الثلاثاء، 26 يونيو 2012

بين المذهب الأوزيري و العقيدة الشمسية فى عصر الدولة القديمة


بسم الله الرحمن الرحيم 

 ‎(  بين المذهب الأوزيري و العقيدة الشمسية فى عصر الدولة القديمة ) ........................................................................................................................
...ماهي  الظروف و الدوافع التى أدت إلى ظهور المعبود ( أوزير ) على مسرح الأحداث  فى عصر الدولة القديمة ؟ و كيفية إنضمامه للتاسوع الشمسي لهليوبوليس ؟ ....  يتناول الباحث من خلال هذا المقال الموجز واحدة من إشكاليات الفكر الدينى و  السياسي فى عصر الدولة القديمة تتعلق بنشأة المعبود ( أوزير ) و الظروف  التى أحاطت به و أفضت فى نهاية المطاف لكى يصبح واحدا من أعضاء المجمع  الشمسي القديم . يعترف الدارسون أنه ليس من اليسير معرفة الكيفية التى أدت  لظهور المعبود ( أوزير ) تاريخيا و من خلال المادة الأثرية المطروحة و لكن  تجدر الإشارة إلى وجود فريق يرى أن هناك بعض الشواهد الأثرية التى تنسب  إليه منذ العصر العتيق بينما تشكك فريق آخر من الباحثين فى قراءة هذه  القرائن و من ثم رفض الأخذ بها كبراهين تكشف عن وجوده منذ تلك الفترة و لا  سيما و أن جميع العلامات التصويرية الصوتية الواردة على تلك الشواهد لا  تعكس بشكل قاطع المنطوق اللفظى للمعبود ( أوزير ) . و لم يرد إسم ذلك  المعبود صراحة فى نصوص دينية كاملة إلا فى متون الأهرام فى نهاية عصر  الأسرة الخامسة فذكر فيها كأحد أفراد تاسوع هليوبوليس كإبن للإلهين ( جب ) و  ( نوت ) كما ظهر أيضا كمعبود للفيضان و الزراعة و الخصوبة و لم يرتبط  رسميا و سياسيا بالملكية إلا فى عصر الأسرة الخامسة ، فلا يوجد أى ألقاب  كهنوتية تشير لوجود شعائر منتظمة تؤدى لذلك المعبود طوال الأسرات الأربعة  الأولى و عندما تم قبوله كعضو فى التاسوع الشمسي أصبح ربا للموتى فجمع  لنفسه قدرات و وظائف أرباب الموتى الأقدم و الأشهر منه تاريخيا و أثريا و  هم ( خنتى إمنتيو ) و ( سوكر ) و ( عنجتى ) و ( حج ور ) و فى محاول لتتبع  الأحداث التى ألقت بأوزير داخل المجمع الشمسي لعصر الدولة القديمة نجد ما  يلي :
 1 - ظهرت البوادر الأولى للتاسوع الشمسي فى نهايات عصر الأسرة  الثانية و بدايات عصر الأسرة الثالثة و ذلك من خلال مقصورة تورين التى ظهر  فيها لأول مرة التاسوع الشمسي القديم خلال عصر الملك زوسر ( أهم و أشهر  ملوك الأسرة الثالثة )
2 - لم يكن المعبود ( أوزير ) واحدا من أفراد  التاسوع الشمسي فى ذلك العصر ، فلا وجود له فى مقصورة تورين ، و لا وجود  لألقاب كهنوتية أوزيرية طوال عصري الأسرة الثالثة و الرابعة ، كما كشفت تلك  المقصورة من جانب آخر أن المعبود ( جحوتى ) كان هو الزوج الأول للمعبودة (  إيزيس ) و هو الأمر الذي أكدت عليه فيما بعد بعض فقرات متون الأهرام و ذلك  فى مقابل المعبود ( ست ) الذي كان زوجا للمعبودة ( إيزيس ) .
3 - لم  يقبل تيار ديني شمسى فى باديء الأمر بوجود المعبود ( أوزير ) فى مجمع  هليوبوليس لإعتباره قابض أرواح الموتى و الرب المهيمن على عالم سفلي يتسم  بالظلام الدامس و هو الأمر الذي أكدت عليه بعض فقرات متون الأهرام التى  أشارت صراحة إلى أن المعبودات لن تسلم الملك للمعبود ( أوزير ) فى العالم  الآخر و لا سيما و أن هذه المتون كانت ذات صبغة شمسية سماوية تهدف لإتحاد  الملك بمعبود الشمس رع رب الضياء و النور و صعوده الأبدي نحو عالم السماء
4 - ورد فى بعض فقرات متون الأهرام أن الملك إتخذ من الهرم مثوى له حتى لا  يقع تحت طائلة ( أوزير ) و كما تقول إحدى الفقرات أن ( أوزير ) لن يقترب  من هرمك هذا ، فكان الهرم بمثابة وسيلة للصعود لعالم السماء و حتى لا يظل  الملك على الأرض فيسقط فى قبضة ( أوزير ) و يحرم من الصعود السماوى و  الضياء الشمسي
5 - زادت قوة المعبود ( أوزير ) فى فترة تاريخية بعينها  ( ربما فى الفترة الإنتقالية ما بين نهاية عصر الأسرة الرابعة و بداية عصر  الأسرة الخامسة ؟ ) من خلال أنصاره و أتباعه ، فتغلغلوا بعقيدتهم ما بين  كبار رجال الدولة و البيت المالك ، فظهر إسمه لأول مرة على الآثار فى مقبرة  النبيل ( تي ) الذي عاش فى عصر الملك ( نفر إير كارع ) و حتى عصر الملك (  جد كارع إسيسي ) حيث ظهر عند الباب الوهمي لزوجته الأميرة الملكية (  نفرحتبس ) - و هى بنت الملك نفر إير كارع - و لأول مرة إسم المعبود ( أوزير  ) فى سياق الصيغة الشهيرة بالحتب دي نسو و هى تعنى حرفيا هبة مقدمة من  الملك تجاه أوزير . و كان ذلك الظهور التاريخي سابق على ظهوره فى نصوص  الأهرام بمئة عام على أقل تقدير
6 - إن النبيل ( تى ) هو أحد كهنة  الشمس المكلفين بإقامة شعائر شمسية ملكية تجاه ملوك الأسرة الخامسة فى  معابد الشمس و هو الدليل القاطع على بداية الإعتراف بالمذهب الأوزيري من  جانب كهنة الشمس و البيت المالك فى ظروف لا تزال غامضة مما يعكس حقيقة هامة  و هى : أن المذهب الأوزيري لم ينشأ رسميا إلا فى عباءة الديانة الشمسية و  العقيدة الملكية و أنه فى الوقت الذي إزدهرت فيه ديانة الشمس خلال عصر  الأسرة الخامسة ، بدأ المذهب الأوزيري يشق طريقه فى الديانة الرسمية للبلاد
7 - إقتحم المعبود أوزير التاسوع الشمسي فحل مكان المعبود جحوتى كزوج  للمعبودة إيزيس و لا تبرأ تلك الخطوة من هدف سياسي يكمن فى إيجاد إبن له  يرث عرش البلاد من بعده و لم يكن ذلك الإبن سوى المعبود حورس رب الملكية  القديم الذي لم يتمكن أنصاره من إدماجه فى التاسوع الشمسي إلا بعد أن أصبح  المعبود أوزير أحد أفراده فأصبح هو الوريث الشرعيى للبلاد الذي خلف أبيه  أوزير بعد مقتله و أخذ لقب ( حورس إبن أوزير ) و أحيانا أخرى ( حورس إبن  إيزيس )
8 - عندما دمجت العقيدتان الشمسية و الأوزيرية بدأت متون  الأهرام ذات الطابع الشمسي تذكر فى فقرات متعددة المعبود ( أوزير ) ، و  نسجت فى هليوبوليس قصة مقتل أوزير على يد أخيه ست و حق المعبود حورس فى  الأخذ بالثأر لمقتل أبيه و أعادوا إنتاج الصراع الشمسي القديم بين  المعبودين ( حورس ) و ( ست ) ، و لم يكن لهذا الصراع فى بداياته الأولى أى  صلة بالأسطورة الأوزيرية التى نسجت فى فترة متأخرة فى عصر الدولة القديمة ،  و من هنا أصبح حورس يلقب بلقب ( حورس المنتقم لأبيه ) ، زيادة فى تدعيم  موقف حورس و القضاء على أدنى فرصة لأتباع المعبود ( ست ) للنهوض مرة أخرى
9 - إنتزعت جميع السمات السلبية التى كانت قد ألحقت بأوزير من قبل خلال التعديلات التى حدثت فى متون الأهرام خلال عصر الأسرة السادسة فانتهى التنافس القديم بين أنصار المعبودين لإيجاد صيغة توفيقية ترضيهم جميعا ، و قد نسجت هذه الصيغة التوفيقية فى هليوبوليس - مركز عبادة الشمس الرئيسية - فتحول مصير المعبود أوزير نحو السماء و إكتسب آخرة شمسية سماوية مما جعله قادرا على العودة للحياة و التخلص من موته القديم و تركه لعالم الظلام السفلي و صعوده لعالم الضياء السماوي الشمسي . و من هنا تحول الملك لكى يكتسب المصير الأوزيري المتحد بالشمس فى أواخر عصر الدولة القديمة و نتيجة لذلك أصبح ينادى فى نصوص الأهرام و دون تردد و فى ذات الفقرة بأنه أوزير تارة و بأنه رع تارة أخرى ، الأمر الذي قد يرجح نجاح كهنة الشمس فى إحتواء المذهب الأوزيرى فى عباءة الديانة الشمسية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق