الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

الأسطورة و التاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم

( الأسطورة و التاريخ )


.................................. الأسطورة هى حكاية مقدسة ، يؤمن أهل الثقافة التى أنتجتها بصحة و صدق أحداثها ، فهى تسجل ماحدث فى الماضى الذى أدى إلى الأوضاع الحالية و من هنا نرى أن هناك صلة قوية بين ( الأسطورة ) و ( التاريخ ) تتمثل فى الرغبة فى الكشف عن معرفة ( أصل الحاضر ) و لكنهما يفترقان فى ( القيمة ) الى نسبغها على ذلك الأصل । فهو ( أصل مقدس ) عند الأسطورة و ( أصل دنيوى ) يخلو من القدسية عند التاريخ ، و بتعبير آخر إن الأسطورة تنظر إلى التاريخ بإعتباره ( تجلى للمشيئة الإلهية ) ، أما التاريخ ينظر إلى الأحداث و الوقائع على أنه ( تجلى للإرادة الإنسانية ) ، و هذ يعنى أننا أمام نوعين من التاريخ : التاريخ المقدس و التاريخ الدنيوى .
و لكن يجب أن نعى جيدا أن التاريخ المقدس يقتصر على سرد كيفية ( التجلى الإلهى ) فى الزمان و المكان الدنيويين و الكشف عن فعاليات ( الكائنات الماورائية الغيبية ) فى زمن عتيق يوصف دائما ب ( الزمن الأول ) . إن كل فعل من أفعال الإنسان ، بالنسبة للفكر الأسطورى ، لا يتمتع بقيمة ذاتية حقيقية ، بمعنى أن الإنسان يظهر فى الأسطورة على أنه ( غير متحكم فى مصيره ) بل أن كل أفعاله هى ( خطة رسمتها الآلهة ) ، فالجنس البشرى محكوم عليه بالكد و المشقة لأن الآلهة قد خلقته ليحمل عبء الكدح عنها ( طبقا لما ورد فى أساطير بلاد الرافدين ) و الكتابة المصرية القديمة لم تكن سوى إختراع من الإله ( جحوتى ) ثم هبها للمصريين ( طبقا لما ورد فى أساطير العصر المتأخر فى مصر ) .
إن مفهوم التاريخ لم يظهر فى الفكر الإنسانى الحديث إلا عندما بدأ الإنسان يضع ( الأفعال البشرية ) كمحرك حقيقى للأحداث محل ( مشيئة الآلهة ) . إن التاريخ الأسطورى لا يهتم إلا بالأحداث التى تصور تدخل ( عالم الآلهة فى عالم البشر ) و هو يغفل تماما ( الأحداث الدنيوية العادية ) التى صنعها الإنسان لأنه لايرى فيها أى جدارة أو إستحقاق لكى يسجلها فى الذاكرة فإذا ماحاول الفكر الأسطورى أن يتحدث عن حادثة تاريخية و بطل تاريخى ، فإن ذلك لن يحدث إلا عن طريق و ضعهما فى ( إطار أسطورى ) حيث تعمد الأسطورة إلى نزع ( الصفة الدنيوية البشرية ) عن البطل التاريخى و وضعه فى إطار ( إلهى مقدس ) و تتحول ( الواقعة التاريخية ) بأكملها إلى ( واقعة دينية مقدسة ) .
إن الأشخاص التاريخيين و الأحداث التاريخية بشكل عام ، لا يرسخون فى ( الذاكرة الحضارية ) للمجتمع إلا لفترة و جيزة من الزمن ، لا يلبث بعدها أن يتلاشوا من من ( ذاكرة الجماعة ) و يتغير و جههم بفعل ( الأسطورة ) . إن عناية الإنسان القديم بالتاريخ المقدس و تجاهله التاريخ الدنيوى ، قد دفعه إلى تجاهل دوره تماما فى ( حركة التاريخ ) ، فهو ينسب للآلهة كل ( الإنجازات الحضارية ) التى قادت إلى عملية التقدم و الرقى ، ( فالإله ) لا ( الإنسان ) كان أول فلاح و أول راعى و أول من صنع الزبدة و الجبن و أول من طحن و خبز الخبز و أول من صنع المحراث . و نستشف من ذلك أن الإنسان القديم كان يجهل ( أصول إبتكاراته الحضارية ) و علاوة على ذلك لم يكن يعرف الكثير عن أصل و تطور و نمو المدن و المعابد التى شيدها أسلافه الأولون ، و كان يعتقد أن مدنه التى يسكنها قد بنتها الآلهة فى سالف الزمان و سكنت فيها قبل أن يسكنها البشر و بنت لأنفسها معابد تقدس فيها ، ألم يكن التصميم المعمارى لمعبد إدفو هو ( كتاب هبط من السماء إلى شمال مدينة منف ؟ ) ، فإذا كان للإنسان بعد
ذلك أن يباشر أى فعل بشرى خلاق ، فإن الفعل يسير على غرار فعل سابق مشابه قامت به الآلهة و هو إذ يشيد معبدا أو مدينة ، فإنما يفعل ذلك و فق صورة مسبقة رسمتها الكائنات العليا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق