الخميس، 20 يونيو 2013

أضواء جديدة على قيام الوحدة السياسية بين الجنوب و الشمال و نشأة الملكية المصرية - الجزء الأول

أضواء جديدة على قيام الوحدة السياسية بين الجنوب و الشمال و نشأة الملكية المصرية - الجزء الأول


لاريب أن قضية التوحيد السياسي فرضت نفسها
بقوة في علم المصريات و علم عصور ما قبل التاريخ في مصر منذ أوائل القرن العشرين و
حتى هذه اللحظة ، فاتجهت آراء الباحثين في باديء الأمر في طرح و صياغة نظرية تمثلت
في وجود ملك أطلقت عليه المصادر المصرية القديمة إسم ( مينا ) أو ( مني ) في نهاية
العصر الإنتقال الثاني في بردية تورين ( آخر النتائج التي نشرت حول تأريخ بردية
تورين أثبتت أنها ترجع لنهاية عصر الإنتقال الثاني و ليس عصر الرعامسة ) و قوائم
الملوك التي ترجع لعصر الدولة الحديثة مع الوضع في الإعتبار خلو الآثار المصرية من
هذا الإسم خلال فترة التوحيد السياسي أو ما تعارف عليه الباحثون بالأسرة صفر (
يتفق الدارس مع علماء المصريات الفرنسيين الذين لم يتقبلوا تسمية هذه الفترة بلفظ
الأسرة فحتى الآن لا يوجد دليل قاطع على إنحدارهم بأكملهم من بيت ملكي واحد ) و
خلال العصر العتيق و الدولة القديمة و الدولة الوسطى ، فإسم الملك ( مينا ) هو إسم
مبتكر من جانب كهنة مصر خلال فترة متأخرة من الحضارة المصرية القديمة . ثم تحدثت
المصادر المصرية في العصر المتأخر عن قيام أول ملوك مصر ( مينا – ذي المنشأ
الجنوبي ) بتأسيس مدينة ( منف ) في الشمال و إتخاذها كعاصمة للمملكة مصر الموحدة و
التي كانت تنقسم في باديء الأمر إلى مملكتين واحدة في الجنوب و الأخرى في الشمال (
قام الدارس بتفنيد هذه الفكرة في أكثر من مقال سابق – أنظر مقال دور التفاعل
الحضاري بين زعماء الجنوب و الشمال و أثره في قيام المملكة المصرية ) . ثم ظهرت
نظرية أخرى تحدثت عن أن الدولة المصرية نشأت بفضل أيدولوجيا دينية و سياسية نادت
بأن من يحكم مصر هو ملك إله أو ملك منحدر من أصل إلهي أي هو صورة الإله على الأرض
و لذلك لكي يحفظ النظام في البلاد و إحتاجت السلطة الملكية لهذه الأيدولوجيا لكي
تخفي منشأ الملك الجنوبي و الذي إحتل أرض الشمال . و لكن و من خلال إستعراض ما ظهر
من نتائج في هذه الدراسة يبدو لنا أن عملية توحيد البلاد سياسيا هي أعقد مما و ضعه
التقليد المصري الأسطوري القديم في العصور التاريخية ، فهي عملية متعددة الخطوط
السياسية و الدينية و الإقتصادية عبر مراحل الزمنية إستغرقت فترة طويلة ( للإطلاع
على التفاصيل أنظر المقال السابق بعنوان دور التفاعل الحضاري بين زعماء الجنوب و
الشمال و أثره في قيام المملكة المصرية منشور على جميع الجروبات في قسم الملفات )
كما أنها لم تكن حدث تم في فترة زمنية واحدة و لم تكن نتاج مجهود لملك واحد .
ظهر على رسوم الفخار منذ عصر نقادة الثانية (
المرحلة الثانية لعصور ما قبل الأسرات و تبدأ زمنيا بحوالي 3600 ق.م و تنتهي عند
3300 ق.م تقريبا ) مراكز و ممالك سياسية صغرى إنتشرت في الجنوب و الشمال و تعرفنا
عليها من خلال ألوية المعبودات التي تم تصويرها على المراكب و التي أشارت إلى
زيادة الملاحة النهرية بين الوادي و الدلتا مما ينم عن وجود تبادل تجاري قوي بين
الجنوب و الشمال . و لذا ينبغي لنا هنا أن نؤكد على هذا الأمر التالي : أن التجارة
هنا لا تنقل فقط الأدوات و المنتجات بل تنقل معها الأفكار و المعتقدات الدينية .
كما إرتبط عصر نقادة الثانية من ناحية أخرى بتطور بارز في تقنية صناعة الأدوات
الحجرية التي بلغت حدا من الرقي الفني لم تشهده البلاد من قبل فضلا عن التقدم في
صناعة أواني الفخار و تطور بناء المساكن و ظهور تقنية البناء بالطوب اللبن و تحول
بعض المساكن من الشكل الدائري أو البضاوي إلى الشكل المستطيل بعد أن تمكن أصحابها
من تحويل الكتل اللبنية الغير منتظمة إلى طوب لبن ذي أبعاد هندسية مستطيلة منتظمة
و ظهور مقابض السكاكين القليلة العدد عند بعض الأفراد و دون الكثير من غيرهم الأمر
الذي يدل على هذه الحقيقة : 
بداية ظهور طبقة نخبة سياسية و إجتماعية
مميزة منذ عصر نقادة الثانية على أقل تقدير سيطرت على مواد و منتجات و مصادر معينة
في طول البلاد و عرضها شمالا و جنوبا . 
إن رسوم الفخار في عصر نقادة الثانية فضلا عن
وجود آثار للجنوب في الشمال و آثار للشمال في الجنوب كشفت عن محاولات زعماء
المراكز السياسية الكبرى في مصر للسيطرة على طرق التجارة الطويلة بين النوبة
السفلى و مصر العليا و مصر السفلى و جنوب بلاد الشام و أنهم كانوا على صلات تجارية
متبادلة مع بعضهم البعض . فعلى سبيل المثال وجدت حضارة المعادي كواحدة من كبرى
المراكز السياسية و الدينية التي ترجع لعصر نقادة الأولى ( المرحلة الأولى لعصور
ما قبل الأسرات و تبدأ زمنيا من 3900 ق.م و حتى 3600 ) و النصف الأول من عصر نقادة
الثانية ( منذ 3600 ق.م و حتى 3450 ق.م ) حيث إكتشف فيها مجموعة من الآثار الهامة
دلت على وجود الحقائق التالية :
1 – عثر فيها على أدوات و سبائك كاملة من
النحاس مما يجعلنا نتفق مع الرأي القائل بوضع هذه الحضارة في ( بداية العصر الحجري
النحاسي في مصر ) و هو هنا بمثابة ( بداية لعصور ما قبل الأسرات ) في الشمال و لذا
من الممكن أن نؤرخ لبداية هذه الحضارة منذ الأف الرابع قبل الميلاد ( 4000 ق.م ) و
ذلك إذا وضعنا في الإعتبار وجود منتجات من النحاس في حضارة ( البداري ) في أسيوط
تم تأريخها أيضا بالألف الرابع قبل الميلاد ( 4000 ق.م ) و لذا عرفت بإسم ( حضارة
البداري النحاسية ) و هو ما يعني أن بداية المعادي في الشمال عاصرت تقريبا البداية
الزمنية للحضارة البدارية في الجنوب .
2 – لم يستخرج النحاس
بهذه الكميات الكبيرة في أي منطقة تعدين لا في الجنوب و لا في الشمال فلا دليل على
إستخراج النحاس من الصحراء الشرقية و لا شبه جزيرة سيناء في تلك الفترة الأمر الذي
يرجح إستيراده و بكميات كبيرة من جنوب بلاد الشام التي عرفت كيفية إستخرج النحاس
قبل مصر بفترة زمنية طويلة حيث يبدأ العصر الحجري النحاسي هناك بالأف الخامس قبل
الميلاد ( 5000 ق.م ) 
3 - وجود دفنات حمير متعددة بشكل لافت للنظر
في المعادي إستخدمت غالبا لنقل المنتجات و البضائع التجارية من جنوب الشام و حتى
المعادي من خلال قوافل تجارية إنطلقت من هناك . و رغم أن الحمار ظهر في مصر منذ
العصر الحجري القديم الأعلى ( في رسوم القرطة في كوم أمبو و تؤرخ بداياتها بالأف
الرابع عشر قبل الميلاد 14000 ق.م ) إلا نوعية الحمار الذي ظهر في تلك الفترة
يختلف عن نوعية الحمار الذي ظهر في المعادي ، فحمار العصر الحجري القديم هو الحمار
الوحشي الذي إنقرض من مصر مع تغير الظروف المناخية في بداية العصر الحجري الحديث (
يبدأ في الدلتا بالأف السادس قبل الميلاد 6000 ق.م – و يبدأ في الصعيد بالأف
الخامس قبل الميلاد 5000 ق.م ) و هو ما يفسر لنا خلو الآثار المصرية تماما من شكل
الحمار طوال العصر الحجري الحديث إلى ظهور الحمار المستأنس و بكميات كبيرة في
المعادي . 
4 – إعتبر ت المعادي قنطرة أو حلقة وصل بين
تجارة النحاس في جنوب الشام و البداري في مصر العليا و هو ما يفسر لنا سبب قلة
النحاس في البداري لكونه مركز ثانوي في إستيراد النحاس و يبتعد مكانيا عن المركز
الرئيسي المستورد له في الشمال و هو حضارة المعادي . 
5 – إن التجار الذين قاموا بإستيراد النحاس
من جنوب الشام إستقروا في المعادي و الدليل : ظهور طراز من المساكن لم تعرفها مصر
خلال العصر الحجري الحديث و خلال عصور ما قبل الأسرات و يتمثل في عمل خنادق أو
كهوف تحت الأرض و هو طراز عمارة مدنية كان منتشرا في جنوب بلاد الشام منذ العصر
الحجري الوسيط و الذي يبدأ منذ الأف العاشر قبل الميلاد هناك ( 10000 ق.م ) و كان
هذا الطراز المعماري السكني منتشرا في المعادي و لم يظهر في أي مركز حضاري آخر لا
في الجنوب و لا في الشمال كما لم يظهر في أي فترة زمنية لاحقة من تاريخ الحضارة
المصرية القديمة . 
من جانب آخر ظهرت كذلك دلائل لوجود تبادل
تجاري بين مصر العليا و جنوب بلاد الشام منذ عصر نقادة الثانية حيث ظهر الفخار ذي
المقابض المتموجة و الذي كان صناعة مصرية جنوبية ( من مصر العليا ) في جنوب الشام
و هو ما يدل على إنتقال هذا الفخار من : 1 – الجنوب 2 – إلى مراكز الشمال في مصر
السفلى 3 – و أخيرا جنوب الشام ، و لذا إعتبرت مراكز الشمال حلقة وصل لنقل منتجات
الفخار من جنوب مصر و حتى جنوب الشام . 
لا يفوتنا في هذا الصدد أن نذكر كذلك وجود
أواني حجرية مستوردة من جنوب الشام عثر عليها في مقابر زعماء مدينة بوتو كأثاث
جنائزي و تنتمي زمنيا لبداية عصر نقادة الثالثة ( الذي يبدأ زمنيا بحوالي 3300 ق.م
و هي المرحلة الزنية الأخيرة لعصور ما قبل الأسرات في مصر ) الأمر الذي يؤكد على
بروز هذه المدينة كواحدة من أكبر المراكز السياسية و الحضارية في شمال مصر .
إهتم زعماء و كبار القوم في وادي النيل ( مصر
العليا ) و الدلتا ( مصر السفلى ) منذ عصر نقادة الثانية على أقل تقدير بإحكام
السيطرة على هذه الشبكة التجارية فيما بينهم من خلال التبادل التجاري و عن طريق
وضع اليد و بشكل مباشر على طرق التجارة القصيرة و الطويلة فكان هناك سعيا متواصلا
لإمتلاك المواد الخام التي لم تكن متوافرة لا في الجنوب و لا في الشمال مثل :
النحاس ( المتمثل في سبائكه ) و أخشاب الأرز التي إستوردت من جبيل في لبنان و عثر
عليها في مقابر زعماء الجنوب و بعض الأواني فائقة الجودة التي إستوردت من جنوب
الشام و أحجار كريمة مثل اللازورد حيث عثر عليه في مقابر زعماء مدينة نقادة في
الجنوب منذ عصر نقادة الثانية و لا يمكن أن يأتي إلا من خلال : 1 – مركز تجاري في
شمال بلاد الرافدين 2 – قام ذلك المركز بنقله إلى مركز تجاري آخر في شمال بلاد
الشام 3 - ثم قام هذا المركز الأخير بنقله إلى مركز تجاري في الشام 4 – ثم إنتقل
إلى مركز تجاري في شمال سيناء 5 – ثم إنتقل إلى شمال مصر ( مصر السفلى ) 6 – ثم
جاء أخيرا إلى منطقة نقادة في الجنوب ، و هو ما يعني وجود شبكة تجارية ضخمة في
عصور ما قبل الأسرات تكونت من عدد من المراكز التجارية التي نقلت مواد و مصادر و
أدوات التجارة من مركز لآخر . فضلا عن ذلك وجدت منتجات مجلوبة من الصحراء الشرقية
في مقابر زعماء الجنوب كالذهب و الفضة و ربما كانت الصحراء هنا وسيط تجاري بين
النوبة السفلى حيث و جدت بها أيضا تلك المنتجات و بين مصر العليا و لاسيما و أننا
عثرنا على بخور و جلود فهود و عاج في مقابر زعماء الجنوب و التي تم إستيرادها حتما
من النوبة السفلى . 
إن أهم الإكتشافات الأثرية التي وجدت في
مدينة نقادة في الجنوب هو مادة الأوبسيديان و الذي لم يكن متوفرا إلا في بلاد
الأناضول حيث تم إكتشافها في تلك المدينة منذ عصر نقادة الثانية في مقابر زعمائها
الأمر الذي يعني إنتقال هذه المادة من خلال المراكز التجارية التالية : 1 – جنوب
الأناضول 2 – شمال بلاد الشام 3 – جنوب بلاد الشام 4 – شمال شبه جزيرة سيناء 5 –
المراكز الشمالية في مصر السفلى 6 – و أخيرا مدينة نقادة في الجنوب . 
زاد إهتمام الزعماء و كبار النخبة السياسية
خلال عصر الأسرة صفر و الأسرة الأولى ( و كلاهما ينتمي زمنيا لحضارة نقادة الثالثة
– لمراجعة ذلك أنظر المقال السابق بعنوان دور التفاعل الحضاري بين زعماء الجنوب و
الشمال و أثره في قيام المملكة المصرية ) بالتبادل التجاري الخارجي حيث سعوا
لإحكام قبضتهم على التجارة الإقليمية و لاسيما في مدينة بوتو حيث عثر فيها على
واحدة من أقدم العلامات التصويرية الكتابية التي عبرت في شكل كتابي بسيط عن (
إبحار مراكب خرجت من بوتو و سارت بمحازاة ساحل البحر الأبيض المتوسط ) و ذلك
لإستيراد أخشاب الأرز من جبيل في لبنان حيث تم إستخدامه جزئيا في تشييد بعض عناصر
مقابر النخبة السياسية في بوتو منذ الأسرة صفر و الأسرة الأولى بل و مقابر ملوك
الأسرة صفر في أبيدوس ( حيث تم العثور على بقايا خشب الأرز في مقبرة العقرب في
أبيدوس ) فضلا عن تشييد بعض العناصر المعمارية الدينية من هذه الأخشاب في المعابد
المصرية القديمة و لاسيما الأبواب الخاصة بتلك المعابد أو أكتافها . 
و من هنا يمكن وضع الطرح التالي : أن
المنتجات المستوردة بإسم السلطة الملكية في أبيدوس خلال عصري الأسرة صفر و الأولى
كان يعاد توزيعها على النخبة السياسية في مصر ( زعماء المدن و الأقاليم الأخرى ) و
كان نصيب الأسد في هذا التوزيع يخص من وقع على عاتقه إحضار هذه المنتجات بشكل
مباشر ( مثل أخشاب الأرز في بوتو ) حيث تقوم المدينة الشمالية بإستيراد المنتج من
جنوب الشام و تسلمه إلى جنوب مصر حيث الزعامة الكبرى ثم تعود هذه الزعامة لإعادة
توزيع ذلك المنتج على النخبة السياسية في مصر مع الوضع في الإعتبار أن الأولوية
ستكون لزعيم المدينة الذي باشر بنفسه عملية إحضار ذلك المنتج . و ما يرجح ذلك
الطرح السابق هو وجود منتجات أجنبية في مقابر كبار الأفراد و النخبة السياسية في
جبانة سقارة خلال عصر الأسرات ( صفر و الأولى و الثانية ) حيث باشر زعماء منف
المحليين بأنفسهم على التجارة الخارجية بشكل مباشر مما أدى لوجود نصيب الأسد من
هذه المواد التجاري في مقابرهم بل و قاموا بمنح بعض هذه المنتجات التجارية لصغار
الموظفين الذين دفنوا في جبانة حلوان ( شرق منف ) مما يشير إلى تعميم الفائدة
التجارية و الإقتصادية و تحديدا في منف على السكان الذين عاشوا في تلك المدينة
الكبرى و هو أمر لم نشهده في مقابر صغار الموظفين في أي مدينة مصرية أخرى معاصرة
زمنيا لها و هو ما يجعلنا نرجح الحقيقة التالية و هي : أن منف كانت أكبر مركز
تجاري خلال عصر الأسرات ( صفر و الأولى و الثانية ) و أغنى مدينة في مصر من
الناحية الإقتصادية . 
و لعل أهم المقابر التي دلت على وجود مثل هذه
السيطرة التجارية على طرق التجارة الطويلة هي مقبرة الزعيم أو الملك ( العقرب ) –
و هو الملك قبل الأخير في عصر الأسرة صفر و تؤرخ هذه المقبرة بحوالي 3030 ق.م و
ترجع للنصف الأول لعصر نقادة الثالثة أو نهاية عصور ما قبل الأسرات - في أبيدوس و
التي إحتوت على بطاقات عاجية متعددة سجلت عليها علامات تصويرية لحيوانات و رموز
مقدسة كانت بمثابة أسماء لمعبودات الجنوب و الشمال . و هنا يجب علينا أن نشير إلى
مجموعة من الحقائق الهامة عند الحديث عن مقبرة العقرب و هي : 
1 – لم تكن معظم هذه العلامات التصويرية
المكتشفة على البطاقات العاجية و الأواني الفخارية و الحجرية تدل على قيم صوتية ،
فهي علامات تختلف تماما عن شكل العلامات التصويرية التي بدأت في الظهور و بشكل
بسيط منذ عصر نعرمر أي أنها تختلف عن شكل الكتابة المصرية المعروفة خلال بداية عصر
الأسرات المبكر و التي تطورت فيما بعد في عصر الدولة القديمة . 
2 – كشفت بعض هذه العلامات التصويرية عن
أشكال لمعبودات في الجنوب و الشمال كما دلت من جانب آخر على أسماء منتجات تجارية و
ذلك بتصويرها بشكل مباشر و بما تدل عليه في هيئة مباشرة في عالم الطبيعة . 
3 – تركز هذه المنتجات التجارية و بكميات
كبيرة جدا في مقبرة العقرب في أبيدوس و بشكل لم تنافسه فيه أي مقبرة في الجنوب أو
في الشمال يدل على وجود مركز إداري ملكي في أبيدوس أغنى و أقوى من المراكز
السياسية الأخرى في الجنوب و الشمال . 
4 – تم إكتشاف أواني حجرية مستوردة من جنوب
الشام في مقبرة العقرب الأمر الذي يعكس وصولها إلى هناك من خلال وساطة تجارية
تمثلت عمليا في سلطة زعماء المراكز و الممالك السياسية الكبرى في الدلتا و لاسيما
بوتو التي أشرفت على إحضار تلك المنتجات بل و إستفادت منها حيث عثر عليها في مقابر
زعماء بوتو في الشمال و هو ما يرجح : عدم وجود قناة إتصال مباشر بين السلطة
الملكية في مصر العليا و بين جنوب الشام إلا من خلال الوساطة التجارية عبر الشمال
و هو ما يؤكد أن هذه المراكز الشمالية لم تفقد أهميتها السياسية أو الحضارية حتى
بعد وجود زعامة ملكية كبرى في أبيدوس . 
5 – يدل ما سبق أن التحكم في مصادر الإنتاج و
السيطرة على الطرق التجارية الخارجية الطويلة كان أحد العوامل البارزة في قيام و
نشأة سلطة ملكية إعتمدت في عملها التجاري على نخبة سياسية من زعماء الجنوب و
الشمال و ذلك لتحقيق أهدافها في مقابل منح هذه النخبة جزءا من العطايا و الهبات و
المنح الملكية .
 و من
جانب آخر نشير هنا إلى أحد أهم الألقاب التي عبرت عن أهمية التجارة بالنسبة
للملكية المصرية القديمة هو لقب – حامل الختم الملكي – و الذي ظهر صراحة و بشكل
مباشر منذ بداية عصر الأسرة الأولى ، فهو لقب إداري و تجاري يدل على أن صاحبه كان
المشرف الأول على التجارة الخارجية و الداخلية و المفوض بإسم الملك للقيام بهذه
المهمة . و مما هو جدير بالملاحظة أن عدد كبير من الأختام الملكية تم العثور عليها
في مقابر في جبانة طرخان ( 40 كم جنوب منف ) و مقابر جبانة حلوان هناك و تؤرخ بعصر
الأسرة صفر مما يكشف عن وجود أكثر من مشرف على التجارة الخارجية و الداخلية خلال
عصر الأسرة صفر و الذين كانوا مفوضين لممارسوا هذه التجارة بأسماء زعماء مملكة
أبيدوس الكبرى في الجنوب و كانوا مستقرين في منطقتين : مدينة حلوان ( الحد الشمالي
الشرقي لمنف ) و مدينة طرخان ( الحد الجنوبي لإقليم منف ) . و إلى هنا يكتفي
الدارس بما عرضه من أطروحات في دراسته و ينتهي الجزء الأول لهذا المقال و يليه في
وقت لاحق الجزء الثاني بإذن الله        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق