الخميس، 20 يونيو 2013

مقال علمي موجز عن قناع ( نخن )


بسم الله الرحمن الرحيم 


مقال علمي موجز عن قناع ( نخن )



- مرفق بالمقال منظر للقناع ...... يبلغ طول هذا القناع 25 سم - من الفخار - عثر عليه في هيراكونبوليس ( نخن ) - في المتحف المصري بالقاهرة في الدور الثاني بجوار صالة المومياوات الحيوانية ..... تعد الأقنعة من أهم موضوعات الفن التي عبرت عن وجود ( فكر ديني جمعي ) في عصور ما قبل التاريخ . و لم يكن ظهور الأقنعة أمرا جديدا في حضارات ما قبل التاريخ في العالم ، فقد ظهرت أقدم تمثيلاتها الفنية منذ العصر الحجري القديم الأعلى في أوروبا في كهفي لاسكو و الإخوة الثلاثة و كانت أقنعة على هيئة حيوانية . في عام 1998 عثر على قناع في جبانة ( النخبة ) في موقع المقبرة رقم : ( 18- hk 6 ) في وادي أبو سفيان في هيراكونبوليس ( نخن ) . كما تم العثور على جزء لقناع آخر في مقبرة أخرى و هي : ( hk 6 - 16 ) . و يعد هذان القناعان هما الوحيدان المعروفان من ما قبل التاريخ في مصر . 
نشأ جدل بين علماء ما قبل التاريخ في مصر حول تأريخ هذين القناعين . هناك من يرجح نسبتهما لبداية عصر نقادة الثالثة ( آخر مراحل عصور ما قبل الأسرات في مصر و تبدأ منذ 3300 ق.م ) لأسباب أسلوبية تمثيلية فنية ( نمط فني مميز لعصر نقادة الثالثة ) . و هناك من يرى أن القناعين يرجعان لعصر نقادة الثانية ( المرحلة الثانية لعصور ما قبل الأسرات و تبدأ منذ حوالي 3600 ق.م ) مقارنة بأعمال فن مختلفة تحمل تشابهات فنية شكلية مع هذين لقناعين و هو ما يتفق مع تأريخ المقبرة رقم : hk 6 - 18 التي تنسب لعصر نقادة الثانية و يحتمل أن القناع الذي نتحدث عنه كان جزء من الأثاث الجنائزي للمقبرة نفسها ، و ربما إستخدم في طقس إلى جوار القبر قبل إلقاءه بجوار المتوفى . هنا ينبغي لنا أن نشير لمجموعة من الحقائق الهامة تتمثل فيما يلي : 
1 - إستخدم الفنان الفخار المخلوط بالقش في تشكيل قناعي هيراكونبوليس و لم يكن ذلك الأمر غريبا نظرا لأن خبرة الفنان هنا بخصائص الفخار كانت قد تجاوزت حدود إستخدامه في عمل الأواني إلى تشكيل بعض أعمال النحت المجسم و لهذا السبب تبلورت و نضجت خبرة الفنان في نهاية عصر نقادة الثانية الذي تمكن من تحقيق تقوس في القناع ليناسب الوضع على الوجه البشري بإنسيابية . 
2 - إتخذ القناع شكلا بيضاويا طويلا نظرا لإتساع الجبهة و تراجعها للخلف و بروز الذقن . و يلاحظ كذلك أنه تم عمل ثقب على جانبي القناع خلف الأذنين عند الحافة الخلفية السفلى و بناءا على ذلك يمكن تصور أن القناع كان يركب على وجه إنسان و يتم ربطه من الخلف . 
3 - من جانب آخر يشير سمك و وزن القناع و شكله إلى عدم إمكانية تثبيته على رأس المتوفى المسجي على جانبه بسهولة و ربما إرتداه مستخدمه ( صاحبه ) في إحتفال ديني أو طقسي بجوار قبره ؟ 
4 - عثر على خصلة شعر آدمي مجدول جانب القناع مما يشير إلى تثبيت الشعر في القناع بوسيلة ما ، فقد عرف الفنان فكرة تثبيت الشعر المستعار على التماثيل الآدمية من عصور ما قبل الأسرات في مصر بل و منذ العصر الحجري الحديث ( مثال : رأس مرمدة بني سلامة في المتحف المصري بالقاهرة ) 
5 - أطال الفنان منطقة الذقن في القناع بما يعكس وجود لحية طويلة مدببة و يذكرنا ذلك بأعمال نحت تمثل رؤوس بلحية مماثلة تميزت بها بعض التماثيل الحجرية ( مثال تمثال الإله مين في المتحف المصري و يرجع لعصر نقادة الثالثة ) 
6 - تم إعتبار هذه الذقن المدببة تعبيرا عن اللحية كملمح ثانوي يعبر عن الذكورة إلا أن بروز الذقن في في فن ما قبل الأسرات في مصر لا يكفي وحده دليلا على تمثيل الذكر ، فقد إقترنت بعض الرؤوس ذوات الذقن المدببة بتصوير النساء و الرجال على السواء في عصر نقادة الثانية ، إلا أن تمثيل اللحية بلون أحمر جعل البعض من الباحثين يقطع بنسبة القناع إلى ذكر لا إلى أنثى ؟ 
7 - على الرغم من المبالغة في تمثيل العينين إلا أن ذلك لا يحول دون الرؤية عبر فتحتيهما و قد أشير إلى الفم المفتوح بلون أحمر أرجواني و ظهرت الشفتان ببروز خفيف كما يلاحظ أن الأنف في قناع نخن يتشابه مع مع أنف النسر 
8 - جدير بالذكر أن الفنان هنا إهتم بتمثيل فتحتي الأنف اللتين أهمل الفنان عادة تمثيلهما في التماثيل الآدمية في مصر في عصور ما قبل التاريخ كما إهتم الفنان هنا بتحديد الحاجبين مثلما هو الحال دائما في فن ما قبل الأسرات في مصر و إن ظهرا هنا في موضع أعلى من موضعهما الطبيعي . 
هناك تساؤل هام : إلى ماذا يشير هذا القناع ؟ ... إن أعمال الفن هنا لا يمكن فهمها في إطار ثقافة غير كتابية إلا من خلال موضع العثور عليه و معطيات الثقافة التي ينتمي إليها و بمعنى أدق السعي وراء فهم العمل الفني من خلال معطيات الزمان و المكان . 
القناع هو تجسيد للرأس الإنسانية الذي اسندت إليه وظيفة خاصة ( كجزء يعبر عن كل ) و ( لتحديد الماهية في عالم الفن ) و في ظل معتقدات إتصلت بعالم الروج و بوجود عالم آخر موازي لعالم الدنيا منذ العصر الحجري القديم الأوسط ( و يبدأ هذا العصر في مصر منذ 90000 قبل الميلاد ) في العالم بأكمله حيث يرجح أن إنسان نياندرتال إعتبر الرأس مقرا للروح و من هنا أعطى عناية خاصة بحماية الرأس بل و توجيهها في حفرة الدفن ناحية إتجاه معين . 
حظى رأس الإنسان في مصر في دفنات عصور ما قبل التاريخ بأهمية يستدل عليها من خلال توجيهه بل و رعايته بشكل ظاهر و واضح و ينبغي أن نتذكر في هذا السياق رأس مرمدة بني سلامة منذ العصر الحجري الحديث كأحد أقدم أعمال النحت المجسم في مصر . كما يتبين في العصور التاريخية أن الرأس هو ذلك الجزء من جسد المتوفى الذي ينبغي إتصاله بالجسد كما ظهر في متون الأهرام منذ عصر الدولة القديمة حتى يتحقق البعث . 
يتبين لنا مما تقدم أن قناعي نخن ربما كانا من الأثاث الجنائزي للمقبرة و ربما إستخدما من جانب كهنة في طقس جنائزي تم تأديته بجوار المقبرة قبل إلقائهما بجوار المتوفى و هنا يرتبط القناع بمفهوم ( الفكر الديني الجمعي ) حيث أن جثمان المتوفى لم يقم بطقوس دفنه بل قام بها آخرون ( جماعة ) و وضعوا هذا القناع ( الذي كان رمز ديني مشترك يدل على معنى متفق عليه بين أفراد الجماعة ) بجواره . 
هناك تساؤلات أخرى هامة : هل هذا القناع - نظرا لندرته الشديدة - يدل على وجود كاهن أم زعيم يمتلك الحق في تمثيل جماعته في نخن بإقامته للشعائر الدينية ؟ هل هذا القناع يشير إلى ما تم التعارف عليه في العصور التاريخية بلفظ " أرواح نخن " الذين ظهروا بأقنعة حيوانية منذ بداية العصور التاريخية و كانوا يشيرون إلى زعمائهم من الأسلاف الذين حكموا مصر العليا و إتخذوا من نخن عاصمة أسطورية للصعيد في عصور ما قبل الأسرات ؟ لاحظ أن شكل ملامح القناع تقترب من الهيئة الحيوانية أكثر من الهيئة الآدمية ... هل صاحب القناع هو أحد زعماء نخن في عصر نقادة الثانية ؟

هناك تعليقان (2):

  1. مقال جيد.
    كرماً تزويدنا بمصادرك العلمية في هذا المقال.

    ردحذف
  2. ربنا يرحمك يا دكتور أحمد و يجعل هذا العلم جبل من الحسنات في ميزان حسناتك

    ردحذف