بسم الله الرحمن الرحيم
( المعنى الأسطورى لرحلة الشمس فى عصر الدولة الحديثة )
............................... صاغ كهنة طيبة فى عصر الدولة الحديثة تصورات فكرية متعددة عن مسار الشمس الكونى و سجلوا تفاصيل هذا المسار على جدران مقابر وادى الملوك ، فاتجهوا نحو تصوير إله الشمس ( رع ) فى رحلتين على متن قاربين : الأولى نهارية تبحر فى عالم سماوى و الأخرى ليلية تجرى فى عالم سفلى . و إتجه أنصار الفكر الشمسى فى طيبة إلى تمييز كل مرحلة من مراحل مسار الشمس بمعنى دينى محدد ، فكانت ولادة رع من جوف السماء فى الصباح الباكر تعنى ولادته من رحم أمه الإلهة ( نوت ) حتى يضىء الدنيا بأكملها ثم صورته المتون الشمسية فى هيئة طفل وليد يحتاج للرضاعة من قبل الإلهات المرضعات و ماأن لبث شابا ، حتى إعتلى عرش مصر فأصبح حاكما عليها الأمر الذى إستوجب الإحتفالات فى البلاد بأكملها ، فهلل و صفق له البشر و الآلهة .
كما أشارت متون هذه الرحلة إلى مواجهة كونية تتم بين ( رع ) ذاته و عدو مجسد فى هيئة ثعبان يدعى ( عبب ) يعمل على إعاقة مركب الشمس فى رحلتيها النهارية و الليلية ، فيشترك كل من الآلهة و الآلهات المصاحبة لرع فى القضاء على ذلك الثعبان ، فهو يجسد عنصرين : 1 - خطر كونى يكمن فى توقف حركة الزمن مما يعنى القضاء على الكون . 2 - ( عبب ) هو أصل الشر و الأخطاء التى يقضى عليها ( رع ) بنفسه .
تنتهى هذه الرحلة النهارية بعودة ( رع ) مرة أخرى إلى رحم أمه الإلهة ( نوت ) فيستبدل قاربه النهارى ( معنجت ) بقارب أخرى ( مسكتت ) و يتم رحلته الليلية الأخروية فى عالم سفلى و صفته النصوص بأنه عالم ماقبل الخلق حيث يهيمن فيه عنصران : الظلام و المياه الأزلية الأولى ( نون ) . إن هبوط رع إلى ذلك العالم لا يعنى سوى موته المؤقت أو بمعنى أدق كمون و توقف فعاليات الشمس عن أداء دورها فى عالم النهار و لو إلى حين حتى صباح اليوم التالى . و عندما يقتحم عالم مملكة الموتى السفلى فإنه يباشر وظيفته هناك كحاكم تماما مثلما كان يؤديها فى دنياه النهارية . و ينبغى لنا أن نشير إلى حقيقة ثابتة : إن هبوط ( رع ) إلى تلك المملكة لم يكن أمرا إعتباطيا ، بل كان يهدف إلى تجديد هيئة و دورة الشمس ذاتها فى العالم السفلى ، فالموت هو جزء من الحياة طبقا لمقتضيات العقيدة المصرية القديمة ، و هناك يظهر ( رع ) ك ( با ) بمعنى روح و يتحد و يتحد بجسده الميت الذى لم يكن سوى الإله ( أوزير ) و من هنا يعود ( أوزير ) إلى الحياة من جديد فى عالمه السفلى ، و أخيرا تنتهى الرحلة الشمسية الليلية بإنتصار الشمس على جميع أعدائها و ولادتها من جديد فى الصباح . نستشف مما سبق أن و ظيفة معبود الشمس ( رع ) من خلال رحلتيه الكونيتين تعكس دور الملك سياسيا على أرض مصر ، فالأحداث الكونية للشمس تتطابقمع الأحداث الأرضية التى يقوم بها الملك على الأرض ، فإنتصار الشمس على أعدائها يعنى عدد من الأمور الهامة و هى : 1 - إنتصار ( النظام الملكى ) على ( الفوضى المدمرة ) التى يسببها أعداء مصر .
2 - تغلب ( الخير ) على ( الشر ) ، فتتم مقاضاة الشر من خلال محاكمة أخروية أوزيرية مما يؤدى إلى إنتصار الخير ، أو بمعنى أدق ينتصر ( رع ) فينتشر ( الضياء ) فى العالم و يقضى على ( الظلام ) ، فالضياء هو ( الخير ) و الظلام هو ( الشر ) ، فيصبح العالم بأكمله بعد أن كان له قيمتين هما ( الخير و الشر ) ، ذو قيمة واحدة سائدة و هى ( الخير ) و هذا يعنى أنه أصبح قابلا للإستقرار و السكن و المعيشة .
3 - إنتصار إله الشمس بصفته ملك مصر يعنى أن الحاكم لايقول و لايفعل إلا الحق ، فتستقر ملكيته الدنيوية و الأخروية إلى الأبد و يستقر معها النظام الكونى .
4 - انتظام المسار الشمسى يؤدى إلى تأدية الملك لدوره الأخطر على الإطلاق تجاه شعب مصر و هو : ضمان التموين الغذائى للجميع ، فلا تحدث أزمات أو مجاعات .
5 - إن سلامة المسار الشمسى تؤدى إلى تسيد و هيمنة حب البشر لبعضهم البعض مما يساعد على خلق علاقات إجتماعية طيبة بين شعب مصر فلا وجود للقتل أو الكذب أو البغض
6 - أما المعنى الدينى فيكمن فى تغلب الشمس على موتها المؤقت و إعادة ولادتها من جديد مما يجعل مسارها نموذجا و هدفا لجميع المصريين ، فيتمنون لو يتحدوا بها أو يشاركوها فى رحلتها على أقل تقدير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق