيا و أثيوبيا و جنوب أفريقيا فى مناطق شبه صحراوية كانت تعيش فيها نباتات و حيوانات السافانا ، كالقرود و حمار الوحش و الزرافة التى لا تختلف عن تلك الموجودة هناك الآن و ينبغى هنا أن نؤكد على هذه النتيجة الهامة و هى : تشير البحوث إلى أن النوع المسمى بالأوسترالوبيتك الأفريقي هو الذى قام بتصنيع الأدوات الحجرية الأولى ، و تطور نحو الإنسان بالمعنى الحضارى ، فلقد عثر فى موقع أولدفاى فى تنزانيا على كائن متطور عن الأوسترالوبيتك الأفريقى كانت ترافق عظامه أدوات حجرية ، فى طبقة تؤرخ على حوالى 2,5 مليون سنة خلت ، فأطلق على هذا الكائن إسم الإنسان الصانع ( homo - habilis ) و تم إعتباره النوع الأول و الأقدم من البشر
و كان هذا النوع منتصب القامة لكنه قصير طوله حوالى 150 سم ، و له حجم دماغ صغير يتراوح ما بين 650 - 750 سم مكعب و جمجمته قليلة التدور و جبهته مائلة إلى الخلف و وجهه يبرز إلى الأمام ، و ذقنه غير واضحة و فكاه و أسنانه غليظة و عظام حواجبه بارزة و هو يحمل صفات أكثر تطورا من الأوسترالوبيتك ، جده الأول ، لكنه أقل تطورا من الإنسان الحالى .
إن تشكيل الأدوات الحجرية من قبل ال ( homo - habilis ) هى الدليل على أن ذلك الإنسان كان لديه تفكيرا منظما جعله يستغل البيئة التى عاش فيها مما ميزه عن بقية الرئيسيات المعاصرة له و يمكن القول أن ما نعلمه عن ذلك الإنسان هو بالفعل قليل ، حيث يظن أنه أقام أكواخا بسيطة و ربما إستفاد من النار الطبيعية كما لا نعلم شيئا عن حياته الروحية و الإجتماعية و لا عن لغته ، و لم نعثر على مواقع له خارج أفريقيا مما يدل على أنه لم يغادر حدود هذه القارة أبدا حيث عاش فيها أكثر من مليون سنة .
و منذ حوالى 1,5 مليون و نصف المليون سنة ظهر نوع جديد من البشر أكثر تطورا من الإنسان الصانع يسميه الباحثون الإنسان منتصب القامة ( homo - erectus ) و عثر على عظامه لأول مرة فى حوض نهر السولو فى جزيرة جاوا فى أندونيسيا و قد ظهر إنسان منتصب القامة أيضا فى موقع العبيدية فى حوض نهر الأردن و أرخ حوالي 700 ألف سنة قبل الميلاد . و نشير هنا إلى أن الباحثين يقسمون هذا النوع إلى صنفين : الأول آسيوي و يسمونه الهومو إركتوس و الثاني الأفريقي و يطلق عليه هومو إرجاستر ( homo - ergaster ) و يحمل الهومو إركتوس صفات فيزيولوجية و حضارية أكثر تطورا من سلفه الإنسان الصانع ، فهو كائن منتصب القامة يتراوح طوله مابين 150 - 160 سم و حجم دماغه بين 800 - 1000 سم مكعب و جمجمته أكثر تدورا و جبهته أقل ميلانا إلى الخلف و عظام حواجبه بارزة و متصلة و ذقنه مازالت غير واضحة . و قد كان هذا النوع أكثر قدرة من السابق فى السيطرة على بيئته الجغرافية لأنه دخل مناطق باردة جديدة فى أوروبا و آسيا و إستفاد بشكل أكبر من الملاجىء و المغائر الطبيعية ، كما إهتدى لأول مرة إلى بناء الأكواخ البسيطة التى دلت عليها الإكتشافات فى تنزانيا و سوريا و فرنسا و بفضل هذه الأكواخ إستطاع الإقامة فى مختلف المناطق بغض النظر عن طبيعة الطقس ، بعد أن إرتدى أوراق الشجر و النباتات و جلود الحيوانات ، كما أنه عرف مبكرا إستخدام االنار التى حققت له فوائد كبيرة من التدفئة و الإنارة و الطبخ و فى الدفاع عن النفس و لا شك أن إختراع النار فى تلك الفترة كان يمثل تحول حضاري هام لدى إنسان تلك الفترة (وللمقالة بقية ان شاء الله )

إنتهينا فى المقال السابق عند حقيقة لا مراء فيها و هى : ظهور إنسان منتصب القامة منذ حوالى مليون و نصف المليون سنة قبل الميلاد و قدرة سيطرته على بيئته الجغرافية بمهارة تفوق سلفه الإنسان الصانع . و عندما إستطاع إنسان منتصب القامة تطوير أدواته الحجرية كان ذلك يعنى تطوير قدراته على الصيد فقل إعتماده على النباتات منتقلا إلى ما يسمى ب ( الوجبة اللحمية ) ، بينما كانت ( الوجبة النباتية ) هى المصدر الغذائى الأهم فى غذاء سلفه و لا شك أن أسلحته و أدواته الحجرية كانت أكثر فاعلية و على رأسها الفأس اليدوية ( hand axe ) ، فكانت واسعة الإنتشار حيث إستخدمها فى قتل الحيوانات و حفر التربة و قطع الأشجار و الدفاع عن النفس و من أهم إنجازاته الحضارية أنه أقام حياة إجتماعية منظمة و قام بتشكيل ( الأسرة الأولى ) التى يقف على رأسها أب تتبعه زوجة أو عدة زوجات و أولاد و يعتقد علماء الأنثروبولوجى أن ذلك الإنسان عرف تقسيم العمل طبقا للجنس و السن فاشتغل الرجال فى المجالات الشاقة كالصيد بينما عملت النساء فى إلتقاط النبات و جمع الثمار و تدبير أمور البيت و الصغار
و يقتنع الباحثون بأنه كان لدى إنسان منتصب القامة لغة واضحة المفردات و المعانى شكلت الرباط النفسي القوي بين مختلف أفراده و جماعاته التى تناقلت تجاربها و معارفها بواسطة هذه اللغة ، على مر الأجيال . و تخطت تلك الكائنات مرحلة العزلة الفردية و تطورت ضمن المجموعة الإنسانية الواحدة التى تعاونت فى السراء و الضراء فكانت تعيش متكافلة متضامنة ، تدافع عن نفسها كجماعة كما تجوع أو تشبع معا ، و يلاحظ أن ذلك الإنسان إستهلك من موارد الطبيعة الحرة ما يكفى لسد حاجاته فقط مما أدى إلى تكوين مجتمع لم يشعر برغبة فى تجميع خيرات الطبيعة و ممارسة ( التملك الخاص ) بل كانت ( خيراته مشاعية ) فبقيت بعيدة عن متاهات تجميع الثروة و صراعات الغنى و الفقير .
أما عن الجنس البشري الذى تطور من الإنسان منتصب القامة فهو إنسان نياندرتال الذى زاد حجم دماغه و أصبح يتراوح مابين 1000 - 1200 سم مكعب ، و أصبح لدينا بيانات أوسع عن حياة هذا الإنسان الإجتماعية و الإقتصادية . فقد كان النياندرتاليون أكثر عددا من سابقيهم و انتشروا على مناطق جديدة و باردة فى نصف الكرة الشمالى التى لم تسكن من قبل فوصلوا حتى سيبريا بعد أن أتقنوا صناعة الجلود الدافئة و ارتدائها ، و استغلوا على أكمل وجه المغائر و الملاجىء الطبيعية التى قاموا بتكييفها و إعادة تنظيمها و تقسيمها و إقامة المصاطب و الجدران فيها أو توسيع مداخلها و تضييقها حسب الحاجة و طوروا الإستفادة من النار و عرفوا كيف و متى يوقدونها و بطرائق مختلفة كالقدح و الحك متحررين من الإعتماد على النار الطبيعية و كان النياندرتال صيادا ماهرا قتل حيوانات قوية و خطيرة كالماموث و وحيد القرن مستفيدا من لحمها و جلدها و عظمها و ينبغى لنا هنا أن نذكر أهم الإنجازات الحضارية لهذا الإنسان و هو أنه ( لم يترك موتاه تنهشهم الوحوش و الطيور الجارحة ، بل إهتم بهم و دفنهم بعناية ) بل و وضع مجموعة من التقدمات و العطايا فى قبور الموتى مما يدل على أن إنسان النياندرتال كان إنسانا عميق المشاعر و قد تأثر بالموت و اتخذ منه موقفا محددا و اعتقد أن هذا الموت لا ينهى حياة إخوته و أفراد أسرته فزودهم بكل ما يحتاجونه
و يشير الدارس هنا فى عجالة إلى جدل عنيف دار بين الباحثين حول مصير النياندرتال ، حيث يعتقد عدد من الباحثين أنه تطور نحو الإنسان العاقل ( homosapiens ) و يؤمن آخرون بإنقراضه دون خلف و يجعلونه فرعا جانبيا على هامش العملية التطورية . إلا أن لإكتشافات الأنثروبولوجية الأخيرة لعصور ما قبل التاريخ أثبتت نتيجة هامة و هى : لا علاقة تطورية بين الإنسان العاقل و إنسان النياندرتال بل إن الإثنين قد تطورا من أصل مشترك و هو نوع من الhomoerectus ، إنسان منتصب القامة ، الإنسان الأول و طبقا لهذه النتيجة فالإنسان العاقل ظهر أولا فى شرق أفريقيا ثم هاجر الى الشرق الأوسط فى مرحلة مبكرة حوالى 100,000 قبل الميلاد و ذلك قبل أن ينتقل إلى أوروبا فى وقت متأخر جدا منذ حوالى 35,000 قبل الميلاد بينما ظهر إنسان نياندرتال فى أوروبا أولا و منها أتى إلى الشرق الأوسط فى مرحلة لاحقة و هكذا حدث تعايش و تعاصر بين النوعين فى منطقة الشرق الأوسط الأمر الذى أدى بدفع عجلة الحضارة البشرية فى منطقة الشرق الأوسط فتفوقت على مناطق أخرى من العالم القديم مثل أوروبا و جنوب شرق آسيا و وسط و جنوب أفريقيا و لا شك أن ظهور الإنسان العاقل دفع الحضارة الى الأمام بشكل لم يسبق له مثيل إذ بلغ بالمستوى الإجتماعى و الإقتصادى درجة عالية من التقدم و التنوع و انتشر هذا الإنسان فى أرجاء المعمورة كلها و وصل الى مناطق لم يدخلها أى نوع قبله و كان أول من سكن القارة الأمريكية و الأسترالية و يمكن القول أن الإنسان الحالى منحدر فعليا من سلفه ( الإنسان العاقل )

معبد الأقصر و نظرية الكا الملكية

بسم الله الرحمن الرحيم

( معبد الأقصر و نظرية الكا الملكية )

.................................. قام عالم المصريات الأمريكى دكتور ( ليني بيل ) بعمل دراسة هامة عن معبد الأقصر فى غضون سنوات عديدة ، حاول فيها أن يميط اللثام عن الوظيفة الحقيقية لهذا المعبد ، فتوصل إلى نتائج هامة و هى :
1 - أن معبد الأقصر هو المعبد المكرس للكا الملكية ، فالملك يتحد بكائه الملكية أثناء عيد ( الأوبت ) ، و هو العيد الذى كان يحتفل به فى الشهر الثانى من فصل الفيضان عندما ينتقل موكب ( آمون رع ) من ( الكرنك ) فيتجه إلى معبد ( الأقصر ) ليتم هذا الإتحاد .
2 - إن الكا الملكية هى ( المظهر الإلهى لشخصية الملك ) فهى تعبر عن ( الملكية الخالدة التى لا تموت أبدا ) ، و الملك بطبيعته البشرية عندما يتحد بها عند صعوده للعرش ، يصبح قادرا على إتمام كل واجباته الملكية بنجاح فائق تجاه شعبه .
3 - لم تكن هذه الكا سوى ( القدرة الإلهية الخارقة ) التى يرثها الملك الحاكم من أسلافه الملوك و الآلهة الذين حكموا مصر فى السابق ، فهو يتحد بقدرة الأسلاف الخارقة حتى يجدد شرعية حكمه كل عام و يحكم البلاد و يؤمن الخير لشعب مصر .
4 - يرى ( ليني بيل ) أن مركب الملك كانت ترافق مركب آمون خلال عيد الأوبت - طبقا لما تم تصويره فعليا على جدران معبد الأقصر - و أن المركب تحتوى فى داخلها على تمثال الكا الملكية حتى تستقر فى معبد الأقصر و يتحد بها الملك من خلال طقوس سرية تتم فى أكثر الأماكن التى تتسم بالظلام و لايدخل اليها سوى عدد محدود من الكهنة .
5 - لا حظ ( لينى بيل ) التصوير المتكرر لشكل الكا الملكية التى ترافق الملك فى أكثر من منظر داخل معبد الأقصر مما جعله يؤكد أن هذه المشاهد تهدف لإظهار ذلك الإتحاد بين الملك و كائه الملكية .
6 - يرى ( بيل ) أن ظهور الملك ( أمنحتب الثالث ) فى معبد الأقصر بقرنى الكبش الملفوفين إلى الأمام هو برهان تأليه الملك بعد إتحاده بكائه الملكية ، بإعتبار أن قرنى الكبش هنا يعبران عن سمة رئيسية لهيئة المعبود ( آمون رع ) .
إن الدارس لا يتفق مع ما ذهب إليه ( بيل ) فهناك مجموعة من الحقائق تحول دون التسليم المطلق بالنتائج السابقة تتمثل فيما يلي :
1 - إن النظر إلى الكا الملكية بإعتبارها المظهر الإلهى لوظيفة الملكية الخالدة و أنها تعبر عن إرتباط الملك بأسلافه من خلالها فذلك أمر بديهى ، و ذلك هو حال كل ملك فى الحضارة المصرية القديمة ، فلا جديد هنا فى تصوير الكا الملكية التى ترافق الملك فى كل الأنشطة التى يقوم بها لأنهما يشكلان شخصا واحدا و هو الملك نفسه و إذا كانت الرؤية الفنية تفصل بينهما فى مناظر المعبد فلا غرابة فى ذلك فالمصري القديم كان يجسد كل مقومات الإنسان من ( كا ) و ( با ) إلخ .... بشكل مادى دون أن يعنى ذلك أن هذه المقومات منفصلة عن الإنسان نفسه و من هنا لا يمكن القول أن ظهور الكا الملكية بشكل منتظم وراء الملك داخل معبد الأقصر يجعل منها كائن منفصل عن الملك فى بادىء الأمر ثم إتحد به فيما بعد كما لا يجعل من المعبد نفسه مكانا مكرسا لشعائر الكا الملكية
2 - لا توجد فقرة واحدة من نصوص تأسيس المعبد تذكر أن المعبد هو موقع الكا الملكية
3 - تجاهل ( بيل ) أمرا هاما و هو : ظهور الكا الملكية بشكل منتظم فى كل المعابد المصرية القديمة حيث تصور فى مرات عديدة وراء الملك حتى يتسنى له أن يقيم الطقوس بنجاح ، فما الذى يميز معبد الأقصر عن المعابد الأخرى إذا كانت الكا الملكية عنصر مشترك لا غناء عنه فى جميع المعابد ؟ ألم تظهر الكا الملكية على سبيل المثال فى معابد البر الغربي لمدينة طيبة بكثرة ؟ لماذا لم تعتبر هى الأخرى معابد لتقديس الكا الملكية بناءا على تصويرها بشكل متكرر و فى أكثر من موضع و على الرغم من أنها وصفت صراحة فى نصوصها بأنها منازل الكا ؟
4 - هل كان القارب الملكى المتجه إلى معبد الأقصر يحمل فى داخله تمثال الكا الملكية ؟ ذلك بالطبع يظل أمر غير مؤكد ، فالنصوص التى ترافق منظر القارب الملكى لا تشير إلى ذلك أبدا ، كما أن العلامة التصويرية المعبرة عن ( الكا ) لاتظهر داخل القارب الملكى و لا شك أننا حتى الآن لا نعلم طبيعة الصورة الملكية التى يحتويها ناووس المركب الملكى
5 - لا تشير نصوص أو مناظر المعبد إلى أى طقوس تتحدث عن إتحاد الملك بكائه الملكية سواء فى الأماكن الأمامية المفتوحة للهواء الطلق أو فى الغرف الداخلية المغلقة للمعبد ، كما أن طقوس قدس الأقداس لا تشير إلى عبادة الملك لكائه الملكية بل تشير إلى عبادة الملك لآمون رع رب الكرنك و آمون كا موت إف ( = فحل أمه ) رب معبد الأقصر
6 - إن هناك ملوك حملوا قرنى الكبش الملفوفين إلى الأمام فى مشاهد أخرى من المعابد المصرية القديمة دون أن يرتبط ذلك بمناسبة دينية معينة ( مثل إحتفال التتويج كما يعتقد بيل ) فالملك سيتى الأول يظهر فى معبد أبيدوس مصورا بها و الملك أمنحتب الثانى يظهر هو الآخر بنفس الهيئة فى مقبرة ( قن آمون ) فى طيبة ، و علاوة على ذلك فإن التساؤل الذى يفرض نفسه : ما هى علاقة الكا الملكية بقرنى الكبش ؟ إن جميع مناظر الكا الملكية لا تحمل أبدا هذين القرنين و لاشك أنهما يعبران عن سمة إلهية خاصة توهب لمن يحملهما فوق رأسه حيث أنها تظهر على رأس الملوك للتأكيد على طبيعتهم الإلهية و لكن دون أن يعنى ذلك أنها كانت تجسد الكا الملكية
7 - إن الكا الملكية تظهر كجزء أصيل من شخصية الملك الحاكم منذ الولادة الأولى فهى تخلق معه منذ اللحظة الأولى و ينصهر بها قبل أن يولد و هى الفكرة التى صورت على جدران معبد الأقصر فى غرفة الولادة الإلهية ، فهى لم تكن منفصلة عنه حتى توهب له مرة أخرى
8 - توهب الكا الملكية فعليا للملك عند لحظة التتويج و لكنها هنا مجرد طقسة تؤدى فى جميع المعابد لتؤكد على قدرته الإلهية الخارقة فهى هنا تظهر فقط للتأكيد على الطبيعة الإلهية و ليس لإظهار مفهوم أن الملك لم يكن يملكها من قبل ثم حاز عليها من قبل الآلهة عند تتويجه
9 - إن معبد الأقصر مكرس لعبادة صورة آمون الأولى كما ورد فى نصوص المعبد ، فهو المكان الذى ظهر فيه آمون لأول مرة عندما تجلى على التل الأزلى الأول ، فآمون الكرنك يذهب إلى آمون الأقصر ( و كلاهما كيان واحد ) لكى يتحد بصورته الأزلية القديمة فيعيد تجديد و ميلاد نفسه بإعتبار آمون الأقصر هو من يعيد و لادة نفسه بنفسه بعد أن يخصب أمه و لذلك يكتسب لقب ( كا موت إف = فحل أمه ) و الملك هنا هو نفسه آمون الكرنك الذى يتحد بكا موت إف حتى يعيد ميلاد نفسه و يجدد شبابه فيحكم البلاد بنجاح لمدة عام كامل و تزدهر أرض مصر و يعم الخير فى جميع الأقاليم و يكرر آمون الكرنك ( الملك ) ذلك الحدث مرة كل عام و تلك هى الوظيفة الحقيقية لمعبد الأقصر

العلاقة بين حتحور و الديانة الشمسية فى عصر الدولة القديمة

بسم الله الرحمن الرحيم

( العلاقة بين حتحور و الديانة الشمسية فى عصر الدولة القديمة )

............................ تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن العلاقة بين المعبودة ( حتحور ) و إله الشمس ( رع ) خلال عصر الدولة القديمة ، و إرتباطها بالعقيدة الملكية فى تلك الفترة . و لا يفوتنى فى هذا الصدد أن أهدى هذا المقال للأستاذ و الزميل المحترم ( ناصر عبد المنعم ) لما يقوم به من عطاء علمي تجاه زملاء المهنة . إن أولى الإشارات الأثرية المؤكدة التى تكشف عن صلة الملك بالمعبودة ( حتحور ) يعود إلى نهايات عصر الأسرة ( صفر ) ، حيث يظهر الملك ( نعرمر ) فى صلايته و هو يهم بضرب العدو بالمقمعة و يرتدى النقبة الملكية التى يظهر عليها تمثيل فنى واضح لرؤوس المعبودة البقرة ( بات ) و التى انتحلت ( حتحور ) صفاتها لنفسها فى مرحلة لاحقة . و لا شك أن ظهور تصوير البقرة ( بات - حتحور ) على النقبة الملكية ل ( نعرمر ) لم يكن أمرا إعتباطيا ، فالملك هنا يظهر بإعتباره الثور ( رع ) ، فيستعير لنفسه ذيل الفحل ليؤكد مشابهته لذلك المعبود فى تلك اللحظة . و من هنا نجد الفقرة رقم ( 365 ) من نصوص الأهرام تصف النقبة الملكية بمثابة المعبودة ( حتحور ) أو ( بات ) ، كما أن الفقرة رقم ( 546 ) تصف ( بات - حتحور ) بأنها زوجة الملك و لذلك فإن إرتداء الملك للنقبة الملكية يكون بمثابة ( زواج بين الملك و المعبودة حتحور ) ، فالملك هنا هو ( رع ) الذى يتزوج ( بات - حتحور ) بإعتباره ( الفحل ) الذى يقوم بتخصيب أمه ( البقرة ) ، مما يؤدى إلى ولادته من جديد من ( بات - حتحور = النقبة الملكية ) ، حيث يلعب الملك دور ( كا موت إف ) بمعنى ( فحل أمه ) و هو الدور الذى أشارت إليه نصوص الأهرام فى فقرات متعددة .
إن رؤوس البقرات المصورة على النقبة الملكية ل ( نعرمر ) تظهر فوق علامة تصويرية تمثل الخرز الأسطواني و تعرف كمنطوق لفظى ب ( غكرت نسو ) بمعنى ( قبضة الملك ) ، الأمر الذى يعني أن المقصود هنا ليست ( بات - حتحور ) ذاتها بل ( بات - حتحور ) التى تتجسد فى شكل ( قبضة اليد ) ، و ذلك فى إشارة واضحة للدور الأسطورى الذى نسجه كهنة الشمس فى تلك الفترة عن معبودهم الأول ( آتوم ) أو ( رع - آتوم ) الذى قام بفعل الخلق الأول مستمنيا بقبضة يده ، فكان ذلك إيذانا ببدء عملية الخلق ، و لم تكن هذه القبضة سوى ( بات - حتحور ) و التى تعني قبضة يد الإله الخالق و التى تظهر هنا فى شكل الخرز الأسطوانى . يتبين لنا مما تقدم أن الملك حين يرتدي هذه النقبة التى بها ذيل الثور من الخلف ، فإنه يؤكد من خلال هذا الرمز على قيام حالة الجماع بينه و بين زوجته و أمه ( بات - حتحور ) ، فيصبح هو بالنسبة لها ( كا موت إف = فحل أمه ) و تكون هى بالنسبة له ( قبضة يده ) و لا ريب أن هذا الجماع هو ضمان لولادة الملك نفسه سواء فى عالم الدنيا أو فى العالم الآخر ، مما يكشف عن حقيقة هامة و هى : أن مفهوم الولادة الإلهية للملوك لم يكن من إبتكار عصر الدولة الحديثة و إنما هو معروف منذ نهايات عصر الأسرة ( صفر ) على أقل تقدير .
و فى عصر الدولة القديمة بات واضحا أن ( حتحور ) لعبت دورا متميزا بالفعل فى ظل إزدهار ديانة الشمس منذ عصر الأسرة الخامسة ، و أن أغلب الشواهد تشير إلى علاقة التزاوج بينها و بين ( رع ) فى إطار الديانة الرسمية للبلاد ، و قد إنعكس هذا بدوره فى علاقة ( حتحور ) بالعقيدة الملكية خلال نفس الفترة ، و التى تدل شواهدها أنها كانت تدور فى إطار الزواج و الولادة بين ( الملك ) و ( حتحور ) ، أو بمعنى أدق : أنها كانت طقوس للزواج فى محيط القصر الملكي بين الملك و زوجته تحاكى العلاقة الأسطورية بين ( حتحور ) و ( رع أو رع آتوم )
و لعل هذا يتفق بوجه عام مع ما تعبر عنه أدوات الزينة فى عصر الدولة القديمة التى إرتبطت بكاهنات ( حتحور ) و عقيدة الشمس و القصر الملكي فى آن واحد .
و من أهم أدوات الزينة التى عبرت عن تلك العلاقة هى ( المرايا ) ، حيث ظهرت فى مرات متعددة فى عصر الأسرة الخامسة . فهى تظهر فى هيئة قرص مستدير مزود بمقبض . و فى كل الأحوال فلا خلاف على أن قرص المرآة هو تجسيد لقرص الشمس ، أما مقابض المرايا فهى تنتهى من أعلى برأس حتحور و هذا يعنى أن : المرآة بجزئيها تجسد العلاقة بين رع ( القرص ) و حتحور ( المقبض ) و فى ذلك تأكيد على علاقة التزاوج بينهما من أجل إعادة الميلاد و لقد كانت تلك المرايا التى تجمع بين تجمع بين ( رع ) و ( حتحور ) من بين أدوات التعبير عن لقب ( غكرت نسو ) بمعنى قبضة الملك ، فى إشارة واضحة إلى العلاقة التى تجمع بين ( الملك ) و ( رع ) و ( حتحور ) ، فقبضة الملك هنا هى ( حتحور ) .
و لا شك أن كاهنات حتحور كانوا يمسكن فى أيديهن هذه المرايا فى معابد الشمس التى تنتمى لعصر الأسرة الخامسة لكى يعبروا عن وظيفتهن فى البلاط الملكى و داخل معابد الشمس بإعتبار أن كل كاهنة تجسد ( حتحور ) التى تتزوج رمزيا من ( رع ) الملك ، و هى من أهم الشعائر التى كانت تقام فى تلك الفترة . و من جانب آخر تشير شواهد قوية إلى أن زهرة اللوتس كانت رمزا واضحا للجماع بين ( رع ) و ( حتحور ) من أجل الولادة و يعبر عن ذلك بوضوح نصوص الأهرام و معابد الشمس ، فزهرة اللوتس هى من الرموز التى ترتبط بالمعبود ( رع ) إرتباطا وثيقا و تجسد الولادة الدائمة من خلال تفتحها كل صباح مع شروق الشمس و فضلا عن هذا فإنها من بين رموز ( حتحور ) الأساسية . فهى بذلك تجمع بين المعبودين ( رع ) و ( حتحور ) و بين معنى الولادة فى آن واحد و لذلك تظهر مناظر الزوجات الملكيات و كاهنات حتحور فى عصري الأسرتين الخامسة و السادسة حيث لا تخلو واحدة منهن من زهرة اللوتس التى توضع إما على يدها أو زينة رأسها أو صدرها و ذلك لكى تشير إلى الدورين : الجماع و الولادة .

الخميس، 8 ديسمبر 2011

الملك مينا / مني .... حقيقة أم أسطورة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

( الملك مينا / مني .... حقيقة أم أسطورة ؟ )

......... يحاول الدارس من خلال هذا المقال أن يتناول القضية الشهيرة للملك مينا أو مني ، و هى الإشكالية التى تناولها علماء المصريات الأوائل و من تولوا الراية بعدهم و هى لا زالت حتى الآن مثار جدل لم ينتهى بين الباحثين و لا يفوتنى فى هذا الصدد أن أهدى هذه الدراسة للأستاذ المحترم و الصديق العزيز ( ماجد حسيب ) نظرا لما يقوم به من مجهود علمى واضح لخدمة الجميع . تجدر الإشارة إلى أن عدد كبير من الدارسين إتجه فى بادىء الأمر إلى إعتبار الملك مينا / مني حقيقة تاريخية بناءا على مايلى :
1 - ظهور إسم الملك ( مني ) فى قوائم الملوك التى ترجع لعصر الدولة الحديثة .
2 - ظهور المنطوق اللفظى ( مني ) على بعض آثار الأسرة الأولى .
3 - ماورد فى مصادر المؤرخين فى العصر المتأخر و لاسيما ( هيرودوت ) الذى تحدث عنه كأول ملك وحد الأرضين و قام بتأسيس العاصمة ( منف )
4 - نسب له البعض مقبرة فى ( نقادة ) و نسب له آخرون مقبرة فى ( سقارة )
و فى مرحلة لاحقة ظهر فريق من الباحثين و حاول أن يعتبر ( مني ) و ( نعرمر ) و ( حور عحا ) ملك واحد ثم ظهر فريق آخر و تبنى رأيا مفاده أن ( مني ) هو ( نعرمر ) الذى أسس مدينة ( منف ) و أن ( حور عحا ) هو من تولى زمام الأمور من بعده كإبن و وريث شرعى له ... و هنا ينبغى أن نشير إلى وجود عدد من الحقائق الهامة التى كشفت عنها الدراسات و المقالات العلمية الحديثة تمثلت فيما يلي :
1 - لا يمكن أن يكون ( نعرمر ) هو ( مني ) ، فإذا كان ( مني ) هو مؤسس مدينة ( منف ) طبقا لما ورد عند ( هيرودوت ) ، فكيف يختفي إسم ( نعرمر ) من جبانة سقارة ؟ فلا وجود لإسم نعرمر فى الجبانة المنفية
2 - لا يوجد أثر واحد يجمع بين ( مني ) و ( نعرمر ) و ( حور عحا ) ، الأمر الذى يعكس أن هناك شكا كبيرا فى إعتبار الثلاثة شخصا واحدا
3 - من الصعب أن نعتبر ( نعرمر ) هو ذاته ( حور عحا ) و ذلك لعدم وجود أى أثر يجمع بين الملكين بالإضافة إلى وجود براهين أركيولوجية تؤكد أقدمية الأول عن الثانى
........... و لاريب أن الدراسة التى تقدم بها عالم المصريات الألمانى ( helck ) قد حسمت كثيرا من الجدل الدائر حول هوية الملك ( مينا ) فكانت أبرز النتائج العلمية التى تقدم بها تتمثل فى تفنيد القرائن التى تجعل من الملك ( مينا ) شخصا تاريخيا للأسباب التالية :
1 - إن العلامة التصويرية التى قرأها البعض ( مني ) هى قراءة خاطئة ، فهى لا تشير من قريب أو بعيد للمنطوق اللفظى ( مني )
2 - إن القائمة الملكية الوحيدة التى تعود لعصر الدولة القديمة ( حجر بالرمو ) لا تذكر إسم ( مني ) كموحد للقطرين و كمؤسس للأسرة الأولى ، بل تذكر ( حور عحا ) كمؤسس حقيقى لتلك الأسرة
3 - لا توجد أى مقبرة فعلية لهذا الملك ، فمقبرة ( نقادة ) التى كانت تنسب له ، ثبت لدينا أنها مقبرة للملكة ( نيت حوتب ) زوجة الملك ( نعرمر ) ، كما أن مقبرة ( سقارة ) التى كانت تنسب له أيضا بإعتباره ( حور عحا ) ، تأكد لدينا أنها مقبرة أحد كبار رجال الدولة الذين عاشوا فى عصر الملك ( حور عحا )
4 - إن المنطوق اللفظى ( مني ) لم يظهر قبل عصر الدولة الحديثة على قوائم الملوك ، فهو الإسم الذى أوجده كهنة مصر آنذاك لتحديد نقطة بداية للملكية المصرية و تعيين هوية أول من حكم مصر و لا سيما و أن الوثائق الخاصة بالفترة التى توحدت فيها البلاد لم تكن واضحة و قاطعة فى هذا الصدد و لاشك أن عدم إكتمال مقومات الكتابة المصرية القديمة فى ذلك الوقت جعل الحدث نفسه ( توحيد مصر ) يقع فى ضباب النسيان ، فاختاروا إسم ( مني ) بمعنى ( الدائم / الخالد / المثبت ) فكان ذلك لقبا أكثر منه إسما
5 - لم تكن هناك عبادة للملك ( مني ) على الإطلاق قبل عصر الدولة الحديثة فلو كان هو الموحد الفعلى للقطرين فكيف تجاهله المصريون حتى نهاية عصر الإنتقال الثانى ؟
6 - لا يجوز أن نعتبر ( وحدة مصر السياسية ) حدث قام به ملك واحد ، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن بدايات الوحدة المصرية تمت على خمس مراحل تدريجية خلال مايعرف ب ( الأسرة صفر ) ، و أن آخر ملوكها ( نعرمر ) أتم و أكمل جهود أسلافه من الملوك و لايصح أن ننظر إلى صلاية الملك ( نعرمر ) على أنها تسجل حدث قيام الوحدة بعدما تبين لنا أن ( وحدة مصر ) ربما قد إكتملت قبل عصره و أن تفسير مناظر الصلاية حاليا ينحو منحى ( دينى سياسى دعائى ) أكثر منه ( تاريخى )
7 - كشفت البعثة الألمانية عن طبعتى ختم فى أم الجعاب و نقش عليهما أسماء ملوك الأسرة الأولى ( و هى أقدم قائمة ملوك فى الحضارة المصرية ) ، حيث بدأت القائمة بالملك ( نعرمر ) آخر ملوك الأسرة صفر ، و كان الإسم الذى يليه مباشرة ( حور عحا ) أول ملوك الأسرة الأولى دون أى ذكر لإسم ( مني ) مما يعكس أنه لا وجود لملك حكم مصر بإسمه فى تلك الفترة و أن ( نعرمر ) و ( حور عحا ) ملكين مختلفين .
8 - كشفت الحفائر عن وجود مدينة ( منف ) منذ نهاية عصر نقادة الثانية على اقل تقدير ( حوالى عام 3300 ق.م ) أى قبل عصر الأسرة ( صفر ) بمائة سنة تقريبا مما يعكس أنها كانت موجودة على مسرح الأحداث قبل أن تتوحد البلاد بفترة طويلة و أن نشأتها لم ترتبط بملك أوجدها كما أشارت المصادر المصرية فى العصر المتأخر

السبت، 3 ديسمبر 2011

من هو الملك العقرب ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

( من هو الملك العقرب ؟ )

.................................. قام الدارس بتناول هذا الموضوع فى مقال سابق ، و لكن نظرا لما إستجد من إكتشافات أثرية و نتائج علمية ، فقد إتجه لمعاجته برؤية أعمق مما سبق و لا يفوتنى أن أهدى هذه الدراسة إلى الأخت الكريمة الأستاذة القديرة أزهار أحمد ( azhaar ahmed ) التى لا تترد عن تقديم العلم لزملائها و زميلاتها فى هذا الحقل العلمى . يرى معظم الباحثين أن الملك ( العقرب ) هو الملك قبل الأخير للأسرة الشهيرة المسماة ( الأسرة صفر ) ، حيث تأكد لنا وجود ملك سيطر على معظم أرجاء الأرض المصرية فى نهايات تلك الأسرة بإسم ( العقرب ) الذى إنتشرت آثاره فى معظم أنحاء مصر بل إكتشفت شواهد أثرية بإسمه فى جنوب فلسطين . أثار عالم المصريات ( جونتر دراير ) إشكالية تتعلق بهوية هذا الملك عندما أخرج إلى الضوء مقبرة ملكية فى ( أم الجعاب ) بإسم ملك يدعى ( العقرب ) و خرج برأى مفاده أن هذا الملك صاحب مقبرة أم الجعاب هو ( العقرب الأول ) و هو هنا يختلف عن ملك آخر ظهر بنفس الإسم فى عصر لاحق على آثار أخرى و من أشهرها المقمعة الشهيرة التى كشف عنها فى نخن فأطلق عليه لقب ( العقرب الثانى ) و طبقا لهذا الطرح ، أصبح ( العقرب الأول ) هو أحد ملوك أو زعماء الأسرة صفر صفر ( dynasty 00 ) ، أو الأسرة ( صفرين ) ؟ ، التى يعتقد عدد كبير من الدارسين فى وجودها دون براهين علمية قوية تؤيد ذلك الزعم . أما ( العقرب الثانى ) فقد تم وضعه كحاكم كان فى طريقه لأن يبسط سيطرته على أرض مصر قبل عصر الملك ( نعرمر ) و هو مايتفق معه الدارس .
إن الطرح الخاص بوجود ملكين يحملان نفس الإسم لايخلو من شك كبير للأسباب التالية :
1 - لم يقدم لنا دراير سببا مقنعا لإعتبار أن ( العقرب الأول ) صاحب مقبرة أم الجعاب هو شخصية تختلف تاريخيا عن ( العقرب الثانى ) ، بالرغم من تساوى حجم مقبرة أم الجعاب مع مقابر ملوك الأسرة ( صفر ) التى لاتبتعد عنها سوى 100 متر تقريبا .
2 - إبتعاد مقبرة الملك العقرب عن مقابر ملوك الأسرة ( صفر ) فى جبانة أم الجعاب لا يعنى على الإطلاق أنها مقبرة تنتمى لملك أقدم فى الوجود زمنيا من ملوك الأسرة ( صفر ) ، لا سيما و أن محتويات المقبرة كانت تضاهى الأثاث الجنزى لمقابر بقية زعماء الأسرة ذاتها .
3 - إختلاف التصميم المعمارى لمقبرة ( العقرب ) عن التصميم الخاص بمقابر ملوك الأسرة ( صفر ) لايدل بالضرورة على وجود إختلاف زمنى و إنما يعكس رغبة صاحبها فى التميز و التفرد عن دفنات أسلافه .
و من هنا ينبغى أن نؤكد على ذلك الطرح الجديد : لا وجود لملكين مختلفين ، بل هو ملك أو زعيم واحد و هو بلا شك أحد زعماء الأسرة ( صفر ) الذين ينتمى معظمهم إلى البيت الحاكم فى مدينة ( نخن ) و الذين إتجهوا نحو الشمال لتوحيد أرض مصر بأكملها لذلك فلا غرابة أن نجد آثاره فى أماكن متعددة من أرض مصر . و لايتفق كذلك الدارس فيما يراه البعض أن هذا الملك ينتمى إلى مدينة ( نخن ) من حيث المنشأ بناءا على إكتشاف بعض آثاره أسفل أساسات معبد ( حورس ) فى نخن للإعتبارات التالية :
1 - إن أساسات معبد نخن لم يتم وضعها إلا فى عصر الأسرة السادسة على أقل تقدير و البعض يرى أنها وضعت فى العصر المتأخر ، لذلك ينبغى أن لا تتخذ كبرهان يدل على منشأ ملك فى مكان معين حتى لو إفترضنا أنه أهدى بعض آثاره للمعبود حورس فى نخن اعترافا بفضله فذلك أيضا لايعنى أن أصله كان من نفس الموقع ، نظرا لأن التيار الدينى و الموروث السياسى السائد فى البلاد آنذاك هو : ( إظهار تأييد و مؤازرة حورس للملك أثناء زحفه نحو الشمال بصرف النظر عن المكان الذى نشأ فيه ) .
2 - إن المرات التى تظهر فيها علامة العقرب داخل السرخ الذى يعلوه الصقر حورس تعد على أصابع اليد بينما ظهرت العلامة التصويرية للعقرب بمفردها على آثار متعددة دون أن يصاحبها الصقر حورس الأمر الذى يشير إلى أن منشأ هذا الملك لم يكن فى مدينة نخن و إلا وجب عليه أن يظهر و يؤكد إنتسابه لهذا المعبود على جميع آثاره .
3 - ظهور المعبود ( ست ) - إله مدينة نقادة - على مقمعته الشهيرة مرتان يرجح أن ( العقرب ) ربما كان من أتباع ذلك المعبود و أن منشأه الفعلى ينحدر من ( نقادة ) و ليس ( نخن ) .
إن الشواهد الأركيولوجية التى تنتمى لعصر هذا الملك توضح أن عصر هذا الحاكم يعتبر فترة تاريخية هامة خلال عصر الأسرة ( صفر ) فينسب إليه إنجازات حضارية هامة و هى :
1 - بزوغ رمز السلطة الملكية و هى المقمعة التى يستخدما الملك من خلال طقسة تأديب الأعداء بغرض إضفاء السلطة الشرعية على الحاكم
2 - الإنمتاء إلى معبود رئيسى ( حورس ) يتم الحكم تحت رايته ، دون تجاهل معبود المنشأ ( ست ) و الذى لم يكن يقل مكانة و أهمية عن ( حورس ) فى ذلك العصر
3 - ظهور الملك بتاج الصعيد الأبيض فى أرض الدلتا ( كما هو واضح فى مقعته ) يدل على سيطرته لمعظم أراضى الدلتا إن لم تكن هذه الأرض بأكملها كانت قد وقعت تحت سيطرته
4 - يظهر العقرب مصورا فى مقمعته و هو يحمل فأس و يهم بضربها فى الأرض مما قد يرجح هنا أنه يقوم بشعيرة تأسيس معبد فى الدلتا مما يعنى أنه أول ملك يؤسس تقليد ملكى جديد و هو أن الحاكم هو المسئول الأول عن تأسيس المعابد و تقديم القرابين .
5 - صلاية المدن الشهيرة الموجودة فى المتحف المصرى و التى تنتمى اليه تشير إلى سياسة بناء مدن جديدة و إستيطان أراضى حديثة فى عهده لا سيما فى المناطق الصحراوية المتاخمة للأراضى الزراعية
6 - ثراء مقبرته فى أم الجعاب يدل على الرخاء الإقتصادى فى عهده