الخميس، 25 أكتوبر 2012

قراءة تحليلية موجزة لنص الشاعر ( خع خبرر سنب ) في عصر الدولة الوسطى


بسم الله الرحمن الرحيم 

قراءة تحليلية موجزة لنص الشاعر ( خع خبرر سنب ) في عصر الدولة الوسطى .......................................................................................................................................................... يتناول هذا المقال الموجز قراءة تحليلية لنص أحد الشعراء المشهورين في عصر الدولة الوسطى و الذي سعى قدر الإمكان و وفقا لمعايير و معطيات عصره أن يتملص من التراث الكتابي المتداول في عصره و لاسيما بعد أن بلغ هذا التراث أقصى درجات الإحترام و التبجيل من جانب الرأي العام المصري خلال الدولة الوسطى و هو ما يمكن لنا أن نستشفه و بشكل غير مباشر من النص ذاته . إن نص الشاعر ( خع خبرر سنب ) يتناول إحدى إشكاليات مفهوم الحضارة الكتابية ، حيث يظهر النص في الحضارة الكتابية في باديء الأمر كصورة تعمل تثبت الموروث الشفهي في شكل نص مكتوب فهنا يتحول النص من ( صوت ) إلى ( كتابة ) ثم يتحول ( النص المكتوب ) مع الوقت إلى نص ( ذو سلطة ) لا تفرض نفسها من تلقاء ذاتها على الناس ، بل هي سلطة مضافة على النص من جانب أصحاب التراث ( التيار المحافظ ) و الذي يقوم بخلق ( سلطة للنص التراثي ) على الجماهير . و عندما يتقادم زمن ( النص التراثي المكتوب ) تصبح له ( قيمة قدسية ) تعصى على التجاوز أو التجاهل أو النقد و هنا يصل النص التراثي المكتوب إلى ( مرحلته النهائية ) و مع كل قراءة جديدة أو نسخ جديد ( للنص التراثي المكتوب الذي بلغ مرحلته النهائية ) لا يتعدى الأمر عن مجرد تكرار النص ذاته ، فالمعيار هنا ليس بتغير الشكل اللغوي و التعبيرات المستخدمة في النص ، بل فيما يقدمه من معلومات و أشياء جديدة .
يبدأ نص الشاعر ( خع خبرر سنب ) بطرح هذه الإشكالية قائلا :
" يا ليتني أملك عبارات و جمل لم يعرفها أحد قط ، ياليتني أملك أحاديث غريبة و كلام جديد لم يسبق لأحد أن قاله ، ياليتني أمتلك ناصية الكلام و ليس مجرد أقاويل موروثة قالها الآباء و الأجداد و إني أعصر جسدي و أعصر كل ما بداخله و أطلق له الحرية من أسر كلماتي ، فكل ما قيل من قبل يعد تكرارا ، و لا يقال اليوم إلا ما قيل من قبل ، هنا لا يتكلم إنسان تكلم من قبل بل يخاطبكم هنا إنسان يريد أن يتكلم لأول مرة و على الآخرين أن يجدوا و يكتشفوا بماذا سيردون عليه ، و هذا ليس حديثا يقول عنه الآخرون بعد ذلك : لقد قالوه في زمن سالف و أنا هنا أقول لكم : إن كل ما قيل هو تقليد لما قيل في الماضي أما أنا فيا ليتني كنت أعرف ما لا يعرفه الآخرون و يا ليتني كنت أعرف ما لا يعتبر تكرارا "
  يمكن للدارس أن يتبين مجموعة من الحقائق الهامة و هي :
1 – تعتبر هذه القصيدة بمثابة شكوى قاسية لصاحبها في عصر الدولة الوسطى من الضغط الشديد للتراث الكتابي الذي بلغ مرحلة عليا من القوة و الذيوع مما جعل الخروج على نوعية هذا التراث أمرا عسيرا بالنسبه لصاحب النص .
2 – يستشعر مؤلف القصيدة أن التراث ( أو النص التراثي المكتوب الذي بلغ مرحلة من القوة و الذيوع ) شيء خارجي ، و شيء غريب عنه ، بل هو شيء ضخم و عملاق ، لا قبل للمؤلف به ، و لذا فهو هنا يقف في حالة يأس أمام مهمة كبيرة و شاقة تتمثل في كيفية إيجاد الشرعية و القوة لكلامه و هو في مواجهة هذا التراث الضخم العملاق و أن يقدم كلامه أمام هذا التراث على أنه شيء جديد مبتكر و خاص به هو ( خاص بالمؤلف ) .
3 – يسعى المؤلف بكل ما أوتي من قوة تعبيرية بلاغية أن يتملص مما قاله الأسلاف ( و ذلك على النقيض من التيار الفكري المحافظ و المهيمن في عصره و الذي يزهو دائما بما قاله الأسلاف ) و أن يجد لنفسه حالة من التميز الفكري و الإستقلال الفردي عن كل ما قيل في السابق ، فهل يمكن لنا هنا أن نتحدث عن محاولة لصاحبها لإحداث  قطيعة معرفية مع الماضي ؟
4 – لأول مرة نجد نصا في الحضارة المصرية القديمة و لاسيما في عصر الدولة الوسطى يستخدم فيه صاحبه كلمته المكتوبة لكي يرى نفسه من الخارج و هو في مواجهة مع التراث فهو هنا لا يسعى لكي يكون إبن عصره بل صانع عصره و هذه هي رسالته و يا لها من رسالة شاقة ! فهو يشعر بأنه معتمد و بشكل كامل على دخائل نفسه لكي يتمكن أن يثبت ذاته أمام هذا التراث الضخم و العملاق .
و هنا نطرح تساؤل هام : هل كان الشاعر ( خع خبرر سنب ) يمثل نفسه فقط في مواجهة تراث الماضي ذو السلطة القوية أم هو صوت لتيار فكري محدود العدد في عصر الدولة الوسطى لا يمتلك القدرة على مواجهة التيار المحافظ الأقوى تأثيرا و الأكثر عددا ؟
و يستمر ( خع خبرر سنب ) في مخاطبة نفسه أمام الرأي العام و الجماهير قائلا :
" يا قلبي ، تعال كي أقول لك حديثي ، تعال لكي تجيبني عن سؤالي و لكي تحكي لي عن ماذا يدور في بلادي "
و هنا يسعى كاتب النص لكي يظهر نفسه أمام الجماهير كشاعر معذب بكلماته و لا نبالغ إذا إعتبرناه أول من إقتحم تاريخ الأدب في الحضارات القديمة بوصفه شاعرا معذبا بما يكتب و يقول و أن الألم الذي يعتصره يكمن في الوحدة التي تلازم عملية الكتابة ، فالكاتب في وحدته مع نفسه و حيث يتحدث مع قلبه ، ينبغي له " أن يعصر نفسه من الداخل " – على حد وصفه – لكي يستطيع أن يضمن لذاته البقاء في مواجهة تراث الماضي الضخم ، و ذلك بالإتيان بشيء جديد و بالأخص شيء من إبداعه هو .
إن الإشكاليات المضمرة التي يثيرها صاحب هذا النص لا تتمثل فقط فيما سبق تناوله ، بل تكمن أيضا فيما يمكن وصفه  تحت مسميات ( المسافة المتاحة لحرية الكاتب ) و ( تحرر الكاتب من قيود التراث ) بحيث يتمكن ذلك الكاتب من النظر للتراث ( نظرة نقدية ) ، فهو يسعى لكي يجعل لذاته إسهام في تراث الماضي ، و لكنه إسهاما جديدا و غريبا لم يأت به أحد من قبل و أن يجعل منه حديثا غير مسموع من ذي قبل في مواجهة التراث المألوف و المعهود منذ القدم فكلماته نفسها تقول :
" هي أغاني لم يقم أحد بغنائها من قبلي و أحاديث غريبة و كلام جديد لم يسبق لأحد أن قاله ، هو كلام خال من التكرار " و تلك هي رسالة " خع خبرر سنب " في عصر الدولة الوسطى .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق