الأحد، 27 يناير 2013

الصورة الأيقونية الفنية للملكية المصرية في المناظر الحربية منذ بداية عصر الدولة الحديثة و حتى بداية عصر الرعامسة


بسم الله الرحمن الرحيم

الصورة الأيقونية الفنية للملكية المصرية في المناظر الحربية منذ بداية عصر الدولة الحديثة و حتى بداية عصر الرعامسة


يسعى الدارس من خلال هذا المقال لتناول أيدولوجيا الحرب الملكية منذ بداية عصر الدولة الحديثة  و حتى بداية عصر الرعامسة  و محاولة رصد التغير و التطور الذي طرأ على الصورة الأيقونية الفنية للملك المصري و التي ظهرت على جدران المعابد المصرية القديمة خلال تلك الفترة الممتدة زمنيا منذ بداية حروب التحرير و حتى عصر الملك سيتي الأول – المؤسس الفعلي لعصر الرعامسة -  و لا يسع الدارس في هذا المقام إلا أن يهدي هذه الدراسة للزميلة القديرة الأستاذة ( مي سعيد ) نظرا لعشقها البالغ لعلم المصريات و شغفها نحو معرفة كل جديد . لعبت شخصية القائد العسكري في عصر الدولة الحديثة و لاسيما مع بداية عصر الرعامسة دورا بارزا و كان لها تأثير بالغ في الفكر السياسي و الديني لذلك العصر . فقد تحول الملك في بداية عصر الرعامسة إلى قائد عسكري من الطراز الفريد ، حيث يتمتع بمواهب و قدرات خارقة تمكنه من الإنتصار على الأعداء في ميدان القتال ، كما تغيرت صورة الحرب و ما يتعلق بها من مشاهد صورت على جدران المعابد المصرية القديمة في بداية عصر الرعامسة ، فلم تلعب الحرب و كل ما يتعلق بها قبل ذلك العصر دورا بارزا وفقا لمفهوم الصورة التقليدية للملكية المصرية و العالم الذي يحيط بمصر .
فقبل بداية عصر الرعامسة خلقت الأيدولوجية الملكية صورة خاصة لمصر بوصفها تقع في مصاف العالم المنظم الذي خلقه إله الشمس رع و كان الملك هو صورة ذلك الإله الخالق على الأرض و المكلف بوضع ماعت ( النظام و الحق ) بدلا من إسفت ( الفوضى و الباطل ) ، فالملك المصري يسعى لمطاردة إسفت و القضاء عليها كما أن المملكة المصرية قبل عصر الدولة الحديثة لم تعترف بأنها دولة واحدة في إطار دول متعددة تقع حولها و لم تعترف بوجود حضارات أخرى مجاورة لها – على الأقل من الناحية النظرية الشكلية – و إنما هي الدولة الوحيدة القائمة في العالم و محاطة بمناطق غير معروفة و مليئة بالفوضى و لا تزال تنتمي زمنيا لعالم ما قبل الخلق و مسكونة من قبل الأعداء ( الذين لا يمكنهم أن ينتصروا و لا تلحق بهم الهزيمة ) فهكذا روجت ملكية الدولة الوسطى لصورتهم في النصوص الأدبية السياسية . و لذلك لم يقبل هؤلاء الأعداء بالخضوع الدائم لملوك مصر ، كما لم يتمكن المصريون من القضاء على الفوضى التي خلقها هؤلاء الخصوم و لم يندمجوا في مصاف العالم المنظم و هو عالم مصر وفقا لما روجت له ملكية الدولة الوسطى ، فكان الحل العملي الذي لجأ إليه ملوك ذلك العصر هو بناء القلاع و الحصون العسكرية على حدود مصر الشرقية من أجل الإبقاء على هؤلاء الأعداء خارج مصاف العالم المنظم ، و كانت هذه الحصون هي حدود العالم الذي خلقه إله الشمس و التي حصنت مصر من خطر شعوب الشرق الأدنى القديم الذين ينتمون لزمن ما قبل الخلق الذي يتسم بالظلام و الفوضى و العدمية و هي كلها سمات ( إسفت ) .
و عند خروج الملوك في عصر الدولة الوسطى لعمل معارك حربية ضد شعوب الشرق الأدنى و تحديدا تجاه جنوب بلاد الشام ، لم يكن الهدف منها إحتلال هذه المناطق عسكريا ، فقد كانت مجرد حملات قمعية و تأديبية تهدف لإبراز صورة الملك الذي يجاهد من أجل قمع قوى الفوضى التي تهدد العالم المنظم ( عالم مصر ) ، أي أنها حملات لا تؤدي إلى تغييرملموس و ليس لها نتيجة فعالة ، فتظل الأمور على حالها ، و تظل مصر في مصاف العالم المنظم و يبقى أعدائها في نطاق العالم الفوضوي و لهذا السبب فإن جميع حروب ما قبل الدولة الحديثة تقع في إطار الزمن الدوري ، و هو الزمن الذي يحتوي على جميع الأفعال المتكررة و التي لا تؤدي في النهاية إلى تغيير واضح أو نتيجة جديدة ، فتتحول الحرب إلى ما يشبه الطقس الديني الذي يتم إنجازه بتكرار و بشكل منتظم عند تولي كل ملك عرش البلاد .
و مما لاريب فيه أن هذه الصورة قد تغيرت خلال عصر الدولة الحديثة و لاسيما بعد التجارب التاريخية لحروب التحرير ضد الهكسوس مما كان له تأثير بالغ الأهمية في دلالة الحرب مع بداية ذلك العصر ، فجميع حروب التحرير لم تكن مجرد حملات قمعية طقسية دورية متكررة ، فهي لا تقع في إطار الزمن الدوري بل تنتمي للزمن المستقيم ، و هو الزمن الذي يحتوي في داخله على أحداث فريدة من نوعها تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير و تبدل في الأحوال و يصبح هناك نتيجة جديدة كما لا يمكن تكرارها أبدا ، فحروب التحرير كانت تهدف لطرد الهكسوس من الدلتا و هو حدث فريد من نوعه و غير قابل للتكرار و نتيجته هي تحرير مصر بأسرها من وجود الحكام الأجانب فيها .
و في هذا الصدد ينبغي طرح تساؤل هام : هل أثرت حروب التحرير ذات النتائج الجديدة و الملموسة على صورة الملك المصري في عصر الأسرة الثامنة عشرة و هو يردع الأعداء على جدران المعابد المصرية التي تنتمي لتلك الفترة ؟
لم تتأثر مناظر ضرب الأعداء من جانب الملك المصري على جدران المعابد المصرية القديمة ( و لاسيما الصروح ) فظلت تصور في الإطار التقليدي حيث لا يزال يظهر الملك و هو يضرب الأعداء بسلاحه بشكل مطابق تماما لصورة الملك في صلاية نعرمر ، فبرغم وجود نتائج ملموسة و جديدة في عصر الأسرة الثامنة عشرة تمثلت في مد رقعة الحدود المصري ناحية بلاد الشام ( و هي حملات تنتمي للزمن المستقيم ) ، إلا أن ذلك لم يؤثر على شكل الملك الذي ظل يظهر على صروح و جدران معابد الأسرة الثامنة عشرة ، فكانت صورة الملك الفنية تظهر في إطار الزمن الدوري و هو ما نلمسه بشكل واضح في صورة الملك تحتمس الثالث و الذي وضعه ملوك الرعامسة كنموذج يحتذى به في الحروب و كسياسة ينبغي إتباعها من جانبهم ، فكان من وجهة نظرهم صاحب أعظم إنتصارات عسكرية في منطقة الشرق الأدنى القديم ، و يمكن القول بأن الملك تحتمس الثالث قد أثنى على نفسه و مدح أعماله العسكرية في نص الحوليات الشهير في الكرنك في قالب شعري يتطابق تماما مع صورة الملك في عصر الدولة الوسطى ، مما يعني أنه رغم وجود نتائج جديدة في عصر ذلك الملك تمثلت في إحتلال مناطق متعددة من بلاد الشام ( تنتمي للزمن المستقيم ) إلا أن صورته الفنية و الأدبية ظلت على حالها ( تنتمي للزمن الدوري ) و هو ما يفسر لنا الغياب التام لأي تفاصيل فنية لهذه المعارك على جدران المعابد المصرية آنذاك .
و مع بداية عصر الرعامسة و تحديدا في حكم الملك سيتي الأول تغيرت الصورة التقليدية الفنية و الأدبية للملك المصري في الحروب العسكرية ، إذ لم يكن معنى هذه الحروب يقع في إطار الزمن الدوري و إنما في النتيجة الملموسة التي تعمل على تغيير كل ما يحيط بمصر فهي تقع في إطار الزمن المستقيم فنيا و أدبيا و فكريا و سياسيا . و هنا ينبغي لنا أن نشير لمجموعة من النتائج الجديدة التي أوجدها عصر الرعامسة و تم تمثيلها على جدران و صروح المعابد و هي :
1 – لم يكن الهدف من حروب ذلك العصر غزوة واحدة و إنما سلسلة من الغزوات المتتالية و تمثيلها فنيا على جدران المعابد و بشكل تفصيلي لأول مرة .
2 – قام كهنة طيبة في الكرنك بتصوير معارك الملك سيتي الأول المتتالية ( و عددها ستة معارك ) على الجدار الشمالي الخارجي لصالة الأعمدة الكبرى و ظهر فيها لأول مرة خرائط تفصيلية لميدان القتال و بعض الملامح الطوبوغرافية لأراضي الأعداء فضلا عن ظهور الملك المصري في هيئة البطل ذو القدرات الخارقة .
3 – تحدثت النصوص المرافقة لهذه المناظر عن أن هدف هذه المعارك هو إحلال الماعت ( النظام ) في تلك المناطق بدلا من الإسفت ( الفوضى ) التي كانت تسيطر عليها ، الأمر الذي يؤدي في النهاية لإحلال ( السلام ) و هو مصطلح لم يكن موجود على الإطلاق في اللغة المصرية القديمة ، و لا حتى في عصر الرعامسة و لكن يمكن إستنباط مفهوم السلام بشكل غير مباشر من خلال بعض العبارات التي رافقت هذه المناظر العسكرية ، حيث أشارت إلى أن الملك و بعد الإنتصار على الأعداء في مناطقهم أصبحت تلك البلاد تخضع لعالم مصر بعد القضاء على الفوضى التي كانت فيها ، و لذا فإنها مناطق مصرية منذ الآن و صاعدا فيهب لها الملك نفس الحياة فتعيش في كنف ملك مصر
4 – إن مفهوم السلام و هو الهدف الغير معلن عنه في النصوص المرافقة لهذه المناظر يعني وفقا لأيدولوجية الرعامسة الخضوع لمصر التي مدت حدودها للخارج و أصبحت تلك المناطق الخارجية في مصاف العالم المنظم ( و لكن بعد القضاء على الفوضى التي كانت فيها ) و تحولت أحراش و مستنقعات مصر إلى بلاد الشام
5 – لعب الملوك هنا دورا جديدا في إطار هذه السياسة الجديدة لم يكن معروفا من قبل في صورة الملوك التقليدية و هي سياسة تحقيق السلام مع العالم الخارجي بعد إخضاعه و لكن يمكن لنا أن نكتشف إرهاصات أولى لهذه السياسة قبل عصر الرعامسة و تحديدا منذ عصر الملكين ( تحوتمس الرابع ) و ( أمنحتب الثالث ) حيث توصلا إلى عقد السلام بعمل معاهدات و تحالفات و زواج سياسي مع ممالك الشرق الأدنى القديم دون الإشارة بشكل مباشر لمصطلح السلام ( الغير موجود لغويا ) و كان هذا العمل أمرا ملفتا للنظر من الناحية السياسية ، فالحرب تؤدي للسلام حتى و إن لم يتم الإعلان عنه صراحة و العدو يتحول إلى صديق و إن لم تشير النصوص المصرية بشكل مباشر إلى ذلك و مما لاشك فيه أن ثنائية الحرب – السلام و العدو – الصديق هي الشيء الجديد في عصر الدولة الحديثة .
و لكن كيف إنتهت الأمور في نهاية الأسرة الثامنة عشرة و مدى تأثيرها على صورة الملك المصري و مشاهد الحرب العسكرية مع بداية عصر الرعامسة ؟ ...............
كان الضابط المصري ( رعمسو ) هو قائد الجيش في نهاية عصر الأسرة الثامنة عشرة ( عصر الملك حور محب ) و كان ممثلا لطبقة إجتماعية عسكرية جديدة تعتبر نفسها من الأرستقراطيين العسكريين الذين كانوا يميلون إلى حد كبير تجاه طبقة نبلاء الجيش الآسيوي ( و هو ما ظهر واضحا في الصورة الفنية التي ظهر بها هذا الملك و من جاء بعده في العاصمة الشمالية – قنتير ، أنظر كذلك منظر لوحة الربعمائة الشهيرة و ما ظهر فيها من سمات فنية تبرز الملك ممثل و صورة الإله ست المتأثر بالآسيويين ) أكثر من ميلهم نحو كهنة و موظفين مصر . و من صفات هذه الطبقة الشعور بالعزة و التميز تجاه الآخرين . ثم جاء الملك سيتي الأول إبن رمسيس الأول و قد كان معجبا بشخصية حور محب الذي قام بتعيين أبيه كوزير و كقائد أعلى للقوات المسلحة المصرية فقام بتبجيل ذلك السلف العظيم و إعتبر فترة حكمه تالية و بشكل مباشر للملك أمنحتب الثالث بعد أن تجاهل فترة ملوك العمارنة الذين تم تأطيرهم في دائرة الملوك المارقين فلم تسجل أسمائهم الملكية على قوائم الملوك في المعابد و من ناحية أخرى بدأت النصوص الدعائية في عصر سيتي الأول تروج له بأنه الملك الذي إختاره إله الشمس رع منذ أن كان ( هذا الحاكم في البيضة ) و هو تعبير تقليدي قديم و معروف يشير إلى أزلية الملك الحاكم و أزلية توليه مقاليد الأمور في البلاد ، فلقد كان هذا الأمر مقدرا منذ الأزل و هنا نجد أنفسنا أمام الحقيقة التالية :
سيطرة الجيش المصري على مقاليد السلطة الملكية أثناء إنتقال الحكم من نهاية الأسرة الثامنة عشرة و حتى بداية الأسرة التاسعة عشرة و هو الأمر الذي تنبه له عالم المصريات الألماني ( هلك ) الذي إنفرد بدراسة تفصيلية عن تلك الفترة مشيرا إلى بداية وجود تغيرات في الدلالة الأيدولوجية للحرب وفقا لملكية الرعامسة فضلا عن تحول الدولة المصرية بعد سيطرة حور محب ( القائد الأعلى للقوات المسلحة في عصر توت عنخ آمون و آي ) و من بعده رمسيس الأول  على السلطة الملكية إلى دولة ذات ( ديكتاتورية عسكرية ) فقد دخلت السلطة العسكرية و تغلغلت في جميع مهام الحياة  و سيطرت على مختلف الوظائف الدينية و المدنية في دولة الرعامسة و تحول رجال الجيش إلى طبقة مسيطرة على جميع الأنشطة في ذلك العصر .
و في واقع الأمر لم تكن الأمور السياسية و العسكرية على ما يرام في نهاية عصر الأسرة الثامنة عشرة و لاسيما بعد تقلص و إنحسار الحدود المصرية في منطقة بلاد الشام . و من جانب آخر إندلعت مجموعة من المعارك العسكرية بين مصر و مملكة الحيثيين في النصف الثاني من عصر الأسرة الثامنة عشرة و كانت مملكة عسكرية ناشئة تقع في بلاد الأناضول و ورد ذكرها لأول مرة على الآثار المصرية في نص حوليات الملك تحتمس الثالث في الكرنك و لم تكن معظم نتائج هذه المعارك في صالح الجيش المصري و لاسيما و أنها أدت إلى تقلص حدود الإمبراطورية المصرية في بلاد الشام و تحديدا في عصر العمارنة بعد إنتهاج ملوكها لسياسة متراخية إلى حد كبير مما كان يشكل تهديدا دراميا لمصر مع بداية عصر الرعامسة و يتضح لنا ذلك من خلال الإجراءات السياسية و الدينية التي إتخذها الملك سيتي الأول فور إعتلائه العرش تمثلت فيما يلي :
1 – أعلنت النصوص الملكية في عصر سيتي الأول أن مصر أصبحت تواجه غضب الآلهة بسبب ما أحدثه الملك المهرطق ( إخناتون ) تجاههم و الذي تم وصفه بلقب ( مجرم آخت أتون – العمارنة ) و لهذا السبب إستهل الملك سيتي الأول حكمه بإنشاء معابد ضخمة و متعددة في أنحاء البلاد في إطار برنامج ديني و سياسي يهدف للتصالح مع آلهة مصر الغاضبة .
2 – أما على مستوى السياسة الخارجية فكان من أهم الأمور التي إتبعها هو إعادة بناء إمبراطورية تحتمس الثالث الخارجية و إعادة صورة الملك المصري الممثل لإله الشمس رع الخالق و المسيطر على جميع الشعوب الأجنبية .
3 – تمكن الملك سيتي الأول من إعادة كثير من الشعوب الأجنبية التي تمردت على الحكم المصري في نهاية الأسرة الثامنة عشرة إلى حظيرة السلطة الملكية المصرية مرة أخرى و من أهم المناطق التي أعاد إخضاعها لحكم مصر مرة أخرى هي مملكة آمورو في بلاد الشام و زعيمها حيث كانت مصر تستورد خشب الأرز من هذه المملكة .
4 – إتخذ الملك سيتي الأول لقبا ذو دلالة هامة و هو ( من ماعت رع ) بمعنى أن الذي أقام الماعت هو رع و لم يكن رع هنا في واقع الأمر سوى الملك نفسه ، فكان هذا اللقب يشير إلى إعادة وضع ماعت في مكانها التي كانت عليه في بدء الزمان ، و هي اللحظة الأولى التي خلق فيها رع العالم بالماعت فظهر كعالم منظم و مستقيم يمتاز بالعدالة و الحق و الخير بعدما كان يعيش في الفوضى ( إسفت ) و هي فوضى ما قبل الخلق التي تنطبق في هذه الحالة مع أحداث عصر العمارنة التي إتسمت بأحوال سياسية و دينية سيئة وفقا للأيدولوجيا الدعائية للملك سيتي الأول و لذا فينبغي على الملك صورة رع المقدسة ، أن يعيد خلق الكون من جديد بوضع الماعت في مكانها الصحيح بتشييد المعابد و إقامة الحروب العسكرية .
5 – نلاحظ أن إسم الملك هنا ( من ماعت رع ) يحتوي في ثناياه على إسمين لملكين قديمين من ملوك الأسرة الثامنة عشرة و هما ( تحتمس الثالث ) الذي كان يدعى ( من خبر رع ) و أمنحتب الثالث الذي كان يدعى ( نب ماعت رع ) ، فقد جمع سيتي الأول في إسمه بين أول كلمة من إسم تحتمس الثالث و هي ( من ) بمعنى مثبت أو مؤسس أو مقيم و ثاني كلمة من إسم أمنحتب الثالث و هي ( ماعت ) و التي تشير لحكم الإله الخالق في الزمن الأول مع بقاء مقطع رع في إسمي الملكين في إسم الملك سيتي الأول و من هنا نفهم أن الملك سيتي الأول إتخذ أمنحتب الثالث كقدوة في سياسية إنشاء معابد دينية متعددة و ضخمة حيث إشتهر هذا السلف بذلك العمل كما إتخذ تحتمس الثالث كقدوة في سياسة إقامة الحروب تجاه الأعداء و إخضاعهم للحكم المصري من جديد
6 – في واقع الأمر إن وضع ماعت من جديد من جانب الإله الخالق رع عن طريق ممثله على الأرض ( الملك ) كان يعني ما يلي :
أ – تشييد معابد ضخمة و متعددة لآلهة مصر ( إعادة خلق الكون )
ب – إقامة حروب جديدة ضد أعداء مصر الذين يعيشون في زمن فوضى ما قبل الخلق ( إسفت ) حتى يندمجوا في مصاف عالم مصر المنظم و يحل السلام من جديد .
ج – إعادة تقديس الأسلاف و ترميم آثارهم و إعادتها لحالتها الأولى بعد خرابها و تهدمها و هي الحالة التي خلق فيها الكون لأول مرة عندما كان الجميع في سعادة بالغة و عندما لم يكن للشر أي وجود و عندما كانت الخصوبة دائمة في البلاد .
د – إقامة أعياد الآلهة من جديد حتى يسعد شعب مصر و لا يعيش مرة أخرى زمن البؤس و الشقاء الذي كان موجودا في فوضى ما قبل الخلق ( زمن العمارنة ) و تقديم القرابين بوفرة و حتى لا تكون موائد الآلهة فارغة فترحل عن أرض مصر فتدخل مصر في زمن الفوضى و الكوارث من جديد كما حدث في عصر العمارنة . و من هنا ندرك لماذا إنتشر منظر تقدمة الماعت في عصر الرعامسة في المعابد المصرية من جانب الملوك تجاه كبرى الأرباب الخالقة و ذلك لكي يشير إلى برنامجهم الإصلاحي الديني و السياسي 
7 – قام الملك سيتي الأول بتخليد أعماله و إنجازاته ذات الطبيعة الدعائية بعمل صورة أيقونية فنية جديدة ، فقد صور نفسه فوق العربة الحربية و هو يهاجم القلاع الآسيوية في جنوب بلاد الشام مع تثبيت و تدوين تفاصيل المعركة و كل ما لحق بها من ملابسات على جدران المعبد بل و قدم بيانات طوبوغرافية أدت لظهور مناظرعسكرية تحتوي على خرائط لميدان القتال و لأول مرة و هو ما نشاهده فعليا على الجدار الشمالي الخارجي لصالة الأعمدة الكبرى في الكرنك فنلاحظ على سبيل المثال تصوير آبار المياه المجاورة للقلاع العسكرية الأجنبية فضلا عن تمثيل تفاصيل تتعلق بغابات أراضي الفنخو ( الفينيقيين ) مما يمكن إعتباره ( أقدم خريطة طوبوغرافية في العالم ) و هو ما يكشف عن رغبة دفينة لدى الملك و هي :
إدخال معلومات و بيانات ملموسة إلى هذه المناظر العسكرية لأول مرة و بقدر الإمكان ، و ذلك لتشخيص هذه الوقائع على أنها أحداث فريدة من نوعها ، أحداث تنتمي ( للزمن المستقيم ) و لا تنتمي ( للزمن الدوري ) و هنا نلمس نزعة جديدة وصلت إلى القمة التصويرية الفنية في عصر الملك رمسيس الثاني عند تمثيله للمناظر الخاصة بمعركته الشهيرة قادش و هي المعركة التي سيتناولها الدارس بإذن الله في المقال القادم في دراسة خاصة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق