الثلاثاء، 29 مايو 2012

المغزى السياسي لمفهومى ( النظام ) و ( الفوضى ) فى أدبيات الدولة الوسطى


بسم الله الرحمن الرحيم

المغزى السياسي لمفهومى ( النظام ) و ( الفوضى ) فى أدبيات الدولة الوسطى ...........................................................................................................................بدأ حكم ملوك الأسرة الثانية عشرة ببرنامج ( إنهاء الفوضى ) التى أصابت البلاد خلال عصر الإنتقال الأول و بصورة نهائية . و قد كانت ( تنبؤات نفر رحو ) التى صيغت بشكل أدبي فى عصر الدولة الوسطى هى النموذج الكلاسيكي لوصف ( الفوضى ) التى إتسمت بها التجارب التاريخية لعصر الإنتقال الأول . إلا أن ملوك الدولة الوسطى أكدوا فى نصوصهم الأدبية أن مكافحة هذه الفوضى بصورة ناجزة لا تتم إلا من خلال مبدأ إستخدام ( القوة ) ، فالقوة الملكية ضرورية لمنع ظهور أى قوة إقليمية منافسة لها و لا سيما من حكام الأقاليم الذين تسببوا فى إنحلال السلطة الملكية . فالقوة ( وسيلة ) لأجل تحقيق ( هدف ) القضاء على الفوضى . و من هنا أصبحت الدولة الوسطى دولة القوة القانونية ، و لذا فإننا نرى ملوك ذلك العصر و هم يحتكرون الوسائل العسكرية اللازمة لإقامة القوة الملكية ، فتمكنت فى نهاية المطاف من إنهاء القوى الأخرى للجيوش المحلية الخاصة بحكام الأقاليم . و لا ريب أنه بدراسة أدبيات ذلك العصر يتبين لنا مجموعة من النتائج هى 
1 - تلفت التقارير الملكية الأدبية الأنظار نحو وصف ( الفوضى ) بالمنطوق اللفظى ( إسفت ) فى صورة بلاغية تعكس وجود ( أزمة ) فى عالم مصر ، إذا خلت من ( السلطة الملكية ) 
2 - تهدف هذه التقارير إلى التأكيد على عدم إمكانية حلول ( النظام ) و ( السلام ) و ( العدالة ) إلا بواسطة السلطة الملكية التى تعنى بكل بساطة ( وجود الدولة ) 
3 - تؤدى هذه الأفكار إلى وعى و إدراك الجماهير بوجود ( خطر دفين ) ، فهى توحى لهم بأن النظام فى العالم ( ليس من طبائع الأمور ) و ( لا هو قابل للتطبيق ) و ( لا هو سمة فطرية لدى البشر ) 
4 - تسعى تقارير أدبيات الدولة الوسطى إلى تصوير نتائج و تبعيات و عواقب إختفاء السلطة الملكية فى مصر ، فتفترض أنه إذا ما إنحلت هذه السلطة ، أدى ذلك لإختفاء ( ماعت ) نفسها ، فماعت - و من خلال النصوص الأدبية الرسمية للدولة الوسطى - هى التى تربط الفرد بالجماعة و الأحياء و الأموات و الآلهة و الكون ، فإن إختفت ( ماعت ) ، إنهارت الصلة بين الفرد و بين المجتمع و الآلهة ، فينعدم النظام و تتنحى الآلهة عن عالم مصر بأكمله ، و هى خسارة لا تعوض . فآلهة مصر هم الضمان للخير و النظام و الخصوبة و العطاء و الأمن ، فكانت رسالة ذلك العصر هو تساؤل ضمنى غير مباشر : أهكذا ترضى مصر لنفسها ؟ أهكذا يعيش شعب مصر ؟ ..... إن آلهة مصر إذا تركت البلاد لحالها يعنى ذلك فقدان الطبيعة لقواها الخيرة المغذية لمصر و شعبها فتكون العاقبة وخيمة : مجاعات - جفاف - سيادة القتل و النهب بين الناس - تحطم الصلات الإنسانية فى المجتمع و هى ذات المضمون الذي ورد ذكره فى ( إنذارات إيبو ور ) التى نشأت تحديدا فى الدولة الوسطى مساويء وهمية لعصر الإنتقال الأول فكان مضمون تلك الإنذارات هو أن مصر لا ترضى أن تعيش دون وجود سلطة ملكية ( الدولة القانونية القوية ) تسعى لتطبيق ( الماعت ) - النظام و تقضي على ( الإسفت ) - الفوضى 
5 - كلما زادت الأزمات و كلما زادت التعبيرات البلاغية المعبرة عنها ، زادت الحاجة إلى إبراز الفوضى فى مقابل السلطة الملكية المطلقة مما يساعد على الإيمان المطلق بضرورة وجودها ، و من الصعب أن يفهم و يدرك الدارس معنى و مفهوم الملكية فى عصر الدولة الوسطى إذا تصور وجودها فى عالم يخلو من الشرور و الأزمات و الكوارث 
6 - إن جميع نصوص الدولة الوسطى ذات الطابع الأدبي السياسي التى وصفت عصر الإنتقال الأول بأنه عصر الأزمات و الإشكاليات الكبرى هى نصوص سياسية مغرضة فى معظمها فليس لها أى سند أثري و لاسيما بعد ظهور مكتشفات أركيولوجية جديدة غيرت نظرتنا بشكل جذري عن ذلك العصر ، فعالم الأزمات و الفوضى هو عالم وهمى فى مقابل عالم النظام الذي نشأت من أجله ملكية الدولة الوسطى ، فهو عالم أيدولوجية الملك المنقذ من الكوارث و هو عالم الراعي الطيب الذي يحمي قطيع الإله ( شعب مصر ) من الذئاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق