الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

إبن آوى منذ عصور ماقبل الأسرات و حتى نهاية عصر الدولة القديمة

بسم الله الرحمن الرحيم

( إبن آوى منذ عصور ماقبل الأسرات و حتى نهاية عصر الدولة القديمة )



........................ يعتبر إبن آوى من الكلبيات البرية التى تسكن الصحراء القريبة من الوادى ، وقد إشتهر بمهاجمة الجبانات لأكل الجيف و من هنا إرتبط بعدد من الآلهة الموتى و عالم الغرب . و قد أدى وجود هذا الحيوان فى المنطقة التى على الحافة بين الصحراء و الوادى ، بين العالمين البرى و المنظم ، عالم الموتى و عالم الأحياء ، إلى إقترانه بفكرة الإنتقال من عالم إلى عالم منذ عصور ماقبل الأسرات . و يرى البعض أن المصرى القديم قدس ذلك الكائن درءا لخطره المتمثل فى الهجوم على الدفنات و أكل الجيف إلا أن ذلك لم يكن هو الدافع الوحيد لتقديس إبن آوى ، فقد لاحظ المصرى القديم منذ عصور الترحال بقدرة إبن آوى الفائقة على العدو بسرعة مذهلة فى دروب و طرق الصحراء فلا يتيه فيها أبدا و لذلك ظن المصرى القديم أن الصحراء بدروبها و ممراتها هى مملكة إبن آوى ( الخبير و العارف بكل أسرارها ) ، كما إشتهر بمقدرته على الصيد داخل الصحراء حيث إعتمدت عليه جماعات الترحال فى العصر الحجرى الحديث فى غذائها فكان يحضر لهم الحيوانات البرية المستئنسة و لذلك سيظهر فى بداية العصر العتيق على أنه المتكفل بإحضار القرابين للملك الحاكم فى عالمى الدنيا و الآخرة ............ إن أقدم الإشارات التى تدل على وجود تقديس لإبن آوى ظهر فى حضارة البدارى منذ بدايات العصر الحجرى النحاسى فى مصر ( 4000 ق.م ) ، حيث عثر علماء ماقبل التاريخ على عدد من دفنات إبن آوى المكفنة تماما كدفنات الآدميين هى و مجموعة أخرى من الحيوانات ، الأمر الذى يدل على إحتمالية وجود شعائر و طقوس وجهت لذلك الحيوان فى البدارى . و منذ بداية عصور ماقبل الأسرات ظهرت رسوم تخطيطية بسيطة تمثل حيوانات إبن آوى على فخار حضارة نقادة الأولى ( من 3900 ق.م و حتى 3600 ق.م ) المعروف بإسم الفخار ذى الخطوط البيضاء المتقاطعة ، و فى عصر نقادة الثانية ( 3600 ق.م و حتى 3200 ق.م ) يبدوا أنه قد إتخذ هيئة و سمة المعبود بشكل صريح حيث بدأت تصنع مجموعة من التمائم تصوره كمعبود و من هنا إنتشرت تمائمه على سبيل المثال لا الحصر فى المستجدة و شرق الدلتا و نقادة و ربما كانت تقام له شعائر بشكل منتظم فى تلك الفترة . و سرعان مارتبط هذا المعبود بالملكية فى نهايات عصر نقادة الثالثة - الأسرة صفر ( 3200 ق.م و حتى 3000 ق.م ) حيث ظهر ضمن ألوية المعبودات المنقوشة على مقمعتى ( العقرب ) و ( نعرمر ) ممثلا لمعبود سيعرف فى بداية الأسرات بإسم ( وب واووت ) و يعنى إسمه فاتح الطرق و صوروه على هيئة إبن آوى القائم أو الراكض و أسند له أنصاره و ظيفتين :
1 - أصبح إبن آوى الراكض و لأول مرة مرتبطا بفتح الطرق للملوك خلال المعارك العسكرية فهو ( فاتح طرق الصحراء ) لتحقيق النصر للملوك و من هنا أصبح ( وب واووت ) يرتبط دوره بالملكية الدنيوية و ليس فقط الأخروية .
2 - تمثل دوره الثانى فى وظيفته التى عرفوها عنه منذ عصور ماقبل الأسرات ، فهو العارف بدروب الصحراء ( جبانة الموتى ) ، فأصبح يفتح طرق الأبدية للمتوفى ، فمن يظل فى صحبته لايضل الطريق أبدا فى ممرات و دهاليز العالم الآخر .
و جدير بالذكر أن كبير كهنة ( وب واووت ) فى العصر العتيق كان هو ذاته ولى العهد المرشح لتولى حكم البلاد بعد وفاة أبيه و لذلك كان هو نفسه الشخص الذى يتولى الإشراف على دفن الملك فى بداية الأسرات و عندما ظهرت الإرهاصات الأولى للأسطورة الأوزيرية رسميا فى نهايات عصر الأسرة الخامسة أشارت بعض متون الأهرام إلى أن ( وب واووت ) هو إبن الملك المتوفى ( أوزير ) الذى يقوم بتحنيطه! ثم جاء كهنة أوزير فى عصر الدولة الوسطى و إعتبروا ( وب واووت ) هو ( الإبن الأول ) لأبيه ( أوزير ) متجاهلين تماما المعبود ( حورس ) !! الأمر الذى يعنى أن كهنة ( أوزير ) إستلهموا موروثات ملكية واقعية لنسج أسطورة ربهم . .................................. و لم يكتفى أتباع ( إبن آوى ) بالهيئة الأولى التى عرفت عنه فى نهايات ( الأسرة صفر ) بل نسبوا إليه هيئة أخرى إشتهر بها فى ذات الفترة و هى هيئة إبن آوى الرابض و أطلقوا عليه لقب ( خنتى إمنتيوا ) بمعنى ( أول الذين فى الغرب ) و يشير إلى أنه يقف كأول كائن عند حافة الصحراء ( = الجبانة ) لكى يستقبل المتوفى فى مملكة الغرب و يرحل به نحو العالم الآخر .
و يطمح هذا المقال إلى الكشف عن أقوى الأدوار الدينية التى نسبت ( لإبن آوى ) فى ( عصر نقادة الثالثة - الأسرة صفر ) ، فقد ظهر فى صلايات تلك الفترة و هو يحيط بقرص الشمس من جميع الجهات تارة ، و رافعا لقرص الشمس تارة أخرى الأمر الذى يعنى بداية وجود صلة و علاقة دينية بين الديانة الشمسية و عقيدة ( إبن آوى ) فى تلك الفترة فى إطار الملكية الناشئة للأسرة ( صفر ) ، فقد إعتبر من الحيوانات المدافعة عن الشمس خلال رحلتها فلا يصيبها أى ضرر عند رحيلها نحو العالم الآخر فقد رأى المصرى القديم و قوف ذلك الحيوان عند قمم و مرتفعات الجبال فاعتقد أنه يقوم بحماية الشمس عند غروبها مابين الجبال و ربط بين ذلك المشهد و قدرة إبن آوى على الحركة بسرعة مذهلة داخل الممرات و الدروب الجبلية
و لذلك إعتبروه الأفضل على الإطلاق لحماية الشمس الغاربة .
و عندما إستقرت الصيغة التقديسية لإبن آوى فى عصر نقادة الثالثة - الأسرة صفر ، أصبح مقر عبادته الرئيسى ك ( خنتيى إمنتيوا ) فى ( كوم السلطان ) فى ( أبيدوس ) بجوار الجبانة الملكية لملوك الأسرة ( صفر ) فى ( أم الجعاب ) كما إستقرت عبادته الرئيسية ك ( وب واووت ) فى ( أسيوط ) . و من خلال حفائر البعثة الألمانية فى أبيدوس ، عثر ( جونتر دراير ) على طبعتى ختم دونت عليهما أسماء ملوك الأسرة الأولى بداية من ( نعرمر ) - آخر ملوك الأسرة صفر و حتى الملك ( قاعا ) - آخر ملوك الأسرة الأولى ، و هى تعتبر أقدم قائمة لأسماء ملكية معروفة لدينا حتى الآن و ظهر عليها إسم كل ملك و بجواره صورة المعبود ( حورس ) رب الملكية الأول و ( خنتى إمنتيوا ) الأمر الذى يعكس حقيقة هامة : أنالملك فى عالم الدنيا هو تجسيد ( حورس ) السماء على الأرض و عند وفاته فهو يتقمص هيئة ( خنتى إمنتيوا ) فى العالم الآخر و لم يكن فى تلك الفترة أى وجود رسمى مؤكد للمعبود ( أوزير ) كرب للعالم الآخر فذلك الدور لن ينسب إليه إلا بعد إتحاده ب ( خنتى إمنتيوا ) فى نهايات الدولة القديمة
و نظرا لأهمية ( خنتى إمنتيوا ) و إرتباطه الوثيق بالملكية فقد ورد إسمه 25 مرة فى نصوص الأهرام فى نهايات عصر الدولة القديمة حيث أماطت اللثام عن أدوار و وظائف دينية مختلفة له ، فقد تحدثت الفقرة رقم ( 674 ) عن جلوس الملك على عرش ( خنتى إمنتيوا ) فى العالم الآخر ( كن طاهرا أيها الملك و اجلس على رأس أولئك الذين هم أعظم منك و اجلس على عرش خنتى إمنتيوا ) ، كما أشارت الفقرة رقم ( 556 ) إلى نهوض الملك من رقدته بفضل توحده بإبن آوى ( قدماك هما قدما إبن آوى ، فانهض و ذراعاك هما ذراعا إبن آوى ، فانهض ) و عندما يتوحد الملك بذراعى و قدمى إبن آوى فإنه لايموت أبدا و يظل دائما فى حالة حركة و نشاط . و عندما إتحدت الملكية بالمذهب الأوزيرى و بدأ الملوك يصورون أنفسهم فى شكل المعبود ( أوزير ) فى معابدهم فى نهايات الأسرة الخامسة ، بدأ كهنته يجدون الصلات بين ربهم و ( خنتى إمنتيوا ) فانتحل لنفسه كل سماته و ألقابه و أ دواره و من هنا ظهرت بعد الفقؤات فى متون الأهرام التى تشير صراحة إلى إندماج ( أوزير ) ب ( خنتى إمنتيوا ) حتى أصبح خنتى إمنتيوا يلحق و يوصف كلقب ( لأوزير ) و من هنا أصبح يعرف بإسم ( أوزير خنتى إمنتيوا ) بمعنى أن المعبود الذى يقف فى طليعة مملكة الغرب هو ( أوزير ) و لذلك السبب بدأ كهنة ( خنتى إمنتيوا ) البحث عن بديل آخر لمعبودهم بعد أن أدركوا قوة الديانة الأوزيرية و من هنا ظهر و لأول مرة المعبود ( إنبو - أو - أنوبيس ) فى نهايات عصر الأسرة الخامسة و الذى لم يكن سوى صورة ( خنتى إمنتيوا ) القديمة فكان بديلا له فأعطوه نفس شكله القديم ( ابن آوى الرابض ) و حتى لايصيبه مصير ( خنتى إمنتيوا ) نسبوا إليه وظيفة المحنط لجسد المعبود ( أوزير ) فقام بتطهير أحشائه فى أبيدوس و عندئذ صعد ( أوزير ) نحو السماء طبقا لما ورد فى الفقرة رقم ( 509 ) من متون الأهرام ، و من هنا يضمن أتباع ( أنوبيس ) أن لايلقى نفس مصير ( خنتى إمنتيوا ) بربطه بالديانة الأوزيرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق