بسم الله الرحمن الرحيم
الوضع الحضاري لمنف فى العصر العتيق ............................................................
.................يتناول الباحث فى هذه الدراسة واحدة من أهم المراكز الحضارية فى التاريخ المصري القديم . فلا ريب أنها قد حظيت بهذه المكانة المتميزة منذ بداية العصور التاريخية ، و كان لها دورا هاما فى مرحلة تأسيس الدولة . و لا يفوتني فى هذا الصدد أن أهدي هذا المقال للأستاذة الزميلة ( عبير أبو ضيف ) التى لا تتردد عن تقديم المساعدة لزملائها فى هذا الحقل .
أولا : التطور الحضاري لمنف منذ عصور ما قبل التاريخ
.............. تميزت المنطقة التى تم فيها تأسيس منف بتاريخ حضاري طويل ، فعلى الرغم من تأكيد بعض المصادر التاريخية على أن أول ملوك الأسرة الأولى هو مؤسس مدينة منف ، إلا أن الحفائر الأثرية أماطت اللثام عن نتائج مغايرة لما هو قد ساد و شاع منذ فترة طويلة تمثلت فيما يلي :
1 – قامت فى منطقة حلوان ( و هي الإمتداد الشرقي لمنف منذ عصور ما قبل التاريخ ) حضارة ذات أهمية كبرى منذ أواخر العصر الحجري القديم الأعلى و العصر الحجري الوسيط ( الفترة الممتدة من 12000 سنة قبل الميلاد و حتى 8000 سنة قبل الميلاد ) ، و تميزت هذه الحضارة بإكتشاف الإرهاصات الأولى لأقدم أدلة محتملة على ممارسة زراعة تمهيدية أولية ، تعتبر واحدة من أقدم القرائن على وجود زراعة فى مصر مما جعلها منطقة صالحة للسكنى و لو بشكل شبه مؤقت منذ ذلك العصر
2 – إستمر النشاط البشري فى منطقة حلوان فى العصر الحجري الحديث ( بدءا من 8000 سنة قبل الميلاد و حتى 4500 سنة قبل الميلاد ) فقدمت لنا تلك المرحلة واحدة من أقدم شارات و رموز الحكم و الزعامة فى أرض مصر ، و هى عبارة عن عصا قصيرة من الخشب يبلغ طولها حوالي 35 سم ، فى إحدى مقابر حلوان و فى يد أحد الموتى ، فكانت تمثل صولجانا ، هو الأقدم حتى الآن فى أرض مصر ، مما يدل على أن صاحب هذا الصولجان كان زعيما محتملا لمنطقة حلوان ، مما يعكس وجود سلطة سياسية و إجتماعية لذلك المكان منذ العصر الحجري الحديث
3 – مهدت حضارة حلوان لنشأة حضارة أخرى تقع بجوارها ، و هى حضارة المعادي خلال بداية عصور ما قبل الأسرات فى مصر ( بدءا من 3900 سنة قبل الميلاد ) و التى كان لموقعها المتميز الدور الأكبر فى قيامها بدور الوسيط التجاري بين حضارات مصر العليا من ناحية و حضارات مصر السفلى و حضارات جنوب بلاد الشام من ناحية أخرى . و منذ ذلك العصر أصبحت حضارة المعادي ذات التأثير الأكبر على حضارات مصر السفلى ، فكانت المعادي حضارة وارثة لحضارة حلوان بكل تقاليدها و عاداتها التى نقلتها فيما بعد للمراكز الحضارية لمصر السفلى
4 – عادت حضارة حلوان للإزدهار مرة أخرى - بعد إندثار حضارة المعادي – فمنذ عصر نقادة الثانية ( و هي المرحلة الحضارية الثانية لعصور ما قبل الأسرات ) و لاسيما النصف الأخير منها ( 3400 سنة قبل الميلاد و حتى 3200 سنة قبل الميلاد ) ظهرت جبانة كبرى فى حلوان إحتوت على عدد كبير من المقابر التى كشفت عن وجود مركز إداري و سياسي بارز فى ذلك العصر مما يرجح إزدهار فعلي لمنف ، هو الأكثر وضوحا ، منذ تلك الفترة
5 – و فى عصر نقادة الثالثة ( و هى المرحلة الحضارية الثالثة و الأخيرة لعصور ما قبل الأسرات فى مصر و التى ظهرت فيها الأسرة صفر ) و لا سيما فى النصف الأخير منها ، ( من 3100 سنة قبل الميلاد و حتى 3000 سنة قبل الميلاد ) بدأ إستخدام الجبانات المحيطة بمنف ، فى كل من سقارة و أبو صير و حلوان و زاوية العريان ، حيث وجدت أسماء بعض ملوك الأسرة صفر فى هذه المناطق مثل ( بي حور ) و ( كا ) و ( العقرب ) و ( نعرمر ) مما يدل على وجود نشاط إداري و دينى و سياسي لهؤلاء الملوك فى منطقة منف قبل عصر الأسرة الأولى
يتبين لنا مما تقدم أن نشأة مدينة منف لم ترتبط بملك واحد مثلما شاع بعد ذلك فى العصور التاريخية ، و أن الفضل فى تأسيسها لم يكن ينسب لأهل الشمال و لا لأهل الجنوب
ثانيا : المدلول اللغوي لإسم المدينة فى العصر العتيق ............................. عرفت هذه المدينة بإسم ( إنب – حج ) منذ عصر الأسرة الأولى و يعنى الجدار أو السور الأبيض ، و ربما يشير ذلك إلى أن زعماء و ملوك الأسرة صفر و بعدما قاموا بالسيطرة عليها ، شيدوا فيها حصنا كبيرا أو أقاموا حولها سورا ، و هى السياسة التى ظهرت خلال عصر الأسرة ( صفر ) حيث بدأ زعماء ذلك العصر فى عادة تحصين المدن السياسية و التجارية الكبرى لتمييزها عن المجتمعات المحيطة بها علاوة على تأمينها مما يعنى أن سياسة تحصين و تأمين مراكز و مدن مصر الكبرى لم تقتصر على مدينة منف فقط
أما إسم ( من – نفر ) ، فربما أطلق على المدينة منذ الأسرة الثانية عشرو شاع فى عصر الدولة الحديثة ، و هو إسم مشتق من إسم مدينة هرم الملك ( بيبي الأول ) و يترجم ذلك الإسم بالأثر الجميل أو المقر الطيب و لا ريب أن هذه التسمية كانت ترجمة لأمر واقع لدى المصري القديم حيث كانت بآثارها و لا سيما أهراماتها ، هى مدينة الأثر الجميل فى مصر
ثالثا : دوافع نشأة و تأسيس ( إنب – حج )
......................... أما عن دوافع تأسيس تلك المدينة فيمكن طرح الحقائق التالية :
1 – الدافع الأول و يكمن فى أهميتها التجارية المعروفة منذ النصف الثانى لعصر نقادة الثانية على أقل تقدير ( 3400 ق.م – 3200 ق.م ) ... فبها يقع طريق وادي حوف المجاور لحلوان و المؤدي إلى شبه جزيرة سيناء و جنوب بلاد الشام ، فكانت القوافل التجارية تمر على هذا الطريق من مصر لآسيا و العكس صحيح ، مما جعل منف تحكم سيطرتها على تجارة البضائع مع شبه جزيرة سيناء و جنوب بلاد الشام و لا شك أن هذه البضائع قد أثرت زعماء منف منذ عصر نقادة الثانية و لا سيما إذا وضعنا فى الإعتبار أن بضائع مصر العليا كانت تمر عليها ، مما كان دافعا للسيطرة عليها فى مرحلة لاحقة من جانب زعماء الأسرة صفر
2 – إهتم زعماء و ملوك الأسرة صفر بهذه المدينة بعدما أدركوا أهميتها التجارية و السياسية ، فهي تقع عند النهاية الشمالية لمصر العليا و النهاية الجنوبية لمصر السفلى ، و لذا كان عليهم أن يختاروا ذلك الموقع الإستراتيجي ( و الذي كان قد تأسس قبل سيطرتهم عليه ) لكي يسهل عليهم السيطرة و الإشراف على شئون الوجهين ، و لذا يعتقد البعض أن العاصمة السياسية و الإدارية لمصر كانت فى مدينة منف منذ عصر الأسرة صفر
3 – كان نهر النيل هو الوسيلة الأكثر سهولة و سرعة للإنتقال و الإتصال بين ربوع الأرض المصرية شمالا و جنوبا . فكان من الضروري أن تقع عاصمة مصر بالقرب من ضفاف هذا النهر . و كان لضيق الوادي لمنطقة منف ميزة نسبية لسهولة الإحكام و السيطرة على حركة الملاحة فى نهر النيل
رابعا : الجبانة المنفية فى عصر الأسرات المبكر
........................... كانت ( إنب – حج ) مركزا إداريا و تجاريا رئيسيا لمصر فى عصور ما قبل الأسرات و عصر الأسرات المبكر . و لذلك فقد عمل فيها عدد كبير من الحرفيين و العمال و كبار رجال الدولة ، فكانت كثافتها السكانية هى الأكثر إرتفاعا بالقارنة بغيرها من المدن الأخرى ، و قد أكد ذلك إتساع جبانتها التى شملت المواقع التالية :
1 – جبانة غرب سقارة بجوار السرابيوم و تؤرخ مقابرها بأواخر عصر نقادة الثالثة ( الأسرة صفر ) و حتى الأسرة الثانية و هي تخص طبقة من صغار الموظفين
2 – جبانة جنوب أبو صير و هى إمتداد طبيعي لجبانة غرب سقارة و تؤرخ بنفس الفترة
3 – جبانة حلوان – عزبة الوالدة باشا – المعصرة : و هى تقع على قبالة قرية أبو صير على الضفة الشرقية لنهر النيل و هى تعد أكبر جبانة فى مصر خلال عصر نقادة الثانية و حتى بدايات الدولة القديمة فقد وجد فيها أكثر من 10000 مقبرة ، و كانت كبرى المفاجآت فيها هى وجود دلائل لإستخدام الحجر فى بعض مقابرها منذ عصر الأسرة الأولى . و دفن في هذه الجبانة :
أ – بعض كبار موظفي الدولة الذين عملوا فى البلاط الملكي
ب - صغار الموظفين و العمال و الحرفين
ج – بعض من أعضاء العائلة الملكية ، حيث وجدت ألقاب الزوجة الملكية و بنت الملك و إبن الملك
كما تميزت عدد من هذه المقابر بوجود واجهات ذات دخلات و خرجات مما يعنى أن بعض السمات المعمارية للمقابر الملكية لم تكن حكرا على الملوك وحدهم فى العصر العتيق و لعل ما يؤيد ذلك وجود حفر للمراكب بجوار مقابر الأفراد فى عصر الأسرة الأولى الأمر الذي يكشف عن إيمان أصحابها بوجود عالم آخر مشابه إلى حد كبير للمصير الملكي الأخروي فى ذلك العصر
4 – جبانة طرة و التى تقع على الضفة الشرقية للنيل و تؤرخ مقابرها بعصري الأسرة صفر و الأولى و تميزت بعض مقابرها بحجمها الكبير و دلت معظمها على صلة و علاقة أصحابها بالإدارة الملكية فى تلك الفترة
5 – جبانة شمال سقارة : و مقابرها مؤرخة بالأسرات الأولى و الثانية و الثالثة و هى تخص كبار موظفى الدولة علاوة على مقابر أخرى لصغار الموظفين و يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات على هذه المقابر و هي :
أ – تقع مقابر الأسرة الأولى على الجانب الشمالي الشرقي لهضبة سقارة و تبين لنا بما لا يدع مجالا للشك أنها لم تكن تخص ملوك الأسرة الأولى مثلما كان يعتقد عدد كبير من أوائل الدارسين ، بل هى فى معظمها مقابر لكبار الأفراد
ب – إتخذ ملوك الأسرة الثانية و لأول مرة قرارا بدفنهم فى جبانة سقارة و لا سيما فى جنوب مجموعة الملك زوسر الجنزية التى لم تكن قد شيدت بعد ، فتم الكشف عن مقبرتي الملكين حوتب سخموي و نى نتر أسفل الطريق الصاعد لهرم الملك ونيس ، مما يعنى أن الدفنات فى سقارة إنتقلت من شمال الهضبة إلى وسطها تقريبا
ج – عادت مقابر الأفراد فى عصر الأسرة الثالثة إلى شمال سقارة و لكن على الجانب الغربي منها فى منحدر يطلق عليه منحدر وادي أبو صير ( شمال غرب مجموعة الهرم المدرج )
تجدر الإشارة إلى ان مقابر الأفراد فى عصر الأسرة الأولى قد تميزت هي الأخرى بواجهاتها ذات الدخلات و الخرجات و زينت بعضها برؤوس ثيران منحوتة بقرون طبيعية ! الأمر الذي دفع علماء المصريات الأوائل لإعتبار أصحابها من ملوك الأسرة الأولى ، إلا أنه ظهرت لدينا مجموعة من المعطيات الجديدة كشفت عن حقائق تمثلت فى أن أصحابها كانوا كهنة جنائزيين أشرفوا على تقديس ملوكهم و إقامة أعيادهم الملكية و إحتفالات أرباب مدينة منف الدينية فى تلك الفترة
6 – المنشآت الملكية : وجدت شواهد أثرية مؤكدة لمنشآت دينية ملكية ذات طابع جنائزى فى منطقة سقارة فى العصر المبكر ، فمنذ عصر الملك ( جر ) على أقل تقدير ، و بالتحديد فى المنطقة التى تشغلها مجموعة الملك ( زوسر ) و ذلك يرجع للإعتبارات التالية :
أ – أشارت حوليات كل من الملوك ( جر - دن – سمرخت – قاعا ) من الأسرة الأولى ، إلى وجود مجموعات جنائزية و شعائرية لهم فى نفس المنطقة التى شيد فيها الملك زوسر مجموعته فيما بعد
ب – قام الملك جر فى العام الخامس من حكمه بتشييد مجموعته الجنائزية فى سقارة التى أطلق عليها تسمية ( سمر – نترو ) بمعنى رفيق الآلهة و لا ينبغى لنا أن تجاهل أن هذه التسمية قد وجدت على آثار مكتشفة فى مجموعة الهرم المدرج للملك زوسر
ج – تكرر ذات الأمر مع الملك ( دن ) الذي شيد مجموعته تحت مسمى ( سوت – نترو ) بمعنى عروش الآلهة ، و قد ذكرت هذه التسمية بالفعل على بعض آثار مجموعة زوسر الجنائزية ، و بناءا على ذلك يمكن إعتبار تلك المنشآت مبانى جنائزية طقسية للملك المتوفى و أسلافه و هى ذات الفكرة التى إستقاها الملك زوسر من بعدهم و قام بتطبيقها على نطاق متجدد
د – مع بداية الأسرة الثالثة أقام الملك زوسر مجموعته فى أكثر المناطق إرتفاعا فى سقارة فقام بإزالة المجموعات الجنائزية الأقدم و ما يرجح ذلك هو وجود آثار لملوك من تلك الأسرة فى داخل الممرات السفلية للهرم المدرج ، حيث عثر بداخلها على آلاف الأوانى الحجرية و كانت أكبرها و أكثرها عددا ترجع لعصر الملك جر علاوة على أوانى تعود لبقية ملوك الأسرة الأولى و الثانية ، مما يكشف عن رغبة الملك فى تجميع آثار أسلافه من نفس الأماكن الجنائزية التى كانت توجد فيها ، و ذلك بغرض تأكيد شرعية حكمه بإعتباره وريثا للأسلاف ، و لتشييد مجموعة الهرم المدرج تمت إزالة كل المنشآت الملكية التى تخص تلك الفترة
ه – مما يؤكد على وجود منشآت لملوك الأسرة الأولى فى منطقة الهرم المدرج هو هو تشييد مقابر ملوك الأسرة الثانية إلى الجنوب منها كما سبقت الإشارة من قبل . فإذا كانت مقبرة الملك حوتب سخموي هي أولى المنشآت الملكية فى هذه المنطقة ، فلماذا لم يشيدها فى البقعة الرئيسية التى تشغلها الآن مجموعة الهرم المدرج ، و التى كانت أكثر وضوحا ؟ فالإجابة الأكثر منطقية على هذا التساؤل هى أن هذه البقعة كانت مشغولة بالفعل من قبل . و ربما كان الدافع الرئيسي لذلك العمل هو سعي الملك ( زوسر ) إلى أن تكون مجموعته فى مواجهة مدينة ( إنب – حج ) قبل أن تنتقل شرقا إلى موقع ميت رهينة الحالى
و هنا يمكن لنا أن نستشف أن الآثار الملكية فى سقارة و خلال عصر الأسرتين الأولى و الثانية كانت تقع قبالة وادي أبو صير ، و كان يمكن رؤيتها بوضوح من موقع مدينة ( إنب – حج ) و تحديدا عند قرية أبو صير الحالية . فى حين لا يمكن رؤيتها من موقع ميت رهينة ، و ذلك بإستثناء الهرم المدرج الذي يمكن رؤيته من الموقع الحالي بسبب إرتفاع بنيانه
خامسا : مؤسس ( إنب – حج )
ذكرت بعض المصادر التاريخية أن الملك ( مني ) هو أول ملوك الأسرة الأولى و هو ذاته مؤسس منف . و قد تناول الباحث هذه القضية فى أكثر من دراسة و كشف فيها عن مايلي :
1 – لا وجود لملك يدعى ( منى ) فى الحضارة المصرية القديمة ، فذلك الإسم لم يظهر قبل عصر الدولة الحديثة لإعتبارات سياسية و دينية لدى كهنة تلك الفترة تمثلت فى خلق نقطة بداية للملكية المصرية و تبيت الهوية الحضارية و السياسية للبلاد ، بعدما تبين لهم صعوبة رصد وحدة مصر السياسية خلال عصر الأسرة صفر التى لم تتبلور فيها الكتابة المصرية بشكل كافى لتحكي عن كيفية قيام ذلك الحدث ، فاختاروا تلك التسمية لكى تشير إلى كينونة و هوية ملك مصر الأول بصرف النظر عن إسمه الحقيقي و الذي يعنى الثابت أو الدائم أو الخالد أو المؤسس ( مؤسس وحدة مصر )
2 – لا وجود لعبادة جنزية لهذا الملك فى جبانة منف خلال العصر العتيق و الدولة القديمة و الدولة الوسطى
3 – لم يرد إسم ذلك الملك على الإطلاق فى مقابر الأفراد فى عصر الأسرة الأولى و على النقيض من ذلك نجد أسماء ملوك الأسرة الأولى جميعهم فى مقابر تلك الفترة
4 – كشف الدارس فى مقالات متعددة أن وحدة مصر لم تتم في جيل زمني واحد ، بل إستغرقت فترة طويلة إمتدت لحوالى 150 سنة فيما يعرف بالأسرة صفر
5 – لم تتأسس مدينة منف على يد شخص واحد ، بل وجدت آثارها منذ عصر نقادة الثانية على أقل تقدير ( قبل بداية الأسرة الأولى بأربعمائة عام تقريبا ) و البعض يرى أن حضارة حلوان ( التى كانت الحد الشرقى لمنف فى عصورها التاريخية ) كانت هى النشأة الأولى و التمهيد الأقدم لظهور منف فيما بعد و تحديدا منذ نهايات العصر الحجري القديم الأعلى كما تقدم ذكره و سيما و أن المنطقة كان يسقط فيها المطر بكميات كافية مما جعلها صالحة للسكنى و الإستقرار فى ذلك العصر البعيد
سادسا : النشأة الأولى للمعبود بتاح فى منف
ظهر المعبود بتاح كواحد من أقدم المعبودات التى صورت فى هيئة بشرية منذ عصر الأسرة ( صفر ) ، حيث ظهر بهيئته البشرية مصورا على إناء من طرخان ( التى تعتبر الحد الجنوبي لمنف فى ذلك العصر و تقع على حوالى 70 كم ناحية الجنوب ) و تم إعتباره منذ الوهلة الأولى ربا للفن و الصناع و الفنانيين . و تجدر الإشارة إلى أن حرفيي و عمال منف فى عصور ما قبل الأسرات كان عددا كبيرا منهم منحدرا من مصر السفلى و العليا نظرا لأهمية منف التجارية فى تلك الفترة ، مما كان دافعا لهم لكى يبحثوا فيها عن مصادر للعمل و الرزق ، فاستقر كهنتها على تلك الهيئة البشرية التى يرى فيها الدارس إمتدادا لمعبودات مصر ذات الهيئة البشرية و المعروفة منذ العصر الحجري الحديث و عصور ما قبل الأسرات فى مصر ، فلم تكن هيئته مبتكرة فى عصر الأسرة صفر . كما أن ظهور الحرف و الصناعات المختلفة و المتعددة فى ذلك المركز التجاري فى عصور ما قبل الأسرات أدى إلى منح صفة الربوبية للفن و الصناعة و الفنانين لذلك المعبود
الخاتمة
.............................................................................يتضح لنا مما تقدم أن منف كانت عامرة بالسكان و النشاط الحضاري منذ أقدم العصور ، و إستمر ذلك الوضع و بدون إنقطاع تقريبا حتى زادت أهميتها فى خلال مرحلة الوحدة السياسية لمصر خلال عصر الأسرة صفر مما كان سببا محتملا لإتخاذها كعاصمة سياسية و دافعا لإنشاء حصن عسكري ضخم يحوطها من جميع الجهات لتأمينها ، فأطلق عليها ( إنب – حج ) بمعنى الجدار الأبيض أو السور الأبيض و على الرغم من إتساع جبانتها ، حظيت سقارة بالإهتمام الأكبر حيث شيدت فيها مجموعات جنائزية لتقديس ملوك العصر العتيق علاوة على مقابر ملكية لبعض ملوك الأسرة الثانية ، بالإضافة إلى مقابر كبار رجال الدولة . و اتضح لنا من خلال دراسة الإطار العام للجبانة المنفية ، إحتمالية وجود موقع مدينة ( إنب – حج ) أسفل قرية أبو صير الحالية و ذلك قبل أن تنتقل إلى موقع ميت رهينة فى عصر الأسرة الثالثة