الخميس، 9 أغسطس 2012

الممارسات الشعائرية الملكية للحب سد في الحضارة المصرية القديمة


بسم الله الرحمن الرحيم 

الممارسات الشعائرية الملكية للحب سد في الحضارة المصرية القديمة ...................................................................................................................................................... 
....ما هي أهداف الإحتفالية الدينية للحب سد في الحضارة المصرية القديمة ؟ و ما هي طبيعة الميثولوجيا الطقسية الملكية لذلك العيد ؟

لاريب أن الرمزية الإحتفالية لعيد السد الشهير تقترن و ترتبط منذ البدايات  الأولى حول تجديد القوة الملكية و قدرتها الجسدية بوصفها الوسيط المقدس  بين عالم الأرباب و عالم البشر و القادر على التعامل و الإتصال بقوى ما  ورائية تتحكم في مظاهر الكون و الطبيعة ، فإذا ما تجددت هذه القوة الملكية  بعدما ظن من حولها أنها نضبت و وصلت للنهاية ، جادت المعبودات على أرض مصر  بكل مقومات الخير و الإنتاج و العطاء و ضمنت لممثلها في البلاد شرعية الحكم  و إستقرار الأمور بعدما أثبت لها من خلال مجريات ذلك العيد ولائه لها  مقيما لشعائرها و مقدما لقرابينها ، فمنحته كل خير و توفيق لمصر و شعبها و  أرضها و نيلها .
 و من هذا المنطلق يمكن القول أن الميثولوجيا الشعائرية  لعيد السد الملكي تمحورت حول شرعية الحكم في الحضارة المصرية القديمة و  لذلك إحتوت طقوس ذلك العيد أحيانا على شعائر التتويج الملكي على إعتبار أن  تجدد القوى الملكية تستلزم بطبيعة الأمر إعادة تتويج لشخص الحاكم الذي يهدف  من وراء ذلك توحيده بالمعبود حورس الذي صعد على عرش البلاد خلفا لأبيه  أوزير و لاريب أن الخلافة الدينية بين الأب و الإبن تم ترجمتها من خلال  المجريات الخاصة بذلك العيد فتشكلت في هيئة ممارسات شعائرية ذات طبيعة  سياسية .
لم تقتصر فعاليات الحب سد على الممارسات الشعائرية  الميثولوجية و إنما إرتبطت و إقترنت أيضا بأهداف سياسية تمثلت في تقديم و  إعلان الولاء لشخص الملك الحاكم من جانب حكام الأقاليم و كبار رجال الدولة و  ممثلي الطوائف الكهنوتية ، فكانوا يقدمون جميعا الهدايا و الهبات من كل  إقليم تعبيرا عن خضوعهم و طاعتهم للسلطة الملكية و لايفوتنا في هذا الصدد  أنه عندما إنفتحت مصر على العالم الخارجي في عصر الدولة الحديثة ظهرت و  لأول مرة مناظر كشفت عن قدوم بعض الوفود من بلاد الشرق الأدنى القديم  التابعة للسلطة المصرية آنذاك حاملين معهم العطايا و الهبات الثمينة لكي  يعبروا عن ولائهم المطلق لحكم الملك الجالس على عرش البلاد .
من جانب  آخر لا يمكن إغفال دور السلطة الملكية خلال أحداث و مشاهد هذا العيد في  إظهار ولائها بلا حدود لآلهة مصر الكبرى المشاركة في مجريات الإحتفال و  يتجسد ذلك الأمر في إفتتاح و إقامة منشآت دينية جديدة و عظمى و ترميم  المعابد القديم و تقديم القرابين و الهدايا و الهبات في كرم و سخاء فضلا عن  الإحتفال بتماثيلهم القادمة مع الوفود الإقليمية و الزائرة للمكان الذي  سيجرى فيه فعاليات عيد السد الملكي .
كشفت المصادر المصرية عن أن هذا  العيد كان يحتفل به غالبا بعد مرور فترة زمنية تقدر بثلاثين عاما على تتويج  الملك الحاكم إلا أن ذلك الأمر لم يمثل دائما قاعدة عامة و مطلقة ، بل  وجدت حالات أخرى تكشف عن إستتثناءات ، حيث كانت بعض هذه الإحتفالات تتم وفق  رغبة الملوك أنفسهم و بدون الإلتزام بهذه الفترة الزمنية كما كان من  المعتاد تكرار الإحتفال بعد المرة الأولى كل ثلاث سنوات .
هل كان  الملوك يحتفلون فعليا بالحب سد ؟ ........... قام بعض الباحثين و منهم إريك  هورنونج و يان أسمان و ديتر أرنولد بعمل دراسات علمية جادة حول هذا  الإحتفال و رجحوا أن الحب سد لم يكن في مجمله عيدا ذا طابع حقيقي ، أكثر من  كونه نظرية دينية أيدولوجية ترمز لتجدد قوى الملك الجسدية و تحوله من ملك  قابع في العالم الآخر إلى ملك حي و نشيط يباشر مهامه بكل نجاح في عالم  الدنيا و اعتبروا أن جميع مشاهد الحب سد لا تعبر في الفكر المصري القيدم عن  مجريات فعلية بقدر ما تخلق حقيقية فنية مثالية لا تتصل بعالم الواقع و في  الوقت ذاته خالفهم في رأيهم هذا مجموعة أخرى من الدارسين الذين إستشهدوا  بنصوص متعددة ترجع لعصر الدولة الحديثة من مقار كبار رجال الدولة تؤكد على  واقعية و حقيقة الإحتفال الديني للحب سد و رأوا أن المحتفل الفعلي في هذا  العيد و لاسيما في الشق المتعلق بتجدد قوى الملك الجسدية التي تقتضي قوة  جسدية فتية ليس الملك نفسه بل هو ولي عهده و ذلك لكي يرمز لخلافة حورس  الإبن الشاب القوي لعرش أبيه أوزير .
و يتضح لنا من خلال دراسة مفاهيم  الميثيولوجيا الملكية المصرية التي تربط بين الحياة و الموت و عالم الدنيا  بالعالم الآخر أن الملك كان يتقمص من خلال أحداث و فاعليات هذا الإحتفال  شخصيتين أسطوريتين في مرحلتين مختلفتين : في المرحلة الأولى يتواجد الملك   في العالم الآخر بوصفه أوزير ملك عالم الدوات بينما يتحول في المرحلة  الثانية إلى عالم الدنيا بوصفه حورس ملك البلاد . و كان ذلك التعاقب  الميثولوجي بينهما يؤكد على أحقية وراثة الإبن الشرعي وحده دون غيره لعرش  أبيه حيث يعتبر ذلك من ثوابت الفكر الديني الملكي في مصر القديمة كما كان  يهدف من جانب آخر إلى إبراز مكانة و أهمية معتقدات المذهب الأوزيري و إعلاء  شأنها في البلاد و ذلك على إعتبار أن الملك عندما يتجسد في هيئة المعبود  أوزير الأب فهو يمثل مرحلة العطاء و الخير و النظام و العدل التي سادت مصر  عندما كان أوزير حاكما عليها في زمن أسطوري عتيق وفقا لما نادت به  الميثولوجيا المصرية ، بينما يصبح دوره عندما يتقمص هيئة المعبود الإبن  متمثلا في مرحلة الحق و الشرعية و التجدد لقوى الملكية و إستمراريتها . و  هكذا أن المرحلتين الرئيسيتين لإحتفالات الحب سد تتمثل في تشكل الملك بهيئة  أوزير حيث يرتدي رمزيا الكفن أو العباءة الأوزيرية في العديد من الممارسات  الشعائرية لهذا الإحتفال كما يقبض بيده على الشارات الأوزيرية خلال مجريات  العيد مما يرجح الإنتقال الرمزي و الشكلي للملك نحو رحاب مملكة أوزير في  العالم الآخر عن طريق ممارسات تمثيلية مسرحية دينية مقدسة تجسد موته الرمزي  و ذلك لكي يمهد لتتويج وريثه الشرعي أو بمعنى أدق تتويجه هو نفسه بوصفه  حورس الحي على عرش أبيه في النصف الثاني من فاعليات هذا العيد .
ما هي أهم فاعليات الشعائر الأوزيرية خلال الحب سد ؟
1 – وفقا لمعطيات ذلك العيد تظهر شعيرة إقتياد الملك للعجول الأربعة (  أنظر مقال سابق للدارس بعنوان حول شعيرة إقتياد الملك للعجول الأربعة )  كصورة رمزية تشير إلى دفن المعبود أوزير بواسطة إبنه الشرعي حورس ، فتقوم  هذه العجول الأربعة بأقدامها بطمس مكان دفن الجسد الأوزيري في باطن الأرض  حتى لا يتعرف عليه المعبود ست و أنصاره .
2 – تمثل دفن الجسد الأوزيري  أيضا بطريقة مختلفة من خلال ما ورد في مصادر ترجع لعصر الدولة الوسطى مثل  بردية الرمسيوم الشهيرة تمثلت في دفن التمثال الملكي بوصفه الحاكم القديم و  كان يحمل هذا التمثال أربعة كهنة جنزيين يتقمصون دور أبناء حورس الأربعة و  كانت هذه الطقسة تهدف لتشييع شخص الملك المتوفى بشكل رمزي و تحوله إلى  رحاب العالم الأوزيري .
3 – يظهر الملك في الصورة الأوزيرية في العالم  الآخر جالسا على عرشه و ممسكا بالصولجان و المذبة و متوجا بالتاج المزدوج  بينما تتشكل هيئة المعبود ست عند قدميه لكي يطأ عليها و هو المشهد الذي  تجلى بشكل واضح في معابد عصور الإنتقال الثالث و المتأخر حيث يشير ذلك  المنظر إلى هزيمة ست تحت أقدام أخيه أوزير المنتصر و كان هذا في حد ذاته  يجسد مفهوم الإنتصار على الموت تمهيدا لعودته للحياة مرة أخرى ، كما ظهر  تصوير آخر و نادر ( على سبيل المثال في معبد هيبس بالواحة الخارجة ) يظهر  فيه جسد المعبود أوزير و هو راقد في هيئة المومياء فوق محفة جنزية شكلت  نهايتها السفلى على هيئة رأس الحمار إشارة للمعبود ست حيث يشير ذلك إلى  سيادة و علو أوزير فوقه و إنتصاره عليه فضلا عن كون هذا المشهد يجسد ما ورد  في الأسطورة الأوزيرية في مصادر الدولة الحديثة بأن أرباب محكمة التاسوع  الشمسي أصدروا حكما ضد ست يتمثل في حمله لأخيه أوزير على ظهره للأبد و هو  ما تحقق في هذا المنظر .
ما هي أهم فاعليات الشعائر الحورسية خلال الحب سد ؟
1 – و في ضوء المصادر المتاحة لنا لا يتبين بشكل قاطع أن حورس كان له دور  مباشر و كبير خلال مجريات ذلك العيد إلا أننا نتعرف على دوره عن طريق غير  مباشر من خلال حلقة وصل أو وسيط يقوم بنقل شرعية الحكم و هذا الوسيط هو  المعبود وب واووت ( فاتح الطرق ) حيث يظهر دائما كمساعد رئيسي للملك الجديد  في إرتقاء العرش و لذا فإن الملك يزور مقصورة دينية كبيرة يستقر فيها رمز  أو لواء هذا المعبود و يحمل اللواء كاهن يحمل لقب ( خادم أرواح نخن ) –  أنظر مقال سابق للدارس بعنوان المهام الدينية لأرواح بوتو و نخن – و لا  توجد لدينا معلومات كافية عما كان يحدث داخل هذه المقصورة بين الملك و  المعبود وب واووت و لكننا نشاهد الملك دائما فيها و من خلال مناظر متعددة و  هو يقوم بدهن لواء وب واووت بالدهان العطري المقدس بأصابع يديه .
2 –  يخرج الملك بعد ذلك من هذه المقصورة و يتقدمه الكاهن حامل لواء وب واووت ،  و يمكن التغيير هنا في أن الملك أصبح حاملا للمذبة ( نخاخا ) و الصولجان (  حقا ) إلى جانب علامة المكس و التي تمثل وثيقة العهد و إنتقال شرعية الحكم  الملكي من الأب أوزير إلى الإبن حورس . ثم ينتزع الملك ردائه الذي كان  يرتديه و يظهر بالشنديت الملكي لكي يقوم بأهم الممارسات الطقسية المتمثلة  في جرية الحب سد التي تهدف لبعث و تجدد و حيوية النشاط الملكي .
3 – و هكذا يمثل دخول الملك على مقصورة وب واووت دخول وريث العرش بوصفه حورس صاحب الحق الشرعي حتى ينال رضاء و موافقة وب واووت و عندما يحصل على ما أراده يخرج منها واضعا تاج عرف بإسم الوررت الذي ما هو إلا أحد التيجان التقليدية التي ورد ذكرها في المصادر الأسطورية و التي وضعها الآلهة الأوائل في زمن أسطوري عتيق و لذلك فلا غرابة من تصوير المعبود وب واووت في معابد الدولة الحديثة بكونه يعتبر مانح الحق الشرعي للملك الحاكم أو بوصفه وسيط أسطوري في نقل العرش من أوزير إلى حورس فنشاهد في معابد عصر الرعامسة مناظر وب واووت و هو مصور دائما أمام ملك بعينه حيث يقوم بتسليمه رموز و شارات الحكم ممثلة في الصولجان ( حقا ) و المذبة ( نخاخا ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق