الأحد، 25 ديسمبر 2011

معبد الأقصر و نظرية الكا الملكية

بسم الله الرحمن الرحيم

( معبد الأقصر و نظرية الكا الملكية )

.................................. قام عالم المصريات الأمريكى دكتور ( ليني بيل ) بعمل دراسة هامة عن معبد الأقصر فى غضون سنوات عديدة ، حاول فيها أن يميط اللثام عن الوظيفة الحقيقية لهذا المعبد ، فتوصل إلى نتائج هامة و هى :
1 - أن معبد الأقصر هو المعبد المكرس للكا الملكية ، فالملك يتحد بكائه الملكية أثناء عيد ( الأوبت ) ، و هو العيد الذى كان يحتفل به فى الشهر الثانى من فصل الفيضان عندما ينتقل موكب ( آمون رع ) من ( الكرنك ) فيتجه إلى معبد ( الأقصر ) ليتم هذا الإتحاد .
2 - إن الكا الملكية هى ( المظهر الإلهى لشخصية الملك ) فهى تعبر عن ( الملكية الخالدة التى لا تموت أبدا ) ، و الملك بطبيعته البشرية عندما يتحد بها عند صعوده للعرش ، يصبح قادرا على إتمام كل واجباته الملكية بنجاح فائق تجاه شعبه .
3 - لم تكن هذه الكا سوى ( القدرة الإلهية الخارقة ) التى يرثها الملك الحاكم من أسلافه الملوك و الآلهة الذين حكموا مصر فى السابق ، فهو يتحد بقدرة الأسلاف الخارقة حتى يجدد شرعية حكمه كل عام و يحكم البلاد و يؤمن الخير لشعب مصر .
4 - يرى ( ليني بيل ) أن مركب الملك كانت ترافق مركب آمون خلال عيد الأوبت - طبقا لما تم تصويره فعليا على جدران معبد الأقصر - و أن المركب تحتوى فى داخلها على تمثال الكا الملكية حتى تستقر فى معبد الأقصر و يتحد بها الملك من خلال طقوس سرية تتم فى أكثر الأماكن التى تتسم بالظلام و لايدخل اليها سوى عدد محدود من الكهنة .
5 - لا حظ ( لينى بيل ) التصوير المتكرر لشكل الكا الملكية التى ترافق الملك فى أكثر من منظر داخل معبد الأقصر مما جعله يؤكد أن هذه المشاهد تهدف لإظهار ذلك الإتحاد بين الملك و كائه الملكية .
6 - يرى ( بيل ) أن ظهور الملك ( أمنحتب الثالث ) فى معبد الأقصر بقرنى الكبش الملفوفين إلى الأمام هو برهان تأليه الملك بعد إتحاده بكائه الملكية ، بإعتبار أن قرنى الكبش هنا يعبران عن سمة رئيسية لهيئة المعبود ( آمون رع ) .
إن الدارس لا يتفق مع ما ذهب إليه ( بيل ) فهناك مجموعة من الحقائق تحول دون التسليم المطلق بالنتائج السابقة تتمثل فيما يلي :
1 - إن النظر إلى الكا الملكية بإعتبارها المظهر الإلهى لوظيفة الملكية الخالدة و أنها تعبر عن إرتباط الملك بأسلافه من خلالها فذلك أمر بديهى ، و ذلك هو حال كل ملك فى الحضارة المصرية القديمة ، فلا جديد هنا فى تصوير الكا الملكية التى ترافق الملك فى كل الأنشطة التى يقوم بها لأنهما يشكلان شخصا واحدا و هو الملك نفسه و إذا كانت الرؤية الفنية تفصل بينهما فى مناظر المعبد فلا غرابة فى ذلك فالمصري القديم كان يجسد كل مقومات الإنسان من ( كا ) و ( با ) إلخ .... بشكل مادى دون أن يعنى ذلك أن هذه المقومات منفصلة عن الإنسان نفسه و من هنا لا يمكن القول أن ظهور الكا الملكية بشكل منتظم وراء الملك داخل معبد الأقصر يجعل منها كائن منفصل عن الملك فى بادىء الأمر ثم إتحد به فيما بعد كما لا يجعل من المعبد نفسه مكانا مكرسا لشعائر الكا الملكية
2 - لا توجد فقرة واحدة من نصوص تأسيس المعبد تذكر أن المعبد هو موقع الكا الملكية
3 - تجاهل ( بيل ) أمرا هاما و هو : ظهور الكا الملكية بشكل منتظم فى كل المعابد المصرية القديمة حيث تصور فى مرات عديدة وراء الملك حتى يتسنى له أن يقيم الطقوس بنجاح ، فما الذى يميز معبد الأقصر عن المعابد الأخرى إذا كانت الكا الملكية عنصر مشترك لا غناء عنه فى جميع المعابد ؟ ألم تظهر الكا الملكية على سبيل المثال فى معابد البر الغربي لمدينة طيبة بكثرة ؟ لماذا لم تعتبر هى الأخرى معابد لتقديس الكا الملكية بناءا على تصويرها بشكل متكرر و فى أكثر من موضع و على الرغم من أنها وصفت صراحة فى نصوصها بأنها منازل الكا ؟
4 - هل كان القارب الملكى المتجه إلى معبد الأقصر يحمل فى داخله تمثال الكا الملكية ؟ ذلك بالطبع يظل أمر غير مؤكد ، فالنصوص التى ترافق منظر القارب الملكى لا تشير إلى ذلك أبدا ، كما أن العلامة التصويرية المعبرة عن ( الكا ) لاتظهر داخل القارب الملكى و لا شك أننا حتى الآن لا نعلم طبيعة الصورة الملكية التى يحتويها ناووس المركب الملكى
5 - لا تشير نصوص أو مناظر المعبد إلى أى طقوس تتحدث عن إتحاد الملك بكائه الملكية سواء فى الأماكن الأمامية المفتوحة للهواء الطلق أو فى الغرف الداخلية المغلقة للمعبد ، كما أن طقوس قدس الأقداس لا تشير إلى عبادة الملك لكائه الملكية بل تشير إلى عبادة الملك لآمون رع رب الكرنك و آمون كا موت إف ( = فحل أمه ) رب معبد الأقصر
6 - إن هناك ملوك حملوا قرنى الكبش الملفوفين إلى الأمام فى مشاهد أخرى من المعابد المصرية القديمة دون أن يرتبط ذلك بمناسبة دينية معينة ( مثل إحتفال التتويج كما يعتقد بيل ) فالملك سيتى الأول يظهر فى معبد أبيدوس مصورا بها و الملك أمنحتب الثانى يظهر هو الآخر بنفس الهيئة فى مقبرة ( قن آمون ) فى طيبة ، و علاوة على ذلك فإن التساؤل الذى يفرض نفسه : ما هى علاقة الكا الملكية بقرنى الكبش ؟ إن جميع مناظر الكا الملكية لا تحمل أبدا هذين القرنين و لاشك أنهما يعبران عن سمة إلهية خاصة توهب لمن يحملهما فوق رأسه حيث أنها تظهر على رأس الملوك للتأكيد على طبيعتهم الإلهية و لكن دون أن يعنى ذلك أنها كانت تجسد الكا الملكية
7 - إن الكا الملكية تظهر كجزء أصيل من شخصية الملك الحاكم منذ الولادة الأولى فهى تخلق معه منذ اللحظة الأولى و ينصهر بها قبل أن يولد و هى الفكرة التى صورت على جدران معبد الأقصر فى غرفة الولادة الإلهية ، فهى لم تكن منفصلة عنه حتى توهب له مرة أخرى
8 - توهب الكا الملكية فعليا للملك عند لحظة التتويج و لكنها هنا مجرد طقسة تؤدى فى جميع المعابد لتؤكد على قدرته الإلهية الخارقة فهى هنا تظهر فقط للتأكيد على الطبيعة الإلهية و ليس لإظهار مفهوم أن الملك لم يكن يملكها من قبل ثم حاز عليها من قبل الآلهة عند تتويجه
9 - إن معبد الأقصر مكرس لعبادة صورة آمون الأولى كما ورد فى نصوص المعبد ، فهو المكان الذى ظهر فيه آمون لأول مرة عندما تجلى على التل الأزلى الأول ، فآمون الكرنك يذهب إلى آمون الأقصر ( و كلاهما كيان واحد ) لكى يتحد بصورته الأزلية القديمة فيعيد تجديد و ميلاد نفسه بإعتبار آمون الأقصر هو من يعيد و لادة نفسه بنفسه بعد أن يخصب أمه و لذلك يكتسب لقب ( كا موت إف = فحل أمه ) و الملك هنا هو نفسه آمون الكرنك الذى يتحد بكا موت إف حتى يعيد ميلاد نفسه و يجدد شبابه فيحكم البلاد بنجاح لمدة عام كامل و تزدهر أرض مصر و يعم الخير فى جميع الأقاليم و يكرر آمون الكرنك ( الملك ) ذلك الحدث مرة كل عام و تلك هى الوظيفة الحقيقية لمعبد الأقصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق