بسم الله الرحمن الرحيم
( مفهوم الأيقونوجرافية المصرية المسيحية فى العصرين الرومانى و البيزنطى-الجزء الأول )
.................. إعتاد المصرى القديم أن يعبر عن طموحات عصره باللغة الفنية النابعة من تراثه و المتفاعلة مع ثقافته و المتأثرة ببيئته ، و فى ظل إنهيار الفن المحلى القديم فى مصر - عندما كان للتأثيرات الهللينيستية قوة لايستهان بها فى الحركة الثقافية فنيا و موضوعيا - أطلت المسيحية بمظاهر جديدة تسيطر و تنمو و تتفاعل مع طموحات المواطن المصرى على المستوى الشعبى । و قد عمل هذا التفاعل إحياء العناصر المحلية فى الفن المصرى و عبر عن خصوصية تلك العقيدة . و من هنا نشير إلى أن الدراسات الحديثة أظهرت أن هناك قصورا شديدا فى إدراك حقيقة الرؤية المحلية الشعبية فى الثقافة المصرية خلال العصرين الرومانى و البيزنطى حيث إستمر تجاهل أهمية التقييم السيكولوجى أو بمعنى آخر فطرية المواطن المصرى فى التعامل مع الديانة الجديدة و مرادفاتها من معتقدات و طقوس .
و لاشك أن المسيحية أسهمت بإستقرارها على الأراضى المصرية فتح المجال أمام الثقافة الشعبية ، و هو الأمر الذى أعطى للمسيحية المصرية خصوبة و خصوصية محلية قوية ، و تميزت عن غيرها من الولايات الأخرى بل و تقودها أحيانا على المستوى العقائدى . و قد هيأ هذا الأمر - بطبيعة الحال - الساحة الفنية و الثقافية فى مصر لكى تتبوأ مقام الريادة الذاتية على الأقل فى وضع المقومات الفنية لعلم الصور المسيحية المعبرة عن ثقافة و تراث المصريين و المتفقة مع رغباتهم الدينية ، حيث كان الأمر - فى بعض الأحيان - يجتاز حدود الرؤية الدينية و يعبر عن مفهوم الوطنية او القومية .
إن مفهوم الإرتباط بين الصورة المسيحية مصرية الطابع و بين أهداف الشعب المصرى و طموحاته على المستويين الدينى و السياسى ، قد أعتنى به فى مصر منذ القرن الرابع الميلادى تقريبا ، حيث كان إستمرارا طبيعيا لأهمية الصورة صاحبة الأهداف السامية المعبرة عن طموحات الشعب و المنفذة بالأسلوب الشعبى فى حرية كاملة دون أن تحجبها أى قيود عن العامة ، تلك الخصوصية فى فن التصوير تعرف حديثا فى فن التصوير بمصطلح ( الأيقونوجرافيا ) . و بوصف الدارس ممن يعرفون جيدا هذه القضية العلمية حيث أمضى و قتا طويلا فى دراسته ، فهو سيحاول فى هذا المقال توضيح مقومات ظهور الصورة ظهور مفهوم الصورة صاحبة الأهداف السامية و المعبرة عن طموحات الشعب المصرى العظيم ، و ذلك فى ضوء المتغيرات التاريخية التى واكبت ظهورها . كما يلقى هذا المقال الضوء على مفهوم ( الأيقونوجرافيا ) من خلال المعايير التالية :
1 - إختيار الموضوع الدينى المراد تصويره
2 - تحديد اللقطة التصويرية المعبرة عن ذروة الحدث الدرامى للموضوع الدينى
3 - تحديد الخلفيات الإيمانية و الروحية المباشرة و الغير مباشرة
4 - تعيين ماهية الأسلوب الفنى
أولا : الأيقونوجرافيا المصرية و المتغيرات التاريخية :
إرتبط مصطلح الأيقونوجرافيا المصرية لدى العديد من الباحثين بفترة مابعد مجمع ( خلقدونيا ) فى منتصف القرن الخامس الميلادى ، حينما أصبح للصورة وظيفة مذهبية فى ظل الصراعات الدينية الحادثة . إلا أن مفهوم الصورة التى تعتمد على تكوين إنطباع شخصى أو دينى أو سياسى ، قد إرتبطت بالفن المصرى القديم قبل تلك الفترة حيث إحتلت جزءا كبيرا التراكيب الدينية و السياسية فى تماثيل الملوك المصريين و صور المعبودات . كما أنها شكلت عنصرا شعبيا و دينيا فى الصور ذات الطابع الجنائزى فى المقابر المصرية و المتمثلة فى صور التوابيت الشخصية و الأقنعة الجصية ، و التى كانت تمثل وظيفة دينية و عقائدية ثابتة عند المصريين قبل العصرين الرومانى و البيزنطى ، و لكنها أيضا كانت ظاهرة دينية إستمرت على المستوى الشعبى حتى ظهور المسيحية ، بل و إندمجت معها فى تطور للبورتريهات الشخصية الرومانية التى تعد مرحلة انتقالية بين الأيقونوجرافيا المصرية القديمة و بين الأيقونوجرافيا ذات الطابع المسيحى فى مصر .
لقد صارت الصورة رمزا مقدسا من الناحية العقائدية و الدينية ، و بالتالى فإن الأيقونة أو الصورة المنفذة بأية طريقة نحتا كانت أو تصويرا جداريا أو زخرفة نسيج تعد نموذجا للفن الهادف أولا و لها وظيفة مستقرة و ثابتة فى مصر . و بما أن تلك الأمور المقدسة فى الفترة المبكرة من دخول المسيحية الى مصر كانت تمارس بواسطة جماعات منعزلة - عرفت بإسم ( الجماعات الغنوصية ) - تمزج فى تعاليمها بين : 1 - الرمز و الفلسفة اليونانية . 2 - الموروث الحضارى المصرى و الهللينستى . 3 - تعاليم الكتاب المقدس
و لذلك أصبحت الأيقونة بمثابة و سيط دينى تمثل شخصا أو حدثا أو لقطة تعبيرية بعينها تحمل على عاتقها مهام تثبيت رؤية أخلاقية أو مذهبية ، أو ركنا مهما من أركان العقيدة ، تلقى الضوء حوله ، مثل صور ( السيد المسيح ، الأنبياء القدماء ، القديسيين الأوائل ، السيدة العذراء ، أسطورة قديمة لها دلالات تخدم العقيدة و توضحها من خلال تفسيرها الدينى ، أوضاع فنية مبتكرة تستخدم للتعبير الجنائزى على شواهد القبور و غيرها )
ثانيا : الموروث الدينى و العنصر الموضوعى :
يمكن القول إن الإبداع المصرى الحقيقى فى علم الأيقونوجرافيا قد تركز بصورة كبيرة فى تحديد العنصر الموضوعى للعمل الفنى ، بل أن إبداعه قد يتجلى فى اختياره لموضاعات ليست معبرة عن فترة محددة بل يستمر تأثيرها و بنفس القوة . و يمكن تقسيم العلاقة المسيحية و الأيقونوجرافيا المصرية الى ثلاث مراحل تاريخية :
المرحلة الأولى :
و هنا نحن أمام مرحلة صعبة فى الفترة المبكرة لظهور المسيحية فى مصر ( منذ القرن الأول و حتى بداية القرن الرابع الميلادى ) و ذلك لأننا لانستطيع الوقوف أرض ثابتة بالنسبة لهذا الفن و ارتباطه بالمسيحية فى تلك الفترة . و قدمت الدراسات الحديثة حول تطور المسيحية فى مصر خلال تلك الفترة تصورات دينية جديدة لتعاليم العقيدة المسيحية من خلال تبنى الجماعات الغنوصية لها ، و تجلت هذه التصورات فى سمات فنية محددة سيتناولها الدارس فى الجزء الثانى ( انتهى الجزء الأول )
( مفهوم الأيقونوجرافية المصرية المسيحية فى العصرين الرومانى و البيزنطى-الجزء الأول )
.................. إعتاد المصرى القديم أن يعبر عن طموحات عصره باللغة الفنية النابعة من تراثه و المتفاعلة مع ثقافته و المتأثرة ببيئته ، و فى ظل إنهيار الفن المحلى القديم فى مصر - عندما كان للتأثيرات الهللينيستية قوة لايستهان بها فى الحركة الثقافية فنيا و موضوعيا - أطلت المسيحية بمظاهر جديدة تسيطر و تنمو و تتفاعل مع طموحات المواطن المصرى على المستوى الشعبى । و قد عمل هذا التفاعل إحياء العناصر المحلية فى الفن المصرى و عبر عن خصوصية تلك العقيدة . و من هنا نشير إلى أن الدراسات الحديثة أظهرت أن هناك قصورا شديدا فى إدراك حقيقة الرؤية المحلية الشعبية فى الثقافة المصرية خلال العصرين الرومانى و البيزنطى حيث إستمر تجاهل أهمية التقييم السيكولوجى أو بمعنى آخر فطرية المواطن المصرى فى التعامل مع الديانة الجديدة و مرادفاتها من معتقدات و طقوس .
و لاشك أن المسيحية أسهمت بإستقرارها على الأراضى المصرية فتح المجال أمام الثقافة الشعبية ، و هو الأمر الذى أعطى للمسيحية المصرية خصوبة و خصوصية محلية قوية ، و تميزت عن غيرها من الولايات الأخرى بل و تقودها أحيانا على المستوى العقائدى . و قد هيأ هذا الأمر - بطبيعة الحال - الساحة الفنية و الثقافية فى مصر لكى تتبوأ مقام الريادة الذاتية على الأقل فى وضع المقومات الفنية لعلم الصور المسيحية المعبرة عن ثقافة و تراث المصريين و المتفقة مع رغباتهم الدينية ، حيث كان الأمر - فى بعض الأحيان - يجتاز حدود الرؤية الدينية و يعبر عن مفهوم الوطنية او القومية .
إن مفهوم الإرتباط بين الصورة المسيحية مصرية الطابع و بين أهداف الشعب المصرى و طموحاته على المستويين الدينى و السياسى ، قد أعتنى به فى مصر منذ القرن الرابع الميلادى تقريبا ، حيث كان إستمرارا طبيعيا لأهمية الصورة صاحبة الأهداف السامية المعبرة عن طموحات الشعب و المنفذة بالأسلوب الشعبى فى حرية كاملة دون أن تحجبها أى قيود عن العامة ، تلك الخصوصية فى فن التصوير تعرف حديثا فى فن التصوير بمصطلح ( الأيقونوجرافيا ) . و بوصف الدارس ممن يعرفون جيدا هذه القضية العلمية حيث أمضى و قتا طويلا فى دراسته ، فهو سيحاول فى هذا المقال توضيح مقومات ظهور الصورة ظهور مفهوم الصورة صاحبة الأهداف السامية و المعبرة عن طموحات الشعب المصرى العظيم ، و ذلك فى ضوء المتغيرات التاريخية التى واكبت ظهورها . كما يلقى هذا المقال الضوء على مفهوم ( الأيقونوجرافيا ) من خلال المعايير التالية :
1 - إختيار الموضوع الدينى المراد تصويره
2 - تحديد اللقطة التصويرية المعبرة عن ذروة الحدث الدرامى للموضوع الدينى
3 - تحديد الخلفيات الإيمانية و الروحية المباشرة و الغير مباشرة
4 - تعيين ماهية الأسلوب الفنى
أولا : الأيقونوجرافيا المصرية و المتغيرات التاريخية :
إرتبط مصطلح الأيقونوجرافيا المصرية لدى العديد من الباحثين بفترة مابعد مجمع ( خلقدونيا ) فى منتصف القرن الخامس الميلادى ، حينما أصبح للصورة وظيفة مذهبية فى ظل الصراعات الدينية الحادثة . إلا أن مفهوم الصورة التى تعتمد على تكوين إنطباع شخصى أو دينى أو سياسى ، قد إرتبطت بالفن المصرى القديم قبل تلك الفترة حيث إحتلت جزءا كبيرا التراكيب الدينية و السياسية فى تماثيل الملوك المصريين و صور المعبودات . كما أنها شكلت عنصرا شعبيا و دينيا فى الصور ذات الطابع الجنائزى فى المقابر المصرية و المتمثلة فى صور التوابيت الشخصية و الأقنعة الجصية ، و التى كانت تمثل وظيفة دينية و عقائدية ثابتة عند المصريين قبل العصرين الرومانى و البيزنطى ، و لكنها أيضا كانت ظاهرة دينية إستمرت على المستوى الشعبى حتى ظهور المسيحية ، بل و إندمجت معها فى تطور للبورتريهات الشخصية الرومانية التى تعد مرحلة انتقالية بين الأيقونوجرافيا المصرية القديمة و بين الأيقونوجرافيا ذات الطابع المسيحى فى مصر .
لقد صارت الصورة رمزا مقدسا من الناحية العقائدية و الدينية ، و بالتالى فإن الأيقونة أو الصورة المنفذة بأية طريقة نحتا كانت أو تصويرا جداريا أو زخرفة نسيج تعد نموذجا للفن الهادف أولا و لها وظيفة مستقرة و ثابتة فى مصر . و بما أن تلك الأمور المقدسة فى الفترة المبكرة من دخول المسيحية الى مصر كانت تمارس بواسطة جماعات منعزلة - عرفت بإسم ( الجماعات الغنوصية ) - تمزج فى تعاليمها بين : 1 - الرمز و الفلسفة اليونانية . 2 - الموروث الحضارى المصرى و الهللينستى . 3 - تعاليم الكتاب المقدس
و لذلك أصبحت الأيقونة بمثابة و سيط دينى تمثل شخصا أو حدثا أو لقطة تعبيرية بعينها تحمل على عاتقها مهام تثبيت رؤية أخلاقية أو مذهبية ، أو ركنا مهما من أركان العقيدة ، تلقى الضوء حوله ، مثل صور ( السيد المسيح ، الأنبياء القدماء ، القديسيين الأوائل ، السيدة العذراء ، أسطورة قديمة لها دلالات تخدم العقيدة و توضحها من خلال تفسيرها الدينى ، أوضاع فنية مبتكرة تستخدم للتعبير الجنائزى على شواهد القبور و غيرها )
ثانيا : الموروث الدينى و العنصر الموضوعى :
يمكن القول إن الإبداع المصرى الحقيقى فى علم الأيقونوجرافيا قد تركز بصورة كبيرة فى تحديد العنصر الموضوعى للعمل الفنى ، بل أن إبداعه قد يتجلى فى اختياره لموضاعات ليست معبرة عن فترة محددة بل يستمر تأثيرها و بنفس القوة . و يمكن تقسيم العلاقة المسيحية و الأيقونوجرافيا المصرية الى ثلاث مراحل تاريخية :
المرحلة الأولى :
و هنا نحن أمام مرحلة صعبة فى الفترة المبكرة لظهور المسيحية فى مصر ( منذ القرن الأول و حتى بداية القرن الرابع الميلادى ) و ذلك لأننا لانستطيع الوقوف أرض ثابتة بالنسبة لهذا الفن و ارتباطه بالمسيحية فى تلك الفترة . و قدمت الدراسات الحديثة حول تطور المسيحية فى مصر خلال تلك الفترة تصورات دينية جديدة لتعاليم العقيدة المسيحية من خلال تبنى الجماعات الغنوصية لها ، و تجلت هذه التصورات فى سمات فنية محددة سيتناولها الدارس فى الجزء الثانى ( انتهى الجزء الأول )