الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

اعتبرت حضارة مصر القديمة دائما واحدة من اهم و اعرق حضارات العالم القديم،بما رسخته من دعائم نظام سياسى-هو الأهم و الأقدم فى التاريخ الإنسانى-استهله ملوك مايعرف بالأسرة صفر-و هو مااكتمل تقريبا على يد نعرمر آخرملوك هذه الأسرة-موحدين مصر تحت قيادة ملكية واحدة و نظام مركزى كان هو الركيزة التى قامت عليها و تطورت عنها انجازات حضارية شتى فى مجالات الفن و العمارة و الفكر الدينى و السياسى و الإجتماعى ،علاوة على اكتشاف نظام للكتابة التصويرية و ضعت لبناته الأولى خلال بدايات عصر حضارة نقادة الثالثة(حوالى 3200 الى 3050قبل الميلاد) لتصبح مصر مهدا لأحد أقدم و اهم النظم الكتابية فى العالم. إلا ان دارسى ماقبل التاريخ و اكتشافاتهم الأثرية وضعت مصر فى مكانة متأخرة فيما يتعلق بنشأة وارتقاء الحضارة خلال عصور ماقبل التاريخ (والتى تمثل اكثر من 99 فى ال100 من تاريخ الحضارة الإنسانية على كوكب الأرض) فقد جعل هؤلاء مناطق فى سوريا و فلسطين و بعض نواحى ايران و بلاد النهرين و الأناضول مهدا لمعرفة الزراعة و الرعى اللذين يعتبران الأساس الإقتصادى الذى قامت على معطياته الحضارة الإنسانية المستقرة منذ ثمانية آلاف عام قبل الميلاد ،فى حين حددت هذه البدايات فى بعض قرى وادى النيل فى بدايات الألف الخامس قبل الميلاد ،إلا ان الإكتشافات الأثرية فى العقد الأخير من القرن العشرين غيرت الصورة التاريخية لمصر فى تلك الفترة . فقد ثبت ان مصر عرفت ممارسة الزراعة و رعى الثيران (وهو ماترك اثرا بالغا على الفكرين الدينى و السياسى فى مصر خلال عصورها التاريخية)فى بعض المواقع مثل نبتا بلايا و بير صحرا و بير كسيبة و بير طرفاوى الأمر الذى وضع مصر على قدم المساواة مع مواقع الشرق الأدنى الأخرى فى مجال نشأة الإقتصاد القائم على الإنتاج بديلا عن الإقنصاد القائم على الجمع و التقاط الثمار الذى كان سائدا قبل ذلك. ومن ناحية أخرى أظهرت الإكتشافات الحديثة اقدم دفنة معروفة فى مصر للإنسان العاقل القديم فى تل الترامسا شمال شرق دندرة /قنا/حوالى 55000قبل الميلاد وكان ذلك يعنى ان مصر كانت تسير جنبا الى جنب مع بلاد العالم القديم فى معرفة الإنسان للدفن البشرى و طقوسه و ادراك و جود عالم آخر يتطلب مجموعة من الأفكار و الإجراءات الجنزية ،ومما لاشك فيه ان هذه الدفنة تمثل أقدم دفن عمدى فى مصر -لهيكل كامل لطفل(8-10سنوات)- من جنس الإنسان العاقل القديم ،وقد سجى بعناية جالسا فى ركن خندق عمقه 100سم،الظهر مائل للخلف و الوجه يتجه لأعلى و الى الأفق الشرقى و ينبغى لنا هنا ان نطرح سؤال هام (هل يكشف ذلك عن بدايات فكر جنائزى يتعلق بالشمس فى تلك الفترة؟)
دفنة انسان الترامسة ،لقد كانت هذه الدفنة من أهم الإكنشافات الخاصة بحضارة مصر فى عصور ماقبل التاريخ،فقد أعادت لمصر وضعها المستحق فى العصر الحجرى القديم الأوسط ،فمن خلال هذا الإكتشاف لم يعد المشهد المصرى متأخرا فيما يتعلق بنشأة و تطور الفكر الجنائزى فى العالم . ومن ناحية اخرى أثبتت الشواهد الأنثروبولوجية وجود تشابهات تشريحية بين انسان الترامسا و انسان حضارة قفزة الفلسطينى مما يرجح وجود أصل عرقى واحد لكليهما و اذا وضعنا فى الإعتبار ان نشأة الإنسان العاقل القديم كانت فى منطقة شرق أفريقيا ،و انه قد هاجر الى بلاد الشام فى بدايات العصر الحجرى القديم الأوسط (حوالى 120000 سنة قبل الميلاد)فإن ذلك يعنى انه اتخذ من وادى النيل معبرا نحو شرق البحر الأبيض المتوسط ،ومنه الى أوروبا عبر بوابتها الشرقية ،الأمر الذى يعنى ان مصر كانت أحد أهم مناطق انتشار الإنسان العاقل القديم فى العالم . و لم يكن المشهد مختلفا فيما يتعلق بنشأة الفن خلال عصور ماقبل التاريخ -حيث كان الفن هو أهم دلائل ارتقاء السلوك الرمزى للإنسان-فقد كان الإعتقاد بين دارسى ماقبل التاريخ ان هناك غياب كامل للفن فى العصور الحجرية القديمة فى مصر و لازالت أصداء كلمات مايكل هوفمان فى كتابه الأشهر (مصر ماقبل الفراعنة ) التى تشير الى غياب الفن الباليوليثى عن وادى النيل و دلتاه مواصلا إقصائه لمصر عن مشهد البدايات.مرة أخرى جاءت إكتشافات الفن الصخرى فى صحراء مصر الشرقية و الغربية لتغير من معالم الصورة و تعيد لمصر مكانتها المستحقة فى سجل نشأة و تطور الفنون العالمية ،فقد أدى المسح الذى قامت به البعثة البلجيكية شرقى النيل عند الحافة الشمالية الشرقية لسهل كوم امبو حوالى 40 كم من جبل السلسلة الى الكشف عن نقوش صخرية (أى التمثيل على الصخر بالقطع والحز و الحك و النقر) فى ثلاثة مواقع صخرية مفتوحة فى الهواء الطلق فى منطقة تعرف باسم القرطة وقد عثر حتى الآن على مائة وستين رسما صخريا (العدد مرشح للزيادة مع استمرار العمل فى الموقع ) تشمل رسوما و نقوشا تمثل أبقارا برية و أيائل و أفراس نهر و غزلان و أسماك و طيور و حمارا وحشيا ،علاوة على مجموعة أشكال لنساء مثلن من الجانب (تتضمن حفرا يمثل آدميا يمد ذراعيه الى الجانبين أفقيا، وهو ربما يكون النموذج الأول لأوضاع رقص ظهرت لاحقا فى مصر فى عصور ماقبل الأسرات )،و هو مايشابه و يقارن بأروع أعمال الفن فى غرب و وسط أوروبا خلال العصر الحجرى القديم الأعلى ،كاشفة عن تماثلات أسلوبية فنية و فكرية مع فنون سادة الفن الباليوليثى الأوروبى.و بناءا على ماسبق قدمت نقوش و أعمال الحفر فى قرطة عنصرين موضوعين (المرأة و الحيوانات) الأمر الذى يشير الى نفس الموضوعات التى تركزت حولها فنون ماقبل التاريخ فى العالم القديم وهى :الجنس و الغذاء و الأرض و بذلك يكون فن الصخر فى قرطة قد قدم لنا أقدم نموذج لفن صخرى فى مصر يعود الى حوالى 14000 و حتى 13000 قبل الميلاد وهو مايشير الى أن مصر كانت على قدم المساواة مع الفن الباليوليثى الأوروبى و الذى يرجع أيضا الى نفس الفترة .(انتهى الجزء الثانى من المقالة و سأقوم بنشر الجزء الثالث قريبا ان شاء الله)أود من جميع الزملاء و الزميلات توجيه أية استفسارات تتعلق بهذا الموضوع ان كان هناك بعض الصعوبات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق