بسم الله الرحمن الرحيم
( المغزى الدينى من موت المعبود آتوم ) ........................................................................................................................
...هل نال قدر الموت من المعبود آتوم ؟ .... من المعطيات الفكرية الكلاسيكية فى الديانة المصرية القديمة أن المعبود آتوم هو الرب الأزلي القديم فى نظرية إيونو ( عين شمس ) و السلف الأقدم للتاسوع و الذي شاع إعتقاد عن دفنه فى إهناسيا ( هيراكليوبوليس ) خلال عصر الدولة الوسطى بالتحديد ، حيث نسب إليه على أرضها ضريح أو مقبرة وصفت بأنها كهف الدفن و مكان الراحة لآتوم العظيم و ذلك على إحدى موائد القربان التى وهبها أحد المتعبدين لمقبرته المزعومة هناك . إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه هو : لماذا كانت مقبرة الإله آتوم بالتحديد فى منطقة إهناسيا طبقا لما ورد فى متون التوابيت خلال عصر الوسطى ؟
1 - تمكن حكام إهناسيا خلال عصر الإنتقال الأول - و هو العصر الذي شهد ظهور و كتابة متون التوابيت لأول مرة - من السيطرة على جزء كبير من البلاد و زعموا لأنفسهم ملكية القطرين و إعتبروا أنفسهم الخلفاء الشرعيين لملوك منف ، و جعلوا من أنفسهم ممثلي المعبود آتوم عندما تجلى على التل الأزلى لأول مرة فقام بخلق العالم و قضى على الفوضى و هو المفهوم الذي تبلور فى عصر الدولة الوسطى بشكل واضح . و كان ذلك الظهور الأول على تل إهناسيا الأزلى و هو مقر عرش حكام إهناسيا ، كما أن دفن آتوم فى إهناسيا يعنى صراحة أنهم يخلفونه على العرش الأرضي المصري ، و بالتالي فقد دفن آتوم حيث يتواصل دور خلفائه و ممثليه من بعده فى ذات المكان الذي ظهر فيه لأول مرة و دفن فيه
2 - يرتبط هذا الإعتبار بالربط بين الدور الأزلى الأشهر لآتوم كرب خالق و دور الخصوبة لدى المعبود ( حري شا إف ) بمعنى القائم على بحيرته و هو رب الخصوبة فى إهناسيا و ذلك يعتبر مثالا واضحا على معتقدات المصريين القدماء فى المزج بين بين مفاهيم الأزلية و الخصوبة و فعالية الخلق لدى أربابهم بشكل عام
و لعلنا هنا نطرح التساؤل مرة أخرى : هل يعنى ذلك غياب الدور الفاعل للمعبود آتوم فى عالم الأرض عند الإعلان عن موته و دفنه فى ضريح ؟ ...... و قبل الرد على ذلك التساؤل ينبغى لنا أن ندرك حقيقة هامة و هى : أن المعبود آتوم إقترن صراحة بالإله أوزير - رب الموتى و العالم السفلي - فى عصر الدولة الحديثة بوصفه المجسد لربوبية الشمس الكاملة ( أى التى إكتمل عمرها ) بينما كان الإله أوزير يعبر عن روح الشمس الغاربة الأمر الذي يعكس أن آتوم يرحل للعالم الآخر بإعتباره صورة أو روح أوزير . و طبقا لما ورد فى الفصل رقم 175 من كتاب الموتى فإن آتوم هو و أوزير فقط سيصبحان هما الأحياء الوحيدون من بعد نهاية العالم بكل أربابه و مخلوقاته ، فهكذا يروى على لسان آتوم ضمن نصوص هذا الفصل ( إننى سوف أهلك كل من خلقت من قبل حيث يعود بعد ذلك هذا العالم مرة أخرى إلى الماء الأزلى و الفوضى السرمدية كما كان وقت البداية الأولى ، و إنه سوف لا يبقى آنذاك إلا أنا آتوم بصحبة أوزير و ذلك عندما أتحول إلى جسد ثعبان كما كنت فى البدء ) .
و هنا يمكن لنا أن نتبين مجموعة من الحقائق الهامة بناءا على ما تقدم :
1 - إن تحول المعبود آتوم فى الفصل رقم 175 من كتاب الموتى إلى جسد ثعبان لا يعنى موته النهائي بل هو إشارة لتجدد ميلاد و خلق آتوم لنفسه من جديد و ذلك بسبب أن الثعبان من الكائنات البرمائية التى تجدد جلدها سنويا فتعيد ميلاد نفسها فى دورة سنوية جديدة
2 - إن المكان الذي دفن فيه آتوم فى إهناسيا لا يشار إليه صراحة بوصفه مقبرة أو جبانة يدفن فيها بنى الإنسان ، بل هى كهف أو مغارة أو تل أو ما شابه ذلك و فى كل المعانى السابقة هناك إرتباط بين المغارة ( أو الكهف ) و بين الثعبان الأزلى ( المجسد لآتوم ) و بين التل الأزلى حيث موضع الخلق الأول
3 - إن دفن المعبود آتوم فى مكان كهذا أو الإشارة إلى موته و تحوله إلى ثعبان لا يعنى الموت التام بقدر ما يعنى التباعد أو الخلود للراحة ( نعتمد هنا وصف كلمة - حتب - htp فى اللغة المصرية القديمة التى كانت تلصق للملوك و الآلهة عند ذهابهم للعالم الآخر و هى تعنى يستريح أو الراحة ) تمهيدا لإعادة دورة الخلق من جديد ، فهو مجرد غياب مؤقت لفاعلية آتوم أو بمعنى أدق كمون فعالياته و لو إلى حين لأجل إعادة دورة الخلق من جديد ، و هنا نؤكد على أن مقتضيات العقيدة المصرية لا تعترف بالموت التام ، بل هو مرحلة إنتقالية لأجل بداية جديدة
من أقوى الأفكار الصحيحة لتفسير فكرة موت أتوم. وشكرا أستاذ أحمد
ردحذف