الاثنين، 6 أغسطس 2012

الرسالة الأدبية لحوار اليائس من الحياة مع روحه


بسم الله الرحمن الرحيم 

الرسالة الأدبية لحوار اليائس من الحياة مع روحه ............................................................ 
.................

إن النص المسجل على بردية متحف برلين رقم 3024 و المتعارف عليه بإسم حوار  اليائس من الحياة مع روحه هو النص الأدبي الوحيد الذي يعالج عالم الفوضى و  الأزمات بشكل مغاير عن الأدبيات المصرية الأخرى المعروفة ، فلا يتجه للخلاص  من هذا العالم عن طريق التعلق بماضي مجيد ينتمي لزمن الأسلاف و لا إلى  آمال مستقبلية تنبيء عن وجود ملك عادل سينقذ العالم من الظلم ، و يضع  الماعت ( الحق و النظام و الخير ) بدلا من الإسفت ( الباطل و الفوضى و الشر  ) ، فلا وجود لهذه الأفكار في هذا النص و من هنا نسأل ما هي رسالة اليائس  من الحياة ؟ و ما هو المغزى من إقامة نص أدبي يخالف تعاليم و قيم الحضارة  المصرية القديمة و لاسيما في عصر الدولة الوسطى و هو الزمن الذي تم فيه  تأليف النص ؟
 هذا النص عبارة عن حوار أدبي ذو مغزى فكري و ديني و  سياسي بين اليائس من الحياة و روحه و لهذا الحوار صفة النزاع الكلامي و  الجدل الفكري بين الذات المتمثلة في الفرد الذي يأس من حياته نظرا لإنتشار  الظلم و الفساد في العالم و بين الروح التي تسعى لإقناع الذات للإقدام على  الإنتحار لكي تتخلص من مساويء هذا العالم المليء بالأزمات و الفوضى .
يبدأ النص بمضمون فكري ديني كلاسيكي لدى المصري القديم ألا و هو الإيمان  بأن الموت لا يمثل النهاية المطلقة في العقيدة المصرية القديمة ، و إنما هو  مجرد مرحلة إنتقالية ما بين عالمين ، حيث ينتقل الإنسان من المكان الذي  كانت علاقته فيه بالآلهة تترجم بصورة غير مباشرة ( عالم الدنيا ) إلى  المكان الذي يواجه فيه الآلهة بصورة مباشرة ( العالم الآخر ) و ذلك على  أساس أن الموت هنا هو الطريق الوحيد لعبور هذه العتبة الإنتقالية التي تفصل  بينه و بين الآلهة بشكل مباشر ، و هنا و على هذه العتبة الإنتقالية يجري  الحوار النصي الأدبي بين الذات ( اليائس من الحياة ) و الروح .
تتجه  الذات ( اليائس من الحياة ) بتقديم شكواها في النص بأن روحها لا ترغب في  الحديث معها ، فهي لا تريد إطالة نقاش أو حوار لا يجدي في شيء مع الذات ، و  إنما تهدد ( الروح ) بالذهاب مباشرة إلى حكام محكمة العالم الآخر ، أي  أنها تسعى نحو الإنتحار ، فلا يفصل بينهما  و بين أرباب المحكمة سوى الموت .
و يتجه النص لإثبات رد فعل معاكس لدى الذات ( اليائس من الحياة )  تجاه الروح ، فتقول " إن روحي لا ينبغي لها أن تنصرف عني ، بل يجب عليها أن  تكفلني " ، و لذا تتجه الذات متوسلة بأرباب محكمة العالم الآخر فتقول لهم  شاكية الروح " أنظروا إن روحي تعارضني و لكن لن أطيعها ، فهي تشدني نحو  الموت قبل أن أقوم بالتحضير له " و نلاحظ هنا أن الذات لا تنكر الموت  كحتمية مصيرية ، بل تدعو فقط للتأجيل و الإنتظار و الصبر حتى تتمكن الذات  من التحضير و التجهيز له قبل أن تتجه للعالم الآخر ، بينما تطالب الروح  بالذهاب نحو العالم الآخر مباشرة و دون تسويف أو إنتظار أو تجهيز للموت فهي  تشتاق لرؤية حكام المحكمة الأخروية .
تؤكد الذات ( اليائس من الحياة )  على قيم فكرية إيجابية تتعلق بالعالم الآخر ، فتقول " العالم الآخر هو مقر  الراحة الأبدية و الغرب هو الميناء الذي يستريح فيه الإنسان ، كوني صابرة  يا روحي ، فأنت مثل أختي ، حتى يأتي وريثي و يقدم لي القرابين واقفا أمام  قبري و حتى يحرس تابوتي " . و يتبين لنا من هذه الفقرة الأخيرة أن كلا من  الذات ( اليائس من الحياة ) و الروح يسعيان نحو الموت ، و الإختلاف الوحيد  بينهما يكمن في شكل و تصور الموت . فالذات تعتبر الموت إستمرارا للحياة  الجماعية المتمثلة في وجود وريث خلف
يقيم له الطقوس و لكي تحافظ  الأجيال القادمة على جسده في مقبرته و تتذكره للأبد . ، فالذات تدعو للوقت  حتى تتمكن من الإنتهاء من عمل المقبرة و تترك وصيتها لوريثها و تؤكد على  إقامة شعائر لها ، أما الروح فهي لا ترى أهمية لكل ذلك ، فالموت بالنسبة  لها هي النهاية المطلقة التي لا عودة بعدها . فهي تقول " ستنهدم القبور و  سينسى أصحابها مثل الفقراء الذين سقطوا في النهر و صارت الأسماك تتحدث عنهم  " . فالعالم الآخر الذي يرغب فيه الذات ( اليائس من الحياة ) و يحلم به  طوال الوقت هو بالنسبة للروح خيال محض .
و لاريب أن جواب الروح هنا  على آمال الذات في عالم آخر يستريح فيه الإنسان بعدما فقد الأمل من تحسين  الأوضاع في عالم الدنيا هو تنكر و رفض واضح للقيم الثقافية المصرية  التقليدية العليا فهذا الجواب يمثل صوتا خافتا لفئة من فئات المجتمع المصري  القديم التي كانت لا تؤمن بما هو سائد و شائع في الديانة و الثقافة  الرسمية للبلاد و لاسيما في عصر الدولة الوسطى و هو الزمن الذي ظهر فيه هذا  النص . فما هي وسيلة الروح لإقناع الذات بما تنادي به ؟ ................  تلجأ الروح إلى رواية قصتين وعظيتين ، فبعدما ترد  على الذات بهذه الأفكار  الغريبة و الشاذة على المجتمع المصري القديم ، تبدأ برواية قصتين للذات .  القصة الأولى تحدثنا عن رجل حرث أرضه و حمل حصاده في سفينة ليذهب مع عائلته  إلى بيته ، و أثناء غروب الشمس هبت عاصفة قوية فقلبت السفينة ، و أصبح  زوجته و أولاده ضحية للتماسيح . و هنا يجلس الرجل الذي بقي على قيد الحياة  على الشاطيء و يقول " أنا لا أبكي تلك التي ولدت و لم تتمكن من الخروج من  عالم الغرب إلى حياة أخرى على الأرض و إنما أبكي على الأطفال الذين تلاشوا  قبل خروجهم للدنيا ، فلم يشاهدوا سوى وجه إله الموت قبل أن يبدءوا الحياة "  .
تضع الروح هنا و من خلال الفقرة الأخيرة رأيا مفاده أن عدم ولادة  الإنسان هي أكبر المآسي و المصائب التي يمكن أن تواجهه و أن الموت يخطف  الجميع في لحظات مباغتة و قد لا يتمكن المرء من التحضير له بعمل مقبرة أو  ما شابه ذلك ، فهذه هي الحقيقة المضمرة أو المسكوت عنها في الثقافة المصرية  القديمة . أما القصة الثانية ، فتعالج قضية إرجاء الموت عن طريق الإنتحار  لحين التمكن من الإنتهاء من عمل المقبرة و تأكيد وصية الميراث و عمل  الشعائر و هي الأمور التي يدعو لها الذات ( اليائس من الحياة ) . و الغريب  هنا في هذا الأمر ، أن الروح هي التي تقص القصة الثانية المناهضة لأفكارها و  تعاليمها و ذلك لكي تبرز الموقف الفكري للذات في حيادية تامة . فتحكي هذه  القصة عن رجل طلب من زوجته إحضار وجبة العشاء قبل أن يحل المساء ،  فاستمهلته الزوجة حتى حلول المساء و مجيء العشاء في ميقاته المحدد ، فخرج  الرجل من بيته غاضبا ، و لكنه عاد في المساء و قد تغيرت حالته ، فقالت له  زوجته التي تعرفه جيدا " إنك لا تسمع الذين ينتقدوك ، بل تقف بقلب فارغ  معاندا لهم " . و نلاحظ هنا أن الذات ( اليائس من الحياة ) تمثل موقف  الزوجة التي لا تريد تقديم وجبة العشاء إلا في الوقت المناسب أما الروح فهي  تمثل موقف الزوج المعاند الذي يريد أن يتناول وجبة العشاء في التو ،  فالروح عنيدة لا تريد أن تستمع للذات و لا لأحد فهي تسعى بكل الطرق للإقدام  على الموت بالإنتحار قبل أن تتمكن الذات من التحضير له .
كيف تتمكن الذات ( اليائس من الحياة ) من إقناع الروح بأن ما تدعو إليه هو موقف خاطيء بكل تأكيد ؟
تقوم الذات بإلقاء مجموعة القصائد ( الأشعار ) الفكرية الهامة لكي تذكر  الروح بقيم ثقافية مستقرة في المجتمع من أهمها : أن إسم الإنسان يبقى حيا  بعد الموت و بناءا على ذلك ، فالإنسان مسئول مسئولية تامة عن سلوكه في  الحياة و عن طريقة تحضيره للموت ( من خلال إقامة القبر و عمل الشعائر ) ،  فإذا أهمل الإنسان هذا التجهيز و التحضير ، فسيكون لإسمه ( رائحة كريهة ) ،  و يتحول هو نفسه إلى شخص مكروه من قبل الأجيال التالية ، ألا يؤدي الميت  قسما في محكمة العالم الآخر أمام الأرباب بأن إسمه لم تكن له رائحة كريهة ؟  ألا تؤمن الروح بآلهة المحكمة الأخروية و التي تشيد دائما بهم ؟ ... و  نستشف من ذلك أن الذات تسعى لإقناع الروح بخطأ موقفها من خلال وجود أرضية  فكرية مشتركة بينهما تتمثل في الإيمان بآلهة المحاكمة في العالم الآخر و  الإعتراف بنزاهتهم .
ثم تتجه الذات لكي تكمل قصائدها الأدبية الفكرية  البارزة الأهمية فتعمل على وصف الفوضى و الأزمات و الكوارث التي يعاني منها  العالم و تتمثل في :
1 – إنهيار النظام الكوني
2 – سوء الأحوال الإجتماعية
3 – إنتشار الفساد بين الناس
فتظهر الأنا في هذا السياق كفرد يائس من الحياة الدنيوية ، حيث تصف إنعدام  المحبة بين الجميع ، و تتساءل عن معنى الحياة في عالم يسود فيه الشر و  الجشع و الأنانية ، فإذا إختفت من عالم الدنيا كل قيم المحبة و الخير و  التضامن بين الناس ، فعنئذ لا يتبقى للإنسان سوى أن يتجه للبحث عنها في  العالم الآخر حيث تستقر الآلهة التي أقرت هذه القيم منذ البداية في عالم  الدنيا ، فتقول الذات في صورة أدبية بالغة القوة " مع من أتكلم اليوم ؟ و  الإخوة أصبحوا خبثاء و أصدقاء اليوم لا يعرفون المحبة ، مع من أتكلم اليوم ؟  و الظلم يسيطر على البلاد و ليس هناك أمل في نهايته "
و تستمر الذات  في وصف شقاء المجتمع و إنحلال العلاقات بين الناس مما جعلها في نهاية  المطاف تنعزل عن ما حولها و تفضل أن تعيش بمفردها في وحدة دائمة . و لاريب  أن الوصف السابق لطبيعة العالم يهدف لإظهاره كعالم مزيف حيث لا يجد الإنسان  العادل مكانا فيه و لهذا السبب يصبح ( غير قابل للسكن ) ، فيتجه الإنسان  نحو العالم الآخر كحل و كخلاص أخير . و عند الوصول إلى هذه النقطة بالتحديد  ، يتحول الموت من كلمة سلبية إلى كلمة إيجابية ، فالموت يعتبر عادة في  الفكر المصري القديم من الكلمات الغير محببة و لا يتم ذكره إلا من خلال  إضفاء بعض الصفات التجميلية عليه . إلا أن موقف الذات هنا يتغير تماما تجاه  الموت في مناهضة تامة للمعتقدات المصرية القديمة فتقول " أنا أرى الموت  أمامي اليوم مثلما يرى المريض شفائه و مثلما يرى السجين حريته " . و هنا  نلاحظ أنه مثلما قلبت الروح بموقفها الفكري القيم العليا للثقافة المصرية  رأسا على عقب ، قامت الذات ( اليائس من الحياة ) بتغيير نظرة الإنسان تجاه  الموت و إعتبرته ، فالموت بالنسبة للذات هو بمثابة شفاء المريض من المرض . و  لذلك تتجه الذات نحو العالم الآخر حيث يصبح الميت هناك بمثابة ( إله حي )  يقوم بمعاقبة من يرتكب الآثام و يتمكن من ( الصعود لمركب الشمس ) و يعمل  على ( توزيع القرابين في المعابد بين الآلهة ) و أن يصبح ( حكيما ) فلا ترد  كلماته أبدا .
يتضح لنا من خلال هذه الفقرة الأخيرة ، أن الأعمال  التي يقوم بها الإنسان في العالم الآخر هي الأعمال النموذجية التي ينبغي  لها أن تسود و تنتشر في عالم الدنيا و هي : معاقبة مرتكبي الآثام و تقديم  القرابين للآلهة و الركوب في مركب الشمس و الحديث بالحكمة . فهذه الأعمال  تتحقق في العالم الآخر لأنه لم يعد تحقيقها أمرا ممكنا في عالم الدنيا ، و  لهذا فإن الماعت ( الخير و النظام و العدالة ) التي إختفت من عالم الدنيا  لا يجدها الإنسان إلا في العالم الآخر .
و تنتهي هذه القصيدة بإقتناع  الروح لخطاب الذات و ما تدعو إليه بل نجدها تطالب الذات ( اليائس من الحياة  ) أن تنتظر و تصبر حتى تحين ساعة الموت و أن تقوم بالتحضير لعالم الغرب  فتشيد مقبرتها و تترك وصيتها لوريثها و توكل من يقوم بشعائرها حتى يخلد  إسمها بين الأجيال التالية .
يتبين لنا مما سبق مجموعة من المعاني الدينية و السياسية الهامة تمثلت فيما يلي :
1 – لا يهدف هذا النص إلى التعبير عن الإختفاء الدائم لقيم العالم الطيبة (  الحق و الخير و المحبة و العدالة ) من عالم الدنيا ، فإختفائها من هذا  العالم ما هو إلا غياب مؤقت و طاريء ، و بفضل سيادة هذه القيم في العالم  الآخر ينبغي أن يسعى الإنسان لجعل القيم الأخروية صورة طبق الأصل من القيم  الدنيوية و إلا كان مصير الإنسان العزلة و الإغتراب عن العالم الدنيوي و  تشجيع الروح له على الإنتحار و الذهاب للبحث عن الخلاص في العالم الآخر و  هو ما يسعى كاتب النص لتصويره للقاريء
2 -  ينتمي هذ النص إلى مجموعة  النصوص الأدبية التي تصف الفوضى و الأزمات و الكوارث التي ظهرت في عصر  الدولة الوسطى و لكنه يتميز عنها و يختلف في أمر هام و هو : بينما كانت  النصوص الأدبية الأخرى تصف وجود الفوضى و الشر و الظلم في العالم بسبب غياب  السلطة الملكية التي تحقق الماعت ( النظام و الخير و العدل ) على الأرض ،  نجد أن هذا النص لا يشير على الإطلاق لدور السلطة الملكية في تحقيق (  الماعت ) لا من قريب و لا من بعيد و هو هنا يتميز في ذلك بمناهضته و  معارضته لكل النصوص الأدبية السياسية الدعائية الملكية التى ظهرت في الدولة  الوسطى و كانت تنادي دائما بأن وجود السلطة الملكية هي الضمان الأوحد  لتحقيق العدالة و الخير و النظام ، إلا أن هذا النص يضمر ما هو نقيض ذلك ،  فكان بذلك صوت المعارضة الخافت لفئة قليلة العدد في المجتمع المصري القديم .
3 – هذا النص يعالج مصير الأفراد بالدرجة الأولى ، فاليأس من الحياة  هو نتيجة حتمية للظلم المنتشر ، إلا أنه لا ينادي بمفهوم عزلة الإنسان ،  فهذه العزلة ليست من طبيعة الإنسان و لا هو يسعى لتطبيقها في حياته ، بل هي  عزلة ناتجة عن عدم وجود الماعت في العالم الدنيا ، فكاتب النص لا يصف  واقعا تاريخيا حدث في عصر الدولة الوسطى ، بل ينبه و يذكر بأن ذلك سيكون  حال الإنسان في مصر إذا لم توجد ( ماعت ) و هذا هو المغزى الأدبي و الرسالة  الغير معلنة لنص اليائس من الحياة .
4 - لا يهدف هذا النص إلى وصف  إنحطاط و فساد العالم بوصفه شيئا طبيعيا ( و لنلاحظ هنا معارضة هذه الفكرة  للنصوص الأدبية الرسمية الملكية التي نادت بوجود الفساد في العالم كأمر  طبيعي  من موجود منذ البداية و لا يتم التخلص منه إلا من خلال وجود السلطة  الملكية ) و لا يريد أن الإنسان يضع ككائن غريب في هذا العالم الدنيوي بل  يريد أن يوجه تساؤلات مضمرة للقاريء : ما هو الحال إذا إختفت ماعت من  البلاد ؟ من هو المسئول عن إختفائها ؟ هل عالم الدنيا في مصر سيظل هكذا  بدونها ؟ .... إنه نص يشير بشكل غير مباشر و غير معلن و بدرجة إمتياز لضعف  السلطة الملكية التي من واجبها تطبيق الماعت و جعل ( العالم صالحا للسكن ) ،  فعالم الآلهة لا يقتصر وجوده فقط على العالم الآخر ، بل هي توجد أيضا في  عالم الدنيا و على الإنسان أن يتواصل معها في العالمين ، و من هنا تصبح  قيمها صالحة للتطبيق في عالم الدنيا و العالم الآخر و من هنا لا يقتصر وجود  وطن الإنسان في العالم الآخر فقط بل يقع وطنه في العالمين .
5 – من خلال ما سبق ندرك أنه لا وجود لعالمين منفصلين في التعاليم و القيم و السلوك في مصر ، فالعالم الآخر لا ينبغي له أن يختلف عن عالم الدنيا في أي شيء و مهمة أرباب محكمة العالم الآخر تقتضي بربط معايير و قيم عالم الدنيا بالعالم الآخر ، فالشيء الذي يسري هنا في الدنيا يسري أيضا هناك في الآخرة . و صورة عالم الدنيا تتطابق تماما مع صورة العالم الآخر ، فلا وجود لحالة الفقير في الدنيا الذي يتحول و يصبح غنيا في الآخرة ، و لا وجود لفكرة التعويض و مكافأة المظلوم في العالم الآخر على ما عاناه في عالم الدنيا ، فهذه الأفكار لا توجد في النصوص المصرية الأدبية الكلاسيكية و بواسطة أرباب محكمة الموتى و القيم التي تنادي بها تلك المحكمة ، تكون فكرة العالمين غير موجودة تماما في مصر و ذلك على النقيض مما تنادي به الأديان السماوية و ينبغي لنا هنا أن نؤكد على ذلك الأمر لأن أدب النصوص الجنائزية في مصر من الممكن أن يوحي خطأ بإمكانية وجود هذين العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق