بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة تحليلية عميقة لمعركة قادش
تعتبر معركة قادش واحدة من أروع الأعمال الفنية و الأدبية المؤثرة و الفريدة في التاريخ المصري القديم . و قد تم تدوين أحداث هذه المعركة و كل ما أحاط بها من ظروف و ملابسات في نص لغوي أدبي طويل حيث قام الكتبة بتسجيله على الكثير من جدران معابد الملك رمسيس الثاني في هيئة قصيدة فضلا عن تصويرها في مشاهد تمثيلية فنية في المعابد المصرية القديمة و التي إعتبرت ( كتقرير مكمل للقصيدة الشعرية المدونة على هذه الجدران ) . و لا يسعني في هذا الصدد سوى أن أهدي هذه الدراسة للصديق العزيز و الأخ المحترم الأستاذ الدكتور شريف شعبان و الذي يعتبر واحدا من أفضل المتخصصين في مجال المصريات و تاريخ الفن في العالم .
و وفقا للمعطيات و المفاهيم الأيدولوجية التي هيمنت على كتابة هذه المعركة أمكن لنا أن نتعرف عليها من خلال المنظور التالي :
سار الملك رمسيس الثاني بجيشه و معداته الحربية في اليوم التاسع من الشهر الثاني لصيف العام الخامس من حكمه في نيسان عام 1274 ق.م متجها نحو الشمال . و خلافا للتقارير الإعتيادية لحروب عصر الدولة الحديثة ، لا يبدأ النص بسرد أو ذكر السبب الذي أدى لإتخاذ جلالته قرار الحرب ، فالحرب في عصر الدولة الحديثة ظهرت في نصوص المعابد كرد فعل من جانب الملك تجاه إعتداءات أو تمرد قام به الأعداء ضد القصر الملكي ، إلا أن نص قادش لا يذكر في البداية شيئا من هذا القبيل و هو أمر جدير بالملاحظة . فبعد مسيرة الجيش لمدة شهر دون عناء ، و هو ما ظهر في العبارة التالية - " فقد عبرت جيوش جلالته المضايق و كأنها تسير في شوارع مصرية " ، ثم وصل الملك في اليوم التاسع من الشهر الثالث لصيف تلك السنة إلى مدينة ( شابتونا ) الواقعة جنوب ( قادش ) مباشرة . و هناك تمكنت فرقة من قوات الإستطلاع المصرية من القبض على إثنين من البدو المعرفين بتسمية ( بدو الشاسو ) ، قالا بأنهما هربا من قبضة الجيش الحيثي ليقولا لجلالته :
هو ( ملك الحيثيين ) خائف جدا من جلالته ، و لذلك فقد تراجع نحو ( حلب ) في الشمال إلا أن هذين البدويين لم يقولا الحقيقة لجلالته فالعدو هو الذي أرسلهما ليستطلعا عن مكان جلالته و لكي يمنعاه من أن يعد جيشه ، لقد جاء ( ملك الحيثيين ) مع جيوشه و معداته و مع جميع أمراء البلاد التي تقع تحت سيطرة خيتا ( = مملكة الحيثيين ) و كانت الجيوش و العربات التي جلوبها معهم ليقاتلوا بها جيش جلالته و كانوا مختبئين خلف مدينة ( قادش القديمة ) دون أن يعلم جلالته بأنهم هناك .
إن الإشكالية التي تواجهنا في هذه الفقرة هي مدى مصداقيتها و مدى مطابقتها لما هو معروف تاريخيا عن معارك الشرق الأدنى القديم التي كانت تتم في أماكن و نقاط محددة حيث كان يتم الإتفاق عليها من جانب الطرفين المتناحرين و حتى توقيت أو زمن المعركة كان يحدث بموجب إتفاق مسبق بين الجانبين المتحاربين ، إلا أن مفهوم ذلك الإتفاق تم تجاهله تماما في النصوص المصرية التي تعود لعصر الدولة الحديثة وفقا للمفاهيم الأيدولوجية الملكية التي لم تعترف بالطرف الآخر كطرف يمكن الإتفاق معه قبل أو بعد الحرب و ذلك على أقل تقدير من الناحية النظرية الشكلية . فبداية المعركة هنا تبدو و كأنها خدعة مدبرة من جانب العدو الذي يظهر في صورة ( المخادع ) الذي لا يعرف سوى الطرق الملتوية لتحقيق المكسب
و رغم ذلك هناك من يرى من الباحثين أن هذه الفقرة تحمل مضمون تاريخي فعلي ، و يطرح التصور التالي :
أنه في الحالات و الظروف الإعتيادية كان على الجيش المصري أن يتوقف في مدينة ( شابتونا ) بعد القبض على هذين البدويين لتجميع القوات المصرية لكي يدرس و يتفحص الحالة الطارئة و أن يقترب بحذر بالغ لمفتاح قلعة العدو ( قادش ) أو يتم إرسال فرقة أخرى من قوات الإستطلاع المصرية للتأكد من مدى مصداقية خبر إنسحاب الملك الحيثي من قادش و إتجاهه نحو حلب . و لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن و نجحت خطة الحيثيين و إستمر رمسيس الثاني في الزحف نحو قادش في الشمال دون أن يجمع قوى و فيالق جيشه ( و التي كانت عددها أربع فيالق و تم تسمية كل فيلق بإسم إله و هم : آمون و رع و بتاح و ست ) التي كانت لا تزال بعيدة عنه . و كما يبدو من قصيدة معركة قادش أن فيلق آمون قد إستقر غرب القلعة ثم جاءت فقرة أخرى من النص تصور الموقف الجديد على النحو التالي : " جاء مستطلع من حاشية جلالته و معه إثنين من المستطلعين الحيثيين ، فقال جلالته لهما : من أنتما ، فقالا : نحن ننتمي لملك خيتا و قد أرسلنا لكي نستعلم عن مكان جلالته و إنه ( ملك الحيثيين ) مختبيء خلف مدينة قادش القديمة و معه جيشه و جميع الشعوب المتحالفة معه مسلحين و مستعدين للقتال " .
و هنا و عند تأزم الموقف و إكتشاف الملك لهذه الخديعة ، جمع ضباطه و شاورهم في هذا المأزق ، فلم يكن هذا الأمر مجرد خديعة عادية و إنما تبين بأن أمراء بلاد شمال بلاد الشام و حتى زعماء الوحدات الحامية لمصر و التي لا يمكن أن تختفي عنهم تحركات الجيش الحيثي في المنطقة ، كانوا مشتركين في هذه المؤامرة . لذلك كان من الضروري الإسراع في إرسال الوزير لكي يستحث وصول الفيلق الثالث ( فيلق بتاح ) العسكري و بشكل سريع و قد إستغل ملك الحيثيين ( مواتاللي ) هذه الفرصة للهجوم و لذا نجد النص يقول :
" و بينما جلالته كان جالسا في المجلس العسكري مع الضباط ، جاء العدو الخاسيء بجيشه و معداته و هجموا على فرقة جلالته بعد أن باغتوا من قبل فرقة رع بالهجوم ، فانهزمت قوات و عربات جلالته أمامهم و مكث جلالته وحيدا ، فأحاطت به مجموعة من الأعداء بجانب حاشيته الصغيرة التي كانت معه "
و هنا يمكن لنا أن نستشف من هذه الفقرة الأخيرة ما يلي :
1 – تمكن الجيش الحيثي من القضاء على الفيلق الثاني للملك و هو فيلق رع الذي كان يسير للحاق بفيلق آمون عند غرب قادش و لم يكن هذا الفيلق يعلم شيئا عن هذه الخديعة .
2 – لم يكن هجوم الجيش الحيثي على فيلق آمون – و هو الفيلق الذي يترأسه الملك – معركة طويلة الأمد ، بل كان غارة عسكرية و حسب و الدليل على ذلك عدم تقدم قوات مواتاللي بأكملها ناحية معسكر آمون ، بل تقدمت فرقة عسكرية واحدة فقط ، فضلا عن ذلك أن مواتالي ظل في مدينة قادش القديمة مع بقية قواته هناك و البالغ عددها 37000 رجل .
3 – ربما كان الخطأ الذي وقع فيه الملك الحيثي ( مواتالي ) وفقا لما يمكن فهمه و بشكل غير مباشر ، هو إنتظاره الطويل قبل قيامه بأخذ مبادرة الهجوم المفاجيء .
4 – لأول مرة تذكر النصوص المصرية بأن ملك مصر تعرض لخديعة كبرى في ميدان القتال و لأول مرة تؤكد هذه النصوص على بقاء الملك وحيدا في ساحة المعركة بل و حصاره من جانب الأعداء و لم يكن ذلك الأمر متعارف عليه بل هو حدث فريد من نوعه .
و هنا يتناول النص اللحظة الدرامية الكبرى عند ترك الضباط و الجنود مليكهم وحيدا في ساحة المعركة و هو كما يلي :
" و هنا ظهر جلالته غاضبا مثل أبيه ( مونتو ) ، فاستلم أسلحة القتال و تسلح بالدروع و قد كان مثل ( ست ) في بطشه و بأسه و كان جلالته ذو سطوة و قلب شجاع و قد إشتعلت النيران حوله و قد أحرق وهج جمراته جميع البلاد الأجنبية و قضى جلالته على كل الأعداء من المتمردين و قد سقط جيشهم و تحطمت معداتهم واحدة تلو الأخرى ، و كل ذلك قد حدث بينما كان جلالته وحيدا في ساحة المعركة " ثم يتحدث الملك قائلا " لقد تركني جيشي مع العربات الحربية و لم يتراجع منهم أحد لكن أب آمون باركني و مثلما أعيش حقا يكون حب رع لي حقيقة "
و هنا ينبغي أن ندرك مجموعة من الحقائق الهامة :
1 – إن هذه الفقرة الأخيرة تعتبر بلاغة أدبية تقليدية ولا تعبر عن مصداقية تاريخية ، و لا سيما بعد وصف الملك بصفات أسطورية تقليدية وردت في نصوص عصر الدولة الحديثة بشكل متكرر في حروب و معارك الملوك .
2 – إن مفهوم ترك الملك وحيدا في ميدان القتال يهدف لتصوير هذه اللحظة كخلفية مساعدة لإبراز ما سيأتي بعدها و هو لحظة إنتصار الملك بمفرده الملكي على جميع الأعداء و لاسيما بعد إنصهاره في آلهة الحرب المصرية المدمرة ( مونتو و ست و سخمت ) و التي ورد ذكرها جميعا في النص .
3 – رد الملك الحيثي على رمسيس الثاني خلال مفاوضات السلام التالية للمعركة من خلال نص لوحة بوغاز كوي في تركيا " هل تركت وحيدا في ميدان القتال مثلما تزعم ؟ " و كان ذلك النص المعارض وجوده ضروري نظرا لأنه يضع الفقرة السابقة في محل نقد و تشكيك بشكل كامل .
و تستمر الدعاية السياسية الملكية من خلال تصوير الأعداء في نص المعركة و هم يعيشون ظاهرة الخروج المذهل للملك رمسيس الثاني عليهم بوصفه كائن خارق للعادة فيقولون :
" إن الذي يقف بيننا هو ليس إنسان و إنما هو ( ست ) عظيم القوة و الأعمال التي يقوم بها هي ليست أعمال إنسان و إنما أعمال من لا مثيل له و الذي ينتصر على مئات الألوف دون أن يكون له جيش أو معدات حربية فقوموا سريعا و دعونا نهرب منه لننقذ حياتنا ، قوموا لكي نحصل على نفس الحياة "
و لنا هنا وقفة أخرى لكي نحلل ما سبق عرضه فيما يلي :
1 – إن هذه الفقرة الأخيرة تشكل لب و جوهر الملكية المصرية عبر جميع العصور و الذي سعى ملوك عصر الرعامسة لإبرازه و تطويره في شكل مستحدث حيث تمثل في مفهوم الملكية الخارقة للعادة و التي لا تقوم إلا بعمل الإنجازات الخارقة الكبرى ، فهي ملكية لا تنتمي لعالم الإنسان و أعماله كما أنها و من خلال خاصية الإتيان بالمعجزات و الخوارق تستمد دليل قداستها و ألوهيتها .
2 – يلاحظ تكرار إسم المعبود ست في نص معركة قادش و غيره من نصوص معارك عصر الرعامسة ، فهو المعبود الذي سعى نحوه ملوك تلك الفترة لإبراز أهميته الحربية كرب مقاتل و مشارك للملك في جميع حروبه خارج الوطن ، فالمعبود ست وفقا لأيدولوجيا الدولة الحديثة هو إله يقف بجانب رب الشمس رع على مركبه الشمسية لكي يقضي على أعداء الشمس و حتى تستمر مسيرة الشمس في العالم بأسره ، و هنا يظهر الملك المتحد بست كمافع عن النظام الشمسي العالمي و الدورة الكونية للأبد .
3 – تطابق مضمون هذه الفقرة من نص معركة قادش مع ما تم تصويره على جدران المعابد بتمثيل الملك ذو القدرات الخارقة و هو يقوم بتصويب سهامه و هو بمفرده فوق عربته الحربية ضد مجموعة من الأعداء الذين سقطوا في نهر العاصي مرعوبين بعضهم فوق بعض و يسعون لإنقاذ أنفسهم بالسباحة . و من جانب آخر ظهر المنظر الساخر لأمير حلب الذي إبتلع كمية كبيرة من المياه فوجب على أتباعه أن يقلبوه على رأسه لكي يخرج الماء منه .
و لاشك هنا أن المبالغة التي تحدث عنها النص مقصودة لذاتها و ذلك من خلال إبراز الأعداد الهائلة للأعداء الذين سقطوا أمام الملك في ساحة المعركة حيث تحدث رمسيس الثاني عن نفسه قائلا :
" إنهزم أمامي الملايين ، و أخضعت ملايين الشعوب وحدي ، و قتلت بسيفي مئات الألوف " و لا ريب أن هذه العبارة الأخيرة تذكرنا بالصورة التقليدية المتداولة للملكية منذ عصر الأسرة الثامنة عشرة و التي وصفت نصوصها شخص الملك بأنه :
" هو واحد يعادل الملايين ، أما آلاف الناس غيره ، فهم من التافهين و هو الذي يصوب سهمه مثل ( سخمت ) فيصيب الآلاف من الذين يجهلون سلطته " . إن هذه الفقرة تكشف عن أمرين هامين و هما :
1 – لا تظهر عظمة و أهمية و مكانة و معجزات الملكية إلا من خلال وضعها في مقارنة مع ( الملايين ) من الناس .
2 – تصور هذه الفقرة قدرة الملك على الإيقاع بضحاياه مثل قدرة المعبودة سخمت ربة الصيد و الحرب و القتال التي لا تخطيء هدفها أبدا و من هنا نفهم عدم تحرج الملكية من توصيف قدرتها القتالية و مشابهتها لهذه القدرة بقوة أنثوية خارقة و هي بقايا أصداء عبادة الإلهة الأم القادرة و المقتدرة و المعروفة في مصر منذ عصور ما قبل التاريخ .
و في سياق آخر من نص قصيدة هذه المعركة ، يظهر و لأول مرة دعاء حار و قوي موجه من الملك ناحية المعبود آمون لإنقاذ الملك من ورطته في ساحة المعركة ، حيث تركه من حوله وحيدا و هو محاصر ب 2500 من العربات الحربية المعادية و من خلال هذا المأزق يأتي الدعاء الملكي الموجه لآمون حيث يقول :
" ماذا بك يا أبي آمون ؟ فهل نسي يوما الأب إبنه ؟ و هل عملت أنا يوما شيئا دونك ؟ فماذا يعني هؤلاء الآسيويين التعساء بالنسبة لك يا آمون ؟ ألم أقم لك آثارا كثيرة ؟ ألم أقدم لك في معبدك كل القرابين ؟ فأنا أناديك يا أبي آمون و بينما أنا في وسط المجموعة التي لا أعرفها و إتحدت جميع البلاد الأجنبية ضدي و بقيت وحيدا و ليس معي أحد"
و نلاحظ هنا في هذه الفقرة أن من يتحدث هو ملك لا يتكلم كمذنب ، فالملك لم يرتكب أي ذنب حتى يقع في هذه الورطة فقد أدى ما عليه تجاه ربه آمون ، فالملك يظهر في صورة المتدين الذي يعاقب على طاعته و أعماله الحسنة و الطيبة تجاه الإله ، و كان ذلك الأمر هو شيء جديد و مستحدث في النصوص الملكية . و لكن من ناحية أخرى يظهر هذا الدعاء الملكي بسمة هامة و هي : إدراك الملك لرحمة الإله المنقذة ، و هي نفس الفكرة التي تجلت فيما بعد عند عامة الشعب و لاسيما عند عمال دير المدينة الذين كانوا يتحدثون عن مآسيهم في عصر الرعامسة فيقول الواحد منهم :
" وجدت آمون و قد حضر بنفسه عندما ناديته ، فأعطاني يده ففرحت كثيرا " و لذا فقد تدخل آمون في قادش و من خلال ما قاله الملك :
" لقد وجدت آمون كان أكثر خيرا لي من ملايين الجنود و مائة ألف من عربات القتال ، لقد وجدت قلبي قد أصبح صلبا و قد تساقطت جميع العربات الحربية التي كانت تحيط بي ككومة فوق بعضها أمام خيولي ، و هو ( آمون ) أثمن و أعظم كثيرا لمن يضعه في قلبه و هو ( آمون ) بمفرده أقوى من مئات الألوف "
هناك مجموعة من الإستناتاجات و الحقائق الهامة تمثلت فيما يلي :
1 – يظهر و لأول مرة من خلال هذا العرض أن الإله آمون – و ليس الملك – هو الذي قام بالمعجزة و هو الذي دخل المعركة بنفسه و ربط مصيره بها . و من هنا ظهرت فكرة تدخل الإله في الأعمال الملكية الكبرى و الملاحم البطولية التي لا يوجد لها مثيل و يبدأ منذ هذه اللحظة مفهوم تدخل الإله في مجريات و أحداث التاريخ ، و تتداخل العناصر الأسطورية بالمعطيات التاريخية . و لكن و رغم قوة هذه الملاحظة المغرية ، يحق لنا أن نعترض و نتسائل : ألا يمكن أن نعتبر أن الإرهاصات و البذور الأولى لمفهوم تدخل الإله في التاريخ قد ظهرت في مصر منذ نهاية عصر الأسرة صفر و تحديدا على صلاية الملك نعرمر و التي ظهر من خلالها المعبود الصقري حور أمام الملك ذاته و هو يقوم بضرب العدو ، أليس رب الملكية القديم هو أول من قام بمؤازرة و مباركة كل أعمال الملك ؟ أليس الإله حور – منذ عصر الأسرة صفر - هو صورة الملك الحاكم الذي يدخل ميدان القتال لضرب الأعداء ؟
2 – قام الإله آمون بتزويد الملك بالقوى الخارقة بسبب عامل هام و هو التدين و الورع الشخصي للملك تجاه آمون مما يعكس إزدياد ظاهرة التدين و الورع تجاه المعبودات المصرية كلها خلال بداية عصر الرعامسة و ربما كرد فعل مضاد لما حدث خلال فترة العمارنة و ما صاحبها من تجاهل لهذه الأرباب ، فالملكية هنا تسعى قدر الإمكان لتصوير نفسها في صورة ترضي عامة الشعب ، الذي إتجه بكل جوارحه نحو أربابه و لاسيما تجاه آمون فزادت ظاهرة الورع الشعبي منذ نهاية عصر الأسرة الثامنة عشرة كرد فعل على سياسات العمارنة التي منعت هذه الظاهرة تماما و بمعنى أدق إذا كان هناك ورع و تقوى تجاه آمون و بقية الأرباب فإن الملك الحاكم هو الورع الأول و هو أكثر الأتقياء .
3 – تأكيد الملك في النص بأنه وحده الذي رأى الإله آمون في المعركة ، و هو ما يفسر لنا الغياب التام لصورة المعبود في مناظر معركة قادش على جدران المعابد المصرية رغم إتحاد و إنصهار الملك به في تلك اللحظة و من هنا ندرك أيضا حقيقة في غاية الأهمية و هي : لم تكن مناظر معركة قادش في المعابد المصرية القديمة تصور كل ما ورد ذكره في نص المعركة ، فهناك من الفقرات ما تم تصويرها كمناظر و هناك من الفقرات الأخرى ما لم يتم تصويره أبدا و ذلك وفقا للمعايير الأيدولوجية الدينية و الفنية التي حكمت عقلية الفنان المصري القديم فضلا عن تنوع و إختلاف هذه المناظر في بعض التفاصيل من معبد لآخر و من مكان لآخر فلم يكن هناك إتفاق عام حول كيفية تمثيل مناظر المعركة .
و الحال أن نص المعركة قد كشف عن تدخل فرقة عسكرية أجنبية من المرتزقة من بلاد آمورو عرفت بتسمية ( ناعرونا ) و كانت مهمة هذه الفرقة تتمثل في تأمين الساحل الغربي لبلاد الشام و منع أي ضربات عسكرية مفاجئة توجه للجيش المصري من ناحية الغرب و تمكنت هذه الفرقة – وفقا لما ورد في نص المعركة – من الوصول في الوقت المناسب إلى شمال غرب قادش ، فلما رأت المأزق الملكي تدخلت في ساحة المعركة فقتلوا جميع الأعداء .
و هنا نلاحظ نتيجتين بارزتين و هما :
1 – لم يتم تصوير تدخل هذه الفرقة العسكرية على جدران المعابد المصرية ، بل قام الفنانون بتصويرهم في وضع ساكن و هادي و ثابت بجوار معسكر آمون الملكي و ذلك على الرغم من الإعتراف بهذا التدخل في نص المعركة . و هنا نفهم أن المناظر الفنية للمعركة لم تبرأ من الأيدولوجيا ، فربما كان سبب عدم إبراز أهمية دورهم في ساحة المعركة هو أصلهم و منشأهم الأجنبي .
2 – سعى كاتب النص و بشكل غير مباشر لإبراز فكرة أن الحيثيين لم يكونوا مهيئين لمعارك طويلة الأمد بسبب إعتمادهم على العربات الحربية فقط في الهجوم و لذلك فقد أصبحوا في موقف حرج لشدة المقاومة التي زادت بعد تدخل قوات النعرونا و لهذا بدأ إنسحابهم من ساحة المعركة مما سبب لهم خسائر فادحة و هو ما تم تصويره فعليا في مناظر معركة قادش ، فهنا و في هذه الحالة تحديدا يتوافق مضمون النص مع ما تم تصويره في منظر الإنسحاب .
و عند هذا الحد إستنتج علماء المصريات أن الملك رمسيس الثاني لم يكن في حالة إستراتيجية جيدة نظرا لخسائر فيلقين من فيالقه الأربعة و فضلا عن ذلك فقد كان في الضفة الأخرى من نهر العاصي و عند مدينة قادش القديمة ، يمكث مواتاللي الملك الحيثي مع جيشه البالغ عددهم 37000 رجل – وفقا لما ورد في النص – و من هنا لم لم يكن هناك أي إستعداد مصري لحصار القلعة و لذا فقد تمكن الملك رمسيس الثاني - و كما يبدو - من عمل هدنة تمكنه من الرجوع بسلام إلى أرض الوطن . أما الحيثيون و وفقا لما جاء في مصادرهم فقد إستمروا في زحفهم نحو الجنوب و قاموا بتخريب مناطق من دمشق التي كانت تحت سيطرة مصر قبل معركة قادش بل و أجبروا بلاد آمورو للعودة مرة أخرى لكي تكون تحت سيطرتهم .
إن أهم منظر قام الفنانون بتصويره على جدران الصروح و المعابد هو الإعتراف بعدم النجاح في إحتلال قادش من جانب القوات العسكرية المصرية رغم نجاح الملك بمفرده في فك الحصار عنه و القضاء على الأعداء ، فتظر قلعة قادش في المناظر و هي لم يلحق بها أي ضرر علاوة على ظهور جميع الجنود بداخلها في ثبات و هدوء ، فلم يصيبهم أي سهم ملكي و هو ما يعني الإعتراف الواضح و الصريح بفشل الحملة العسكرية في هدفها و هو إحتلال قادش و ردها مرة أخرى للحظيرة الملكية المصرية و هنا يتوافق مضمون النص مع ما ورد في المنظر و يعطي له مصداقية كبيرة .
و لكن هل نعتمد فقط على النصوص و المناظر في إثبات عدم تحقيق أي نجاح عسكري في هذه الحملة ؟ .........
إن المنهج الذي يعتمد عليه الدارس – الذي ينتمي للمدرسة التاريخية الأنثروبولوجية - هو الآثار المادية الغير المغرضة ، فهناك غياب تام لإسم الملك رمسيس الثاني في مدينة قادش ، فلا يوجد له أي أثر هناك فآخر أثر لملك مصري تم العثور عليه في قادش هو لوحة الملك سيتي الأول و تسجل إنتصاره هناك و هي تذكرنا بلوحات الحدود التي تركها الملكان تحتمس الأول و الثالث في الفرات و ذلك لتحديد الحدود المصرية و أقصى مدى لهذه الحدود و قد عثر على هذه اللوحة الأثاري ( بيزارد ) و التي أعطت مصداقية تاريخية لنص و منظر معركة قادش التي سجلت على الجدران الشمالية الخارجية لصالة الأعمدة الكبرى في الكرنك .
أما عن أهم ما يمكن رصده و تحليله لهذه المعركة فيتمثل فيما يلي :
1 – إن الشيء الذي يفاجئنا و يذهلنا هو أن الملك قد جعل لهذه المعركة الفاشلة بالذات موضعا فريدا في التمثيل الفني و الأدبي الضخم و الذي لا نجد له مثيلا على الإطلاق في تصوير المعارك العسكرية على جدران المعابد المصرية ، فيظهر فشل الجيش المصري من ناحية ، كما يظهر إنتصار الملك بمفرده من ناحية أخرى .
2 – منح الملك رمسيس الثاني لهذه التجربة أهمية هائلة تتمثل في إهتمامه الشخصي و المتزايد بتصوير تفاصيل متعددة لهذه المعركة مثل التمثيل الفني لصفوف جيوش الأعداء و زحف الجيش المصري ناحية قادش و المناورات التضليلية من جانب الأعداء و حصار الملك و لأول مرة من جانب الخصوم و ظهور الناعرونا في ساحة المعركة دون إبراز تدخلهم العسكري كمناظر مع الإعتراف بدورهم في النص و حتى تدخل آمون ميدان القتال لإنقاذ و مؤازرة الملك ، و لهذا السبب لم تكن معركة قادش تنتمي للزمن الدوري بل تنتمي للزمن المستقيم ( حول شرح هذين المصطلحين أنظر المقال السابق للدارس بعنوان " الصورة الأيقونية الفنية للملكية المصرية في المناظر الحربية منذ بداية عصر الدولة الحديثة و حتى بداية عصر الرعامسة " ) ، فهي أحداث فريدة من نوعها لم تتكرر من قبل و ذلك هو ما يعطي لها أهمية سياسية و دينية بارزة في ذلك العصر .
3 – إن معركة قادش تعبر عن حدث ، فما هو المقصود بمصطلح الحدث وفقا لمفاهيم الأيدولوجيا الملكية المصرية ؟ .......
إن الحدث هو مجموعة من الوقائع التي تخترق العمليات و الإجراءات التقليدية المعتادة ، فالحدث ليس عمل إعتيادي متعارف عليه ، بل هو شذوذ عن القاعدة ، فهو يكتسب أهميته لكونه شاذا عن العادة و لذلك فهناك علاقة ما تربط بين مفهومي ( الحدث ) و ( المعجزة ) . فالمعجزة هي كذلك ( حدث ) يشذ و يخرج عن قواعد القوانين الطبيعية ، فيرفع من قيمتها فتفرض نفسها كواقعة فريدة من نوعها . و من جهة أخرى هناك تضاد واضح بين مفهومي ( الحدث ) و ( النظام ) ، فالنظام مؤسس و مبني على توقع الأمور الإعتيادية المتعارف عليها ، فعلى سبيل المثال كانت العادة هي تصوير الملك دائما في المناظر العسكرية الفنية و هو يقتل جميع من في قلعة الأعداء فلا يفلت منهم أحد إلا و أصابه سهم ملكي ، فالنظام المتوقع وجوده في قادش هو ذلك التصوير الفني السابق و لكن الملكية لم تلتزم بذلك التصوير الكلاسيكي ، لا في هذا المشهد و لا في معظم المشاهد الأخرى ، و ذلك لكي تعطي صفة الحدث لكل ما تم تصويره في المعركة و هنا تكمن أهمية قادش .
4 – عمل نحاتوا الملك فترة طويلة من الزمن ، و ربما لعشرات السنين ، للكشف عن أهمية هذا الحدث فلم يتم تصوير معركة قادش وفقا لنموذج نمطي فني واحد و ثابت ، بل إختلفت التفاصيل من معبد لآخر كما إختلف الزمن الذي صورت فيه المعركة على جدران المعابد فهناك من الإشارات و القرائن من خلال النص ذاته أن هذه المناظر كانت تتعدل من عصر لآخر ، فيتم إدخال بعض التعديلات الهامة على مناظر المعركة وفقا لأيدولوجيا الملكية في عصر رمسيس الثاني فعلى سبيل المثال عندما إزدادت أهمية الحرس الملكي من المرتزقة ( و هم يعرفون بتسمية الشردانا ) في فترة لاحقة من حكمه ، ظهروا على جدران معبد أبيدوس للملك رمسيس الثاني و قد زاد عددهم إلى 16 رجل يحيطون بالملك و يحمونه بعد أن كان العدد المتعارف عليهم لا يزيد عن أربع رجال فقط يحيطون بالملك في المعابد الأخرى و علاوة على ذلك قام فنان أبيدوس بتصويرهم في دور إيجابي ، فهم ظهروا هناك و قد شاركوا في المعركة و ذبحوا مجموعة من الأعداء و ذلك على النقيض من وضعهم في المعابد الأخرى التي ظهروا من خلالها في وضع ثابت وساكن و لا يشاركون في القتال مما يعكس أن مناظر قادش في أبيدوس تم نقشها في فترة متأخرة زمنيا من حكم الملك رمسيس الثاني .
5 – لا ينتمي حدث معركة قادش للزمن الدوري بل ينتمي للزمن المستقيم فهذا الحدث يقسم تيار الزمن إلى ما قبل المعركة و ما بعد المعركة ، و لذا فهو حدث غير قابل للإعادة الدورية أو التكرار ، فهذا الحدث يعمل على تغيير الواقع السياسي في مصر و الشرق الأدنى القديم ، فنتيجة القتال في قادش لا تكمن فيما آلت إليه ، و لاسيما بعد ضياع آمورو و قادش من الملك ، بل تكمن في نتيجتها الهامة و هي : تحقيق السلام ( و هو الهدف الغير معلن في النصوص المصرية القديمة ) و إنهاء القتال ، فالملك يدرك تماما بأن الحرب مرتبطة بزمن معين و على هذا فهي حالة من الممكن إنهائها و بأن السلام هو النتيجة الحقيقية للقتال . فنتيجة قادش ليس النجاح العسكري الذي لم يتحقق أو المشكوك فيه على أقل تقدير ، و إنما هو السلام .
6 – لأول مرة يتم عرض فشل القوات العسكرية المصرية على جدران المعابد المصرية و لا سيما في النص المرافق للمعركة و إلا فكيف يمكن تبرير سقوط الملك في كمين قد أعده الأعداء له ؟ و علاوة على ذلك يوجه الملك تقريعا و توبيخا حادا لضباطه الذين خذلوه فيقول لهم : " ماذا بكم يا ضباطي ، و يا جيشي و يا عرباتي الحربية ، لماذا لم تتمكنوا من القتال ؟ لماذا خذلتموني و أنا في وسط المعركة ؟ ألم تكونوا من الفقراء المساكين عندما إعتليت العرش ؟ فجعلتكم بنعمتي اليومية من كبار القوم ، إن الجريمة التي قام بها جيشي و عرباتي هي أكبر من أن يصفها أحد " .
7 – من الصعب أن نتغاضى عن الإستنتاج القائل بأن نص تقريع و توبيخ الجيش المصري على جدران المعابد هو وثيقة فريدة من نوعها تهدف للقدح و الطعن في قدرة الجيش المصري ، و قد كان هناك رأي آخر معاكس و سائد بين علماء المصريات يتمثل في رغبة الملك رمسيس الثاني في في إعطاء جيشه درسا لا ينساه و لا سيما بعد تخاذله في قادش ، و حتى لا يكرروا هذا الخطأ في المستقبل ، و لكن يحق لنا أن نتساءل في هذا الصدد : هل كانت جدران المعابد المصرية هي المكان الملائم و المناسب لعرض هذا التوبيخ أمام الجميع ؟
8 – كان هناك إعتقاد يسود بين علماء المصريات أن نصوص و مناظر معركة قادش المصورة على جدران المعابد قد تم تنفيذها مباشرة بعد إنتهاء المعركة ، و لكن وفقا لما تقدم شرحه إستغرق تصوير أحداث هذه المعركة في وقت طويل ، فلا يمكن أن نتصور أن طبيعة هذه المناظر و النصوص المتعددة و المتباينة قد تم نقشها فورا و بمجرد عودة الجيش المصري لأرض الوطن و إنما إحتاجت لسنين طويلة ، وقد تبين لعدد كبير من علماء المصريات أن مناظر قادش قد نقشت بدءا من العام الحادي عشر من حكم الملك و حتى ما بعد العام الأربعين من حكمه .
9 – إن أهمية تصوير معركة قادش تكمن في العقد الثاني من حكم الملك رمسيس الثاني و لاسيما في ذات الوقت الذي بدأت فيه مفاوضات السلام بين الطرفين المصري و الحيثي – و هو الهدف الغير معلن في النصوص المصرية و إنما تم الكشف عنه من خلال وثائق الحيثيين الذين تناولوا هذا الموضوع في بلادهم – و هنا تجدر الإشارة أن مفاوضات السلام لم تكن قد تمت في عهد الملك الحيثي الذي واجه الملك رمسيس الثاني و هو مواتاللي بل في عصر أخيه خاتوسيلي الثالث و قد توجت هذه المفاوضات بعمل معاهدة سلام بين الطرفين ( لم تكن هي الأولى على الإطلاق بين الطرفين ، بل أشارت نصوص الحيثيين لمعاهدات أخرى كانت أقدمها زمنيا ترجع لعصر الملك تحتمس الثالث ، و ما يعطي مصداقية تاريخية للنص الحيثي هو ذكر إسم مملكة الحيثيين في حوليات الملك تحتمس الثالث في الكرنك مرتين في سياق واضح و يفهم منه إرسال الهدايا لملك مصر من جانب ملك الحيثيين آنذاك ) ، في العام 21 من حكم الملك رمسيس الثاني فضلا عن عقد الزواج مع إحدى بنات الملك الحيثي في العام 34 من حكم رمسيس الثاني ، و بمعنى آخر تم تصوير معركة قادش في نفس الوقت الذي قامت فيه مصر بإستهلال مفاوضات و عقد معاهدة السلام مع الحيثيين و هنا تبرز أيدولوجيا المعركة ذاتها .
10 – إن أيدولوجيا التصوير الفني و الأدبي لمعركة قادش تأثرت بسياسة السلام التي فتحت أبوابا هامة و جديدة في تصوير هذه المعركة ، فمن المعروف أن ملوك الرعامسة في بداية الأسرة التاسعة عشرة قد وصلوا للحكم تحت مظلة الجيش ، فقد كان رمسيس الأول القائد الأعلى للقوات المسلحة في عصر الملك حورمحب ، و قد شغل سيتي الأول نفس المنصب في عهد أبيه رمسيس الأول ، و هو نفس ما حدث للملك رمسيس الثاني و لهذا السبب و لكي يتمكن الملك رمسيس اثاني من تحقيق سياسة السلام ( التي لم تعرف كمصطلح لغوي مباشر على الإطلاق في الحضارة المصرية القديمة ) كان عليه أن يتنصل من الجيش و أن يعلن إنهاء الأحكام العرفية الطارئة التي إبتدعها الملك حورمحب بعد أزمات عصر العمارنة السياسية و التي ساعدت على تحويل الدولة إلى كيان عسكري ديكتاتوري برآسة حورمحب و من جاء بعده و هنا نلمس رغبة رمسيس الثاني بالإبتعاد الكلي عن الهدف الذي جاءت من أجله أسرته المالكة للحكم ، كما يعني في ذات الوقت إعادة المباديء التي تم القضاء عليها قبل 50 عاما من تولي الملك حورمحب لحكم البلاد و الذي أعاد الحروب العسكرية مرة أخرى ضد مملكة الحيثيين بعد قتله للأمير الحيثي ( زنانزا ) و الذي كاد أن يتزوج زوجة ملكية ( مجهولة الهوية ) في عصر العمارنة ترملت بعد موت زوجها الملك فأرسلت لملك الحيثيين تطلب الزواج من إبنه ( إن هذا الطلب يعكس فكرة وجود معاهدة سلام أخرى بين الطرفين المصري و الحيثي في عصر العمارنة ) إلا أن حورمحب القائد الأعلى للقوات المسلحة إغتال هذا الأمير مما كان سببا في إندلاع الحرب مرة أخرى بين الطرفين ، و لذلك قام رمسيس الثاني بطعن الجيش بلا هوادة في نص و مناظر قادش و تحميله مسئولية الفشل في قادش لإقامة سياسة السلام على المستوى الخارجي و إنهاء عصر الأحكام العرفية و التنصل من فكرة وصول أسرته المالكة للحكم بإسم الجيش .
11 – إن فكرة تصوير الأعداء لأول مرة و هم يحاصرون الملك رمسيس الثاني في ميدان القتال هي فكرة بارزة الأهمية على المستوى الديني ، فقد عمدت النصوص المصرية في مرحلة زمنية لاحقة لتوصيف و مشابهة الأعداء الذين حاصروا الملك بالثعبان الكوني الخطير ( عبب ) و الذي ظهر في مناظر كتب العالم الآخر في عصر الأسرة الثامنة عشرة و الذي يهدد بإبتلاع المياه التي تسير عليها مركب الشمس خلال مسيرتها الكونية في الرحلة الأخروية مما يعني توقف المركب و دمار العالم ، و أحيانا كان يتم تصوير ثعبان الفوضى ( عبب ) و هو يحيط بقصورة الشمس ذاتها داخل المركب مما يشكل خطورة أكثر على إله الشمس و لذا قامت النصوص الملكية بمشابهة الأعداء المحاصرين للملك بثعبان الفوضى ( عبب ) الذي يهدد إله الشمس ( و هو هنا في هذا السياق الملك نفسه ) و بشكل مباشر ، و لذا فإن إنتصار الملك بمفرده على الأعداء يعادل إنتصار رع على ثعبان الفوضى ، و هنا يتحول التاريخ ( معركة قادش ) إلى تمثيلية دينية أسطورية مقدسة ( معركة رع ضد ثعبان الفوضى ) مما يعني أن عدد كبير من نصوص و مشاهد قادش قد تأثرت بالأسطورة و معاييرها و هكذا كانت مصر تميل لدنيا المقدسات أكثر من ميلها لتصوير ماحدث فعليا على أرض الواقع .