الاثنين، 21 مايو 2012

المظاهر الثقافية للمعبد المصري فى العصرين البطلمي و الرومانى


بسم الله الرحمن الرحيم

المظاهر الثقافية للمعبد المصري فى العصرين البطلمي و الرومانى .............................................................................
أصبح المعبد المصري فى العصرين البطلمى و الرومانى حاملا لثقافة و آمال كهنة و شعب مصر بصورة تختلف إلى حد كبير عن صورة المعبد المصري فى عصور الدولة الوسطى و الحديثة و الإنتقال الثالث و المتأخر . فنقرأ فى معبد ( إدفو ) أن الملك ( بطلميوس الثالث ) أعاد بناء المعبد طبقا للخطة التى وضعها الأسلاف عند الشروع فى تشييده أول مرة . و كما هو مسجل على جدران المعبد ، أن خطة البناء العظيمة موجودة فى ذلك الكتاب الذي هبط من السماء شمال مدينة ( منف ) .
و من خلال هذا المثال يتضح لنا أن ( المعبد المصري ) فى العصرين البطلمى و الرومانى يصبح ( كتاب ديني مقدس ) ، فالمعبد هنا ليس سوى الترجمة الفعلية الواقعية لمفهوم ( الكتاب المقدس ) ، و يتحول ذلك الكتاب إلى ( قانون حضاري مقدس ) ، فهو من ناحية كتاب هبط من السماء الى شمال مدينة منف و من ناحة أخرى لم توجد أى إمكانية لإضافة أو إنتقاص أى شيء منه . كما تجدر الإشارة إلى وصف بعض النصوص فى إدفو لأمر هام و هو : أن ( إيمحوتب ) كان فى سياق آخر – هو الذي وضع ذلك الكتاب المقدس فى عصر الأسرة الثالثة . و نخلص من ذلك كله إلى أن : ( الكتاب ) هو أساس بناء ( المعبد ) و ( المعبد ) هنا يقوم بحفظ محتويات ( الكتاب المقدس ) فى داخله . 
إن ماهية المعبد المصري القديم فى العصرين البطلمى و الرومانى بوصفه ظاهرة حضارية بارزة تميز بسمات هامة ورد ذكرها على جدرانه فكانت ما يلي : 
1 – أكدت نصوص المعبد فى ذلك العصر على وجود خطة معمارية للبناء أطلقوا عليها تسمية ( سنت ) 
2 - تم وضع جميع كتابات و مناظر المعبد فى إطار برنامج دينى مقدس أطلقوا عليه لفظ ( سشم ) 
3 - و نظرا للزيادة الواضحة فى شعائر المعبد التى صورت بكثافة على جدرانه ، أصبح المظهر الطقسي للمعبد يسمى بلفظ ( تب – رد ) أو ( نت - عا ) 
4 – تميز المعبد فى تلك الفترة بوجود مظهر أخلاقي ، فظهرت نصوص تصور المعبد بإعتباره مكانا لنمط حياة نموذجى و بوصفه تحقيقا للقوانين الإلهية 
فإذا نظرنا للمعبد المصري من خلال العناصر السابقة ، نجد أنه أصبح ظاهرة حضارية من الطراز الأول ، فالمعبد هنا و فى ذلك العصر كان أكبر و أكثر من كونه مجرد صورة معمارية لمنشأة دينية مقدسة ، فلقد إتسمت صورة المعبد بما يلي : 
1 – أصبحت جميع المعابد فى العصرين البطلمى و الرومانى تتسم بخطة معمارية واحدة الطراز و أصبحة تلك الخطة الواحدة بمثابة قانون حضاري عام و متبع فى جميع أنحاء البلاد 
2 – أصبحت الأجزاء المعمارية للمعبد بمثابة مقاصير معمارية دينية مقدسة جاء تصميمها بحجم ضخم تحتوى و تحتضن بعضها البعض ( مثال : معبد إدفو ) ، فجاء شكل المعبد على هيئة مقاصير متداخلة ، تحتوى كل مقصورة فى داخلها على مقصورة أخرى أصغر منها ، و كان الهدف من ذلك كما أشارت نصوص المعبد إلى وجود قدسية إلهية على الأرض ينبغى حمايتها ، و يجب حجبها بكل الوسائل الممكنة عن سياق العالم الدنيوي ( الدنس ) 
3 – جاءت تصميم الأجزاء المعمارية الداخلية للمعبد على هذا النحو كما لو كانت ( إجراءات أمنية ) أملتها الضرورة لسبب ( وجود إحساس دفين بالخطر ) ، فهو الخوف من الدنس و إنتهاك حرمة و قدسية المعبد عن طريق العالم الخارجى الذي وصفته نصوص المعبد بعالم الضرر و الشر 
4 – لم يكن ذلك العالم الخارجي سوى أعداء مصر المهددين لثقافتها و حضارتها ، و من الصعب أن نفصل بين هذا السياق و بين سياق الغزو البطلمي و الرومانى لمصر و ما نتج عنه من محاولات تهديد الهوية الحضارية لمصر و بداية وجود شعور بغزو ثقافى 
5 – أكدت نصوص هذه المعابد على أمر هام و هو : عدم إقتراب الأجنبي الغريب من المعابد و عدم رؤيته لشعائر المعبد حتى لا ترحل الآلهة عن أرض مصر 
6 – ظهور مفهوم معاكس تماما للمعبود ( ست ) الذي تحول إلى ( إله للأجنبي الدنس ) الذي يعمل على تحطيم المقدسات فى مصر و يقود الجيوش الغازية ضدها – كما ظهر فى إدفو و دندرة و فيلة – و لم تكن هذه الصورة موجودة قبل ذلك العصر ، و بما أن ست و منذ البدايات الأولى كان ربا للأعاصير و الزوابع الرملية ، تم وصف الأجانب بأنهم مخلوقات إعصارية مرعبة تتبع ( ست ) لكى تقضي على البلاد
7 – تحول المعبد المصري الى مكان للإنزواء نحو الداخل للحفاظ على هوية مصر الثقافية من خلال الشعيرة التى تعمل على الحفاظ على العالم ، فأراد كهنة مصر خلق هوية متقوقعة على ذاتها رفضا للغريب الخارجي الأجنبي المهدد لهويتها الثقافية و من هنا تحول المعبد إلى رد فعل دفاعى لحضارة مصر 
8 – تحول المعبد المصري الى ذكرى خاصة للماضي المجيد و الذي يتجسد فى شكل بناء حجري ، و لم يكن ذلك الماضي سوي أعظم صورة مثالية للزمن الأول الذي ظهرت و حكمت فيه الألهة مصر ، فأصبح المعبد يمثل إصلاح دينى يأخذ شكل العودة إلى الأصول و المنابع الأولى المقدسة 
9 – إحتوت كتابات المعبد على ميراث الأسلاف المقدس ، فأصبح موسوعة للعلم و المعرفة المقدسة نظرا لأنها كانت من موروثات آلهة مصر الأوائل 
10 – إزدادت العلامات التصويرية الكتابية فى ذلك العصر بشكل لم يسبق له مثيل و ملأت هذه العلامات المعابد عن آخرها ، و أصبحت كل علامة تصويرية تجسد شيء من العالم الخارجى ، فأصبحت كل موجودات العالم الخارجي داخل المعبد و من هنا إحتوى المعبد على العالم الخارجى الحقيقي و المقدس الذي يختلف عن العالم الخارجي المزيف و الدنس ، فعالم المعبد هو العالم الحقيقي الذي تعمل الشعائر على إنقاذه من الخطر فى مقابل العالم الذي يقع خارج أسوار المعبد و الذي يهدد كيان المعبد الداخلى 
11 – بما أن هذه العلامات التصويرية و ضعت العالم الخارجي الحقيقي داخل المعبد ، و بما أن المعبد هو مقر سكن الآلهة ، نشأ تصور عن العالم بأكمله بأنه الكتابة التى سطرتها الآلهة فى بدء الزمان و أنها نفذت داخل المعبد 
12 – لم تعد الآلهة فى مصر تسكن الأرض كما ذكرت نصوص المعبد فى العصرين البطلمى و الرومانى ، و لكنها تستدعى لكى تسكن أرواحها داخل أجسادها ( تماثيلها ) فى قدس الأقداس و فى صورها التى تملأ جدران المعابد ، من خلال شعائر فى غاية الأهمية و الخطورة ، و من هنا نشأ القلق و الخوف من عدم إقامة طقوس إستدعاء آلهة مصر و هو الأمر الذي كررته كتابات المعابد فى أكثر من مناسبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق