الخميس، 2 أغسطس 2012

مناظر الصرح الأول لمعبد مدينة هابو


بسم الله الرحمن الرحيم 

مناظر الصرح الأول لمعبد مدينة هابو
 ............................................................
.................
 يعتبر معبد مدينة هابو واحد من أهم و أعظم المعابد المصرية القديمة على  الإطلاق . و هو لم يتكون من معبد واحد فقط خاص بالملك رمسيس الثالث ، و  لكنه عبارة عن نطاق مدينة معبدية متكاملة إلى حد ما في نظامها المدينة  المعبدية للكرنك ، و ذلك على أساس أن المنطقة التي شيد فيها الملك رمسيس  الثالث معبده الجنائزي لم تكن خالية من الإنشاءات قبل عهده ، فقد كانت  تحتوي على بعض العناصر و المنشآت المعمارية المعمارية التي تعود إلى ما قبل  الأسرة العشرين ، بل و إستمر أهل و كهنة طيبة يضيفون إلى تلك المنطقة  إنشاءات معمارية أخرى تعود إلى عصر الإنتقال الثالث بدءا من الأسرة الحادية  و العشرين و حتى نهاية العصر الروماني .
يتناول الباحث من خلال هذا  المقال المناظر التي سجلت و نقشت على الصرح الأول لمعبد مدينة هابو ، ساعيا  نحو الكشف عن المغزى الأيدولوجي الديني وراء تلك المناظر . و يمكن القول  بأن الصرح الأول لمعبد هابو هو الصرح الوحيد الباقي بحالة جيدة مقارنة  بصروح معابد البر الغربي لمدينة طيبة ، فلم يعد متبقيا من صروح المعابد  الأخرى شيء يذكر ( ربما يسثنى من ذلك أطلال الصرح الأول لمعبد الرمسيوم ) .
تميز الصرح الأول لمعبد مدينة هابة بعدد من المناظر الهامة و التي كشفت من مجموعة من السمات و المعاني الدينية الأيدولوجية و هي :
1 – إكتفى الملك رمسيس الثالث بتصوير المنظر التقليدي الرمزي على الصرح  الأول للمعبد و الذي يتعلق بضرب الأعداء أمام رب المعبد ، حيث يهوي الملك  بمقمعته على رؤوس الأعداء أمام الإله آمون رع على البرج الجنوبي ( الأيسر )  و نجده مصورا كذلك على البرج الشمالي ( الأيمن ) للصرح و هو يقوم بنفس  العمل و لكن أمام المعبود رع حور آختي .
لوحظ أن الفنان هنا قام  بتحويل الصرح ذاته – من خلال محتويات المناظر – إلى وحدة جغرافية رمزية ، و  الدليل على ذلك هو أن المناظر المتعلقة بضرب أعداء مصر الجنوبيين أو  الغربيين قد صورت على البرج الجنوبي لصرح المعبد ، أما المناظر المتعلقة  بضرب أعداء مصر الشماليين أو الشرقيين فقد صورت على البرج الشمالي للصرح  الأول للمعبد و من خلال هذه  الرمزية الجغرافية يتمكن الملك من القضاء  الرمزي على أعداء مصر للأبد أمام ربي المعبد آمون رع و رع حور آختي . و هنا  يحق لنا أن نشير إلى هذه النتيجة الهامة : إن فكرة تحويل مناظر الصرح  الأول للمعبد إلى وحدة جغرافية رمزية ظهرت لأول مرة في عصر الملك رمسيس  الثالث خلال الأسرة عشرين و إستمر تنفيذها فيما بعد طوال العصرين البطلمي و  الروماني على صروح المعابد المصرية .
2 – يظهر وراء الملك تصوير (  الكا ) الملكية – التي تناولها الدارس في أكثر من دراسة سابقة – و طبقا  للمعتقدات المصرية القديمة  كانت هذه الكا الملكية تتميز بالأبدية المطلقة  فهي لا تعرف الموت بل تبقى حية بعدة وفاة أي ملك حيث ، يتم توريثها من ملك  لآخر ، فهي ترمز لوظيفة الملكية الإلهية المقدسة التي وضعتها الآلهة منذ  الزمن الأسطوري الأول الذي حكمت فيه . و لذا لم يكن المصري القديم يعتقد –  على الأقل من وجهة نظر النصوص الرسمية النظرية – بوفاة الملك طالما ظل  متحدا بكينونته الإلهية المطلقة ( الكا الملكية ) في عالمه الآخر . و هذه  الكا الملكية المرافقة للملك في منظر الصرح الأول لم تكن حكرا عليه وحده ،  بل هي تورث لمن سيأتي بعده ، فيتولى نفس المنصب و دون أن تبتعد أو تنفصل عن  الملك المصور على جدران الصرح الأول في الوقت ذاته !
3 – ظهرت الكا  الملكية وراء رمسيس الثالث مصورة على النحو التالي : وجود الصقر حورس –  راعي و رب الملكية القديم – الذي يقف على مجسم مستطيل الشكل متعارف عليه  بإسم السرخ ( واجهة القصر الملكي ) و بداخله نقرأ الإسم أو اللقب الحوري  للملك ( كا نخت عا ) بمعنى " حورس هو الثور القوي العظيم " .
إن تصوير  الكا الملكية بكل عناصرها السابقة كعنصر فني منفصل عن شخص الملك لا يعني  على الإطلاق عدم إندماج و إتحاد الملك بها ، بل إن العكس هو الصحيح ،  فالأمر لا يعدو سوى تأكيد الفنان على تمييز ذلك العنصر الديني الهام و  لإعتياد الفنان المصري القديم على إبراز كل مفردات المنظر كقاعدة فنية لا  غناء عنها في التصوير
و هنا يبرز تساؤل هام و مفيد : ما هو الهدف من إتحاد الملك بكائه الملكية عند ضرب أعداء مصر ؟
لا يتحد الملك بكائه الملكية إلا عند القيام بمهمة بالغة الأهمية و  الخطورة في ذات الوقت ، فهو يتحد بها في طقوس دينية معينة و لا تظهر مصورة  وراء الملك في جميع الحالات مما يعني أن تصويرها في حالات معينة يقتضي  أهميتها القصوى في المناظر التي تظهر فيها و لذا فإن جميع مناظر ضرب  الأعداء على صروح المعابد المصرية القديمة تقتضي تصوير الكا الملكية (  الذات الملكية الإلهية الموروثة من الأسلاف ) وراء الملك الحاكم حتى تكفل  النجاح التام للمهمة التي يقوم بها الملك و لاسيما عند ضرب الأعداء .  فالملك هنا لا يقوم بضرب الأعداء بصفته كحاكم مصر العليا و السفلى فقط و  لكنه يقضي عليهم بصفته متحدا بقدرة و قبس الأسلاف ( الكا الملكية )
4 –  نجد الإله رع حور آختي و هو يهب الملك سيف القتال المتعارف عليه بلفظ (  خبش ) حتى يقوم بذبح أعداء مصر أمامه و هو المنظر الذي تم تصويره على جدار  البرج الشمالي للصرح الأول لمعبد مدينة هابو . و إذا قمنا بتحليل هذا  المصطلح ( خبش ) ، سنجد أن له أكثر من معنى ، و أن جميع معاني هذه الكلمة  ترتبط ببعضها البعض ، فالمعنى الأول لهذا المصطلح هو ( السيف ) و المعنى  الثاني هو ( القوة ) و المعنى الثالث هو ( القربان ) و المعنى الرابع و  الأخير هو ( الأضحية ) ، فإذا ما نظرنا و تمعنا جيدا في هذه المعاني سنجد  أن ( السيف ) - وهو المعنى الأول – الأداة التي تتم بها ( التضحية ) – و هو  المعنى الرابع – بأعداء مصر . و لكي تتم هذه ( التضحية ) ، فالفعل نفسه  يحتاج إلى ( قوة ) الملك – و هو المعنى الثاني – و هو الذي يذبح أعداء مصر و  يقدمهم ( كقربان ) – و هو المعنى الثالث – للإله رع حور آختي .
بمعنى  أدق ، فإن هذا السيف يعبر عن مجموعة من المعاني الهامة التي ترتبط بعمل  الملك تتمثل في أن المعبود رع حور آختي يهب الملك القوة المتمثلة في السيف  حتى يضحي بأعداء مصر ، ثم نجد الملك و هو يقدم قربانا متمثلا في أعداء  الإله نفسه الذين يضحي بهم
5 – ينبغي لنا هنا أن نضع هذه القاعدة  العملية في إعتبارنا عند الحديث عن تنفيذ المناظر على جدران المعابد  المصرية القديمة و لاسيما في عصر الدولة الحديثة ، حيث كانت القاعدة  المتبعة عند نقش هذه المناظر ، تقتضي بالبدء في عمية النقش بداية من قدس  أقداس المعبد و حتى الوصول إلى صرح المعبد الأول ، مما يعني أن منظر إهلاك  الأعداء على صرح معبد هابو قد تم تنفيذه كواحد من أواخر المشاهد في المعبد و  هو يشير إلى أن زمن تنفيذه إما قد تم في العام الحادي عشر من حكم الملك  رمسيس الثالث أو في العام الثاني عشر من عهده و هي نفس السنة التي تم فيها  الإنتهاء من بناء المعبد .
6 – لماذا لم يصور الملك رمسيس الثالث أى  معركة من المعارك التاريخية التي قام بها في الأعوام الخامسة و الثامنة و  الحادية عشرة من حكمه و إكتفى بتصوير منظر تقليدي رمزي على جدران الصرح  الأول لمعبد هابو ؟ لماذا لم يقتدي بالملك رمسيس الثاني الذي قام بتصوير  مناظر معركة قادش الشهيرة على جدران الصروح الأولى للمعابد – كما في حالتي  الرمسيوم و الأقصر – و إستغنى عن المنظر التقليدي الرمزي الخاص بضرب  الأعداء ؟
إن مناظر معركة قادش التي صورت على صروح معابد رمسيس الثاني  كشفت عن أمر جديد و مستحدث و هو : تحويل مناظر المعارك العسكرية من معنى  ديني رمزي إلى معنى سياسي أيدولوجي يهدف إلى تأكيد إنتصار مشكوك في أمره  على أعدائه ، إلا أن ما تم في حالة رمسيس الثاني هو الإستثناء و ليس  القاعدة ، و من هنا يمكن القول بأن الملك رمسيس الثالث لم يقتدي في هذه  الحالة بالتحديد لما فعله رمسيس الثاني على صروح المعابد و عاد إلى تصوير  المنظر الديني التقليدي المتعارف عليه منذ عصر الملك نعرمر – آخر ملوك  الأسرة صفر – على الصرح الأول للمعبد كاشفا عن أمر هام : إن الإنتصار  الملكي الذي حققه الملك لا يقع في إطار تاريخي  و لا يرتبط بواقعة زمنية  مؤقتة ، بل هو نصر ملكي ثابت و دائم لا يرتبط بمكان أو زمان ، فهو إنتصار  يؤكد الحماية الأبدية لمصر في عالم الدنيا و العالم الآخر عن طريق الملك  الحاكم المتحد بكائه الملكية – ذاته الملكية – التي سبق و أن أشرنا إليها ،  و ذلك في مقابل المناظر العسكرية التي نقشها الفنانون على الجدران  الداخلية للمعبد و التي تكشف عن أحداث حقيقية تاريخية وقعت في عصره ،  فالفارق هنا بين الحالتين بارزا و ذو مغزى عميق .
7 – نلاحظ أن  الكتابات و النقوش المسجلة على الجزء السفلي من جدار الصرح تميزت بتغوير  عميق ، فهي نقوش ذات تغوير عميق لم نشاهدها من قبل عصر الملك رمسيس الثالث ،  و لعل ذلك ما دفع بعض علماء المصريات إلى صياغة رأي حول هذا الإبتكار  الجديد يتمثل في خشية الملك رمسيس الثالث من أن يلقى الصرح و المعبد بأكمله  مصير الآثار الملكية السابقة التي تم إغتصابها بسهولة من جانب بعض الملوك  الذين كانوا أحيانا ما يزيلون أسماء أسلافهم من آثارهم ثم يسجلون أسمائهم  عليها و من هنا تصبح طريقة النقش الغائر العميق التى إتبعها رمسيس الثالث  وسيلة ناجحة لحماية صرحه و معبده من أي محاولة إغتصاب حقيقية .
و لكن ما مدى صحة ذلك الرأي ؟
لا يتفق الدارس حول ما يعرف بفكرة إغتصاب آثار الإسلاف و التي سبق و أن  فندها في أكثر من دراسة سابقة و لكن يمكن القول بأن إغتصاب أي نص أو نقش –  إن تم فعليا – فهو في غاية السهولة ، مهما بلغت درجة التغوير العميق في  الجدار لأي نقش ، فبمجرد وضع طبقة من الجص لتغطية النقش ذاته ، أصبح ممكنا  إخفاء ملامح النقش القديم مهما كان ذلك النقش غائرا و ذلك هو ما حدث  بالتحديد على جزء بسيط من جدران البرج الشمالي لمعبد مدينة هابو ، فعندما  ننظرلجزء من القطاع السفلي لجدران البرج الشمالي نجد منظر منقوش بالكامل من  عصر الملك رمسيس السادس تم وضعه على طبقة من الجص فوق النقوش الغائرة  العميقة لنص الملك رمسيس الثالث ، و هو ما يدفعنا للبحث عن سبب آخر و هو  هدف عملي يتمثل في أنه عندما تسقط أشعة الشمس على جدار الصرح و على جدار  المعبد بأكمله ، فإن هذه الجدران – و نظرا لصنعها من الحجر الرملي – تلمع و  تتلألأ بقوة حيث أن كرستالات الحجر الرملي تلمع بقوة عند سقوط أشعة الشمس  عليها و لاسيما إذا كانت غائرة ، و عندما يلمع جدار الصرح بأكمله باللون  الأصفر أو باللون الأبيض المائل إلى الصفرة ، فإن هذه النقوش الغائرة  بألوانها المتعددة و المتلألأة بقوة و بالتالي يمكن قرائتها من مسافات  بعيدة و بمعنى أدق كلما زادت درجة تغوير النقش في الجدار ، كلما زادت درجة  وضوحه و تمييزه فأمكن قراءته من مسافات بعيدة .
8 – نلاحظ وجود مجموعة  من الآلهة المصورة حول مدخل الصرح الأول ، و تبين لنا أنها ذات الآلهة التي  تم تقديسها في المقاصير الداخلية للمعبد و التي تحيط بقدس الأقداس و بمعنى  أدق فإن هذه المعبودات المصورة حول مدخل الصرح هي آلهة معبد تخليد الذكرى  للملك رمسيس الثالث في مدينة هابو و التي تحيط بآمون رع رب المعبد الرئيسي ،  فما هو الهدف من تصويرها ؟
يعتقد البعض أن الهدف من ذلك هو الإخبار و  الإعلان عن آلهة المعبد الرئيسية لعامة الشعب الذي لم يكن لديه الحق في  دخول المعبد نفسه ، فيصبح لديه الحق لكي يتعرف على معبودات المعبد من خلال  تصويرها حول مدخل الصرح الأول و هو ما لايتفق معه الدارس نظرا لمخالفة ذلك  الرأى لحقائق هامة : هل وضع كهنة المعبد في خطتهم أن يقوموا بتعريف عامة  الشعب لآلهتها و طقوسها فقاموا بتصويرها لهم حول مدخل الصرح ؟ هل من  المطلوب من عامة الشعب ذو الثقافة المتواضعة أن يتعرف على آلهة المعبد ؟ هل  عامة الشعب كان لديه الحق للدخول عند مداخل صروح معابد تخليد الذكرى ؟ و  ما هو الهدف من وقوفهم عند تلك المداخل ؟
لا يهم عامة الشعب المصري من المعابد المصرية القديمة سوى ممارسة ظاهرة الورع الشعبي عند بوابات – و ليس مداخل الصروح – المعابد الكبرى و التي كان يتم فيها وضع تماثيل الملوك و الآلهة بغرض عمل ظاهرة الوحي الإلهي و طلب المشورة و العون من المعبودات و الملوك من خلال تماثيلهم . و لذا فإن تصوير هذه المعبودات عند مدخل الصرح لا ينبغي تفسيره بمعزل عن الصرح بأكمله . فكما سبق و أن أشرنا أن البرج الشمالي للصرح و المصور عليه المعبود رع حور آختي – رب عين شمس - يجسد الشمال الجغرافي لمصر ، بينما يحتوي البرج الجنوبي للصرح على صورة آمون رع – رب طيبة – الذي يجسد الجنوب الجغرافي لمصر ، مما يعني أن كلا البرجين يمثلان عالم مصر بأكمله و الذي يقوم الملك بحمايته من الأعداء و يقدم القرابين لآلهة لمصر الرئيسية التي تتمركز في قلب هذا العالم ( و التي تم تصويرها عند مدخل الصرح لكي تتوسط عالم مصر المقدس )

هناك تعليقان (2):

  1. لو سمحت أنا درست إن في نقوش مصور فيها الملك رمسيس الثالث في وضع المومياء الغير كاملة وضامم أيده في الوضع الاوزيري لكن الجزاء الاسف غير ملفوف بالكتان والقدمين مفتوحينوتماما عكس وضع المومياء و يرتدي النقبة الملكية حاولت أدور كتير عن معلومات عن الموضوع داه لكن موصلتش لأي حاجة ف أرجو أن أي حد يفدني في الوضوع داه وله جزيل الشكر

    ردحذف