بسم الله الرحمن الرحيم
أضواء على الفصل رقم 175 من كتاب الموتى
أضواء على الفصل رقم 175 من كتاب الموتى
يعتبر الفصل رقم 175 من كتاب الموتى هو أحد الفصول الدينية الهامة التي تقع في الجزء الأخير من كتاب الموتى و دون ترتيب ظاهر أو واضح و قد كانت الفصول الأخيرة لكتاب الموتى ( بدءا من الفصل 163 و حتى الفصل 192 ) تسعى لإظهار مفهوم الثناء و المديح على المعبود أوزير رب مملكة الموتى و العالم الآخر و الذي يتخذ في هذه الفصول تحديدا شكل إله الشمس رع في العالم السفلي . و يمكن القول بأن الفصل رقم 175 من أصل إهناسي أو أن كتابته لأول مرة كانت قد تمت في مدينة إهناسيا و من الواضح أن مقاطع هذا الفصل ( رقم 175 ) كانت منفصلة في باديء الأمر و مستقلة عن بعضها إلى أن تم إدماجها في قالب لغوي ديني واحد . و يبدأ هذا الفصل بعنوان " تعويذة من أجل عدم الموت مرة أخرى " ثم نقرأ " كلمات يرددها أوزير فلان قائلا :
" يا جحوتي ماذا يجب علينا أن نفعل بأبناء نوت لقد حرضوا على الحرب ، و تسببوا في الفوضى لقد ذبحوا و ألقوا في السجن " هكذا قال آتوم . ثم نجد الفقرة التي تليها و هي تقول "يجب ألا تسمح بوقوع الخطيئة و قم بتقصير أعمارهم ( حرفيا أعوامهم ) . أنا في حوزة ألوانك يا جحوتي و سأحضر لك محبرتك أنا لست من بين هؤلاء الذين إقترفوا التدمير الخفي ، لذا لن يدمرونني و إن الموت السريع لن يؤثر في " ثم تنتهي هذه الفقرة من الفصل رقم 175 من كتاب الموتى بأن ما سبق هو كلمات تردد على تمثال جحوتي المصنوع من الخزف ليوضع في يد رجل و هذا يتيح الإستمرار على الأرض و ألا يموت موتا سريعا و هذا ما سينقذه .
يتبين لنا من هذه الفقرة مجموعة من الملاحظات الهامة و هي :
1 – إن أبناء نوت في هذه الفقرة يشيرون إلى أوزير و إيزيس و ست و نفتيس و بمعنى أدق إلى الجيل الأول من البشر الذين عاشوا على أرض مصر و تسببوا في إقامة الفوضى ( وردت في النص بلفظ إسفت ) و التمرد ضد رب الشمس الخالق آتوم و الذي يظهر بصفة المتحدث في هذه الفقرة حيث يقوم بتوجيه خطابه لجحوتي .
2 – من المفترض أن يقوم بترتيل هذا النص المتوفى فلان المتحد بأوزير رب العالم الآخر و أن يقوم بتلاوة ما قاله آتوم لجحوتي .
3 – يظهر هنا المعبود جحوتي ككائن متحكم في الخطيئة حيث يطلب منه آتوم بألا يسمح لأبناء نوت مرة أخرى بإحداث الفوضى و التمرد بل و يسأله أن يقوم بتقصير أعمارهم الأمر الذي نستشف منه أن جحوتي هو من يقوم بتحديد عمر و قدر الإنسان في مصر . هل يمكن لنا أن نستشف من هذه الفقرة وجود تأثير ديني حضاري من مدينة هرموبوليس ( الأشمونين ) التي كانت المركز الرئيسي لعبادة جحوتي ؟
4 – عندما يرد في النص عبارة " أنا لوح ألوانك يا جحوتي و سأحضر لك محبرتك " فهنا " لوح الألوان " يشير إلى المعبود أوزير الذي كان يندمج أحيانا بلوحة ألوان الكاتب نفسه ، فالمتوفى هنا يتحدث على لسان أوزير و يحضر لوح الألوان و المحبرة لجحوتي حتى يقوم بكتابة أعمار قصيرة للمتمردين على اللوح و المتوفى هنا يؤكد أنه لم يكن واحدا من هؤلاء الفوضويين و لذا فإن الموت السريع في العالم الآخر لن يؤثر فيه و أن من إقترفوا التدمير لن يدمروه .
5 – في واقع الأمر أن الفكر الديني و الأسطوري لا ينشأ من فراغ و إذا إفترضنا أن هذه الفقرة قد تم تأليفها في هيراكوليوبوليس ( إهناسيا ) وفقا لما يرجحه علماء المصريات فنرجح أن زمن كتابتها يرجع إلى عصر الإنتقال الأول حيث تمت صياغتها لأول مرة من جانب ملوك إهناسيا الذي ورثوا ملكية منف و إعتبروا أنفسهم صورة الإله الخالق على الأرض كإمتداد لصورة الملك في عصر الدولة القديمة و أن أبناء نوت هو إسم أسطوري يخفي ورائه بعض حكام الأقاليم خلال عصر الإنتقال الأول الذين نازعوا ملوك إهناسيا و لم يعترفوا بشرعيتهم بل و دارت بين زعماء إهناسيا و زعماء طيبة معارك ضارية مما كان له أكبر الأثر في كتابة هذه الفقرة الدينية التي شابهت تمرد بعض حكام الأقاليم على ملكية إهناسيا بتمرد أبناء نوت .
ننتقل للفقرة التالية التي هي عبارة عن كلمات يرددها أوزير فلان قائلا :
" يا آتوم كيف يتم إقتيادي إلى الصحراء الخالية من المياه و ليس بها هواء و عميقة جدا و شديدة الظلام و ليس لها نهاية ؟ " فيرد عليه المعبود آتوم " ستحيا في نعيم " فيستنكر المعبود أوزير الرد قائلا " و لكن لن يكون فيها لذة " و هنا يكون رد آتوم " لقد وضعت فيها الإجلال بدلا من الماء و الهواء و اللذة و وضعت فيها الإجلال بدلا من الخبز و الجعة " هكذا قال آتوم . ثم يواصل آتوم خطابه لأوزير قائلا " لن أسمح بأن تكون فقيرا و كل إله حجز مكانا في قارب الملايين و لكن مكانك هو خاص بإبنك حورس . ثم يقوم أوزير بتوجيه سؤال لآتوم قائلا له : " و ماذا عن مدى حياتي ؟ " فيجيبه آتوم " إنك ستعيش ملايين من ملايين السنين ، حياة ستمتد ملايين من السنين و لكنني سأدمر كل ما خلقته و سيعود هذا البلد إلى حالة ( النون ) ، حالة الفيضان ، كما كانت عليه الأمور في البداية و سأكون أنا ( آتوم ) من سيبقى مع أوزير عندما سأتحول من جديد إلى ثعبان لا يستطيع الناس التعرف عليه و لا تستطيع الآلهة رؤيته . كم هو جميل ما فعلته من أجل أوزير لقد منحته الجبانات ( المنطقة الصحراوية ) و إبنه حورس كوريث على عرشه في جزيرة اللهب "
يتبين لنا مما تقدم حقائق و نتائج هامة من خلال تلك الفقرة الأخيرة و هي :
1 – يستنكر أوزير طبيعة العالم الآخر التي يغلب عليها الخلو التام من المياه و الهواء و يسيطر عليها الظلام . و ربما يكون هذا الوصف المؤسف لمملكة الموتى هو سبب إرجاعنا للنص للعصر الإهناسي ( عصر الإنتقال الأول ) الذي طبع الأدب الجنائزي بمسحة من التشاؤم ميزته عن غيره من العصور .
2 – يظهر المعبود أوزير و هو يجهل جهل تام بطبيعة العالم الآخر الذي لا يعلم عنه إلا القليل فهو يظهر دائما في صورة من يقوم بتوجيه التساؤل أما آتوم فهو يعلم علم اليقين طبيعة تلك المملكة الأخروية فيجيب أوزير في كل تساؤلاته و لعل ذلك يوضح أن السيطرة الفعلية هنا على العالم الآخر و وفقا لسياق هذه الفقرة تكون لآتوم و ليس لأوزير و ذلك على الرغم من وصفه في معظم نصوص كتاب الموتى بأنه رب العالم الآخر أو سيد مملكة الموتى الأمر الذي يعكس وجود سيطرة كهنوتية شمسية في بداية عصر الدولة الحديثة أثرت في كتابة أو إعادة كتابة ذلك المتن .
3 – لأول مرة نجد في وصف طبيعة العالم الآخر عدم إحتياج أوزير أو المتوفى للماء و الهواء و اللذة و الخبز و الجعة و لأول مرة يظهر العالم الآخر بوصفه عالما واقعيا يخلو من تلك الملذات و المباهج و المظاهر الدنيوية و هو إتجاه يختلف تماما عن ما هو شائع و معروف في مناظر و نصوص أخرى للحضارة المصرية القديمة . فهنا نجد عالم آخر يتسم بوجود الإجلال الذي سيحل محل المباهج المادية . و من جانب آخر يظهر أوزير ( المتوفى ) و هو الذي يبحث عن هذه الملذات في مملكة الموتى بينما و على الجانب الآخر يظهر آتوم و هو الذي وضع في ذلك العالم الآخر سمة الإجلال و النعيم الذي سيحيا به أوزير بدلا من الماديات التي يبحث عنها .
4 – إن عبارة قارب الملايين التي ورد ذكرها في النص تعني قارب الشمس التي تمتليء بالملايين ( إلى ما لا نهاية ) من الموتى الأبرار الذين تم تأليههم عند بداية دخولهم العالم الآخر فحجزوا مكانا لهم في ذلك القارب الشمسي .
5 – يؤكد آتوم لأوزير بأن إبنه حورس سيرث عرشه في مكان يدعى جزيرة اللهب و هو مكان إختلف الدارسون على تحديد معناه فمهنم من يراه عالم الدنيا أو مصر و منهم من يراه مدينة إهناسيا ، مقر حكم زعماء إهناسيا خلال عصر الإنتقال الأول و منهم من يراه مدينة الأشمونين التي قامت فيها معركة أسطورية ورد ذكرها في متون التوابيت بين رع و أعدائه فلما إنتصر عليهم وضع النظام و بدأ الخلق هناك .
6 – يتوجه أوزير بالإستفسار من آتوم عن مدى حياته ؟ فيقول له آتوم بأنه سيحيا ملايين من السنين ثم يستدرك بأنه سيقوم بتدمير كل ما خلقه و ستعود مصر لحالة نون الأولى ( حالة الفيضان ) الأمر الذي يعكس وجود حالة فريدة من نوعها في النصوص الجنائزية الأخروية المصرية تتنبأ بنهاية العالم و لو بعد فترة طويلة من الزمن تمتد لملايين السنين إلا أن هذه النهاية لن تكون سوى عودة لشكل العالم الأول عندما تم خلقه لأول مرة و هي المياه الأزلية الأولى التي ستغمر العالم من جديد في نهاية المطاف و لن يتبقى أحد من الكائنات سوى آتوم و أوزير ( المتوفى ) بل و سيتحول آتوم الخالق نفسه إلى هيئة ثعبان أبدي و هي نفس صورته الأزلية الأولى التي تجلى بها في بدء الزمان و لن يتعرف عليه الناس و لن تستطيع الآلهة رؤيته مما يعكس أنه سيصبح ثعبان غامض و خفي .
ما هي علاقة الفقرة الأولى للفصل رقم 175 من كتاب الموتى بالفقرة الثانية السابقة ؟ فالفقرة الأولى تتناول أبناء نوت الذين تمردوا ضد آتوم و فعلوا الخطيئة بينما تتحدث الفقرة الثانية عن تساؤلات يوجهها أوزير لآتوم عن طبيعة مملكة العالم الآخر . و في واقع الأمر أنه يصعب وجود رابط موضوعي بينهما مما يرجح إستقلالية كل فقرة عن الأخرى في باديء الأمر ثم إدماجهما ببعض في فترة لاحقة و ربما يكون سبب الربط هنا أن المتوفى يحتاج لأن لا يموت مرة أخرى في العالم الآخر و هو ما يتضح من محتوى كلا الفقرتين
أما عن الفقرة الثالثة فهي تبدأ بسؤال يوجهه أوزير لآتوم قائلا :
" و لكن با ( ست ) سترسل إلى الغرب بخلاف كل الآلهة ؟ " فيرد عليه آتوم قائلا " لقد حرصت على أن تظل بائه حبيسة في المركب حتى لا يخشى الجسد الإلهي شيئا " ثم نقرأ " لقد إنتشر المديح في هيراكوليوبوليس و لقد ظهر أوزير كرع بعد أن عاد إليه عرشه و تولى حكم الضفتين المتحدتين و رضي التاسوع إلا أن ست أصبح في حزن عظيم " ثم توجه أوزير بطلب لآتوم فقال له " ليت ست يخشاني عندما يرى هيئتي الشبيهة بهيئتك ، ليت البشر و الآلهة المبرؤون و الموتى يأتون منحني الرأس في إحترام عندما يرونني " و عندئذ فعل رع ( آتوم ) من أجل أوزير كل ما قاله و حينئذ أتى ست و وجهه يلامس الأرض عندما رأى ما قام به رع من أجل أوزير و سال الدم من أنفه و عندئذ قام رع بدفن الدم السائل في الأرض و من هنا كان طقس ( غرق الأرض ) في هيراكوليوبوليس .
و هنا يمكن لنا أن نستشف بعض النتائج الهامة التي وردت في هذه الفقرة و هي :
1 – تبدأ هذه الفقرة بالتأكيد على إقتحام ست للعالم الآخر ( و هو أمر معروف منذ عصر الدولة القديمة في متون الأهرام ) و أن أوزير يخشى من أن يقوم ست بإحداث الضرر و الشر تجاهه الأمر الذي يعكس بشكل غير مباشر عدم قدرة أوزير على مواجهة ست في مملكة العالم الآخر و ذلك على الرغم من أنه ( أوزير ) هو المهيمن عليها فيأتي آتوم لطمأنة أوزير بأن با ( ست ) ستظل حبيسة في مركب الشمس و أنها لن تخرج عن نطاق تلك المركب في العالم الآخر و هو ما يؤكد أن المعبود الذي يمتلك القدرة في العالم الآخر هو آتوم و ليس أوزير و هنا نرى مرة أخرى وجود تأثير كهنوتي شمسي في الفصل رقم 175 من كتاب الموتى في بداية عصر الدولة الحديثة .
2 – لا يستطيع آتوم الإستغناء عن با ( ست ) في العالم الآخر و هو ما يشير بوضوح لأهمية وجود ذلك المعبود و دوره في حماية مركب الشمس و ربها آتوم ( رع ) في رحلته المسائية الأخروية و ذلك للدفاع عنه من مخاطر تلك الرحلة و أن إبقاء ست في مركب الشمس يعني عدم خشية الجسد الإلهي ( جسد أوزير ) لأي شيء . و هنا ندرك مرة أخرى خشية أوزير من سطوة المعبود ست في العالم الآخر فأوزير لا يملك لنفسه الحماية و لا يتمكن من إزالة خشيته من ست على الرغم من وجوده في مملكته .
3 – يؤكد النص أن المديح إنتشر في هيراكوليوبوليس عندما و عمت فرحة النصر عندما ظهر أوزير كرع بعد أن عاد إليه عرشه و رضي عنه التاسوع إلا أن ست أصبح في حزن عظيم . و هنا نرجح تأليف هذه الفقرة مرة أخرى خلال عصر الإنتقال الأول و ذلك عندما إستقرت الملكية المصرية في إهناسيا حيث سعى ملوك إهناسيا لإضفاء الشرعية على حكمهم عند إعلانهم بأن أوزير تجلى في هيئة رع في منطقة حكمهم إهناسيا و أنه إسترد عرشه فيها و التي عم فيها المديح بعد إنتصار أوزير على عدوه ست و لم يكن ست هنا سوى صورة أسطورية لأي منازع لسلطة ملوك إهناسيا
4 – أن ست لن يخشى أوزير إلا عندما تصبح هيئة أوزير مطابقة لهيئة ( آتوم ) رب الشمس أو بمعنى أدق صورة الشمس الغاربة عند بوابة العالم الآخر و أن آتوم هو الذي وضع خشية أوزير في البشر و الموتى و الآلهة المبرئون بفضل تقمص الشكل الآتومي و هنا نطرح التساؤل التالي : هل يوجد شك لدى القاريء في سيطرة كهنة الشمس على هذا الفصل بالكامل ؟ .... إن آتوم هو صورة الشمس في لحظة الغروب و التي تسبق زمنيا كيان أوزير القابع في العالم الآخر و من هنا جاء تبرير أنصار الديانة الشمسية بأن من يسبب الخشية في العالم الآخر هو آتوم و ليس أوزير .
5 – إن عبارة ( سال الدم من أنف ست ) تعكس إنتصار أوزير على ست و إسترداده لعرشه و هنا يقوم رع ( آتوم ) بدفن الدم السائل في الأرض الأمر الذي يعني إرتواء الأرض بدم عدو أوزير حيث تشير الفقرة هنا بأن طقسة غرق الأرض تمت في إهناسيا و هو مكان إنتصار أوزير على ست . و في واقع الأمر أن عبارة غرق الأرض تشير إلى شعيرة تقليب أو عزق الأرض ( خبس – تا ) و هي شعيرة تقام في منف منذ العصر العتيق خلال مجريات عيد الإله سوكر رب جبانة منف و كانت تهدف لتمهيد الأرض لوضع الحبوب فيها من أجل إستنباتها و عندما إتحد سوكر بالمعبود أوزير و تحول العيد إلى عيد سوكر أوزير تم إضافة معنى آخر للطقسة و هو غرق الأرض التي ضربت بدم عدو أوزير ( ست ) فهنا ترتوي الأرض بدم العدو لتخصيبها من ناحية و للإعلان عن إنتصار أوزير على ست من ناحية أخرى و لذا فالنص هنا يسعى لإيجاد سبب أسطوري لنشأة هذه الطقسة و دون وجود علاقة فعلية بالنشأة التاريخية للشعيرة . و هنا نشير مرة أخرى بأن الدم سال من ست ليس بسبب قوة أوزير و تمكنه الذاتي من ست بل يرجع إلى رؤية ست لما قام به رع من أجل أوزير وفقا لما ورد في الفقرة ذاتها
6 – ربما كان الرابط الموضوعي الذي يصل بين الفقرة الثالثة من هذا الفصل و الفقرة التي سبقتها هي أنه بعد تثبيت حكم أوزير في العالم الآخر في الفقرة الثانية إستلزم ذلك القضاء على عدوه ست رمزيا حتى يؤكد إنتصاره عليه و عدم تمكنه من إحداث الضرر له في مملكته مع التذكير بأمر هام و هو أن فضل الإنتصار هنا يرجع لمعبود الشمس رع
أما عن الفقرة الأخيرة من الفصل رقم 175 من كتاب الموتى فنقرأ فيها :
" عندئذ أصاب أوزير ألم في رأسه بسبب الحرارة التي يسببها تاج الآتف الذي يتوج رأسه منذ أول يوم وضعه على رأسه لتخشاه الآلهة و عاد رع في سلام لرؤية أوزير في هبراكوليوبوليس فوجده جالسا في مقره يعاني من تورم في رأسه بسبب الحرارة التي يسببها التاج و هكذا قام رع بإسالة هذا الدم ثم قال لأوزير " أنظر لقد كونت بركة من الدم فتكونت هذه البركة المقدسة في هيراكوليوبوليس " و لكن أوزير قال لرع " كم أشعر أنني في حالة جيدة و كم يرتاح وجهي من الألم و كم أشعر بالراحة " و يقول رع لأوزير " إنتبه للإسم الجميل الذي أطلقته عليك الذي هو ( حري شا إف ) ذو المقر رفيع الشأن في هيراكوليوبوليس . إن تاج الآتف على رأسك و ملايين و مئات الآلاف و عشرات الآلاف و آلاف الخبز و الجعة و كل شيء طيب يأتي لك كقرابين و سيظل حورس إبن أوزير المولود من إيزيس على عرشك "
و هنا يمكن لنا أن ندرك الحقائق التالية من هذه الفقرة الأخيرة و هي :
1 – إن تاج الآتف أصله تاج شمسي إرتداه رب الشمس رع في بداية حكمه وفقا لأسطورة عين شمس في متون الأهرام إلا أنه هنا و من خلال سياق هذه الفقرة تم منحه للمعبود أوزير و السبب في إرتداء أوزير لتاج رع هو إدخال خشية أوزير عند أرباب مصر وفقا لمعطيات النص . و هنا مرة أخرى لا تحدث خشية و رهبة الآلهة من أوزير إلا عند إرتدائه لتاج الآتف ذو الأصل الشمسي .
2 – إن السبب الذي قدمته هذه الأسطورة لإسالة دم أوزير عند إرتدائه تاج الآتف هو ما سيأتي ذكره في العبارة التي تلت هذا الكلام و هي ( تكوين بركة أو بحيرة من الدم في معبد هيراكوليوبوليس المكرس لعبادة أوزير ) . إن الأسطورة هنا تسعى لإعطاء تفسير أسطوري فيما يتعلق ببحيرة أو بركة معبد هيراكوليوبوليس ( إهناسيا ) و التي إعتبرت مياهها الدم الذي سال من أوزير عند إرتدائه لتاج الآتف و من هنا فإن من يقيم طقسة التطهير في هذه البحيرة يعني حيازته و إرتدائه لتاج الآتف الذي يصبغ شرعية دينية و سياسية على ملوك إهناسيا و هو الأمر الذي يرجح صياغة الأسطورة بهذا الشكل الفريد من نوعه .
3 – يسعى كاتب النص هنا لتوحيد المعبود أوزير بمقر عبادة كبش إهناسيا و هو المعبود ( حري شا إف ) بمعنى ( القائم على بحيرته ) فأوزير حاز في إهناسيا على لقب ( حري شا إف ) وفقا لآلية الأسطورة و من هنا أصبح ( أوزير القائم على بحيرته ) و يتحول كبش إهناسيا لكي يصبح الهيئة الرئيسية لأوزير هناك و لا شك أن عبادة كبش إهناسيا أقدم زمنيا من عبادة أوزير في نفس المكان إلا أن النص يحاول هنا لكي يعطي إيحاء بأقدمية أوزير على كبش إهناسيا في ذات المكان .
4 – إن وضع تاج الآتف على رأس أوزير يتسبب في وهب القرابين له كتدعيم و تأكيد لشرعيته كحاكم تم تتويجه بالتاج الشمسي في إهناسيا و هو الأمر الذي يجعلنا نرجح بأن ظهور تاج الآتف على رأس ملوك مصر و لاسيما في معابد الدولة الحديثة يشير إلى مكان تقدمات قرابين أمام التماثيل أو المناظر الملكية التي صورت بهذا التاج فضلا عن تمثيل التاج على رأس الملك هو إستدعاء أسطوري لما سبق ذكره في الفقرة الأخيرة من الفصل رقم 175 من كتاب الموتى