الثلاثاء، 26 يونيو 2012

المغزى الدينى من موت المعبود آتوم


بسم الله الرحمن الرحيم 

 ‎( المغزى الدينى من موت المعبود آتوم ) ........................................................................................................................
...هل  نال قدر الموت من المعبود آتوم ؟ .... من المعطيات الفكرية الكلاسيكية فى  الديانة المصرية القديمة أن المعبود آتوم هو الرب الأزلي القديم فى نظرية  إيونو ( عين شمس ) و السلف الأقدم للتاسوع و الذي شاع إعتقاد عن دفنه فى  إهناسيا ( هيراكليوبوليس ) خلال عصر الدولة الوسطى بالتحديد ، حيث نسب إليه  على أرضها ضريح أو مقبرة وصفت بأنها كهف الدفن و مكان الراحة لآتوم العظيم  و ذلك على إحدى موائد القربان التى وهبها أحد المتعبدين لمقبرته المزعومة  هناك . إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه هو : لماذا كانت مقبرة الإله آتوم  بالتحديد فى منطقة إهناسيا طبقا لما ورد فى متون التوابيت خلال عصر الوسطى ؟
 1 - تمكن حكام إهناسيا خلال عصر الإنتقال الأول - و هو العصر الذي  شهد ظهور و كتابة متون التوابيت لأول مرة - من السيطرة على جزء كبير من  البلاد و زعموا لأنفسهم ملكية القطرين و إعتبروا أنفسهم الخلفاء الشرعيين  لملوك منف ، و جعلوا من أنفسهم ممثلي المعبود آتوم عندما تجلى على التل  الأزلى لأول مرة فقام بخلق العالم و قضى على الفوضى و هو المفهوم الذي  تبلور فى عصر الدولة الوسطى بشكل واضح . و كان ذلك الظهور الأول على تل  إهناسيا الأزلى و هو مقر عرش حكام إهناسيا ، كما أن دفن آتوم فى إهناسيا  يعنى صراحة أنهم يخلفونه على العرش الأرضي المصري ، و بالتالي فقد دفن آتوم  حيث يتواصل دور خلفائه و ممثليه من بعده فى ذات المكان الذي ظهر فيه لأول  مرة و دفن فيه
2 - يرتبط هذا الإعتبار بالربط بين الدور الأزلى الأشهر  لآتوم كرب خالق و دور الخصوبة لدى المعبود ( حري شا إف ) بمعنى القائم على  بحيرته و هو رب الخصوبة فى إهناسيا و ذلك يعتبر مثالا واضحا على معتقدات  المصريين القدماء فى المزج بين بين مفاهيم الأزلية و الخصوبة و فعالية  الخلق لدى أربابهم بشكل عام
و لعلنا هنا نطرح التساؤل مرة أخرى : هل  يعنى ذلك غياب الدور الفاعل للمعبود آتوم فى عالم الأرض عند الإعلان عن  موته و دفنه فى ضريح ؟ ...... و قبل الرد على ذلك التساؤل ينبغى لنا أن  ندرك حقيقة هامة و هى : أن المعبود آتوم إقترن صراحة بالإله أوزير - رب  الموتى و العالم السفلي - فى عصر الدولة الحديثة بوصفه المجسد لربوبية  الشمس الكاملة ( أى التى إكتمل عمرها ) بينما كان الإله أوزير يعبر عن روح  الشمس الغاربة الأمر الذي يعكس أن آتوم يرحل للعالم الآخر بإعتباره صورة أو  روح أوزير . و طبقا لما ورد فى الفصل رقم 175 من كتاب الموتى فإن آتوم هو و  أوزير فقط سيصبحان هما الأحياء الوحيدون من بعد نهاية العالم بكل أربابه و  مخلوقاته ، فهكذا يروى على لسان آتوم ضمن نصوص هذا الفصل ( إننى سوف أهلك  كل من خلقت من قبل حيث يعود بعد ذلك هذا العالم مرة أخرى إلى الماء الأزلى و  الفوضى السرمدية كما كان وقت البداية الأولى ، و إنه سوف لا يبقى آنذاك  إلا أنا آتوم بصحبة أوزير و ذلك عندما أتحول إلى جسد ثعبان كما كنت فى  البدء ) .
و هنا يمكن لنا أن نتبين مجموعة من الحقائق الهامة بناءا على ما تقدم :
1 - إن تحول المعبود آتوم فى الفصل رقم 175 من كتاب الموتى إلى جسد ثعبان  لا يعنى موته النهائي بل هو إشارة لتجدد ميلاد و خلق آتوم لنفسه من جديد و  ذلك بسبب أن الثعبان من الكائنات البرمائية التى تجدد جلدها سنويا فتعيد  ميلاد نفسها فى دورة سنوية جديدة
2 - إن المكان الذي دفن فيه آتوم فى  إهناسيا لا يشار إليه صراحة بوصفه مقبرة أو جبانة يدفن فيها بنى الإنسان ،  بل هى كهف أو مغارة أو تل أو ما شابه ذلك و فى كل المعانى السابقة هناك  إرتباط بين المغارة ( أو الكهف ) و بين الثعبان الأزلى ( المجسد لآتوم ) و  بين التل الأزلى حيث موضع الخلق الأول
3 - إن دفن المعبود آتوم فى مكان كهذا أو الإشارة إلى موته و تحوله إلى ثعبان لا يعنى الموت التام بقدر ما يعنى التباعد أو الخلود للراحة ( نعتمد هنا وصف كلمة - حتب - htp فى اللغة المصرية القديمة التى كانت تلصق للملوك و الآلهة عند ذهابهم للعالم الآخر و هى تعنى يستريح أو الراحة ) تمهيدا لإعادة دورة الخلق من جديد ، فهو مجرد غياب مؤقت لفاعلية آتوم أو بمعنى أدق كمون فعالياته و لو إلى حين لأجل إعادة دورة الخلق من جديد ، و هنا نؤكد على أن مقتضيات العقيدة المصرية لا تعترف بالموت التام ، بل هو مرحلة إنتقالية لأجل بداية جديدة

هناك تعليق واحد:

  1. من أقوى الأفكار الصحيحة لتفسير فكرة موت أتوم. وشكرا أستاذ أحمد

    ردحذف