الخميس، 9 أغسطس 2012

حورس و ست بين الأحداث الأسطورية و الوقائع التاريخية منذ عصور ما قبل الأسرات و حتى نهاية عصر الدولة القديمة


بسم الله الرحمن الرحيم 

حورس  و ست بين الأحداث الأسطورية و الوقائع التاريخية منذ عصور ما قبل الأسرات و  حتى نهاية عصر الدولة القديمة ...................................................................................................................................................... 
....

حظيت أسطورة حورس و ست بأهمية كبيرة في المعتقدات الدينية و الجنائزية في  مصر القديمة ، الأمر الذي دلل عليه ورود مقتطفات منها في العديد من النصوص  الدينية و الإشارة و التلميح لبعض أحداثها في الشعائر الدينية و الجنائزية و  التعاويذ السحرية و غيرها منذ عصر الدولة القديمة و على مر العصور  التاريخية . و يتجه هذا البحث لدراسة الأحداث الأسطورية التي وقعت بين  المعبودين حورس و تم تسجيلها لأول مرة في نصوص الأهرام في عصر الدولة  القديمة و مدى مطابقة تلك الأحداث بالوقائع التاريخية المرافقة لها أو مدى  تحويل هذه الوقائع الحقيقية إلى إطار أسطوري تمتع بوجود سلطة عظيمة على  الملكية المصرية منذ نشأتها الأولى و حتى نهاية عصر الدولة القديمة . و  لذلك يفرض هذا البحث مجموعة من التساؤلات المشروعة على صاحبه و هي : ما هي  المصداقية التاريخية لأسطورة الربين حورس و ست ؟ هل هذه الأسطورة تحكي  وقائع تاريخية وقعت بالفعل في بعض الفترات التاريخية ؟ ما هي علاقة حورس  بأوزير ؟ هل حورس إبن أوزير كان موجودا منذ البداية في أسطورة حورس و ست ؟  ما هي أسباب الصراع الفعلي بين المعبودين ؟ ما هي الفائدة من نسج هذه  الأسطورة في الدولة القديمة ؟
 و قبل أن نجيب على هذه التساؤلات عن  كيفية نشأة هذه الأسطورة و رسوخها في وجدان الملكية و لاسيما في عصر الدولة  القديمة و الدوافع الكامنة وراء إبتكارها ، يجب إلقاء بعض الضوء على مكانة  الربين حورس و ست منذ عصور ما قبل الأسرات من خلال الآثار المتاحة لنا  للوقوف على أوضاعهما التاريخية الفعلية و مدى تطور مكانتهما في المراحل  اللاحقة في العصر العتيق و الدولة القديمة لفهم و إدراك التغيرات و  التعديلات التي طرأت عليهما مما أدى لنِشأة و تكوين و نسج أسطورتهما سويا .
و نبدأ بالمعبود حورس و هو واحد من أقدم الأرباب في الظهور ، فهو رب  السماء و يعني إسمه ( العالي ) أو ( البعيد ) و ذلك يشير إلى ما كان في  مخيلة المصري القديم من سيطرة الصقر على مملكة السماء و تحليقه فيها دائما  فضلا عن قدرته على الطيران عاليا و لمسافات شاهقة . و قد ظهرت عبادته منذ  عصر نقادة الأولى ( و هي أولى مرحل عصور ما قبل الأسرات و تبدأ بحوالي 3900  ق.م ) و كان في الأصل إله البدو و الصيادين منذ عصور الترحال في العصور  الحجرية القديمة فاتخذوه رمزا لهم في الصيد و ذلك بفضل قدرته على الإنقضاض  السريع على ضحيته و إنتشرت عبادته في مراكز دينية و سياسية هامة في عصر  نقادة الثانية ( و هي ثاني مراحل فترة ما قبل الأسرات التي تبدأ حوالي 3600  ق.م ) و عندما زادت شعبيته في البلاد و إكتسبت أهمية كبرى مع مرور الوقت  إنتسب إليه زعماء الأسرة صفر في عصر نقادة الثالثة ( و هي آخر مراحل ما قبل  الأسرات و تبدأ حوالي 3200 ق.م ) لتوحيد البلاد سياسيا رافعين معهم شأن  المعبود الصقري حورس و جعلوا من نخن ( هيراكونبوليس ) مركز عبادته الرئيسية  حتى أوصلوه إلى مرتبة إله الدولة الرسمي مما جعله ربا للملكية المصرية ،  فأطلق على الملك لقب " حورس فلان " و كان ذلك هو أقدم الألقاب الملكية التي  سجلت على واجهة القصر الملكي التي عرفت بإسم " السرخ " .
و لايب أن  ما ساعد زعماء الأسرة صفر على إتمام التوحيد السياسي تحت راية المعبود حورس  هو إنتشار العبادة الصقرية جنوبا و شمالا بشكل عام منذ عصور ما قبل  الأسرات مما يبرر كثرة التمائم التي عثر عليها لرمز الصقر منتشرة في مصر . و  لعل ما ساعدهم أيضا هو إرتباط هذا المعبود الصقري بالسماء و بالعقيدة  الشمسية منذ عصر الأسرة صفر التي كانت أكبر ديانة في مصر سياسيا و دينيا  فظهرت هيئة الصقر بوصفها الهيئة الأولى المقدسة لمعبود الشمس رع . كما إتحد  حورس في ذات الوقت مع الإله مين رب الخصوبة و لذلك ظهرت تمائم في عصر  نقادة الثالثة تجمع بين رمزيهما . و من جانب آخر تم العثور على قطع حلي و  تمائم و خواتم زخرفت بأربعة صقور تربط المعبود حورس بإتجاهات الكون الأربعة  .
و عندما حاول ملوك و زعماء الأسرة صفر التعبير عن أنفسهم تحت راية  المعبود حورس ، إنتقلوا بين مراحل أربع طبقا لما دلت عليه مخربشات الأواني  التي عثر عليها في ربوع البلاد ، فكانت هذه الخطوات كما يلي :
1 –  الخطوة  الأولى : في البداية قاموا بالتعبير عن أنفسهم برسم  واجهة بيت  الزعيم على آثارهم شمالا و جنوبا و هو ما أطلق عليه في مرحلة لاحقة تسمية (  السرخ )
2 – الخطوة الثانية : وضع زعماء الأسرة صفر فوق السرخ رمزي  أو علامتي الصقر حورس اللتين تعبران عن حورس الشمال و حورس الجنوب مما يشير  لوجود تصور حضاري تمهيدي بين أقاليم مصر المختلفة لتقبل مفهوم قيام الوحدة  السياسية .
3 – الخطوة الثالثة : قام زعماء الأسرة صفر بالتعبير عن  أسمائهم مباشرة التي كان يتداخل في تركيب معظمها إسم حورس مثل الزعماء ( بي  حور ) و ( إري حور ) و ( حات حور ) و ( ني حور ) دون الحاجة لتصوير هذه  الأسماء مع شكل السرخ القديم .
4 – الخطوة الرابعة و الأخيرة : ظهر  عدد من الملوك لا ينتسب صراحة في إسمه للمعبود ( حورس ) مثل الملوك (  التمساح ) و ( كا ) و ( العقرب ) و ( نعرمر ) ، فظهرت هذه الأسماء أحيانا  مع السرخ و أحيانا أخرى مع علامة الصقر و أخيرا مع العلامتين و ذلك بسبب  رغبتهم في عدم الإبتعاد عن المعبود حورس رب الملكية الذي خرج أسلافهم تحت  رايته لتوحيد البلاد سياسيا مما نتج عنه بعد ذلك ظهور اللقب الحوري في  بدايات العصر العتيق و الذي لم يكن له أي علاقة على الإطلاق بالأسطورة  الأوزيرية التي نشأت في مرحلة متأخرة من عصر الدولة القديمة ، بمعنى أدق لم  يكن حورس إبن أوزير هو ذاته حورس رب الملكية القديم الذي قام ملوك الأسرة  صفر بإتخاذه ربا حاميا و راعيا لهم خلال عملية توحيد البلاد سياسيا .
أما عن المعبود ست ، فيرجع ظهوره منذ عصر نقادة الأولى حيث ظهر تصويره على  أمشاط و أواني تلك الفترة و في عصر نقادة الثانية إنتشرت عبادته كذلك في  الشمال و الجنوب و تمكن أنصاره من إيجاد مركز عبادة له في منف حيث كشفت  الحفائر عن وجود تمائم و أختام في جبانة حلوان ( الإمتداد الشرقي لمنف )  ترجع لنقادة الثانية و صور عليها هيئة المعبود ست أما في عصر نقادة الثالثة  ، فقد إنتسب إليه بعض زعماء الأسرة صفر الذين نشأوا و تربوا في المدن التي  كان يقدس فيها فكان من المنطقي أن يتخذوه هو الآخر ربا للملكية و لاسيما  الملك العقرب و هو الملك قبل الأخير في عصر الأسرة صفر – راجع مقال سابق  للدارس بعنوان من هو الملك العقرب – فتم تصويره على أحد أولوية آلهة مصر  العليا على آثار الأسرة صفر كما تم تصويره على رأس مقمعة الملك العقرب و  أصبح مركز عبادته الرئيسي في أمبوس بالقرب من نقادة الحالية في صعيد مصر .  أما عن الحيوان الخرافي الممثل لهيئة ذلك المعبود فربما كانت هذه الهيئة  المجسدة لظواهر الكون ذات الأثر الخطير مثل رياح الخماسين و البرق و الرعد و  الزوابع الرملية و هي الأدوار التي ورد ذكرها في نصوص الأهرام في فترة  لاحقة و نسبت له . كما نسبت له السيطرة على عالم الليل و الظلام و ذلك في  مقابل حورس رب السماء و الضياء الشمسي و النور و هنا يمكن القول بأن المصري  القديم رأى في المعبود ست تجسيدا لسمات البأس و البطش و القوة و الشدة منذ  عصور ما قبل الأسرات .
و يرى البعض أنه لمحاولة تتبع و إدراك الأحداث  التي جمعت بين الربين حورس و ست في الفترة المتأخرة من عصور ما قبل  الأسرات و عصر الأسرات المبكر يمكن إستنتاج هاتين الحقيقتين :
1 – نشأ  صراع سياسي مرير بين أتباع أكبر إلهين في مصر عصور ما قبل الأسرات و هما  حورس و ست و حاول أتباع كل إله فرض هيمنتهم على جميع أقاليم مصر .
2 –  تفوق أتباع حورس - الذين أطلق عليهم لقب شمسو حور – على أتباع ست و تمكنوا  من فرض ربهم كإله للملكية في بداية العصور التاريخية في ظروف لازالت غامضة  .
لايتفق الدارس مع الطرحين السابقين نظرا لوجود حقائق علمية أخرى تتمثل فيما يلي :
1 – إعتمد أصحاب هذا الرأي على قرائن أسطورية ورد ذكرها في متون الأهرام  في مرحلة لاحقة دون أن يركنوا للدلائل الأثرية ذات المدلول التاريخي فضلا  عن عدم إدراكهم أن الأسطورة في كل الأحوال لا تحمل تاريخا بالمعنى الحقيقي  للكلمة و إنما تحمل في ثناياها نواة حقيقية مغلفة بأحداث تنتمي لعالم  الآلهة و ذلك بعد أن يتم طمس المعالم البشرية فيها فلا يتبقى منها سوى نواة  بسيطة .
2 – لا وجود أثري لأي صراع محتمل بين أتباع حورس و ست طوال  عصور ما قبل الأسرات ، بل على النقيض من ذلك نجد آثار و تمائم المعبود حورس  في مدينة نقادة و هي مركز العبادة الرئيسي للإله ست فضلا عن إكتشاف آثار  أخرى تكشف عن وجود إحتفالات دينية متعددة جمعت بين المعبودين في مدينة  نقادة و لاسيما في عصر نقادة الثانية .
3 – لا علاقة بأتباع حورس و  ملوك مصر في عصر الأسرة صفر الذين تمكنوا من فرض سيطرتهم على البلاد ، فهذا  اللقب يدل على زعماء الأقاليم الذين ساندوا و أيدوا ملوك الأسرة صفر  المنتسبين لحورس خلال توحيدهم البلاد و كانوا يرافقون دائما ملوك الأسرة  صفر في جميع المناسبات الدينية و السياسية و هو ما تم تصويره علي صلايات  تلك الفترة كما أن هذا القب يدل من ناحية أخرى على آلهة الأقاليم التي خرج  منها حكامها لتأييد الوحدة السياسية
و عند بدايات عصر الأسرات المبكر  إتجه الملوك نحو تأكيد رابطتهم تجاه المعبودين حورس و ست و هو ما نستشفه من  خلال لقب الزوجة الملكية العظمى في العصر العتيق و هو ( الناظرة لحورس و  ست ) بمعنى التي ترى زوجها الملك الحاكم بوصفه ممثلا للربين حورس و ست و هو  لقب يشير صراحة إلى قوة النفوذ الديني و السياسي لكهنة هذا المعبود طوال  عصور ما قبل الأسرات و العصر العتيق و هنا ينبغي لنا أن نشير إلى هذه  الحقائق :
1 – ظهور الملك في العصر العتيق ككمثل و كصورة حية مقدسة في  العصر العتيق للربين حورس و ست لا يعكس على الإطلاق وجود مملكتين في عصور  ما قبل الأسرات واحدة في الشمال و الأخرى في الجنوب كما تصور عدد كبير من  علماء المصريات و ذلك هو ما تؤيده و تكشف عنه آثار الأسرة صفر .
2 –  إنتساب الملك لحورس و ست مع بدايات عصر الأسرات المبكر يتماشى مع الرمزية  الدينية في الفكري المصري القديم التي كانت تنادي بالإزدواجية الطبيعية و  الكونية في كل شيء و هي ظاهرة سيطرت على عقل المصري القديم منذ عصور ما قبل  الأسرات و قامت الأيدولوجية الملكية بترجمتها عمليا على النحو التالي : تم  منح ملكية الشمال للمعبود حورس و تم منح ملكية الجنوب للمعبود ست فأصبح  الملك و من خلالهما مسيطرا على القطرين و هي الصبغة التي لم تعطى للملكية  إلا مع بداية العصر العتيق
3 – ظهرت شعيرة ( سما تاوي – توحيد الأرضين  ) لأول مرة في عصر الملك ( حور عحا ) أول ملوك الأسرة الأولى و هي الطقسة  التي أنشأها البيت المالك بالإتفاق مع كهنة حورس و ست للتعبير الشعائري عن  ذكرى توحيد البلاد المقدسة دون أن تعكس بالضرورة  حدث تاريخي يدل على وجود  مملكة للشمال و أخرى للجنوب في عصر الأسرة صفر ، فهي شعيرة تهدف إلى إعادة  توحيد مصر رمزيا بواسطة حورس الشمال و ست الجنوب في كل مرة يتولى فيها  الحكم ملك جديد ، فوحدة مصر السياسية لم تبقى في ( ذاكرة التاريخ ) و إنما  بقيت فقط في ( تاريخ الذاكرة ) على هيئة شعيرة دينية مقدسة يتم تكرارها عند  كل بداية لعهد جديد بهدف تخليد الذكرى و ليس بهدف رواية التاريخ ( أنظر  مقال سابق للدارس المغزى الحضاري من شعيرة سما تاوي ) .
و في محاولة  لتتبع و إدراك و فهم الأحداث الأسطورية و مدى مطابقتها للوقائع التاريخية  منذ العصر العتيق و حتى نهاية الدولة القديمة يمكن الإتيان بهذه الحقائق :
1 – زادت قوة أتباع الإله ست على الأقل في منف مركز الحكم السياسي و  لاسيما في النصف الثاني من عصر الأسرة الثانية الأمر الذي جعل الملك ( بر  إيب سن ) من أن يضع الإله ست بدلا من المعبود حورس على واجهة القصر الملكي
2 – لا يمكننا تحديد الدافع القاطع الذي جعل الملك ( بر إيب سن ) أن يتجه و  ينحاز لست بدلا من حورس ، و لكن يمكننا تخمين أنه ربما إتجه كهنة ست  لمناصرة بر إيب سن للوصول إلى العرش و ذلك في مقابل إتجاه كهنة حورس  لمناصرة و تأييد منافس محتمل له في ذلك العصر ، فلما تمكن الملك من تولي  زمام الأمور إعترف بفضل ربه ست و أنصاره الذين آزروه و دعموه للوصول للحكم و  انتقم من أتباع حورس فوضع رمز و شعار ست على واجهة القصر الملكي بدلا من  حورس رب الملكية القديم و هي سابقة تعتبر الأولى و الأخيرة في التاريخ  المصري القديم .
3 – عندما تمكن أتباع ست من التأكيد على حقيقة أن  الملك هو صورة ست على الأرض و وريثه الشرعي في عصر بر إيب سن قام كهنته  بتصوير الواقعة التاريخية في صورة أسطورية ورد ذكرها لاحقا في متون الأهرام  بعد أن قاموا بتجريد الواقعة من ملامحها البشرية فقاموا بوضع فقرات تشير  إلى أن ست إنتزع عين حورس لنفسه و عين حورس في سياق بعض فقرات متون الأهرام  كانت تعبر عن تاج الجنوب و تاج الشمال مما يعني أن شرعية السلطة الملكية  إنتقلت لست و لم تعد للإله حورس .
4 – في فترة زمنية لاحقة حدث إتفاق  بين أتباع كل من المعبودين حورس و ست في عصر الملك خع سخموي – آخر ملوك  الأسرة الثانية و خليفة بر إيب سن – فوضع رمزي حورس و ست على واجهة القصر  الملكي دلالة على تساويهما في السيادة على الملكية .
5 – تبلورت هذه  الخطوة الأخيرة في شكل أسطوري تم تسجيله في مرحلة لاحقة في متون الأهرام  تمثل في تصالح الربين حورس و ست و هو ما ورد صراحة في الفقرة رقم 308 من  متون الأهرام التي تقول " التحيات لك يا حورس ( الملك بوصفه حاكم مصر  السفلى ) في تلال حورس ( مصر السفلى ) و التحيات لك يا ست ( الملك بوصفه  حاكم مصر العليا ) في تلال ست ( مصر العليا ) التحيات لكما أيها المتصالحان  " و تشير هذه الفقرة مع فقرات أخرى لحدوث صيغة إتفاق بين أنصار الربين في  واقعة لم يتبقى منها سوى الذكرى التي تم بلورتها في شكل شعيرة دينية مقدسة .
6 – عادت الهيمنة و السيادة الكاملة للمعبود حورس مرة أخرى في عهد الملك  زوسر مع بدايات الأسرة الثالثة فقام بتصوير المعبود حورس بمفرده من جديد  على واجهة القصر الملكي .
7 – تبلورت هذه الخطوة الأخيرة في صورة  أسطورية نستشفها مما ورد في الفقرة رقم 356 من متون الأهرام حيث نادت  بإنتصار حورس على ست و ترويضه له و تطويعه لخدمته فضلا عن فقرات أخرى من  نفس المتون ذكرت أن حورس قام بالقضاء على خصيتي ست و تلك إشارة من كهنة  حورس إلى إنعدام قدرة ست الإخصابية و عدم وجود وريث شرعي ينحدر من نسله و  يمثله كملك حاكم .
8 – تزامن الصراع بين أتباع الربين حورس و ست مع  تكوين التاسوع الشمسي القديم و على رأسه الإله الخالق رع أو رع آتوم و أدى  التوافق بين أتباع المعبود حورس و كهنة الشمس في هليوبوليس – كنتيجة لوجود  إرتباط بين حورس و الديانة الشمسية منذ عصر الأسرة صفر – إلى محاولة إدخال  حورس للتاسوع الشمسي القديم حيث لم يكن واحدا من أعضائه عند تكوينه لأول  مرة و ذلك بالرغم من أن حورس هو رب الملكية القديم الذي إتخذه زعماء الأسرة  صفر إلها لهم عند توحيد مصر و السبب في ذلك يرجع إلى هذا التاسوع كان قد  تكون و تشكل في الفترة التي كان فيها أتباع ست أقوى سياسيا من أنصار  المعبود حورس كما تم شرحه سابقا و هو ما يرجح تكوين التاسوع الشمسي القديم  في فترة النصف الثاني من الأسرة الثانية و حتى بدايات الأسرة الثالثة و هو  ما دلت عليه بالفعل مقصورة تورين الشهيرة التي يظهر فيها ست كأحد أعضاء  التاسوع الشمسي القديم بينما يختفي منها تماما المعبود حورس .
9 – لم  يدخل المعبود حورس للتاسوع الشمسي إلا بعد ظهور المعبود أوزير على مسرح  الأحداث حيث تم إدخاله للتاسوع الشمسي بدلا من المعبود جحوتي الذي كان  الزوج الأول و الأقدم للإلهة إيزيس ، فلما حل محله أصبح هو زوج إيزيس و هو  ما ذكرته الفقرة رقم 219 من متون الأهرام و من خلال ذلك تمكن أتباع حورس من  إدخال معبودهم لهذا التاسوع بوصفهم له إبنا للمعبود أوزير في مرحلة متأخرة  من عصر الدولة القديمة ليصبح عدد أفراد التاسوع عشرة آلهة بدلا من تسعة .
10 – دعمت شرعية الإله حورس كرب للملكية بنسبته للمعبود أوزير كإبن و وريث  شرعي له و أصبح يدعى حورس إبن أوزير و حورس إبن إيزيس و ذلك في مقابل  المعبود ست اذي يظهر انه لم ينسجم و ينصهر في التاسوع كأخيه أوزير و لم  تظهر حميميته مع زوجته نفتيس كما هو الوضع بالنسبة لأوزير مع إيزيس بل يمكن  القول بأن كهنة الشمس عندما نسجوا أسطورة مقتل أوزير في هليوبوليس جعلوا  نفتيس تقف في جانب أخيها أوزير مع أختها إيزيس كندابة و كمشاركة معها في  طقوس التحنيط و الإحياء مما يعكس بشكل واضح إنعزال ست بمفرده في التاسوع  الشمسي .
11 – نسجت في مدينة عين شمس أهم المراكز الدينية في الدلتا  في فترة متأخرة من عصر الدولة القديمة قصة مقتل أوزير على يد أخيه ست و  إبراز مفهوم حق حورس في الأخذ بالثأر لمقتل أبيه و منحه أنصاره لقب ( حورس  المنتقم لأبيه ) زيادة في تدعيم موقف أتباع حورس و القضاء على أدنى فرصة  لأتباع ست للنهوض مرة أخرى
12 – نستدل مما سبق أن الأسطورة الأوزيرية  الشهيرة لم يكن لها وجود في الأصل و لم تبتكر إلا لاحقا بعد إحتدام الصراع  بين أتباع الربين حورس و ست في نهاية العصر العتيق و بعض فترات الدولة  القديمة فظهرت رغبة كل طرف من الطرفين في تدعيم موقفه السياسي أمام الآخر  عن طريق الزعم بمفهوم الحق الإلهي .
13 – تجاورت فقرات المصالحة بين  الربين مع فقرات إنتصار حورس على ست في متون الأهرام دون أدنى إحساس بوجود  تعارض بينهما فظلت هذه الفقرات تصور شعائر دينية مقدسة أكثر من كونها تعكس  ذاكرة تاريخية ، فهي فقرات طقسية تؤدى في المعابد الجنائزية الملكية لعصر  الدولة القديمة بهدف إضفاء الشرعية على الملك الحاكم و هو ما يجعلنا نستنتج  حقيقة هامة و هي : لا يعتمد الفكر الديني في مصر القديمة على الرابط  العقلي و لا يعتمد الإيمان في مصر القديمة على النهج المنطقي فهي كلها أمور  لا تعكس إهتمامات المصري القديم بشكل عام نظرا لأن الحقيقة الدينية النصية  لم تكن مطلقة و إنما نسبية .
14 – إعتمد كهنة أوزير تفسيرا دينيا  جديدا لمعنى عين حورس في متون الأهرام ، حيث أصبحت هذه العين رمزا لكل  قربان مادي يوهب للملك الميت بوصفه أوزير من جانب إبنه الملك الحي بوصفه  حورس مما أدى إلى إضفاء النور و الضياء على عالم أوزير الأخروي و ذلك على  إعتبار الرابطة الدينية القديمة التي كانت تجمع بين حورس رب الملكية القديم  و الديانة الشمسية ، فلما أعطى حورس أبيه أوزير هذه العين طبقا لما تم  وصفه في متون الأهرام تحول أوزير إلى ( با ) أي أصبحت لديه القدرة على  العودة مرة أخرى للحياة و أصبحت تقدمة عين حورس لأوزير أحد الوسائل  الضرورية للتعبير عن شرعية الملك الحاكم .
و من هذا المنطلق يتبين لنا أن حورس رب الملكية القديم لم تكن له علاقة بأوزير في باديء الأمر فلم تكن تربطه به أدنى صلة قرابة و إنما نسجت قصة بنوته لأوزير و رغبة الإنتقام من عمه ست لتجعل منه وريثا شرعيا لعرش أبيه و بالتالي تدعبم مكانته أمام أتباع الإله ست في الهيمنة على عرش مصر مع التذكير بأمر هام و هو : ان المعبود ست لم يظهر على الإطلاق كرب للشر و الفساد خلال تلك الفترة ، فهذه الصورة السلبية لم تتكون إلا في العصور المتأخرة للحضارة المصرية القديمة لأسباب سياسية معينة ، فقد ظل ست في متون الأهرام يؤدي أدوارا دينية إيجابية بالإشتراك مع المعبود حورس كان من أهمها توليهما سويا عملية تثبيت السلم الذي يصعد عليه الملك نحو السماء لكي يتحد بأبيه رع . و بما أن ست هو تجسيد للقوة و البطش و الشدة و بإعتبار حورس هو تجسيد للحق الشرعي قامت متون الأهرام بوضع القوة ( ست ) في خدمة الحق الشرعي ( حورس ) فكان ذلك هو القانون الملكي المثالي الذي سعى ملوك الدولة القديمة نحو تطبيقه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق