السبت، 16 يونيو 2012

الطقوس الدفاعية فى المعابد المصرية فى العصرين البطلمي و الرومان

بسم الله الرحمن الرحيم 

( الطقوس الدفاعية فى المعابد المصرية فى العصرين البطلمي و الرومانى )
.............................................................................لم تكن الشعائر ذات الطابع الدفاعى أمرا جديدا فى الحضارة المصرية القديمة ، فهى متداولة عمليا منذ عصور ما قبل الأسرات و حتى العصور المتأخرة فى المعابد المصرية ، و لكنها زادت كما و كيفا فى العصرين البطلمى و الرومانى مما يستوجب التوقف عندها لمحاولة فهمها و لإدراك الظروف التاريخية و الحضارية التى أفضت لمضاعفتها بذلك الحجم فى تلك الفترة .
تحول المعبد المصري فى العصرين البطلمى و الرومانى إلى حصن ثقافى يهدف لحماية حضارة و ثقافة مصر من خطر الغزوات و الثقافات الأجنبية التى هددت كيان البلاد ، فنشأ شعور بالنفور الشديد من الأجانب ، فنراه عمليا و بشكل واضح فى نصوص و مناظر معابد العصور المتأخرة التى عبرت فى بلاغة قوية عن وجود خشية من تدنيس المقدسات المصرية ، الأمر الذي أدى إلى ( الإنطواء على النفس داخل المعابد ) فى مقابل العالم الخارجي الدنس و المهدد لهوية مصر الحضارية ، فضربت سياجا بينها و بين ذلك العالم عن طريق إقامة شعائر دفاعية تتجه نحو حماية مصر ضد كل ما هو أجنبي دنس 
و فى إطار ذلك السياق ، رسم الكهنة صورة مصر الحضارية التى ينبغى أن تكون عليها و هى الصورة الخاصة بالمعبد فى العصور المتأخرة ، فمصر هى الجنة التى تتلألأ فيها النجوم و الفيضان يأتى بالخير و حدائقها دائما مزدهرة و الآلهة تمجد فيها كل يوم . و أن قوى الشر المناهضة لمصر و التى تسكن العالم الخارجي تتولد كل يوم و لذا يجب القضاء عليها بفضل الشعائر الدفاعية .
فالمصرية فى العصور المتأخرة أمكن تقسيمها كالتالي : 
1 – مناظر القوس و السهام : و هى الطقوس التى تظهر فى معبد إدفو بشكل غالب ، حيث يوصف المعبود حورس بأنه ( رب القوس و السهام الذي يبعث السهام فى عين أعين أعدائه حتى لا يبقى حوله من يعاديه ) و لذا نجد الملك و هو يوجه حواره لحورس رب إدفو عند تقدمة القوس و السهام قائلا له " أمد ذراعي حاملا إليك أسلحتك فخذها فى يديك و اقتل أعدائك " 
إن القضاء على أعداء الإله يهدف للقضاء على أعداء الملك و لذلك فإن حورس يرد على الملك قائلا له " أعداؤك ملقون على الأرض تدوس عليهم بنعالك " و لا ريب أن أعداء الإله و الملك هم أعداء مصرالذين يهددون وجودها الحضاري
2 – مناظر الرمح و الحربة : و هى الطقوس التى تبين أن المستفيد من هذا القربان هو حورس البحدتى فى معبد إدفو ، فظهرت مناظر فى ذلك المعبد تكشف عن وضع الرمح أو الحربة على إناء يمسكه الملك بيده اليسرى ، و لذا يوجه الملك حديثه له قائلا " خذ الرمح ، هو سلاحك الذي ستقتل به ست و تذبح به الأعداء " و لا غرابة فى إرتباط ست بالأعداء فى العصر المتأخر حيث أشارت نصوص المعابد فى تلك الفترة أن ست هو إله العالم الخارجي الدنس و إله الغرباء الذين يدنسون مصر . و لذلك يظهر حورس البحدتى فى وضع الإستعداد على مركبه و حربته بين يديه و يقضي على الحيوانات التى تجسد ست 
3 – مناظر ذبح الأعداء : و هى الطقوس التى تزخر بها معابد إدفو و دندرة و فيلة ، فصور الفنان الأعداء و قد أوثقت أيديهم خلف ظهورهم و فى بعض الأحيان تقطع رؤوسهم . تنوعت النصوص التى تصف تلك الشعائر فنجد فى ادفو الملك و هو يخاطب حورس قائلا له " ست سقط تحت نعالك " و يخاطب الملك أحيانا الأعداء قائلا لهم " أنتم الملقون على الأرض أضربكم برمح حورس فلا تستطيعون الحراك " 
كما يعد حرق الأعداء من الطقوس الدفاعية الهامة التى زادت فى ذلك العصر و تعتبر من أشد أنواع العقاب حيث يعيدهم إلى حالتهم الأصلية كما وصفت النصوص و هى حالة التراب ، فينتهى وجودهم تماما . فتتكرر مشاهد المحرقة فى المعابد و يظهر فيها الملك أمام بحيرة النار التى يلقى فيها أعداء مصر و يخاطب الملك حورس قائلا له " أذبح أعداء أبيك و أقطع لحمهم و أحرقهم فى محرقتك " 
تتنوع طرق قتل الحيوانات التى ترمز للشر . فلكل حيوان طريقة قتله الخاصة ، فيضرب فرس النهر بالرمح بينما يقطع لسان التمساح أما الغزال فتقطع رأسه و يحرق الثعبان و يختنق الحمار الذي تشل حركته و يمنع من التنفس 
نلاحظ هنا و من وصف النصوص أن هذه الطقوس التى تصف المذابح ضد حيوانات الشر إرتبطت ببعض المدن لأسباب دينية و جغرافية ، فارتبط طقس حرق الثعبان بعين شمس نظرا لأنه الموقع الأسطوري للمعركة التى قامت بين رع ( رب النظام الكونى ) و أبوفيس أو عبب ( ممثل الفوضى ) فى هيئة الثعبان فى بدء الزمان كما إرتبط ضرب فرس النهر بالمستنقعات الغربية للدلتا لأن تلك الصورة ( فرس النهر ) هى إحدى صور أعداء مصر الذين يغزونها دائما من الحدود الغربية متقمصين هيئة ست كما إرتبط الحمار بتانيس لأنها الصورة التى يتجسد فيها الغزاة القادمون من الشرق فى شكل ست 
4 – مناظر ذبح الحمار : و هى الطقوس التى أشير إليها تحديدا فى المقاصير الأوزيرية الخاصة بتحنيط و دفن و إعادة بعث المعبود أوزير داخل تلك المعابد و لذا وجب حمايته من ست . فيلقى الحمار مصيرا قاسيا فيتم حرقه و الهدف من ذلك هو : منع ست من أن يعترض طريق الإله فيجب التخلص منه تماما ، فلا يبقى به ذرة حياة و لذا نجد الملك فى مقاصير أوزير فى معبد دندرة و هو يقول " أقضي على الحمار و أمنع وصول الهواء إلى جسده " كما يظهر فى إدفو نص يأمر فيه حورس كهنته الفلكيين بالبحث عن جسد أبيه أوزير و خلال ذلك يلتقي بالمعبود ست الذي يظهر فى هيئة الحمار فيقضي عليه 
5 – مناظر ذبح الثور : و هى الطقوس التى تهدف لحماية المعبود أوزير ، فيتم قطع رقبة الثور من جانب الملك الممثل للمعبود حورس و هذه الشعيرة تهدف لإحياء ذكرى واقعة إنتصار حورس على ست فى هليوبوليس و منع ست من إلحاق الأذى بأبيه أوزير و قد تم ذلك فى حضور جميع الآلهة ، مما يجعل المعبود يرد على الملك قائلا له " ذراعاك قويتان ضد أعداء مصر " 
6 – مناظر ذبح فرس النهر : و هى الطقوس التى أكدت على أن ذلك الحيوان هو تجسيد آخر للمعبود ست ، فلا يستطيع القضاء عليه سوى الملك بقوته الخارقة . و هنا يتحدث الملك عند قيامه بتلك الشعيرة قائلا " أذبح فرس النهر بأفعاله الشريرة فلا وجود له بعد الآن فلتسعدوا و لتهللوا أيها الفلاحون الطيبون " و لاشك أن العبارة الأخيرة فى النص تجسد قلق الفلاحيين المصريين من ذلك الحيوان الذي يلتهم البذور و النباتات و الخضروات فى حقولهم 
7 – مناظر ذبح التمساح : و هى الطقوس التى تصور التمساح بإعتباره تجسيدا لست ، فهو يهدد أوزير و يظهر فيها الملك بإعتباره حامل الحربة الشجاع الذي يدفع التمساح كما يقوم بقتل التماسيح و يملأ النهر بدمائها و يقطعها و يوزع اللحم فى معابد الآله كقرابين ثم يرد المعبود على الملك و يعده بحرق أعداء مصر فى النار 
8 – مناظر ذبح الغزال : و هى الطقوس التى تشير للمنطقة التى يسكن فيها ست و هى منطقة الصحراء التى تعد إقليمه الأساسي و من هنا وجب القضاء عليه لمنع أعداء مصر من الهجوم عليها من الصحراء 
9 – مناظر إنتزاع أو تحطيم عين أبوفيس – عبب : تصور هذه الشعائر الملك و هو يقوم بضرب كرة من الطين بمضرب من الخشب و ترمز هذه الكرة الى عين الثعبان أبوفيس – عبب فيمنعه من الرؤية مما يجعله أعمى فلا تقف مركب الشمس و لا يتوقف الزمن و يتم الحفاظ على النظام الكونى و يقضى على أعداء مصر 
10 – مناظر ذبح الثعبان : تنطلق هذه الشعائر من فرضية هامة و هى أن الثعبان هو العدو الرئيسي للمعبود رع الذي يهدده خلال ساعات النهار و الليل فيتم قتله بواسطة الرمح أو السهم فى عين شمس فى ( مكان المعركة الكبرى ) وفقا لنصوص المعابد . و يعد حورس هو المقاتل المكلف بحماية عين شمس من ( صاحب العينين ) و هو الثعبان ابوفيس الذي يسعى للسيطرة على ربان مركب الشمس فإذا تمكن من السيطرة عليها إختفت الشمس و يحل الظلام على مصر و يتمكن منها الأعداء و لذا وجب قتله يوميا 
11 – مناظر ذبح حيوان السلحفاة : السلحفاة هى العدو الرئيسي للفيضان حيث أنه فى إمكانها إبتلاع المياة مما يضر بالملاحة و الرى و الزراعة . و نجد على أحد أعمدة معبد فيلة منظرا يجسد السلحفاة و الثعبان و إثنين من السجناء يطوقهم ثعبان يعض على ذيله و ذلك الثعبان الأخير إذا تمكن من عض و إبتلاع ذيله تماما فسينهار الكون و تختفى مصر إنه ثعبان يقوم بدور مزدوج : فهو يحيط بالكون لحمايته و فى ذات الوقت يهدده إن إبتلع ذيله و لكن تتدخل الشعائر هنا لمنعه من إبتلاع ذيله بالقضاء على الأشكال التى يحيط بها . فأحد هذين المسجونين و الثعبان الآخر المصور بجواره هما عدوا المعبود رع أما المسجون الآخر و السلحفاة هما عدوا المعبود أوزير و لذا فإن القضاء على أعداء رع و أوزير يعنى القضاء التام على أعداء مصر و درء خطرهم عن البلاد و حماية الكون من الإنهيار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق