الجمعة، 12 أبريل 2013

صورة الإنسان في مصر من خلال قراءة نص السيرة الذاتية لعنخ تيفي في عصر الإنتقال الأول


بسم الله الرحمن الرحيم 

صورة الإنسان في مصر من خلال قراءة نص السيرة الذاتية لعنخ تيفي في عصر الإنتقال الأول


قام حكام الأقاليم خلال عصر الإنتقال الأول
بكتابة سيرهم الذاتية على جدران مقابرهم بهدف تصوير العصر الذي عاشوا فيه على أنه
عصر مظلم للغاية و ذلك لكي يبرزوا أنفسهم كأبطال و كمنقذين لتلك الفترة المظلمة
التي سادت فيها حالات الأزمات و الكوارث و وفقا لما رسموه . و هنا تجدر الإشارة
لكي نشير إلى حقائق ثلاث هامة تمثلت فيما يلي : 
1 – كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ
المصري القديم و التي تظهر فيها مصر بوصفه عالما مليء بالأزمات ، فقد خلت كتابات
الدولة القديمة من نصوص وصف العالم بالفوضى . 
2 – إن المعضلة الرئيسية لكتابات نصوص السير
الذاتية لحكام عصر الإنتقال الأول تتمثل في في فقدان الجهة الحكومية الرسمية
المختصة و التي يمكنها تقييم أو تعليل هذه الكتابات ، فلا رقيب و لا سلطة أعلى من
سلطة حاكم الإقليم داخل المكان الذي يعيش فيه الأمر الذي يعكس من ناحية أخرى
إضمحلال و إنهيار السلطة الملكية خلال ذلك العصر . 
3 – سدت هذه الكتابات فراغا ناتجا عن إختفاء
السلطة الملكية أو عدم تأثيرها خلال ذلك العصر و أصبحت السلطة تستمد من خلال
الآلهة داخل الأقاليم و التي قامت بتعيين حكام الأقاليم في مناصبهم مما يضفي شرعية
على منصب حاكم الإقليم و على إنجازاته التي أخذ يتحدث عنها بشكل تفصيلي على جدران
مقبرته ، فالإله هو فقط ( و لم يعد هنا الملك يلعب دورا مؤثرا ) من يتولى إختيارهم
بنفسه و تعيينهم في مناصبهم الرسمية . 
و من جانب آخر تميز هذا العصر بظهور مفهوم
الفردية الذاتية التي تتحدث عن نفسها بكل ثقة و إعتزاز و إمتلأت جدران مقابر حكام
الأقاليم بذلك المفهوم ، فالمقبرة أصبحت مكانا ( للإضاءة الذاتية ) بمعنى إضاءة
الذات لنفسها من خلال تعظيم إنجازاتها التي أنقذت البلاد و الناس من الفوضى
المدمرة ، فها هو ( عنخ تيفي ) حاكم المعلا الذي عاش خلال عصر الأسرة التاسعة
يتحدث عن نفسه و عن كيفية إنتدابه من جانب الإله حورس رب إدفو الذي جعله حاكما على
الإقليم لكي يعيد تنظيمه من جديد فيقول : 
" لقد وجدت بيت ( خوو ) مغمورا في
المياه مهملا من قبل المسئولين عنه و في قبضة أحد المخربين و تحت تخطيط شخص غير
كفؤ " 
يتضح لنا من هذه الفقرة أن عنخ تيفي يهتم
بإصلاح بيت أو مقصورة تقديس السلف ( خوو ) الأمر الذي يعكس نتيجة هامة : أن من
يتولى إصلاح و ترميم مقاصير و بيوت السلف تصبح له شرعية في الحكم و أن من لا يسعى
لإصلاحها بل و يهملها تسقط عنه الشرعية . 
و هناك نصوص أخرى تطابق في المضمون تلك
الفقرة الأخيرة في نص عنخ تيفي ، فنحن نقرأ على سبيل المثال في مقبرة إنتف الثاني
في طيبة نصا شبيها لما سبق و نقرأ فيه : 
" لقد وجدت مقصورة الأمير نخت محطمة فقد
كانت جدرانها قديمة و كانت كل تماثيلها محطمة و لم يعد هناك شيء سليم فيها حقا و
لكني بنيتها من جديد و قمت بتوسيع أسسها و عملت لها صورا جديدة و وضعت أبوابها من
الحجر و ذلك لإحيائها من جديد لتكون مكانتها أعلى من مكانة جميع الأشراف الآخرين
" و هنا ينبغي لنا أن نتوقف عند ما ورد في ذلك النص لكي نشير إلى مجموعة من
النتائج الهامة جدا و هي : 
1 – لا يهدف مثل هذا النص و ما شابهه الحديث
عن وقائع تاريخية أو كتابة مذكرات صاحب المقبرة ، بل إبراز الإنجاز الأعظم لإنتف
الثاني الذي تمكن من ترميم و إصلاح و إعادة إحياء مقصورة السلف العظيم ( نخت ) و
من خلال إبراز هذا البر و الإحسان فهو يتوقع من الأجيال اللاحقة أن تذكره بالخير و
أن تسعى لعمل المثيل ، فتقوم هي الأخرى بإصلاح و ترميم مقصورته كنوع من رد الجميل
الذي قام به إنتف تجاه السلف . 
2 – نلاحظ هنا مفهوم إعادة بناء القبر أو
المقصورة من جديد و توسيع مساحتها و إعادة نقش مناظرها و وضع أبوابها من الحجر
الذي يرتبط بإحياء المقصورة و صاحبها من جديد ، فالإحياء تجاه السلف في مصر يرتبط
بتوسيع أماكن تقديسهم و مواقع ذكراهم . 
3 – ألم ترتبط هذه الفكرة الأخيرة بنفس
السياسة العملية التي سار عليها ملوك الدولة الوسطى فيما بعد ، و ذلك عندما قاموا
بترميم و حفظ آثار ملوك الدولة القديمة في بعض الأحيان ؟ ألم يكن حكام الأقاليم
خلال عصر الإنتقال الأول هم من وضعوا هذه الفكرة في حيز التنفيذ و لأول مرة ؟
و عودة لنص عنخ تيفي و ما كنا قد أشرنا إليه
من خلال مفهوم الإضاءة الذاتية ، نرى فكرة التعبير عن الذات و إنجازاتها خلال عصر
الإنتقال الأول من خلال المقطع التالي : 
" أنا بداية و نهاية البشر و أنا في قمة
البلاد بسبب تخطيطي الحكيم و أنا البطل دون مثيل الذي يتكلم وفقا لصوته و بطلاقة
عندما تصمت الإلهة بات في اليوم الذي تنبعث فيه الرهبة في النفوس " 
إن وجود تعبير مثل ( أنا بداية و نهاية البشر
) و ( أنا البطل دون مثيل ) يتكرر في عدة مقاطع في هذا النص و هذا التكرار يؤكد
على أمرين و هما :
1 – وجود طابع أدبي شعري رفيع في نص عنخ تيفي
و ربما كانت هذه النوعية من التعابير الأدبية تعكس بداية ظهور أدب أو ملحمة بطولية
في نصوص السير الذاتية لعصر الإنتقال الأول . 
2 – إن الأدب الشعري هنا يؤكد بشكل قوي و
واضح على عدم وجود أي علاقة بين مفهوم تسجيل التاريخ كوقائع بريئة خالية من الغرض
و بين مفهوم إظهار المتوفى كبطل لا مثيل له في العالم الآخر و كمادة ستروى أمام
الأجيال اللاحقة و إلى الأبد ، فالإنسان في مصر يثق في نفسه و يطمئن لإنجازاته و
لا مكان للإعتراف بالذنب ، فالعالم الآخر عالم يتسم بالمثالية و لا ينبغي هنا
الحديث إلا عن إنجازات و لا مكان للخطيئة . 
و لعل التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الصدد :
ألم تكن كاتبات الملوك اللاحقة و لاسيما على جدران المعابد تطابق نفس و ذات
المفهوم الذي تم إنتاجه و لأول مرة بشكل واضح خلال عصر الإنتقال الأول ؟ 
و ينتقل عنخ تيفي إلى أمر هام يتناول فيه
دوره البارز خلال تلك الفترة قائلا عن نفسه : " لقد وضعت حمايتي على ما يخص
كل إنسان فمن كان تحت حمايتي لم يمسه أي ضرر إطلاقا و كل من يقف ضدي فهو بائس و
مغفل و الويل له ، فأنا البطل دون مثيل " 
و هنا نشير إلى هذه الحقائق التالية : 
1 – يظهر في هذا النص و لأول مرة مفهوم أيدولوجيا
الرعاية التي يقدمها حاكم الإقليم تجاه من يتولى حمايته ، فمن يحميه و يرعاه لن
يمسه أي ضرر و لم تكن تلك الرسالة موجهة فقط لمن عاصره زمنيا بل هي رسالة موجهة
لجميع الأجيال اللاحقة التي ينبغي لها أن تتعلق و ترتبط به للأبد . 
2 – إن من يقرأ النص يفهم مضمون الرسالة و هي
: إما أن يقبل الخضوع لسلطة و حماية و رعاية حاكم الإقليم حتى لا يمسه أي ضرر و
إما فهو ضده و هنا عليه أن يتحمل تبعات قراره الذي إتخذه ، فإما القرار الأول و
إما القرار الثاني ، و لا مكان هنا للوقوف على الحياد . 
3 – يعكس النص و بشكل ضمني غير مباشر أن
الإنسان في مصر يخشى التاريخ و يخاف من المستقبل لذلك ينبغي له أن يحتمي بسلطة
أعلى لديها القدرة على حمايته من تقلبات الزمن المستقبلية ، سلطة قادرة على
التخطيط الجيد ، أو هكذا تقوم هذه السلطة بالترويج لنفسها ، و لا نجد مثل الخوف من
تقلبات الزمن في نصوص السير الذاتية لعصر الدولة القديمة . 
إن المقطع التالي يمثل قمة الثناء على الذات
و قمة الثقة بالنفس و الذي لا نجد له مثيل في كل كتابات السير الذاتية اللاحقة ،
حيث يقول عنخ تيفي : 
" أنا بداية و نهاية البشر ، و ليس هناك
لي نظير و لن يكون أبدا فمثيلي لم يولد و لن يولد و لقد تجاوزت ما عمله السلف و من
سيأتي بعدي لن يتوصل إلى ما وصلت إليه حتى بعد ملايين السنين " 
يتضح لنا من هذا المقطع الأخير بعض النقاط
الهامة و هي : 
1 – يختفي أدب التواضع تماما في نصوص السير
الذاتية لحكام الأقاليم بل و نجد مفهوم بلوغ القمة الفردية الذاتية التي تفوقت على
إنجازات السلف و ستتفوق على إنجازات الخلف . 
2 – يرجع هذا الثناء الذاتي إلى فكرة القوة
الشخصية لحاكم الإقليم و هي قوة مستمدة من إله الإقليم و ليس من قوة الملك الحاكم
الذي يغيب هنا في هذا السياق و لا وجود له 
3 – إن تصوير فكرة التفوق على إنجازات السلف
و التي لها إرهاصات أولى عملية خلال عصر الدولة القديمة أصبحت كتابات السير
الذاتية تعبر عنها صراحة خلال عصر الإنتقال الأول و هي ذات الفكرة التي لن تختفي
على الإطلاق من نصوص المقابر و المعابد خلال الفترات التاريخية اللاحقة للحضارة
المصرية القديمة ، فالإنسان في مصر لا يكتفي بما وصل إليه السلف من إنجازات بل
يسعى ( و لو نظريا ) للتفوق على هذه الإنجازات ثم يسعى من جانب آخر لتأطير مفهوم :
أن هذه الإنجازات التي حققها في عصرها لن يتمكن من بلوغها أو التفوق عليها أي فرد
من الأجيال اللاحقة فنهاية الإنجازات العظمى تتوقف عند رواية الإنسان عن نفسه في
مصر و لا إنجاز أعظم في التاريخ المستقبلي . 
و هنا يتحدث عنخ تيفي في الفقرة اللاحقة عن
أحداث الحرب الأهلية التي جرت في مصر خلال عصر الإنتقال الأول بين زعماء إهناسيا
في الشمال و زعماء طيبة في الجنوب و كيف كان هو يسعى لإخضاع زعماء طيبة لصالح ملك
إهناسيا في الشمال فيقول : 
" لقد سرت نازلا مع فرقتي العسكرية
الشابة ، فرقة الثقة الجبارة و نزلت في الغرب من طيبة و كانت فرقة الثقة تريد
الحرب في جميع أنحاء طيبة و سرت نازلا و رسيت في الشرق في طيبة و كانت فرقتي تتجول
في شرق و غرب طيبة تبحث عن الحرب و لم يستطع أحد الوقوف أمامها بسبب الخوف منها و
أنا البطل دون مثيل " 
و هنا نجد صاحب النص و هو يزعم لنفسه السيطرة
العسكرية الكاملة على طيبة بعد أن تمكن زعمائها من السيطرة على قلاع أرمنت
العسكرية خلال الحرب الأهلية الدائرة في البلاد ، و هو الأمر الذي يتناقض تماما مع
ما نعرفه من خلال الشواهد الأثرية بل و من خلال النتائج التي ظهرت فيما بعد و التي
كانت من أهمها : إنتصار زعماء طيبة عسكريا على مملكة إهناسيا و تأسيس عصر الدولة
الوسطى و إعادة السلطة الملكية المركزية تحت قبضة مملكة طيبة . إن فقرة عنخ تيفي
الأخيرة و من خلال هذا السياق لا تخلو من الأيدولوجيا الغير بريئة و لا تخضع لإطار
التاريخ .
ثم ينتقل عنخ تيفي لفقرة أخرى هامة تتناول
مفهوم المقبرة و حمايتها من الأخطار حيث يقول : 
" إن من يقوم بعمل أي شيء قبيح و خبيث ضد
هذا القبر ينبغي أن تقطع ذراعه لأجل ( حمن ) و المرجو من ( حمن ) أن لا يقبل
قربانه و المرجو من ( حمن ) أن لا يقبل شيئا من ممتلكاته و ليس له الحق في أن يقوم
بتوريث ميراثه لمن سيأتي بعده " 
إن هذا المقطع الأخير يكشف عن أمورا بارزة
الأهمية تتمثل فيما يلي : 
1 – تنتمي هذه الفقرة الأخيرة لنصوص لعنات
القبور و قد كانت موجودة خلال عصر الدولة القديمة إلا أنها كانت تلعب دورا هامشيا
و زادت جدا خلال عصر الإنتقال الأول و بداية عصر الدولة الوسطى حيث كانت لها أهمية
كبيرة جدا . 
2 – تقع المقبرة في حماية الإله المحلي
لمنطقة حاكم الإقليم و هو في هذه الحالة يرد ذكره بأنه الإله ( محن ) و الذي كان
على هيئة الصقر فهو الذي يتولى عقاب من تسول له نفسه إقتحام المقبرة لأجل تدنيسها
أو سرقة شيئا منها . 
3 – تكشف هذه الفقرة عن وجود حالات سرقات
مقابر بشكل ضمني غير مباشر خلال عصر الإنتقال الأول و عن وجود فريق لا يؤمن بقدسية
المقابر أو قدسية أصحابها كما تكشف عن تضائل الثقة في وجود دولة أو سلطة ملكية
قوية تتولى حماية القبور و لذلك يصبح الحل المثالي هو : 
أن تصبح هذه الحماية في رعاية الإله المحلي و
هنا يمتد دور الآلهة في مصر إلى إمتلاك البلاد و حماية القبور و تنفيذ القانون و
عقاب المجرم كبديل للسلطة الملكية الغائبة تماما . 
و يؤكد عنخ تيفي على قضية إحترام القبر و عدم
المساس به قائلا : 
" لقد بنيت هذا القبر و كل ما فيه من
نصب ( بضم النون و الصاد ) بذراعي فليس هناك باب غريبة و لا عمود غريب في هذا
القبر لأني علمت مصر العليا الكفاح و أمرت بتمجيدي بسبب أبوابي الجبارة و أنا
البطل دون مثيل "
و هنا يظهر بوضوح حرمة المساس بالمقابر
كنموذج ديني مقدس له صفة قانونية مقدسة ، فلا يجوز إستعمال أجزاء القبور القديمة و
ذات القيمة مرة أخرى و هذا يعني أن القبور الجديدة لا يجوز إنشائها علىحساب القبور
القديمة . 
ثم ننتقل هنا إلى واحدة من أهم فقرات نص
السيرة الذاتية لعنخ تيفي و التي يتناول فيها مفاهيم البر و الإحسان تجاه مصر
بأكملها حيث يقول : 
" لقد أبقيت منطقة المعلا على قيد
الحياة عندما كانت السماء غائمة و البلاد تحت العاصفة و لقد مات الجميع من الجوع
على كومة رمال الثعبان عبب ( أبوفيس ) و لقد وصل الجنوب بأكمله و بكل سكانه عندي و
لقد جاء الشمال بكل أطفاله عندي و لقد منحت الشعير لمصر العليا حتى وصل إلى واوات
( النوبة السفلى ) و أعطيت الشعير لمصر السفلى و لم يقم أي أحد بهذا العمل مثلما
قمت أنا به و لم يكن هذا العمل موجودا عند آبائي و أسلافي و أنا البطل دون مثيل
يمكن لنا و من خلال هذه الفقرة الأخيرة أن
نستشف و نستنبط حقائق هامة تمثلت فيما يلي : 
1 – يشير النص إلى مجاعة حدثت خلال عصر
الإنتقال الأول و هو ما إتفق عليه جميع حكام الأقاليم في نصوص سيرهم الذاتية و هو
ما يجعلنا نرجح وجود هذه المجاعة تاريخيا فضلا عن أن النتائج الجيولوجية أثبتت
إنخفاض مستوى النيل في تلك الفترة و هنا تكون فكرة المجاعة صائبة تاريخيا 
2 – لم يكن الهدف من إظهار المجاعة في النص
هو إخبار الخلف بحقيقة تاريخية بل كان الهدف هو المبالغة في تبعياتها و نتائجها و
ذلك لإستخدامها و توظيفها كخلفية أيدولوجية و لهدف أسمى و هو : كلما زاد التصوير
الأدبي لكوارث المجاعة ( حيث يقول لقد مات الجميع من الجوع على كومة رمال عبب )
كلما ظهرت أهمية المنقذ ( عنخ تيفي ) الذي قام بإنقاذ و تموين البلد كلها بعد أن
أنهكها الجوع . 
3 – يستمد حاكم الإقليم شرعيته من خلال وجود
( مجاعة ) و ( تموين ) فالسند القانوني الأول لكل حاكم في مصر هو تموين الإقليم
التابع له و تزويده بالطعام و الشراب في زمن المجاعة و أيام الضنك فلا شرعية
للحاكم في مصر إلا من خلال إمداد الرعية بما تحتاجه في زمن الكوارث و الأزمات . 
4 – إن تعبير ( لقد مات الجميع من الجوع على
كومة رمال الثعبان عبب ( أبو فيس ) يظهر لأول مرة خلال عصر الإنتقال الأول و هو
يهدف لإبراز مفهوم ديني مجازي يتعلق بوجود ثعبان فوضوي يسبب الأزمات و الكوارث و
هو يعيش في عالم السماء و يسعى لعرقلة مسيرة الشمس حيث يقوم بإبتلاع المياه
السماوية التي تبحر عليها مركب الشمس و هنا لا تجد المركب الشمسية سوى كومة الرمال
التي أخرجها ( عبب ) مما يتسبب في توقفها فيتوقف الزمن و يحدث ( الكشوف الشمسي ) و
يحل الظلام و تنهار مصر و لا شك أن هذه الصورة تنطبق على نهر النيل فما يحدث في
عالم السماء يحدث كذلك في عالم الأرض ، فيظهر ( عبب ) في النيل الذي يبتلع المياه
مما يعكس إنخفاض مستوى الفيضان فتحل المجاعة على البلاد . 
5 – نلاحظ هنا أن الوباء الذي تسبب فيه عبب (
ثعبان الفوضى ) لا يقتصر على نيل مصر بل يمتد لعالم السماء و هنا و من خلال هذه
الصورة الأدبية المجازية يتصاعد الوباء في مصر و يتحول إلى كارثة كونية . 
 يتبين لنا مما تقدم أن البلاغة الأدبية لنص عنخ
تيفي و جميع نصوص السير الذاتية خلال عصر الإنتقال الأول التي سارت على نفس
المنوال هي بلاغة مغرضة ، فكلما تفاقمت الأزمة و إزدادت حالة الضنك ، كلما كبرت
أهمية البطل المنقذ ( و هي ذات الفكرة التي سار عليها الملوك في المراحل التاريخية
اللاحقة ) فالرواية هنا لا تستهدف المعنى المباشر و المطروح أمام الأجيال اللاحقة
في عالم مصر و إنما تستهدف المغزى الذي يبرز حسنات و فضائل صاحب المقبرة في عالمه
الآخر و لكي تكون مادة للرواية أمام الخلف فنحن هنا لا نسأل عن ومدى واقعية هذه
النصوص و لا عن نسبة الواقع التاريخي الفعلي فيها و إنما نطرح أولا هذه التساؤلات
ما هو سبب الحديث عن هذه المواضيع في المقابر
؟ و ما هو الغرض من هذه السير الذاتية ؟ و ما هو هدف أصحابها ؟ و ماذا أرادوا أن
يقولوا ؟ 
و من ناحية أخرى لا يمكن إعتبار هذا التصوير
الأدبي مناهضا تماما و بشكل كلي للواقع التاريخي الفعلي ، إلا أننا لا نقبل النص
هنا إلا من خلال الشواهد الأثرية المادية البارزة ، فعلى سبيل المثال لا يمكن
إنكار مفهوم في غاية الأهمية و هو ( أن الإقتصاد المصري القديم ) كان يرتكز على
فكرة ( الرجل القوي ) الذي يأخذ جميع الأمور على عاتقه و يسعى لحل جميع الأزمات و
كان هذا الرجل هو الملك خلال عصر الدولة القديمة فلما إنحلت السلطة الملكية خلال
عصر الإنتقال الأول إستغل حكام اٌلأقاليم ذلك الفراغ الناتج عن إنهيار السلطة
الملكية و التي كانت تقوم بتموين و إمداد كل الأقاليم بما تحتاجه من طعام و شراب و
أصبح حاكم الإقليم هو من يتولى دور الرجل القوي داخل إقليمه الذي يسعى لإستقطاب من
حوله حتى ينقذهم من حالة الضنك و المجاعة ، فالإنسان في مصر يعيش حالة من الرفاهية
و الخلاص في عالمه الدنيوي و الأخروي إذا خضع بقراره لسلطة حاكم الإقليم فهو
المسئول الأول عن حالته المستقبلية فإما أن يعيش في سعادة مستديمة و إما أن يشقى
للأبد و في هذا التحليل الأخير و الهام يبرز لنا تساؤل مضمر و هام : ألم يكن
الإنسان في مصر هو سبب جلب الشقاء لنفسه إذا أعلن التمرد على سلطة حاكمه ؟ ألم يكن
الإنسان في مصر هو المسئول الأول عن سعادته إذا خضع لسلطة حاكمه ؟ ألم يعتمد ملوك
الدولة الوسطى فيما بعد على ذات المفاهيم التي إرتكز عليها حكام عصر الإنتقال
الأول ؟ ألم يكن مفهوم الشقاء الإنساني و التمرد البشري على الحاكم هو الإرهاصات
الأولى لأسطورة تمرد البشرية على الإله الخالق و التي ظهرت بواكيرها الأولى في
متون التوابيت ؟ 
و أخيرا يكون سبب شقاء الإنسان هو نفسه ، أما
السعادة هي النتيجة المؤكدة لمن يتخذ لنفسه حاكما يخضع لسلطته و يعمل على خدمته
بكل إخلاص 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق