بسم الله الرحمن الرحيم
خلق الماضي بين عصري الإنتقال الأول و الدولة الوسطى
خلق الماضي بين عصري الإنتقال الأول و الدولة الوسطى
تناول الدارس في أكثر من مقال سابق عصر الإنتقال الأول لمحاولة فهم و إدراك ثقافة المصري القديم خلال تلك الفترة ، كما سعى الباحث نحو ربط ذلك العصر بالدولة الوسطى نظرا لوجود العديد من المفاهيم و القيم الحضارية المشتركة بينهما . فقد إنتهج ملوك الدولة الوسطى ( و لاسيما ملوك الأسرة الثانية عشرة ) نفس السياسة التي إتبعها حكام الأقاليم خلال عصر الإنتقال الأول ، فتبنوا مفهوم ( البطل الأوحد ) الذي يعول و يحمي التابعين و الأنصار ممن إرتضوا لأنفسهم الخضوع لسلطته و الإعلان عن ولائهم له . كما إهتم الأمراء و كبار رجال الدولة و حكام الأقاليم خلال عصر الإنتقال الأول بإبراز إنجازاتهم و صدهم للكوارث و الأزمات التي حلت في البلاد ، حيث نجحوا في التغلب على جميع الإشكاليات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الدينية وفقا لزعمهم ، فكان ذلك هو السبيل الوحيد للحصول على الشرعية السياسية و الدينية للحكم في مناطق نفوذهم و لذا فقد جاء ملوك الدولة الوسطى ( الأسرة الثانية عشرة ) و إقتبسوا نفس الفكرة السابقة و قاموا بتبرير شرعيتهم في الحكم من خلال مواجهتهم و صدهم للكوارث التي كانت موجودة قبل مجيئهم للحكم و بعبارة أخرى كانت ملكية الدولة الوسطى في حاجة ماسة لإظهار عصر الإنتقال الأول كزمن يسيطر عليه الفوضى و الكوارث و الأزمات و ذلك لكي تظهر السلطة الملكية ( خلال الأسرة الثانية عشرة ) في صورة المنقذ الأوحد ، فلا أحد يستطيع إنتشال البلاد من عثرتها سوى هؤلاء الملوك . فبينما يشير حكام الأقاليم في عصر الإنتقال الأول إلى مفهوم إسفت ( كل ما هو ينتمي لعالم الفوضى و الغش و الكذب و الخداع و القتل و الشر و الأزمات ) على أنه حالة للشقاء و البؤس كانت سائدة في أنحاء البلاد – ما عدا المكان الذي يحكمون فيه بالطبع – ليبرهنوا على كونهم المنقذين لكل ما سبق ، إحتاجت ملكية الدولة الوسطى لإقتباس مفهوم ( إسفت ) من هؤلاء الحكام السابقين لتثبيت تلك الفوضى على زمنهم بالكامل ( زمن عصر الإنتقال الأول ) ، فهم لم يستثنوا منهم أحد و من هنا قاموا بخلق صورة للذكرى عن ذلك الماضي الغير مرغوب فيه فظهرت النصوص الأدبية الملكية في الدولة الوسطى و هي تمجد و تبجل و توقر الحالة الآنية ( الزمن الحاضر لملوك الدولة الوسطى ) و التي تعني مواجهة و وقوف الملك ضد كل الأحوال السيئة .
و لكن ينبغي لنا أن نطرح تساؤل هام :
هل إستخدام مفهوم إسفت خلال عصر الإنتقال الأول يتطابق في المعنى مع ذات المفهوم في عصر الدولة الوسطى ؟
إن ذلك المفهوم إقتصر إستخدامه طوال عصر الإنتقال الأول على جميع أقاليم مصر التي تعاني من وجود أزمات على جميع المستويات أما في عصر الدولة الوسطى توسع مفهوم الأزمة و إمتد لخارج البلاد و أصبح يشمل العالم بأكمله و لذا تحولت صورة السلطة الملكية و أصبحت مسئولة مسئولية تامة عن العالم و كل ما يحيط بمصر من بلاد أخرى و حل جميع الأزمات التي تعاني منها . فالملك المصري هو البطل الوحيد الذي يمكنه أن يصد الشقاء الموجود في العالم البائس ، فهو المنقذ الأوحد للعالم و الذي بشرت بقدومه النصوص الأدبية للدولة الوسطى و هو البطل الذي يعد الجميع بالخلاص و السعادة إن أعلنوا عن ولائهم له و بمعنى أدق إن رسالة الأسرة الثانية عشرة لم تكن في الواقع سوى شكل تصاعدي ممتد لأيدولوجية ( ولاء المقربين و الأنصار و تبعيتهم لمن يعولهم و يحميهم و يعدهم بالخلاص الدنيوي و الأخروي ) و التي برزت خلال عصر الإنتقال الأول و إستغلت بشدة في الدولة الوسطى .
و قد تم تصوير هذه الفكرة السياسية بشكل واضح في نص ( تنبؤات نفرتي ) الشهير ، حيث يعالج هذا النص دور السلطة الملكية التي تعمل على إنقاذ العالم بصورة جذرية و شاملة ، فهي لا تكتفي بحماية الجميع من المجاعات المحتملة و إنما تمد هذه الحماية على العالم الخارجي إن إرتضى لنفسه الخضوع لسلطة ملك مصر و تكمن أهمية هذا النص في إنتشاره في برديات الدولة الحديثة ، الأمر الذي يعني أنه أصبح النص النموذجي لمفهوم الملكية الناجحة خلال الزمن اللاحق . و يبدأ هذا النص بذكر ملك من الأسرة الرابعة و هو سنفرو حيث رغب في التحدث مع أحد الحكماء فوقع إختياره على ( نفرتي ) و الذي تنبأ له بقدوم ملك منتظر سيخلص العالم من الفوضى التي سبقت زمانه و يظهر هنا من خلال هذا النص الأدبي أن أحداث عصر الإنتقال الأول الفوضوية كانت متوقعة منذ زمن سنفرو ، كما يظهر من ناحية أخرى صورة إيجابة طيبة عن ذلك الملك السلف ( سنفرو ) الذي يظهر في هيئة الملك المتواضع الذي يستمع لذلك الحكيم و رغبته نحو معرفة ما سيحدث في البلاد في الزمن اللاحق و ينبغي لنا هنا أن نشير لمجموعة من النتائج الهامة :
1 – إن نص نفرتي موجه لعامة الشعب في عصر الدولة الوسطى و ذلك من خلال إبراز شخصية لها تقدير بالغ في عقول و أذهان الناس و هو شخصية الكاهن المرتل و الذي كان حكيما وفقا لمعايير العامة من الناس و لذا قام مفكروا البلاط الملكي في بداية الأسرة الثانية عشرة بمخاطبة الشعب المصري من خلال هذا النص و عبر شخصية يعتز بها الجميع و هي شخصية تكتسب أهميتها من منصبها لا من إسمها ، فقاموا بإختلاق إسم ( نفرتي ) أو ( نفررهو ) و ردوه زمنيا للوراء حتى عصر الملك سنفرو .
2 – إكتسبت شخصية الكاهن المرتل مصداقية كبرى لدى الناس كما إشتهرت بإتيانها للخوارق و المعجزات دلالة على صدقها و ورعها و تقواها أمام الجميع .
3 – إرتبط ملوك الدولة الوسطى و لاسيما مؤسس الأسرة الثانية عشرة من خلال نص نفرتي بالسلف القديم سنفرو و جعلوا أنفسهم منحدرين من صلبه و منتهجين لنفس سياسته و ذلك لكي يستمدوا منه شرعية حكمهم و لذلك إتجه البعض منهم لبناء مقابر هرمية في دهشور ( مقر دفن السلف سنفرو ) و ذلك لكي يحظوا على نفس شعبيته و قداسته مما يضفي شرعية على حكمهم أمام العامة من الناس الذين إتخذوا من سنفروا ربا شعبيا لهم .
4 – إتجه نص نفرتي لتصوير ماضي عصر الإنتقال الأول في شكل سلبي بينما إتجه في ذات الوقت لتصوير ماضي الدولة القديمة الممثلة في نموذج ملكية سنفرو في شكل مثالي و نموذجي و لذا أصبح الملك سنفرو ملكا عادلا و طيبا و رحيما و متواضعا و هي الصفات التي ألحقت به خلال الدولة الوسطى و لا نجد لها حتى الآن سند مادي من عصر الدولة القديمة .
5 – لا نعلم حتى الآن لماذا تم إنتقاء الملك سنفرو و حكمه من جميع ملوك الدولة القديمة في نص نفرتي ؟ فهل يرجع ذلك لمجهود كهنته الذين صوروه أمام عامة الشعب خلال عصر الإنتقال الأول كرب شعبي يلبي و يجيب و يستمع لدعواتهم و ندائهم ؟ أم يرجع لإختيار مجهول الأسباب من ملوك الدولة الوسطى الذي سعوا لإبرازه في شكل الملك المثالي حتى يستمدوا منهم شرعيته كسلف لهم فقاموا بتحويله لرب شعبي و أحييوا عبادته في معبده الجنزي عند هرمه المنكسر في دهشور و هو ما دلت عليه بالفعل شواهد عبادة له في تلك الفترة ؟
6 – ظهور صورة الملك سنفرو من وجهة النظر الشعبية في عصر الدولة الوسطى كملك لا يعلم الغيب و لذا فهو يحتاج لشخصية ذات مواصفات غير عادية يحبها عامة الشعب و يصدقها و هي شخصية الكاهن المرتل و الحكيم الذي يظهر وفقا للمفاهيم الشعبية كشخص قادر على التنبؤ بالغيب و هو ما يعني أن الملكية في الدولة الوسطى لم تكن في نظر العامة قادرة على فعل ذلك العمل و ذلك هو ما يبرر إستخدامها لتلك الشخصية ذات الإسم الوهمي المختلق .
إن نص نفرتي قام بتصوير الفوضى على أنها عالم مقلوب على رأسه فالنظام الكوني و العدالة الإجتماعية و المحبة بين الناس لم يكن لهم وجود خلال عصر الإنتقال الأول وفقا لمفاهيم النص ، فهو يقول :
الشمس محتجبة و لا تشع و لا يمكن لأحد أن يعيش إذا ظهرت الغيوم و حجبت ضوء الشمس ، أما عن الماء فقد جف نهر مصر و أصبح من الممكن عبوره بالأقدام و أما عن الإتصال بين الخالق و المخلوق فقد إنفصل رع عن البشر و لم يعد أحد يعرف متى سيظهر و كل ما تم تشييده من منشآت في السابق فقد تهدم ، و لذا فينبغي لرع أن يعيد خلق الكون من جديد فقد ضاعت البلد بأكملها أما عن العلاقات بين الناس فقد تحول الإبن كخصم لأبيه و الأخ كعدو لأخيه ثم تظهر البشارة التي يتنبأ بها نفرتي أمام سنفرو قائلا :
يأتي ملك من الجنوب إسمه إميني ( الإسم المختصر لأمنمحات الأول ) و هو إبن إمرأة من تاستي ( أسوان ) و هو طفل من مصر العليا سيضع ( ماعت ) في مكانها و يطرد ( إسفت ) .
و يمكن لنا أن نستشف مجموعة من الملاحظات الهامة من خلال تحليل هذه الفقرة من نص نفرتي :
1 – إرتباط شخصية الملك المنقذ بما وقع من كوارث سبقت عهده فلا يمكن فهم معنى و وظيفة الملكية في مصر دون تخيل وجود أحوال سيئة قبل صعود الملك على العرش .
2 – أن الملك هنا يقوم بدور شخصية الإله الخالق الذي وضع ماعت في مكانها عند بداية الخلق ، فهذا الإله الأول خلق الكون بالماعت و كان العالم في إنتظام كامل و لم يكن هناك أزمات و من جانب آخر نجد أن وضع ماعت يعني طرد إسفت ( كل ما ينتمي لعالم الشر و الفوضى ) التي كانت موجودة قبل خلق الكون و هنا نفهم رسالة مؤسس الأسرة الثانية عشرة التي تتمثل في أن كل ما وقع في مصر خلال عصر الإنتقال الأول ينتمي لعالم إسفت ، عالم الفوضى و الشر و الظلام الذي كان يهيمن على مصر قبل خلق الكون ، و هنا يأتي الملك الذي يمثل رع الخالق ليعيد خلق الكون من جديد و يقضي على إسفت التي عاشت فيها البلاد فترة طويلة
3 – ما زال هناك نزاع حول كيفية فهم هذا النص . فمن الباحثين من يعتقد بأن النص هو وصف تاريخي أمين لما حدث في مصر فعليا خلال عصر الإنتقال الأول . و هناك من يميل ( و الدارس منهم ) إلى الإعتقاد بأن النص مجرد دعاية سياسية لصالح الملك أمنمحات الأول و لذا فقد بالغ مفكروا البلاط الملكي في إظهار مساويء عصر الإنتقال الأول لكي يتم وضع هذه الصورة كخلفية يستند عليها الملك لتبرير صعوده على العرش .
4 – إن هذا النص أصبح يمثل نموذج لكل ملك يحكم البلاد لكي يضع ماعت و يقيم النظام و العدالة و الحق بدلا من الفوضى و الظلم و الباطل ( إسفت ) .
5 – نلاحظ من نص نفرتي أنه عندما حلت إسفت في العالم ( إنفصل رع عن دنيا الناس ) و هذه العبارة الأخيرة ملفتة للنظر ، نظرا لأنها تحمل في ثناياها البذور الأولى لأسطورة هلاك البشرية التي ستتبلور في عصر الدولة الحديثة ، حيث إعتمدت هذه الأسطورة على وصف الفوضى و التمرد الذي أحدثه البشر تجاه الإله الخالق مما أدى لإنفصاله عن البشر و صعوده نحو السماء ، فالمكونات و العناصر الدينية لنص نفرتي و أسطورة هلاك البشرية تتلاقيان في نقاط كثيرة و من ناحية أخرى نجد أن الأسطورة المصرية كانت تروج بشكل عام لعدم التمرد على السلطة الملكية و إلا عادت إسفت و إنفصل رع عن دنيا البشر و حل الظلام و برزت الفوضى .
يتضح لنا مما تقدم شرحه أن الشكوى التي ظهرت في نص نفرتي تسعى لخلق عالم وهمي مليء بالأزمات و ذلك في مقابل عالم النظام الذي قامت السلطة الملكية في الدولة الوسطى لتحقيقه ، فهو عالم يبرز فيه الملك مثل ( الراعي الطيب ) و هي الأيدولوجيا التي خلقها مفكروا البلاط في ذلك العهد ، مما يعني أن نص نفرتي ينتمي للنصوص السياسية الدعائية المغرضة التي ليس لها سند تاريخي من الشواهد المادية و لاشك أن هذه القراءة لنص نفرتي كانت ضرورية لكي تقف ضد نظرية القراءة التاريخية الساذجة لمثل هذه النصوص من قبل عدد من علماء المصريات القدماء .
و لكن ينبغي أن نضع في الحسبان كذلك أنه بالرغم من أن هذا النص لا يمثل وصفا تاريخيا أمينا لما حدث خلال عصر الإنتقال الأول ، إلا أنه لم يكن كذلك أوهاما تاريخية تقليدية أيدولوجية بشكل كامل ، فأي نص يحتوي على قدر من التضليل و قدر من المصداقية و قد تزيد نسبة التضليل إلى حد كبير و لا سيما في النصوص ذات الطابع الدعائي و لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال الإنتفاء التام لصحة كل ما ورد في النص ، فدائما ما تكون هناك ( نواة تاريخية ) صحيحة في أي نص ذو طابع دعائي سياسي ، و يتم الكشف عنها من خلال الآثار و الشواهد المادية الغير مغرضة ، فإن إتفقت هذه الشواهد مع ما ورد في النص ، كانت تلك النواة صحيحة تاريخيا ، و أهم ما كان صحيحا من وجهة النظر التاريخية في نص نفرتي ( النواة الأولى للنص ) هو عدم وجود سلطة ملكية مركزية مسيطرة على البلاد بأكملها خلال عصر الإنتقال الأول فضلا عن حدوث بعض المجاعات نتيجة لإنخفاض مستوى نهر النيل في ذلك العصر و هو ما تم إثباته فعليا من جانب علماء المصريات و الجيولوجيا و الذي كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت لتفكك و إنحلال السلطة الملكية في نهاية عصر الدولة القديمة . أما ما تم إضافته حول هذه النواة من صور أدبية بلاغية دعائية لصالح السلطة الملكية من الوجهة السياسية يدخل في نطاق الأيدولوجيا المغرضة و الغير صحيحة .
و لذا يمكن القول بأن نص نفرتي هو صيغة تهدف من جانب آخر إلى تكوين ( ذكرى للماضي ) الذي وقع خلال عصر الإنتقال الأول و الذي يتم توظيفه أيدولوجيا من جانب ملوك الدولة الوسطى و إلى هنا يتجه البحث لتناول مفهوم الماضي لدى المصري القديم و كيف يتكون و متى يتذكره في عدد من العناصر و الخطوات الهامة و هي :
1 – الماضي في حد ذاته غير موجود ، فما حدث خلال الدولة القديمة و عصر الإنتقال الأول لم يظهر إلا من خلال تدوينه لاحقا في عصر الدولة الوسطى .
2 – لا يظهر الماضي إلا من خلال إطار أهداف الزمن الحاضر و هنا نجد ملوك الدولة الوسطى و هم يشكلون و يصيغون ما وقع خلال الدولة القديمة و عصر الإنتقال الأول و بمعنى أدق سنجد أن الحاضر هو الذي يصنع الماضي .
3 – لا يظهر الماضي إلا من خلال من يتذكره ، فالماضي يتجلى في هيئة ذكرى مما يعني كذلك وجود حاجة ماسة لهذه الذكرى ، فلولا مفكروا البلاط الملكي في عصر الدولة الوسطى لما تذكر أحد ما حدث في السابق و لولا حاجتهم لتبرير شرعية حكم ملوك تلك الفترة لما ظهرت صورة ذلك الماضي .
4 – الماضي لا يظهر في صورته التي وقع بها بشكل مطلق بل يظهر في صورة ماضي ثاني ، و هو في واقع الأمر من إنتاج الزمن الحاضر ، و لا يتطابق ذلك الماضي الثاني مع الماضي الأول الفعلي إلا بقدر ضئيل ، فالماضي الثاني يعكس أهداف الزمن الحاضر الذي لا يسعى و لا يهتم لإبراز ما وقع في الماضي الأول الفعلي . فعلى سبيل المثال سعى ملوك الدولة الوسطى ( و هم يمثلون الزمن الحاضر ) لإبراز صورة الفوضى و عالم إسفت و قيام ثورة إجتماعية في البلاد في نصوصهم الأدبية خلال عصر الإنتقال الأول ( و هذا هو الماضي الثاني الذي أنتجوه ) أما ما حدث فعليا خلال ذلك العصر ( و هو الماضي الأول ) و الذي لا نعرفه إلا من خلال الآثار الغير مغرضة فقد تم طمس معظم معالمه لأجل أيدولوجيا الماضي الثاني المختلق في معظمه .
يتضح لنا مما سبق أن الماضي في الذكرى الحضارية المصرية القديمة كان ماضيا بأهداف أيدولوجية سياسية تسعى لإبراز أهمية الملك الأوحد أو البطل المنقذ من الأزمات و ذلك من خلال وصف وهمي لمعظم الأحداث التي تنتمي لذلك الماضي ، فتبرز أهمية الحاضر الذي يربط نفسه بماضي من نوع آخر و هو الماضي المثالي المطلق ، ماضي الملوك و الآلهة الأوائل التي حكمت مصر في سالف الزمان و كان ذلك الماضي هو الأفضل على الإطلاق و من هنا يجاهد ملك مصر في إعادة ذلك الماضي المطلق حتى تسعد البلاد بحكمه و تعيش الرخاء الذي كان موجودا في أول و أقدس الأزمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق