الاثنين، 28 نوفمبر 2011

مفهوم تفوق الخلف على إنجازات السلف فى الحضارة المصرية القديمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم تفوق الخلف على إنجازات السلف فى الحضارة المصرية القديمة

................................ يتناول هذا المقال واحدة من أهم المفاهيم الفكرية و الدينية للحضارة المصرية القديمة فيما يتعلق برؤية المصرى القديم للأسلاف و إنجازاتهم و كيفية الكشف الدعائى عن ( تفوق الخلف ) على ماأتى به ( السلف ) من إنجازات حضارية . و أود أن أهدى هذا المقال للأخ و الصديق العزيز المحترم الأستاذ ( عادل عبد الظاهر - adel abdel zaher ) ، فقد كان دائما خير معين لزملائه من المرشدين و المرشدات فى تحصيل العلم و كسب المعرفة
يهدف هذا المقال إلى إبراز مفهوم فكرى هام لدى المصرى القديم وهو ( تصميم المصرى القديم على الإتيان بما لم يأتى به الأسلاف بل و إبراز التفوق على ماصنعته أيديهم ) ، و لاريب أن هذا المبدأ كان قد دخل حيز التنفيذ منذ ( عصر الدولة القديمة ) حتى وإن لم تنوه إليه النصوص صراحة و من هنا نرى أن ( المجموعة الجنزية للملك زوسر ) كانت هى أول تطبيق فعلى لذلك المبدأ فقد سعى ذلك الملك إلى تشييد مجموعة دينية حجرية بعناصر و أجزاء معمارية كانت هى الأولى فى التاريخ المصرى القديم و سار على نهجه ملوك النصف الأول من الأسرة الرابعة ( سنفرو و خوفو و خع إف رع ) عندما أقاموا أهرامات ضخمة تأوى أجسادهم الملكية و تؤمن لهم عالمهم الآخر و لم يشذ عن هذه القاعدة ملوك الأسرة الخامسة الذين كشفوا عن ولائهم التام لربهم ( رع ) فأقاموا له معابد شمسية فائقة الحجم فنقشوا فيها مناظر ( ظهرت لأول مرة ) تهدف إلى إبراز الصلات القوية و الحميمة بين الملك و مختلف المعبودات ثم شيدوا مسلات من الحجر الجيرى داخل تلك المعابد لم يسبق لها مثيل قبل ذلك العصر . فلما إرتقى الملك ( ونيس ) عرش البلاد أوجد تقليدا دينيا جديدا ، فنقش على الجدران الداخلية لمقبرته الملكية ( نصوص الأهرام ) ، فضمن لنفسه سعادة أبدية فى العالم الآخر مع أربابه دون الإعتماد بالضرورة - فيما يرى البعض - على الطقوس التى كان يؤديها الكهنة لصالح ملوكهم .
لم يختفى هذا المفهوم الفكرى الدينى خلال عصر الإنتقال الأول ، بل ظهر صراحة و لأول مرة فى مصادر و نصوص تلك الفترة فيكشف لنا الملك ( خيتى الثالث ) فى تعاليمه و هو يقول لولده ( مرى كا رع ) أنه ( يريد أن يأتى بملك من الأسلاف فيتوفق عليه و يزيد مما حققه هو ) و عندما عرفت مصر الإستقرار السياسى فى عصر الدولة الوسطى ، زادت من إنجازاتها الفكرية و الدينية و الحضارية ، فنجد الملك ( سنوسرت الأول ) يقول ( لقد صنعت أعمالا عظيمة و زدت ماورثته عن أسلافى ) . و شيد الملك ( سنوسرت الثالث ) مجموعة من القلاع العسكرية فى بلاد النوبة لحماية الحدود المصرية من الجنوب فعمل على ( توسعة رقعة الحدود المصرية ) و أقام ( لوحات الحدود الشهيرة ) عند هذه القلاع فكان بذلك أول الملوك الذين يقيمون هذا الإنجاز الحضارى متفوقا على أسلافه .
أما فى عصر الدولة الحديثة فقد أصبح هذا المبدأ أكثر وضوحا فى عصر الدولة الحديثة ، و لذلك بدأ الملوك يضيفون على أنفسهم ألقابا تؤكد مالم يأتى به الأسلاف و هكذا أصبح الملك ( هو الذى يوسع حدود مصر ) ، و هو بذلك لم يحافظ فقط على ماورثه من أسلافه ، بل سعى نحو زيادة هذا الميراث . كما نجد الملك ( تحتمس الثالث ) يقول ( إننى أفعل أكثر مما فعله الملوك من قبلى ) و لم لا ؟ ألم يكن ذلك الملك صاحب أعظم إنتصارات حربية فى بلاد الشرق القديم؟ ......... كما ينبغى لنا أن نذكر مسلتى الملكة حتشبسوت التى أقامهما المهندس المعمارى ( سن إن موت ) فى أضيق الأماكن لمعبد الإيبت سوت ( = الكرنك ) القديم ، و كانتا فى ذلك الوقت من أكبر المسلات المصرية حجما فكان ذلك أكبر ( تحدى حضارى معمارى ) للمهندس المصرى ، إلا أنه تفوق على نفسه و نجح فى ذلك المضمار فاستحق الخلود هو و مليكته مما يتبين لنا أن ( المصرى القديم كان لايؤمن بمبدأ القناعة كنز لايفنى ) أو ( مبدأ الرضاء بالقليل ) قالتفوق لا يأتى إلا بالسعى الدؤوب و التحدى و عدم الإكتفاء بما حققناه سابقا و التصميم و العزيمة الصلبة و الإرادة الفولاذية .
إلا أنه يجب أن نشير إلى حقيقتين هامتين و هما : 1 - أن هذا المبدأ ( تفوق الخلف على السلف ) لا يعنى أبدا ( أن المصرى القديم لايحترم الأسلاف ) بل على النقيض تماما فهو لايكتسب أى شرعية فى أعماله و إنجازاته إلا إذا كان مؤديا لطقوس عبادة الأسلاف مقلدا لما فعلوه من سلوك يقتدى به لكنه كان فقط يزيد ميراثه الحضارى فلا يقتنع بما تحقق فى زمن الأوائل . 2 - لاينبغى أن نأخذ بحرفية تاريخية لهذا المبدأ فى كل ماقاله الملوك عن أنفسهم ، فهذا المفهوم كان ساريا بينهم على الأقل من الناحية النظرية ، فالملك ( توت عنخ آمون ) يتحدث عن نفسه بأنه ( أتى بما لم يأت به الملوك الأسلاف !! ) و الملكة حتشبسوت ذكرت فى الدير البحرى ( أنها أرسلت رحلة إلى بلاد بونت التى لم يصل إليها المصرى القديم من قبل !! ) فالأمر فى هذه الحالة لايتعدى إطار الدعاية الملكية السياسية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق