الأحد، 2 أكتوبر 2011

هل كان أوزير أبا لحورس أم حورس إبنا لأوزير ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل كان أوزير أبا لحورس أم حورس إبنا لأوزير ؟

- حول مغزى الأسطورة الأوزيرية فى عصر الدولة القديمة )................................................................ حظيت الأسطورة الأوزيرية بلا شك بأهمية كبيرة فى المعتقدات الدينية و الجنزية فى مصر القديمة ، الأمر الذى دلل عليه ورود مقتطفات منها فى العديد من النصوص الدينية و الإشارة و التلميح لبعض أحداثها فى الطقوس الدينية و الجنائزية و التعاويذ السحرية و غيرها منذ عصر الدولة القديمة و على مر العصور التاريخية । و يفضل الدارس أن يقصر تناوله لهذا الموضوع على عصر الدولة القديمة فى محاولة للإجابة على التساؤل عن كيفية نشأة هذه الأسطورة ؟ ................ و هنا يجب إلقاء بعض الضوء على مكانة شخوصها الرئيسية فى فترة ماقبل الأسرات و بعد بدايات العصر العتيق و الدولة القديمة للوقوف على الأوضاع السائدة فى تلك العصور و رصد التغيرات الواقعة من عصر إلى آخر । و نبدأ بالإله حورس و هو أقدم الآلهة فى الظهور على الإطلاق ، فهو إله السماء منذ البداية فى عصور ماقبل الأسرات و انتشرت عبادته فى مصر منذ نهاية عصر نقادة الثانية مما يعنى انه كان مهيمنا على مناطق واسعة جغرافيا . و فى عصر الأسرة ( صفر ) إتخذه زعماء تلك الفترة كمعبود لهم اثناء زحفهم نحو الشمال لتوحيد مصر و من هنا أصبح إلها للملكية ، فأطلق على الملك ( حورس فلان ) ، و الذى مثل أقدم الألقاب الملكية التى سجلت واجهة القصر الملكى ( السرخ ) . أما عن الإله ( ست ) فيرجع ظهوره أيضا إلى عصر ماقبل الأسرات حيث كان يجسد المعبود المسيطر على العواصف و الرياح و الأمطار و سرعان ماارتبط بالملكية فى عصر الأسرة صفر و ذلك عندما انتسب اليه الملك ( العقرب ) فقام بتصويره على رأس مقمعته الشهيرة ( راجع مقال الملك العقرب واحد لا إثنين ) و ربما كان ذلك الملك هو أول من قام بمحاولة توفيق بين أنصار المعبودين آنذاك . أما عن المعبود أوزير ، فعلى الرغم من نسبة بعض الشواهد الأثرية المبكرة إليه إلا أنه لم يرد إسمه صراحة فى نصوص دينية كاملة إلا فى نهاية عصر الأسرة الخامسة وهى نصوص الأهرام من عصر الملك ( أوناس ) فذكر فيها كأحد أفراد تاسوع آلهة هليوبوليس كإبن للإلهين ( نوت ) و ( جب ) ، كما ظهر أيضا كإله للفيضان و الزراعة و الخصوبة و لانبالغ إذا ذهبنا أن ذلك المعبود لم يرتبط بالملكية إلا فى عصر الأسرة الخامسة ، فلا وجود لأى ألقاب كهنوتية لذلك الإله تدل على عبادته طوال الأربع الأسرات الأولى ، و عندما تم قبوله من جانب كهنة هليوبوليس فى التاسوع الشمسى أصبح سيدا للموتى ، و جمع لنفسه صفات آلهة الموتى كلهم ( خنتى إمنتيو ) و ( سوكر ) و ( عنجتى ) . و فى محاولة لتتبع الأحداث التى جمعت الشخوص الرئيسية للأسطورة الأوزيرية خلال عصر الدولة القديمة يمكننا أن نستنتج مايلى : 1 - لم يكن هناك أى صراع دينى أو سياسى فى بادىء الأمر بين المعبودين ( حورس ) و ( ست ) منذ عصور ماقبل الأسرات و حتى النصف الثانى لعصر الأسرة الثانية ، و قد يبرهن على ذلك و جود آثار تدل على وجودهما سويا فى نفس أماكن العبادة ، بل و وجود كهنة يشتركون فى إقامة الطقوس لكلا المعبودين . 2 - بالرغم من الإرتباط الوثيق بين ( حورس ) و الملكية منذ عصر الأسرة ( صفر ) إلا أن الملوك لم يهملوا عبادة ( ست ) فى نفس الفترة حيث كانت تضاهى العبادة الحورية و لاتقل عنها أهمية مما جعل الزوجة الملكية فى العصر العتيق تكتسب لقب ( التى ترى حور و ست ) اى التى ترى زوجها الملك الذى يجمع فى شخصه ( حورس ) و ( ست ) . 3 - زادت قوة أتباع الإله ( ست ) فى النصف الثانى لعصر الأسرة الثانية على الأقل فى منف مركز الحكم ، الأمر الذى جعل الملك ( بر إيب سن ) - الملك قبل الأخير فى الأسرة الثانية - أن يضع ( ست ) بدلا من ( حورس ) على واجهة القصر الملكى ، و كانت تلك هى أول إشارة تارخية تكشف عن وجود صراع دينى و سياسى بين أنصار المعبودين . 4 - و فى عصر الملك ( خع سخموى ) ، حدث إتفاق بين أتباع كل من الإلهين حيث قام هذا الملك بوضع رمزا ( حورس ) و ( ست ) على واجهة القصر الملكى دلالة على تساويهما فى السيادة على الملكية ، ثم عادت السيادة الكاملة لحورس مرة أخرى فى عهد الملك ( زوسر ) مع بدايات الأسرة الثالثة . 5 - تزامن الصراع بين أتباع الإلهين ( حورس ) و ( ست ) تكوين و نشأة التاسوع الشمسى فى هليوبوليس ، حيث وضع كهنة الشمس إله خالق و أسموه ( آتوم ) ، و قاموا بتوحيده مع إله الشمس ( رع ) وهى الصيغةالتركيبية التى ظهرت بوضوح فى نهاية عصر الأسرة الخامسة ، و من المعروف أن ( آتوم ) إله تلفيقى نسجه كهنة هليوبوليس فى التاسوع فى عصر الأسرة الخامسة و لم يكن له أى و جود يدل عليه أثريا قبل تلك الفترة . 6 - أدى التوافق بين أتباع حورس فى الشمال و كهنة هليوبوليس - كنتيجة لإرتباط حورس إله السماء و الضياء بالعقيدة الشمسية - إلى محاولة ربط حورس بقرابة مع تاسوع هليوبوليس بما يحقق منفعة مادية و معنوية لأتباعه . و فى ذات الوقت ضم كهنة هليوبوليس الإله ( ست ) الى التاسوع الشمسى وهو الإله المنافس لحورس كأحد أفراد الجيل الرابع ليكون مع الإلهة ( نفتيس ) زوجا من الآلهة فى مقابل ( أوزير ) و ( إيزيس ) . 7 - لم يكن المعبود ( أوزير ) واحدا من آلهة التاسوع الشمسى حتى نهاية عصر الأسرة الرابعة على أقل تقدير ، حيث لم يذكر أوزير كأحد أفراد التاسوع نظرا لوجود تيار دينى شمسى معارض لإنضمامه لمجمع هليوبوليس ، وعندما زادت قوة نفوذ كهنة أوزير و تغلغلوا بعقيدتهم مابين كبار رجال الدولة و البيت المالك قبل كهنة الشمس بدخوله التاسوع فى عصر الأسرة الخامسة و وضعوه بدلا من المعبود ( جحوتى ) الذى كان الزوج الأول للإلهة ( إيزيس ) طبقا لما ورد فى نصوص الأهرام . 8 - دعمت شرعية الإله ( حورس ) كإله للملكية بنسبته إلى ( أوزير ) أحد أفراد التاسوع كإبن و وريث شرعى و أعطوه لقب ( حورس ابن ايزيس و حورس ابن اوزير ) على عكس المعبود ( ست ) الذى لم ينصهر فى التاسوع كأخيه ( اوزير ) و لم تظهر حميميته مع زوجته ( نفتيس ) التى أصبحت علاقتها بأوزير هى و أختها ( إيزيس ) قويةو واضحة حيث تشير نصوص الأهرام إلى حماية الأختين لجسد أخيهما ( أوزير ) بعد مقتله . 9 - نسجت فى مدينة هليوبوليس أهم المراكز الدينية فى الدلتا فى ذلك الوقت أيضا قصة مقتل أوزير على يد أخيه ( ست ) و حق ( حورس ) فى الأخذ بالثأر لمقتل أبيه ، و من هنا أطلق عليه أتباعه لقب ( حورس المنتقم لأبيه ) ، زيادة فى تدعيم موقف ( حورس ) و القضاء على أدنى فرصة لأتباع ( ست ) للنهوض مرة أخرى ................................................. و لذلك نستشف أن الأسطورة الأوزيرية لم يكن لها وجود فى البداية و لم تبتكر إلا لاحقا بعد إحتدام الصراع بين أتباع كلا من الإلهين ( حورس ) و ( ست ) تارة فى النصف الثانى لعصر الأسرة الثانية و تارة أخر فى عصر الأسرة الخامسة و رغبة كل من الطرفين فى تدعيم موقفه السياسى أمام الآخر عن طريق الحق الإلهى و بمعنى آخر إعطاء الأولوية للبعد ( التاريخى ) و ( السياسى ) على البعد ( الدينى ) فى تفسير نشأة الأسطورة . ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن علاقة (حورس ) إله الملكية بالمعبود ( أوزير ) كانت ثانوية بالنسبة لتنافسه السياسى مع الإله ( ست ) ، فلم تكن تربطه أدنى صلة قرابة بأوزير فى بادىء الأمر ، و إنما نسجت قصة بنوته لأوزير و رغبة الإنتقام من عمه ( ست ) لتجعل منه وريثا شرعيا لعرش ابيه ( حورس الملكية ) ، وبالتالى تدعيم مكانته أمام أتباع الإله ( ست ) فى الهيمنة على عرش مصر .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق