بسم الله الرحمن الرحيم
( أصل المعبود آمون و نشأة الكرنك الأولى )
................................ عكف عدد لابأس به من علماء المصريات على دراسة التخطيط المعمارى لمعابد الكرنك ، الأمر الذى أثار لدى كثير منهم التساؤلين التاليين : متى وضعت اللبنة الأولى لهذه المنشأة الدينية ؟ .... و ماهو أصل المعبود ( آمون ) ؟ .... قدم عالم المصريات الألمانى ( كورت زيته ) نظريته الشهيرة عن أصل و منشأ المعبود ( آمون ) فى أوائل القرن الماضى مرجحا منشأ ( آمون ) من مدينة ( هرموبوليس = الأشمونين ) و أنه كان أحد أفراد الثامون الذى تم عبادته فى عصر الدولة القديمة ، ثم و ضع الطرح القائل بإنتقال آمون من ( الأشمونين ) إلى ( طيبة ) عن طريق مجموعة من البحارة فى عصر الإنتقال الأول الذين كانوا يعتبرونه آنذاك إله المراكبية المسيطر على حركة الرياح و الهواء و من هنا إستقرت عبادته فى المكان الذى يعرف حاليا ب ( فناء الدولة الوسطى ) داخل الكرنك . إلا أن نظرية ( زيته ) لم تصمد طويلا أمام النقد العلمى للأسباب الآتية : 1 - لم يثبت اثريا حتى الآن أن مذهب ثامون الأشمونين قد تم تأليفه فى عصر الدولة القديمة فوجود ( آمون الأشمونين ) هو أمر غير مؤكد فى عصر الدولة القديمة . 2 - لم يقدم ( زيته ) سبب مقنع لإختيار البحارة لمنطقة طيبة بالتحديد لإستقرار ( آمون الأشمونين) فيها دونا عن اى مدينة صعيدية أخرى ؟ 3 - إن صفة ( آمون ) كرب للرياح و المسيطر على إتجاهات التيارات الهوائية لم تنسب له إلا فى عصر الدولة الحديثة من جانب أتباعه مما يعنى أن ذلك لم يكن سبب عبادته فى بادىء الأمر ........................ و من جهة أخرى نجد بعض فقرات متون الأهرام تذكر إسم المعبود ( آمون ) على إستحياء و لمرات قليلة جدا ، فمن الواضح أنه كان إلها مرتبط بالملكية بشكل ثانوي مما يعكس أن وجوده التاريخى فى عصر الدولة القديمة كان ضئيل الشأن . و لكن لاتشير أى فقرة من تلك النصوص إلى مقر عبادته الأولى . و يعتقد البعض من الدارسين أن منشأ المعبود ( آمون ) كان من مدينة طيبة نفسها منذ البداية و أنه لم يكن دخيلا عليها و يرتكزون فى ذلك على القائمة الملكية لمعبد الكرنك فى قاعة ( الآخ منو ) التى كان قد شيدها الملك ( تحتمس الثالث ) حيث سجلت هذه القائمة أسماء الملوك الذين حكموا مصر و أحاطوا المعبود ( آمون ) بكل مظاهر التوقير و التبجيل اللازم و قد كان ثانى الأسماء التى ذكرت فى هذه القائمة هى إسم الملك ( سنفرو ) ، أما الإسم السابق عليه فقد وجد مهشما مما فتح باب التأويل لإحتمالية أن يكون أول إسم ملكى فى القائمة للملك ( زوسر ؟ ) ، ولهذا السبب رجح بعض الباحثين أن أولى الشعائر قد أقيمت فى الكرنك لعبادة ( آمون ) منذ عصر الأسرة الثالثة . و لكن هذا الطرح يتجاهل الإشكالية التى تتعلق بمدى جدارة قائمة الكرنك الملكية لأن تكون مصدر تاريخي ؟ هل قوائم الملوك التى دونت فى المعابد تصلح لإستنباط بيانات تاريخية ؟ ألم تنسج هذه القوائم لأغراض دينية و سياسية محضة ؟ هل قوائم الملوك المدونة فى المعابد يمكن إعتبارها آثار محايدة تنطق بالحقيقة و لا تضليل فيها ؟ هل كان ( آمون ) إلها محليا فى الكرنك منذ عصر الأسرة الثالثة ؟ .............. إن أقدم أثر مؤكد يتحدث عن إقامة معبد لآمون فى الكرنك جاء من نص منقوش على لوحة و ضعها الملك ( إنتف الثانى ) أمام مقبرته فى القرنة على البر الغربى لمدينة ( طيبة ) . ومن الثابت أن هذا الملك ترجع فترة حكمه إلى النصف الأول لعصر الأسرة الحادية عشرة ، و لاريب أن هذه النواة التى وضعها ( إنتف ) قد أزيلت من مكانها فى عصر الملك ( سنوسرت الأول ) - ثانى ملوك الأسرة الثانية عشرة - الذى أقام بدلا منها معبدا مشيدا من الحجر الجيرى و الذى يعرف حاليا بفناء الدولة الوسطى فى الكرنك . جدير بالذكر أن حفائر البعثة الفرنسية فى فناء الدولة الوسطى كشفت عن أثر هام : وجود كتل من الطوب اللبن تشكل سور كان موضوعا حول معبد ( سنوسرت الأول ) تتطابقت أبعادها هندسيا مع القوالب اللبنية التى كانت تشكل أسوار الدولة القديمة ، الأمر الذى يعنى وجود نواة أولى صغيرة للكرنك ترجع لعصر الدولة القديمة على أقل تقدير ، و أن هذه النواة أزيلت فى عصر الملك ( انتف الثانى ) مع بدايات الأسرة الحادية عشرة خاصة إذا و ضعنا فى الإعتبار أن معابد الآلهة ذات الشأن المتواضع فى أقاليم مصر كانت تشيد بأكملها من الطوب اللبن فى عصر الدولة القديمة فكانت إزالتها أمرا يسيرا فى عصر الدولة الوسطى حيث أعاد ملوك تلك الفترة تشييد هذه المعابد من الحجر الجيرى بعدما علا شأن معبوداتها . و من هنا نرى أن الكرنك كانت نشأته الأولى تعود لعصر الدولة القديمة و مايؤكد ذلك هو تمثال الملك ( بيبى الأول ) - الأسرة السادسة - الذى عثر عليه عالم المصريات الفرنسى ( فرانسوا دوما ) فى معبد دندرة حيث نقش على ظهر التمثال مجموعة من الألقاب الملكية و منها (ملك مصر العليا و السفلى محبوب آمون رع رب طيبة ) و قد كان هذا الكشف على درجة عالية من الأهمية لأنه أماط اللثام على حقيقتين : 1 - أن معبد آمون كان قائما فى طيبة منذ عصر الأسرة السادسة على أقل تقدير . 2 - أن إتحاد ( آمون ) ب ( رع ) تم لأول مرة فى عصر الأسرة السادسة و لم يستحدث فى عصر الدولة الوسطى كما كان سائدا قبل ذلك فى الأوساط العلمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق