الأربعاء، 1 أغسطس 2012

السلطة الحقيقية لكهنة آمون في النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة


بسم الله الرحمن الرحيم 

 السلطة الحقيقية لكهنة آمون في النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة  ............................................................
.................
 من المسلم به لدى كثير من المؤرخين ، حدوث صراع بين كبار كهنة آمون و بين  بعض ملوك الأسرة الثامنة عشرة . و قد عزيت هذه الفكرة إلى أن زيادة النفوذ  المادي و المعنوي لكهنة آمون بشكل لم يسبق له مثيل و لاسيما بعد الفتوحات  العسكرية التى باشرها ملوك الأسرة الثامنة عشرة مما كان له الأثر المباشر  على تدفق الثروات على معابد طيبة و ربها آمون ، فكان من نتيجة ذلك أن قويت  شكيمة أنصاره تدريجيا و أصبحوا قادرين على مناهضة و تحدي السلطة الملكية و  لاسيما في النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة
و تعني هذه الفكرة  ببساطة الإعتقاد بوجود سلطة كهنوتية تشكلت كدولة داخل الدولة خلال ذلك  العصر مما نتج عنه الصراع السياسي و الديني القوي الذي نشأ فيما بعد بين  كهنة طيبة و الملك ( إخناتون ) في عصر العمارنة . و قد تبلور مفهوم الصراع  بين أتباع آمون و الملوك لسببين رئيسيين و هما :
1 – لم تكن هذه  الفكرة سوى تصورات و إجتهادات ظنية إبتدعها مؤرخوا القرن التاسع عشر و  العشرين و لاسيما الغربيين متأثرين بالصراعات بين الكنيسة و الدولة في بعض  الدول الأوروبية ، فافترضوا وجود كنيسة مصرية قديمة ، أو على الأقل ما يشبه  الحزب الكهنوتي الذي كان منفصلا عن سلطة الدولة !
2 – ساند هذه  الفكرة عدد آخر من الباحثين الجدد و قاموا بتأكيدها بعدما زاد النفوذ  الفعلي لكهنة آمون في نهاية عصر الأسرة التاسعة عشرة و نهاية الأسرة عشرين ،  فكان منهم من قام بتصوير نفسه على جدران الكرنك و يحكي سيرته الذاتية  متباهيا بما قام به من إنجازات ( مثل حالة الكاهن روم روي في نهاية الأسرة  التاسعة عشرة ) كما كان منهم من قام بتصوير نفسه على قدم المساواة مع الملك  ( مثل حالة الكاهن أمنحتب في عصر رمسيس التاسع ) و أخيرا قام أحدهم بتصوير  نفسه كملك على جدران معبد خونسو في الكرنك و منح لنفسه الألقاب الملكية  الخمسة ( مثل حالة الكاهن حريحور في عصر رمسيس الحادي عشر ) ، فكان من  نتيجة ذلك أن تصور عدد من علماء المصريات أن هذه الصورة المتأخرة لكهنة  آمون كانت هي ذات الصورة التى كان عليها أسلافهم في النصف الأول من عصر  الأسرة الثامنة عشرة رغم عدم وجود دلائل مادية مشابهة لتلك التي سجلت على  جدران الكرنك في مرحلة متأخرة .
هناك مجموعة من الحقائق تحول دون  التسليم بالأخذ بفكرة وجود سلطة كهنوتية في طيبة قادرة على تحدي السلطة  الملكية المركزية في   النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة تتمثل فيما  يلي :
1 – لم تكن المعابد ، كقاعدة عامة ، في عصر الأسرة الثامنة عشرة  معفاة من الإلتزام بدفع الضرائب مثلما أصبح الحال عليه في أواخر عصر  الدولة الحديثة ، فنعلم من أكثر من حالة أو وثيقة أن المعابد كانت ملزمة  بإرسال نسبة مقررة من ثرواتها للقصر الملكي ، فكانت السلطة الملكية تقوم  بتعيين موظفين أكفاء تقوم بإختيارهم من جانب رجال الجيش لكي يشرفوا على  جميع الأنشطة الإقتصادية للدولة . و لذلك و عن طريق أهل الثقة من كبار رجال  الجيش تحققت السيطرة الملكية الكاملة على جميع مكونات الثروة الموجودة في  معابد آمون و غيرها من المعابد الأخرى في البلاد ، و كانوا أيضا يتولون  إرسال الضرائب للقصر الملكي مما يعكس حقيقة هامة و هي : عدم سيطرة كهنة  آمون المباشرة على ثروات معابد طيبة ، فهم لا يقررون شيئا إلا من خلال وجود  جهاز إداري على درجة عالية من الكفاءة يتكون بصفة رئيسية من النخبة  المتميزة من الطبقة العسكرية التى نشأت مع بدايات الدولة الحديثة ، و كان  ذلك الجهاز يخضع بشكل مباشر للسلطة الملكية المركزية .
2 – تغافلت  رؤية المؤرخين الغربيين عن أمر هام و هو : عدم إدراك الوظيفة الفعلية  للكاهن في مصر القديمة بشكل عام ، و لكهنة آمون بشكل خاص . فالأصل في هذه  الوظيفة هي مباشرة الشعائر الدينية المقدسة و تقديم القرابين للمعبودات في  أوقات محددة دون أن يكون لهم الحق في إتخاذ القرارات السياسية ، فتلك هي  القاعدة الأصلية ، أما ماحدث فيما بعد في نهاية الدولة الحديثة ، فذلك هو  الفرع أو الإستثناء ، فضلا عن أن إستخدامنا لمصطلح ( الكاهن ) في الحضارة  المصرية القديمة هو إستخدام مجازي و لا يعني ذلك أنه رجل ذو قوة و سلطة  سياسية مثلما حدث في فترات إستثنائية من التاريخ المصري القديم ، فلقب  الكاهن الرئيسي في اللغة المصرية القديمة هو ( حم نتر ) بمعنى خادم الإله ،  فهو يتولى خدمة الإله داخل معبده بإقامة شعائر بالغة الأهمية بإسم الملك و  نيابة عنه و على شرف الشعب المصري القديم بهدف الحفاظ على النظام الكوني و  تأمين الخيرات للبلاد ، و عند كل فترة محدد يقوم بإستلام راتبه عينيا من  الدولة ، فتلك هي الوظيفة الأساسية للكاهن في مصر القديمة .
3 – عطفا  على النقطة السابقة ، يمكن القول بأن الكهنة و غيرهم من موظفي المعابد  الدينية كانوا يعملون بالوكالة عن الملك ، مثلهم في ذلك مثل غيرهم من رجال و  ضباط الجيش أو من جامعي الضرائب و أن الملك - و لاسيما في النصف الأول من  عصر الأسرة الثامنة عشرة و أغلب فترات الدولة الحديثة – كان صاحب السلطة  العليا في تعيين و عزل كهنة المعابد ، كما هو الحال بالنسبة لجميع وظائف و  مجالات الخدمة العامة في الدولة . و بالرغم من أن هناك شواهد كثيرة على أن  الكهنة بشكل عام و كهنة آمون بشكل خاص كانوا يورثون وظائفهم و مناصبهم إلى  أبنائهم ، فإن هذا الحق لم يكن قاصرا على الكهنة وحدهم ، بل كان شائعا أيضا  بين موظفي الإدارات الحكومية و جميع المجالات الأخرة ، فضلا عن أن هذا  الحق لم يكن ميزة مطلقة كما سبق و أن أشرنا ، فالملك قد يتدخل أحيانا  بسلطته المطلقة لكي يقوم بتعيين كاهنا بدلا من كاهن آخر وفقا لما يرتضيه هو  بنفسه .
4 – لم تمتد سلطة كهنة آمون خلال النصف الأول من عصر الأسرة  الثامنة عشرة لتشمل جميع أنحاء البلاد المصرية أو حتى مباشرة سلطة إدارة  بعض إدارات الحكومة أو بعض مؤسسات الخدمة العامة فلم يكن لهم – على سبيل  المثال – حق ممارسة أى نوع من السلطة في بلاد النوبة ( و هو الأمر الذي  ربما تحقق في نهاية الأسرة عشرين عندما زعم كبير كهنة آمون بأنه نائب الملك  في كوش ) كما لم يكن لهم الحق في مباشرة أى سلطة على أى موظف تابع لمجالات  أو إدارات أخرى في الدولة .
5 -  لم تكن معابد آمون أو غيرها من  المعابد الأخرى منفصلة عن السلطة الملكية ، فكما سبق و أن أوضحنا ، فهي لم  تكن معفاة من دفع الضرائب . كما نستنتج من نصوص و مناظر مقابر كبار رجال  الدولة في النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة أن الأفراد الذين كانوا  يعملون بتلك المعابد كانوا ملزمين بالعمل بها بصفة شبه جبرية و أنهم كانوا  يعملون تحت إشراف مباشر من الجيش المصري و ليس كبار كهنة آمون . كما كشفت  هذه النصوص و المناظر أنه كان من المعتاد أن يقوم الملك بتقسيم الأراضي  الزراعية للملوكة مباشرة للتاج أو المملوكة للمعابد و توزيعها على كبار  الموظفين سواء من العاملين في الإدارات الحكومية و مرافقه أو من العاملين  في إدارة المعابد الدينية و ذلك على أن يكون لهؤلاء الموظفين الكبار حق  الإدارة فقط لتلك الأراضي دون حق ملكية الرقبة و تنطبق تلك القاعدة أيضا  على ممتلكات  و أراضي معابد آمون . و معنى ذلك أن مثل هذه الأراضي الزراعية  كان لها مالك فعلي و هو الملك أو صورة الإله الحية على الأرض و كان لها  مدير يشرف على إدارتها و إستغلالها ، إلا أنه يلتزم بتسليم الدولة ( السلطة  الملكية ) بضرائب مفروضة عليه ، و هي في الغالب نسبة من مقررة من المحاصيل  الزراعية من ثمار و حبوب أو خضروات . و ذا فمن المفترض أن يعمل ذلك المدير  على زيادة الإنتاج الزراعي للأرض الممنوحة له حق إدارتها لكي يعطي للدولة  النسبة المقررة من المحاصيل و أن يستبقي لنفسه قدرا آخر من المحاصيل يمثل  مكافأته و ربحه و ذلك  يعني أنه حتى و لو كانت هناك أراضي ممنوحة لمعابد  آمون في ذلك العصر فهي كانت ملتزمة بنفس القوانين السارية في ذلك العصر مما  يجعلنا نستخلص نتيجة هامة : أن الإستقرار الإقتصادي الذي ساد خلال النصف  الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة إنما يرجع في أساسه إلى سياسة سيطرة  الدولة على كل الإنتاج الإقتصادي للمجتمع و أن كهنة آمون لم تكن لديهم  القدرة الفعلية للإستقلال الإقتصادي أو السياسي عن السلطة الملكية .
6  – ذكر الموظف الأثير لدى الملك ( أمنحوتب الثالث ) و هو ( أمنحوتب إبن  حابو ) في سيرته الذاتية تكليف الملك له بإقامة معبد بمنطقة ( صولب ) في  النوبة العليا ، فذكر أنه كان مسئولا مسئولية كاملة عن بناء ذلك المعبد و  تنظيم الطقوس و الصلوات اليومية التي كانت تقام فيه و تخصيص الأراضي  الزراعية التي توقف عليه و إمداده بالرجال الذين يعملون فيه بما في ذلك  تعيين كهنة آمون و إذا علمنا أن أمنحوتب إبن حابو هو في الأصل ضابط عسكري و  لم يكن ينتمي للسلك الكهنوتي لمعابد آمون ، فذلك يعني أن كهنة آمون في  طيبة و حتى النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة لم يكن لديهم الحق في  تعيين الكهان خارج في أي معبد مكرس لآمون رع خارج نطاق مدينة طيبة و ( ربما  أيضا داخل طيبة ذاتها ) بل كانت هذه المهمة موكلة إلى حد كبير لرجال الجيش  البارزين . و من جانب آخر نجد أن أحد أهم الألقاب التي منحت لأمنحوتب إبن  حابو فهو لقب المشرف على قطيع آمون بالجنوب و الشمال و ذلك يعني أن أحد  ضباط الجيش المصري أصبح يشغل منصبا في غاية الأهمية يتيح له التحكم و  الإشراف على جزء هام جدا من ثروات و ممتلكات معابد آمون في جميع أنحاء مصر .
7 – ورد في السيرة الذاتية للموظف ( رع مس ) أو ( رعموزا ) في مقبرته  في طيبة أنه و بعد تركه للخدمة العسكرية أصبح وزيرا في عهد الملك أمنحوتب  الثالث ثم في عصر أمنحوتب الرابع – قبل أن يتسمى بإسم إخناتون – و كان من  أهم المناصب العليا التي تقلدها في ذلك العصر ، منصب ( المشرف على كهنة  جميع آلهة الجنوب و الشمال ) و هذا المنصب يعطي صورة واضحة لتحكم و سيطرة و  إشراف الدولة على كهنة جميع المعابد بما فيهم كهنة آمون من خلال بعض ضباط  الجيش الذين تحولوا للأعمال المدنية بعد تقاعدهم عن الخدمة العسكرية .
8 – إن ما يؤكد أن ممتلكات معابد آمون كانت من الناحية القانونية تدخل ضمن  ممتلكات الملك ، هو الوظيفة التي أشارت إليها النصوص تحت مسمى ( مر بر ور )  و هي وظيفة ذات ذات نفوذ واسع و سلطات عليا تتيح لشاغلها حق إدارة  الممتلكات الخاصة بالملك . و جدير بالذكر أن كل من شغل هذه الوظيفة الرفيعة  و حمل لقبها كان يحمل أيضا لقب ( المشرف على قطيع آمون في الجنوب و الشمال  ) مما يؤكد أنه من الناحية العملية كانت ممتلكات آمون تخضع لإشراف مباشر  لمديرين تابعين للملك .
9 – نعلم أن كبير كهنة آمون في النصف الأول من  عصر الأسرة  الثامنة عشرة كان من حقه أن يحمل لقب ( المشرف على جميع كهنة  طيبة ) و ذلك يعني صراحة أن حقه في مباشرة السلطة على كهنة آمون لم يتعدى  مدينة طيبة فقط و ذلك دون أن ينصرف للأذهان أن له الحق في تعيين كهانها  فذلك أمر مشكوك في صحته وفقا لما تقدم
10 – من الملاحظ أن جميع من  شغلوا منصب الكاهن الأول لآمون في ذلك العصر لم يتركوا لنا آثارا واضحة  تكشف عن دورهم السياسي البارز و مدى تحديهم للسلطة الملكية ، فلا نرى على  سبيل المثال نصوص أو مناظر منقوشة لهم على جدران معابد آمون تبين سيرتهم  الذاتية و تكشف عن إنجازاتهم الكبيرة مثلما حدث في نهاية الأسرة التاسعة  عشرة ، كما لانرى لهم أى تصوير يضعهم على قدم المساواة في الحجم مع الملك  مثلما حدث في نهاية الأسرة عشرين فأين هي البراهين المادية المباشرة في ذلك  العصر و التي تكشف عن مدى تحديهم للسلطة الملكية ؟
11 – بولغ كثيرا  في تقدير زيادة نفوذ كهنة آمون في النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة  من خلال إغداق الثروات التي آلت إلى معابد طيبة بفضل الفتوحات العسكرية  التي قام بها ملوك تلك الفترة ، فقاموا بالإعتراف بالفضل للمعبود آمون الذي  آزرهم و كان سببا مباشرا لهم في تحقيق الإنتصارات العسكرية على خصومهم  فزادوا من ثروات معابد آمون مما أدى لزيادة ثروة كهنته . و لسنا هنا بحاجة  لإعادة ما سبق من نقد فكرة التحكم المباشر لكهنة آمون على هذه الثروة ، إلا  أن ما يهمنا هنا أن نص الحوليات في الكرنك الذي تم نقشه في عصر الملك  تحتمس الثالث – صاحب أعظم إنتصارات عسكرية – ذكر أن عائدات و خيرات ثلاث  مدن آسيوية  هي التي كانت تؤول فقط لمعابد طيبة ، فإذا ما وضعنا في  الإعتبار أن المدن التي خضعت سيطرة مصر فعليا في ذلك العصر و تم تسجيلها في  الكرنك تجاوزت المائة مدينة ، فذلك يعني أن معابد طيبة لم ينالها من دخل  هذه الإمبراطورية الواسعة سوى جزء ضئيل و لا تذكر النصوص في تلك الفترة  تفاصيل واضحة عن ممتكات و معابد آمون داخل أرض مصر ، فلا نعلم على سبيل  المثال مدى النسبة و التناسب بين ممتلكات آمون و ممتلكات أى معبود آخر أو  بين ممتلكات آمون و ممتلكات القصر الملكي و على النقيض من ذلك نجد  أن ما  تم منحه على سبيل المثال في عصر رمسيس الثالث في عهد الأسرة عشرين كان يفوق  أضعاف ما تم إعطائه لمعابد آمون في عصر الأسرة عشرين ، حيث أننا نعلم من  خلال بردية هاريس و جدران معبد مدينة هابو أن  ممتلكات معابد آمون في عهده  بلغت حوالي 25 % من مجموع الأراضي الزراعية في مصر كما سيطرت معابد طيبة  لوحدها على 20 % من القوة العاملة مما يعكس وجود إزدياد فعلي لقوة كهنة  آمون في عهد الأسرة عشرين و ذلك على الرغم من تقلص و إنحسار حدود  الإمبراطورية المصرية مقارنة بما كانت عليه في النصف الأول من عصر الأسرة  الثامنة عشرة مما نتج عنه قلة الثروات و الخيرات التى كانت تدخل للقصر  الملكي في عهد الأسرة عشرين .
12 – إستنتج بعض علماء المصريات بشكل  خاطي فكرة وجود صراع بين الملك ( تحتمس الرابع ) و كهنة آمون من خلال لوحات  الحدود في العمارنة و ظنوا بوجود ذلك الصراع بين تحتمس الرابع و كهنة طيبة  من خلال عبارة غير واضحة المعالم ، و مبتسرة و غير مكتملة السياق . و ا  ستشفوا من ذلك فكرة وجود صراع بين أنصار آمون المتنامية نفوذهم و الملك  تحتمس الرابع ، فكان ذلك من وجهة نظرهم سببا لحفيده إخناتون أن يعلن عدائه  الصريح لكهنة آمون فابتعد عن طيبة كعاصمة ضلال و هرطقة ( لا وجود لأي دليل  بأن طيبة كانت عاصمة مصر السياسية خلال النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة  عشرة مع عدم إنكار مجدها و ثقلها الديني – أنظر مقال سابق للدارس بعنوان  طيبة أم منف أيهما عاصمة مصر قبل عصر العمارنة ) و إتجه للعمارنة كعاصمة  سياسية جديدة حتى يكون بمنأى عن جبروت كهنة آمون . و طبقا لما تقدم يبدو من  الواضح أن الأمر فيما يتعلق بوجود قوة كهنوتية طاغية هددت سلطة ملوك النصف  الأول من الأسرة الثامنة عشرة  لم يعدو كونه تصورات إجتهادية تحتمل الظن  أكثر مما تفيد اليقين ، فلم تخضع لأدلة علمية قاطعة و كافية لإثباتها .
13 - لا ينبغي لهذه الدراسة أن تنكر على الإطلاق وجود نفوذ زائد لكهنة آمون في النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة ، و لكنها زيادة بولغ في تقديرها ، فيجب أن ندرك أن كل ما تحقق لآمون ماديا و أدبيا و إداريا كان كله من خلق ملوك تلك الفترة بأنفسهم إعترافا بفضله عليهم و لكن علينا أن نتذكر أن الذي يمنح ( و هو الملك صاحب أعلى سلطة في البلاد ) يمكنه أيضا أن يمنع . فالموارد كلها كانت في أيدي ملوك ذلك العصر و كان لابد أن تعرض عليهم أسماء من يشغلون أي وظيفة كهنوتية مهما كانت صغيرة فيقرون من شاءوا . كما كان الملك مالك كل شيء في مصر و ما أسهل عليه من أن يحد من سلطان الكهنة إذا شاء و ما أسهل عليه من أن نقل مخصصات آلهة إلى غيرها أو نقلها لصالح الدولة و لعل ذلك هو ما حدث في فترة متأخرة من حكم الملك إخناتون الذي وجه موارد المعابد الأخرى لصالح ربه آتون في العاصمة الجديدة و ذلك ما سوف نتحدث عنه بإذن الله في دراسة مستقبلية أخرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق