بسم الله الرحمن الرحيم
الديناميكية الأسطورية لزمن الأمجاد
........................................... تنشأ أسطورة الزمن الماضى الملىء بالأمجاد و الإنتصارات و الإنجازات الحضارية عندما يتم إدراك و لمس أوجه نقص و عيوب و قصور فى ( الزمن الحاضر ) ، و لذلك يستدعى ( الزمن الماضى ) فى ذكرى الثقافة الإنسانية ، و الذى يحمل سمات ( العصر البطولى ) و تنسج الحكايات البطولية التى يتضمنها هذا الزمن فيلقى الضوء عليها بهدف الكشف عن ( النقص ) و ( القصور ) فى ( الزمن الحاضر ) ، و من هنا يبرز الفارق بين ( ماكان موجودا ) و ( ماهو موجود الآن ) و هكذا لا تصبح المسألة معالجة ( الزمن الحاضر ) و تناوله بشكل تاريخى إجتماعى محايد بل قلب هذا ( الحاضر ) رأسا على عقب أو على الأقل وضعه فى مقابلة و مقارنة مع ماض أعظم و أكثر جمالا و يحدث ( إنقطاع ) تام بين ( الماضى ) و ( الحاضر ) فلا يصبح ( الحاضر ) نتيجة لما وقع فى ( الماضى ) ، بل يظل حاضرا غير مرغوب فيه لأنه إنفصل عن ( ماضى طوباوى مثالى نموذجى ) و هو فى حقيقته و جوهره ( ماضى مفارق لبنية الواقع و التاريخ ) .
و فى حالات إستشعار النقص الشديد فى ( الزمن الحاضر ) - عند مقارنته مع ( ماض سابق ) - يمكن أن تنشأ أسطورة ديناميكية لهذا الماضى تهدف إلى خلق ( شعلة ثورية ) ، و يحدث ذلك فى عصور تسود فيها السيادة الأجنبية ، أو فى عهود الظلم و الإستبداد ، أو فى حالات التى سيتشعر فيها المرء الهزيمة الحضارية أمام ثقافة أجنبية مهيمنة و سائدة ، ففى مثل مثل هذه الحالة تظهر على السطح ( موروثات الماضى ) لتضع ( الحاضر ) فى موضع تساؤلات و شك و نقض ، فيظهر ( الزمن الحاضر ) محملا بالآثام و الأوزار . و من هنا تتكون ( أسطورة الماضى ) التى تنادى بالتغيير و الإنقلاب و تتحول إلى ( أسطورة ديناميكية ) فتأخذ سمة ( يوتوبية مثالية ) على المستويين السياسى و الدينى و يصبح تحقيقها و الحياة من أجلها مطمح لكل فرد و تتحول ( الأسطورة ) إلى توقع و إنتظار لتحقيق التغيير من خلال التماثل أو التطابق التام بزمن ( الأمجاد ) الأول .
و يرى علماء ( الإثنولوجى ) أن الحركات الثورية ذات المنشأ الأسطورى وقعت فى كل مكان فى العالم تحت مسميات مختلفة ، فلا يخلو مجتمع من مفهوم ( البطل المخلص ) المحقق لآمال الجماهير الكادحة المظلومة فترى فيه كل آمالها و طموحاتها الدينية و السياسية و الإجتماعية ، و لعلنا هنا نتذكر ماوقع فى العصر المتأخر للحضارة المصرية القديمة عندما بدأت ( الماعت ) تكتسب معنى حضارى إختلف عما كان عليه فى الأزمان السابقة ، فقد أصبحت ( الماعت ) مفهوم مضاد و معاكس ( للزمن الحاضر ) فتحولت إلى ( عصر ذهبى ) لاتسقط فيه ( الأسوار و لاتشوك فيه الأشواك ) تماما مثل العصر البطولى ، الذى يظهر فيه ( الماضى ) فى حالة ( إنفصال تام ) عن ( الحاضر ) و لهذا أشارت نصوص تلك الفترة إلى مايلى :
لقد نزلت ( ماعت ) من السماء عندما حان و قتها
و تعانقت مع كل مافى الأرض
و فاض النهر بمائه على الأرض و إمتلأت البطون
و لم تكن الأسوار قد سقطت ، و لم تكن الأشواك قد وخزت فى عهود أسلاف الآلهة
و عند الوصول إلى هذه المرحلة ، يأتى دور ( الأسطورة الديناميكية ) فى العصر المتأخر فتنادى ( بالبطل المنقذ ) و الذى لم يكن سوى ( الملك حامى حمى مصر ) المرسل من ( الإله ) الذى يطرد الأجانب و يعاقب الظالمين و يعيد ( ماعت ) إلى الأرض مرة أخرى ، فيعيش الناس فى سلام و محبة و تصبح مصر فى عيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق