بسم الله الرحمن الرحيم
( العلاقة بين حتحور و الديانة الشمسية فى عصر الدولة القديمة )
............................ تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن العلاقة بين المعبودة ( حتحور ) و إله الشمس ( رع ) خلال عصر الدولة القديمة ، و إرتباطها بالعقيدة الملكية فى تلك الفترة . و لا يفوتنى فى هذا الصدد أن أهدى هذا المقال للأستاذ و الزميل المحترم ( ناصر عبد المنعم ) لما يقوم به من عطاء علمي تجاه زملاء المهنة . إن أولى الإشارات الأثرية المؤكدة التى تكشف عن صلة الملك بالمعبودة ( حتحور ) يعود إلى نهايات عصر الأسرة ( صفر ) ، حيث يظهر الملك ( نعرمر ) فى صلايته و هو يهم بضرب العدو بالمقمعة و يرتدى النقبة الملكية التى يظهر عليها تمثيل فنى واضح لرؤوس المعبودة البقرة ( بات ) و التى انتحلت ( حتحور ) صفاتها لنفسها فى مرحلة لاحقة . و لا شك أن ظهور تصوير البقرة ( بات - حتحور ) على النقبة الملكية ل ( نعرمر ) لم يكن أمرا إعتباطيا ، فالملك هنا يظهر بإعتباره الثور ( رع ) ، فيستعير لنفسه ذيل الفحل ليؤكد مشابهته لذلك المعبود فى تلك اللحظة . و من هنا نجد الفقرة رقم ( 365 ) من نصوص الأهرام تصف النقبة الملكية بمثابة المعبودة ( حتحور ) أو ( بات ) ، كما أن الفقرة رقم ( 546 ) تصف ( بات - حتحور ) بأنها زوجة الملك و لذلك فإن إرتداء الملك للنقبة الملكية يكون بمثابة ( زواج بين الملك و المعبودة حتحور ) ، فالملك هنا هو ( رع ) الذى يتزوج ( بات - حتحور ) بإعتباره ( الفحل ) الذى يقوم بتخصيب أمه ( البقرة ) ، مما يؤدى إلى ولادته من جديد من ( بات - حتحور = النقبة الملكية ) ، حيث يلعب الملك دور ( كا موت إف ) بمعنى ( فحل أمه ) و هو الدور الذى أشارت إليه نصوص الأهرام فى فقرات متعددة .
إن رؤوس البقرات المصورة على النقبة الملكية ل ( نعرمر ) تظهر فوق علامة تصويرية تمثل الخرز الأسطواني و تعرف كمنطوق لفظى ب ( غكرت نسو ) بمعنى ( قبضة الملك ) ، الأمر الذى يعني أن المقصود هنا ليست ( بات - حتحور ) ذاتها بل ( بات - حتحور ) التى تتجسد فى شكل ( قبضة اليد ) ، و ذلك فى إشارة واضحة للدور الأسطورى الذى نسجه كهنة الشمس فى تلك الفترة عن معبودهم الأول ( آتوم ) أو ( رع - آتوم ) الذى قام بفعل الخلق الأول مستمنيا بقبضة يده ، فكان ذلك إيذانا ببدء عملية الخلق ، و لم تكن هذه القبضة سوى ( بات - حتحور ) و التى تعني قبضة يد الإله الخالق و التى تظهر هنا فى شكل الخرز الأسطوانى . يتبين لنا مما تقدم أن الملك حين يرتدي هذه النقبة التى بها ذيل الثور من الخلف ، فإنه يؤكد من خلال هذا الرمز على قيام حالة الجماع بينه و بين زوجته و أمه ( بات - حتحور ) ، فيصبح هو بالنسبة لها ( كا موت إف = فحل أمه ) و تكون هى بالنسبة له ( قبضة يده ) و لا ريب أن هذا الجماع هو ضمان لولادة الملك نفسه سواء فى عالم الدنيا أو فى العالم الآخر ، مما يكشف عن حقيقة هامة و هى : أن مفهوم الولادة الإلهية للملوك لم يكن من إبتكار عصر الدولة الحديثة و إنما هو معروف منذ نهايات عصر الأسرة ( صفر ) على أقل تقدير .
و فى عصر الدولة القديمة بات واضحا أن ( حتحور ) لعبت دورا متميزا بالفعل فى ظل إزدهار ديانة الشمس منذ عصر الأسرة الخامسة ، و أن أغلب الشواهد تشير إلى علاقة التزاوج بينها و بين ( رع ) فى إطار الديانة الرسمية للبلاد ، و قد إنعكس هذا بدوره فى علاقة ( حتحور ) بالعقيدة الملكية خلال نفس الفترة ، و التى تدل شواهدها أنها كانت تدور فى إطار الزواج و الولادة بين ( الملك ) و ( حتحور ) ، أو بمعنى أدق : أنها كانت طقوس للزواج فى محيط القصر الملكي بين الملك و زوجته تحاكى العلاقة الأسطورية بين ( حتحور ) و ( رع أو رع آتوم )
و لعل هذا يتفق بوجه عام مع ما تعبر عنه أدوات الزينة فى عصر الدولة القديمة التى إرتبطت بكاهنات ( حتحور ) و عقيدة الشمس و القصر الملكي فى آن واحد .
و من أهم أدوات الزينة التى عبرت عن تلك العلاقة هى ( المرايا ) ، حيث ظهرت فى مرات متعددة فى عصر الأسرة الخامسة . فهى تظهر فى هيئة قرص مستدير مزود بمقبض . و فى كل الأحوال فلا خلاف على أن قرص المرآة هو تجسيد لقرص الشمس ، أما مقابض المرايا فهى تنتهى من أعلى برأس حتحور و هذا يعنى أن : المرآة بجزئيها تجسد العلاقة بين رع ( القرص ) و حتحور ( المقبض ) و فى ذلك تأكيد على علاقة التزاوج بينهما من أجل إعادة الميلاد و لقد كانت تلك المرايا التى تجمع بين تجمع بين ( رع ) و ( حتحور ) من بين أدوات التعبير عن لقب ( غكرت نسو ) بمعنى قبضة الملك ، فى إشارة واضحة إلى العلاقة التى تجمع بين ( الملك ) و ( رع ) و ( حتحور ) ، فقبضة الملك هنا هى ( حتحور ) .
و لا شك أن كاهنات حتحور كانوا يمسكن فى أيديهن هذه المرايا فى معابد الشمس التى تنتمى لعصر الأسرة الخامسة لكى يعبروا عن وظيفتهن فى البلاط الملكى و داخل معابد الشمس بإعتبار أن كل كاهنة تجسد ( حتحور ) التى تتزوج رمزيا من ( رع ) الملك ، و هى من أهم الشعائر التى كانت تقام فى تلك الفترة . و من جانب آخر تشير شواهد قوية إلى أن زهرة اللوتس كانت رمزا واضحا للجماع بين ( رع ) و ( حتحور ) من أجل الولادة و يعبر عن ذلك بوضوح نصوص الأهرام و معابد الشمس ، فزهرة اللوتس هى من الرموز التى ترتبط بالمعبود ( رع ) إرتباطا وثيقا و تجسد الولادة الدائمة من خلال تفتحها كل صباح مع شروق الشمس و فضلا عن هذا فإنها من بين رموز ( حتحور ) الأساسية . فهى بذلك تجمع بين المعبودين ( رع ) و ( حتحور ) و بين معنى الولادة فى آن واحد و لذلك تظهر مناظر الزوجات الملكيات و كاهنات حتحور فى عصري الأسرتين الخامسة و السادسة حيث لا تخلو واحدة منهن من زهرة اللوتس التى توضع إما على يدها أو زينة رأسها أو صدرها و ذلك لكى تشير إلى الدورين : الجماع و الولادة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق